جدلية الثقافة والاعلام

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الاعلام في تعريفه الواضح، هو وسيلة لنقل المعلومة، وطريقة لترويج الفكر، او بث أهداف معينة في محيط محدد، لذا ثمة فارق جوهري يفصل بين الثقافة والاعلام، لسبب جوهري ايضا، كون الثقافة تتحكم بطبيعة حياة الانسان، فردا كان او جماعة، وتطبعها بالتطور او التخلف، بمعنى أن حياة الانسان ترتبط من حيث التقدم والتراجع، بجوهر الثقافة السائدة في المجتمع، أما الاعلام فهو وسيلة لا يمكنها التحكم بأعراف وقيم وأخلاقيات المجتمع، لأنه وسيلة توصيل لا أكثر، لذلك تبقى الثقافة متقدمة على الاعلام في صنع المجتمع المتطور.

هذا الفارق الواضح بين الثقافة والاعلام، يؤكد ويؤصِّل دور الثقافة، ويجعلها تتقدم دائما على دور الاعلام في صناعة القيم وطبيعة السلوك المجتمعي، لذلك هناك جدلية بين الاثنين، بمعنى أوضح أن ثمة علاقة متداخلة تربط بين الثقافة والاعلام، لأن الاخير هو الوسيلة الاساسية لبث الثقافة وتوابعها، ونشرها وترسيخها في الوسط المستهدَف، وبهذا عندما تقود الثقافة الاعلام سوف تنفتح آفاق واسعة لتجديد الحياة عبر أطر ثقافية متجددة، كون الثقافة، منهج حياة متعدد المسارات، يتحرك وفق ضوابط متعددة ايضا منها ما هو ديني، أو عرفي، أو قانوني وضعي، أو اخلاقي، كذلك تنطوي الثقافة على فكر واضح الابعاد يتعلق بطبيعة سلوك الانسان الفرد والجماعة، ويتحكم بالمسارات المختلفة للحياة المجتمعية برمتها.

أما الاعلام بوسائله وقنواته واشكاله المتعددة، لا يمكنه أن يشكل بديلا للثقافة، ولا يمكنه القيام بدور مماثل لها، لأنه لا يمتلك الجوهر الفكري القادر على صناعة او ادامة منظومة القيم المجتمعية، لذلك من الخطورة بمكان أن يتحكم الاعلام بالثقافة او يقودها، وهذا يحدث عندما يتقدم الاعلام على الثقافة لاسباب عديدة، أولها ضعف الوعي المجتمعي بخصوص الثقافة ودورها في البناء والتطوير، كذلك سيطرة الدولة او الحكومة على اعلام وجعله تابعا لها او لجهات محددة لا علاقة لها بحاجات المجتمع الثقافية والقيمية على نحو عام.

وكلنا نعرف مدى قدرة الاعلام على الترويج لنماذج (على الرغم من عدم اهميتها وفقدانها للجوهر الثقافي او الاخلاقي)، لكن بمقدور الاعلام ان يجعل منها نماذج يقتدي بها الاخرون، على الرغم من انها ليست كذلك في جوهرها وحقيقتها، ويمكن ملاحظة ذلك عندما يمتدح الاعلام شخصية (سياسية، او فنية، او ثقافية ...الخ)، ومثالنا هنا، الكيفية التي انتهجها الاعلام الغربي وربما العالمي بخصوص الترويج لشخصية (هشة ومريضة)، مثل شخصية (مايكل جاكسون) على سبيل المثال وليس الحصر، فقد كانت هذه الشخصية مثالا لكثير من الشباب، ليس الغربي فقط، حتى الشباب العربي والاسلامي تأثر به، ولكن عندما نأتي ونبحث في اسرار هذه الشخصية وطبيعتها، فكرا وسلوكا، سنجد أنها شخصية مريضة و (شاذة)، وغالبا ما تجاوزت على العرف الانساني المتفق عليه عالميا.

يحدث هذا عندما تعجز الثقافة عن قيادة الاعلام، أما اذا حدث العكس وتمكنت الثقافة من توجيه الاعلام لصالح المجتمع، فإن الاخير سيكون منتجاً، وفاعلا وقادرا على الاسهام بفعالية عالية في صناعة مجتمع متطور مستقر ينحو الى الابداع وتطوير المواهب، واستثمار الطاقات الكامنة لدى الشباب وغيرهم، وبالتالي تكون النتيجة صناعة المجتمع النموذجي، من خلال تناغم وانسجام الثقافة والاعلام في دورهما الريادي لتطوير المجتمع.

أما الصراع بين الثقافة وتوابعها من جهة، والاعلام وقنواته المتعددة من جهة اخرى، فإنه لا ريب سيؤدي الى ضياع فرص البناء المجتمعي السليم، بسبب توظيف الاعلام من لدن جهات لا ترى في الثقافة ما يؤازرها أو يحقق لها اهدافها، لذلك يتم اقصاء الثقافة عن دورها الاساسي الذي يتقدم دور الاعلام، فضلا عن تعطيل الاعلام عن دوره الصحيح في بناء الدولة والمجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/آيار/2013 - 10/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م