قوة الخطاب الاسلامي وهشاشة الارهاب التكفيري

 

شبكة النبأ: البعض يتصور أن الرد السريع والعنيف على الفعل العنيف، أو رد "الصاع بصاعين"، هو الخيار الأفضل في ساحة المواجهة مع الجبهة المقابلة، وأي خيار آخر يمثل الضعف والتراجع. والسبب في هذا الشعور النتائج السريعة التي تلامس أرض الواقع وتخلق أجواء الرعب وعدم الاستقرار، وهذا ما نلاحظه في العمليات الارهابية الدموية التي يتعرض لها الأبرياء في مناطق مختلفة من العراق، وكذلك في مناطق اخرى من البلاد الاسلامية. بمعنى أنها تحقق أهداف وغايات آنية وسريعة لمن يقف خلفها من جماعات طائفية وأطراف داخلية وأخرى خارجية.

لكن اذا القينا نظرة متأنية على واقعنا الاسلامي، نجد أن نظرية الرد بالمثل في هذا النوع من المواجهة ينطوي على مخاطر كبيرة، أبرزها تلويث الصورة الاسلامية في الاذهان العامة، عندما تكون نظيراً ونداً للفكر التكفيري والنهج الارهابي والدموي. من هنا كان حرص المفكرين والعلماء على تقديم البديل الأنجع والأصح لمواجهة هذه الفتنة التي تعاني منها الامة في كل مكان. ويأتي سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي – حفظه الله- ليواجه النهج الدموي والارهابي الذي يستهدف الابرياء من اتباع أهل البيت عليهم السلام، بلغة لا يفهما الارهابيون، وليست كما يريدون هم؛ إنما تترك أثرها البالغ على المدى البعيد، وتخترق عقول و أذهان ابنائهم وافراد مجتمعهم وتخلق قناعات جديدة من شأنها ان تغير المعادلة.

سماحة السيد المرجع الشيرازي يدعو بوضوح الى مواجهة القتل الجماعي والتشريد والتهديد وغيرها من الاعمال الارهابية، بـ "الطرق السلمية والشرعية".. وهو إذ ذاك يحمّل علماء الدين والمثقفين بأن "يفكّروا ويخطّطوا بجد واجتهاد منظّمين، وأن يشمّروا عن سواعدهم, وأن يسخّروا كل إمكاناتهم وقدراتهم وطاقاتهم, بتأسيس جمعيات ومراكز ومدارس تثقيفية وتعليمة في كل مكان بالعالم, تقوم بنشر وتعليم ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم وتعريفها, بالأخصّ في البلدان الإسلامية التي تشهد عمليات الإرهاب والعنف من قبل التكفيريين والفرق الضالة المنحرفة".

هذه الدعوة الكريمة والالتفاتة الحضارية، وإن لم تكن للمرة الأولى، فانها تذكرنا بأن الفكر التكفيري لم ينشأ ويترعرع في البلاد الاسلامية إلا بعد غياب شبه تام للفكر الاسلامي الأصيل، وتوقف الأقلام عن الكتابة والبحث في مسائل عقائدية ومعرفية وتاريخية، وإلا لماذا لم نكن في عقد الستينات والسبعينات نسمع بهذه الجماعات التي تعبئ الشباب بكل سهولة للقيام بعمليات انتحارية، أو العيش في المناطق الجبلية الوعرة وبين الادغال وتحمل المعاناة ومخاطر الموت؟ أول تنظيم ظهر في مصر بداية التسعينات تحت عنوان "التكفير والهجرة"، انسلخ من واقعه بعد أن وجد كل الطرق الفكرية والثقافية موصدة. والكلمة الوحيدة للحاكم الأوحد في هذا البلد وذاك، مثل مبارك – مصر- وبن علي – تونس- علي عبد الله صالح – اليمن- ، وحتى لا نجانب الحقيقة، فان الخواء الفكري والثقافي لهذه الجماعات، وهو الذي جعلها تعلن افلاسها في تلك الفترة، لتبدأ ترويج بضاعة أخرى، فبعد تكفير الحكام، انقلبت الجماعات التي تجلببت برداء الإسلام، لتكفّر الشيعة عندما بدأوا ينافسونهم في الساحة الاسلامية بعد الإطاحة بنظام صدام، و وصلوا الى سدة الحكم بعد غياب طال حوالي قرن من الزمان.

من هنا لابد من استغلال هذه الثغرة الكبيرة بقدر كبير من الذكاء وسرعة المبادرة، بتأسيس قنوات خطاب إعلامي وثقافي متعددة الأشكال وتوجيهه الى العالم الاسلامي، بل العالم بأسره، على أن تكون هنالك مراكز بحثية ودراساتية مثل معاهد التعليم والتثقيف ومراكز الدراسات الفكرية والسياسية، بمنزلة الأرضية لوسائل الإعلام، من قنوات فضائية وصحف ومجلات ومواقع على (النت)، كما الى جانب وسائل الخطاب الأخرى مثل المنبر الحسيني والمحاضرات والمؤلفات وغيرها.

ورب سائل يبحث عن المدة التي تستغرقها ثمار كل هذه الجهود والاعمال، فان سماحة المرجع الشيرازي – حفظه الله- مدركٌ جيداً لهذه النقطة، مؤكداً على ضرورة تفهّم العملية الثقافية ، فهي تشبه الى حدٍ كبير، العملية التربوية التي تبدأ مع السنين الاولى من عمر الانسان، فتلقنه العلوم والمعارف من الألف حتى الياء خلال سنين متعاقبة، حتى يتخرج الانسان فيما بعد من المدرسة أو الجامعة وهو يحمل صفة "عالم". كذلك الحال بالنسبة للعملية الثقافية التي تقدم للانسان الفكر والعقيدة، على مدى سنوات ليكون بعد ذلك انساناً مثقفاً   و واعياً، غير جاهل بالأمور ولا تلتبس عليه اللوابس.

وهنالك مواد عديدة تقف في مقدمة ما ينبغي دراسته وبحثه في المعاهد والمراكز الاسلامية، لعل ابرزها، علوم القرآن الكريم والحديث الشريف والسنة المطهرة والتاريخ.. فهذه تمثل بوابه لبحث قضايا ومفاهيم مهمة أخرى مثل الولاية والتقية والغيبة، ومفاهيم اخلاقية وانسانية كثيرة تندرج في منظومة الفكر الاسلامي الأصيل الموجود لدى أهل البيت عليهم السلام.

هذا المنجز الحضاري هو وحده الذي يسد الطرق جميعاً على الجماعات التكفيرية من أن تجد موطئ قدم لها في الساحة الاسلامية، وتحديداً في المناطق التي تعدها حاضنة لها، لأن الحق دائماً سيد الموقف، ولن يكون بوسعهم خداع الآخرين اذا تمكنوا من خداع انفسهم بصدق دعواهم وصواب طريقهم، إنما القضية بحاجة الى صبر طويل وتحمل لمرارة الأيام ومعاناة الظروف ومعاكساتها. وهي تهون مادام الهدف واضح ونبيل، وهو الطريق نفسه الذي سار عليه أئمة الهدى عليهم السلام، وقبلهم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/آيار/2013 - 11/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م