الصين... تخسر معركتها مع الشركات الملوثة للبيئة

 

شبكة النبأ: عندما هددت مجموعة تسيجين التعدينية بنقل مقرها من مقاطعة شانجهانغ إلى شيامين على الساحل الجنوبي الشرقي للصين هرع أحد القياديين المحليين في الحزب الشيوعي الصيني إلى مواجهة رئيس الشركة تشن جينغ هي.

قال المسؤول لتشين "إذا كنت تريد الانتقال فعليك نقل جبل تسيجين إلى شيامين أيضا" في إشارة إلى منجم هائل ساعد على تحويل الشركة إلى أكبر منتج للذهب في الصين وثاني أكبر شركة تعمل في مجال استخراج النحاس.

يظهر هذا الخلاف بين الرجلين الذي يتحدث عنه السكان المحليون بفخر مدى القلق الذي يساور الحكومات الإقليمية بينما تبحث احتمال فقدان الشركات الكبرى التي تدر دخلا هائلا.

كما أنه يبرز حجم التحديات التي تواجه بكين في محاولتها القضاء على البيروقراطية المحلية المتجذرة ومواجهة الشركات القوية المملوكة للدولة المسببة للتلوث التي ترعاها السلطة وتحميها كما أن الحكومة المركزية راغبة بشدة في مواجهة المشاكل البيئية المزمنة التي نتجت عن تراكمات عشرات السنين وإجبار الأقاليم التي يهمها في المقام الأول النمو الاقتصادي على رفع المعايير.

قال أحد السكان خارج متجر قرب مقر تسيجين شيانجهانغ طلب عدم نشر اسمه "المشكلة هي أنهم ما زالوا يسعون وراء الربح... حماية البيئة تشبه تناول الدواء.. وهم لا يريدون ذلك."

وشركة تسيجين للتعدين واحدة من أكبر الشركات المملوكة للدولة في الصين ولديها مشاريع في 20 إقليما وسبع مقاطعات. وفي عام 2010 هزتها فضيحتا تلوث كبدتها ملايين من اليوان في صورة غرامات وتعويضات وأثرت على أسعار أسهم الشركات التابعة لها المسجلة في بورصتي شنغهاي وهونج كونج.

كما وجهت لها وزارة البيئة انتقادات شديدة لعدم تطبيقها المعايير وتضررت سمعتها الآن بشدة.

وفي شانجهانغ ذاتها تسربت مواد سامة تغطي 9100 متر مكعب من منجم جبل تسيجين للذهب والنحاس إلى نهر تينغ مما أدى إلى نفوق أربعة ملايين سمكة. واستغرق اعتراف تسيجين بالمشكلة تسعة أيام مما أدى إلى اتهامات من جانب وسائل الإعلام الحكومية لها بالتستر على الحادث.

غير أن الشركة تهيمن بشدة على مقاطعة شانجهانغ والمنجم يغطي مساحة كبيرة وتساهم بنحو 70 في المئة من الإيرادات المحلية وتوفر أغلب الوظائف في المقاطعة.

ساعد سخاء تسيجين على شق طريق سريع يربط بين شانجهانغ وباقي إقليم فوجيان ومولت انتعاشا في أعمال البناء. وفي حين أن السكان ما زالوا متوجسين فإن الحكومات المحلية عازفة عن اتخاذ أي خطوة من شأنها تعريض هذا النمو الاقتصادي للخطر.

يرى شن هونغ بو وهو أستاذ في جامعة فودان بشنغهاي كانت له دراسة في واقعتي التلوث عام 2010 أن حالة تسيجين ذات "أهمية عامة" وتثير تساؤلات تنطبق على مئات من المؤسسات المملوكة للدولة والجهات الحكومية الراعية لها. بحسب رويترز.

ينظر للسلطات المحلية التي تعتمد بشدة على إيرادات الضرائب والوظائف التي تتيحها المؤسسات الملوثة الكبرى منذ زمن طويل على أنها عقبات تحول دون وعود بكين بالقضاء على الأضرار البيئية التي تراكمت عشرات السنين.

وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) في مقال افتتاحي صيغ بلهجة حادة في مارس اذار إن "الحكومات على المستويات المختلفة هي التي تتحمل المسؤولية" بسبب ولعها بالنمو والسماح باستشراء المشاكل البيئية.

ويوجد في الصين قوانين لكن قدرة البلاد على تطبيقها ضعيفة خاصة في مواجهة مؤسسات ضخمة تضخ الملايين في خزائن الحكومات المحلية والتي لولاها لتعرضت لضائقة مالية. ويقول البعض إن بكين تفتقر أيضا إلى الإرادة لمواجهة المشكلة.

وقال ما جون رئيس معهد الشؤون العامة والبيئية وهي مجموعة لا تهدف للربح تتابع التلوث في أنحاء الصين "الناس يريدون النمو. الناس يريدون التنمية.. لكنهم لا يريدون قبول أن هذا يجب ألا يتحقق على حساب نوعية الحياة.. وبل وصحة أبنائهم.. لكن من الصعب جدا محاسبة الحكومات المحلية."

ولم ترد كل من شركة تسيجين والحكومة المحلية في شانجهانغ على طلب رويترز بإجراء مقابلة تخص هذا التحليل.

وشأن تسيجين شأن العديد من المؤسسات المملوكة للدولة فإنها أكثر من مجرد مؤسسة استفادت من نظام دعم حكومي هائل منحها القدرة على الحصول على قروض بشروط ميسرة جدا مع التغاضي تماما عن الاعتبارات البيئية. كما أن هيمنتها على الاقتصاد المحلي تعني أن الكثير من المسؤولين يظنون أن ما هو في صالح تسيجين هو عامة في صالح المجتمع بشكل عام.

يزيد الوضع سوءا نتيجة أن المؤسسات الحكومية مثل تسيجين تم تشكيلها من خلال هيئات التعدين ولم تفقد دورها باعتبارها ذراعا للحكومة وأبقت على العلاقات وقنوات الاتصال القديمة إلى جانب إدارة المستشفيات أو المدارس أو دور رعاية المسنين. وبالنسبة للكثير من السكان الذين يسعون للشكوى من التلوث فمن الصعب بمكان معرفة الحد الفاصل بين الشركة والحكومة.

وقال تشن رئيس شركة تسيجين بعد الاعتذار عن واقعتي التلوث في 2010 "التي لم تسبب نزاعات اجتماعية فحسب بل أضرت أيضا بعلامتنا التجارية وأضرت بسمعتنا" إنه يجب أيضا الاعتراف "بأن هناك أشياء إيجابية" تحدث.

أنفقت الشركة 80 مليون يوان (12.9 مليون دولار) على إصلاح أجزاء من المنجم القديم وأقامت "متنزها وطنيا تعدينيا" افتتح العام الماضي.

كما ساهمت تسيجين بمبلغ 114 مليون يوان في مشروع مياه محلي وتبرعت لعمليات إغاثة من الفيضانات في فوجيان. غير أن مساهمتها في الاقتصاد المحلي هي التي تظهر مدى عجز الحكومة عن الاستغناء عنها.

ويعمد المسؤولون المحليون إلى محاولة تحقيق الهدفين إذ يشجعون شركات كبرى مثل تسيجين على الإنفاق ببذخ على المشاريع البيئية الكبرى مثل المتنزهات واستصلاح الأراضي وفي الوقت ذاته عدم إحداث أي اضطراب في النشاط الاقتصادي.

ولم يقع أي حادث كبير متعلق بتسيجين منذ عام 2010 وعملت الشركة على استعادة ثقة المواطنين لكن السكان المحليين ما زالوا متوجسين.

قال رجل مسن اسمه لين يعيش قرب سفح جبل تسيجين "لا نشرب من النهر لأن هناك تلوثا ولابد من الانتقال إلى منطقة أكثر ارتفاعا... سمعنا شائعات عن المزيد من حوادث التلوث مؤخرا... لا نعلم ما الذي يدخل المياه.. إنهم لا يبلغوننا.. لذلك فإن عدم الشرب منه أكثر أمانا."

وفي ديسمبر كانون الأول الماضي اضطرت تسيجين لنفي شائعات عن حدوث أزمة تلوث أخرى وأقرت بأن شقوقا في أحد المناجم التابعة لها أتاحت دخول كمية محدودة من المواد الكيماوية إلى خزان يستخدم في حالات الطواريء. لكن ما زال مسموحا للشركة بالتلويث بقدر لا بأس به من الحصانة من العقوبة والسبب الأساسي هو عدم تعرضها لأي ضغط من بكين للكشف عن طبيعة نفاياتها.

ويتفق الخبراء وكذلك الحكومة المركزية على أنه إذا كانت الصين تريد حقا تطبيق قواعد حماية البيئة فعليها باديء ذي بدء أن تقيم نظام مراقبة يضغط في المقام الأول على الشركات الكبرى للحد من التلوث.

وقال وو شياو تشينغ نائب وزير البيئة للصحفيين في منتصف مارس اذار "علينا أن نحسن من نظامنا القانوني ورفع المعايير البيئية ومنع التلوث والخسائر التي تلحق بالبيئة... من خلال إجراءات مثل القوانين والمعايير والسياسات وما إلى ذلك حتى يتسنى لنا حل المشكلة (التي سببها) تدني ثمن خرق القانون وارتفاع ثمن الالتزام به."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/آيار/2013 - 9/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م