وباء في الأحساء (شرق السعودية)..

فتش عن الفساد والإهمال!

علي ال غراش

صرحت وزارة الصحة السعودية حول عدد الحالات المصابة بمرض فيروس الكورونا في المملكة بالعشرات، والوفيات قد بلغت نحو 15، - معظم الوفيات والاصابات في الاحساء شرق السعودية-، وجاء في التصريح: " رحمهم الله وتغمدهم بواسع رحمته - مع عزائي وكافة منسوبي الوزارة لذويهم وأسرهم)". تصريح لم يغن ولم يمنع من انتشار المرض، وسقوط المزيد من الضحايا والاصابات، ولم يطمئن الاهالي الذين يشعرون بالذعر الشديد؛ والامر الخطير هو ان موقع الاحساء استراتيجي، - اذ تشكل 24% ربع مساحة السعودية، و 67% من مساحة المنطقة الشرقية-، وقريبة من العديد من المدن، ولها حدود مع العديد من الدول: دولة قطر، وكذلك الامارات وعمان واليمن، والبحرين والكويت ليست ببيعدة عنها، اي انها ممر دولي، ويزداد القلق من انتقال هذا المرض الى خارج حدود المملكة حيث تم اكتشاف عدد من الحالات، في ظل غياب اي خطة لمواجهة تفشي المرض القاتل، وعدم الحصول على علاج له لغاية الآن!!. اي ان بقية مناطق السعودية، والدول الخليجية ليست في مأمن من وصول فيروس كورونا القاتل إليها فهي في دائرة الخطر!!.

كورونا (فيروس قاتل من فصيلة مرض سارس)، تحول إلى رعب في نفوس من يعيش في الاحساء شرق السعودية وما جاورها حاليا - عدد سكان الاحساء نحو مليون ونصف -، بعدما تم الاعلان عن تحول الاحساء الى منطقة موبوءة بمرض كورونا بعد وفاة 9 حالات، بينما هناك عدد من الحالات المصابة تنتظر اجلها بعد اعلان وزارة الصحة عن عدم توافر علاج للمرض لغاية الان، ومما يزيد القلق والهلع اكتشاف المزيد من الاصابات في كل يوم!!.

لقد كشف فيروس كورونا القاتل الذي تم اكتشافه مؤخرا في الاحساء، عن بعض الالم والمرارة والوجع..، التي ظلت عشرا السنين تعاني منه الاحساء بسبب سياسة التهميش والاهمال والفساد...، ولكن لا احد يسمع ولا احد يهتم، الى ان وصل الامر إلى سقوط ضحايا..، وتحولت الاحساء الخضراء الى منطقة شبه موبوءة.

من المسؤول، عن تحول الاحساء من منطقة قوة مركزية اقتصادية وثقافية مؤثرة على مستوى الجزيرة العربية حتى اكتشاف النفط، إلى محافظة تعاني من مشاكل وازمات كثيرة ومنها الصحية والادارية؟، هل المواطن الصامت الذي لم يحرك ساكنا إلى الان ولم يطالب بحل أو بطريقة تمنع انتشار المرض وبالخصوص بين طلبة المدارس، والمطاعم وغيرها..، ام الجهات الرسمية لها رأي آخر بسقوط المزيد من الضحايا؟ وهل تلك الجهات التي همشت الاحساء لعشرات السنين، قادرة على إنقاذ أهالي الاحساء والمنطقة، عبر محاولات بسيطة في الفترة الاخيرة وبالقليل من الاهتمام؟.

 ولو تم سؤال فيروس كورونا القاتل عن سبب انتشاره في المنطقة لـ قال: الاحساء (وبقية مناطق الوطن) ضحية وباء الفساد والاهمال والتهميش المنتشر في جسد الدولة!!.

ما هو تاريخ الاحساء، وما اهميتها، وما هي الاسباب والمعاناة التي جعلتها في هذا الوضع والإهتمام الاعلامي العالمي؟.

لقد حققت الاحساء رقما عالميا جديدا وشهرة واسعة، وسجلت رقما يضاف في سجلها المليئ بالالام والمرارة.. نتيجة سياسة الاهمال والتهميش والفساد، وفشل الجهات الحكومية في التعاطي والتعامل مع انتشار وتفشي فيروس الكورونا الذي تحول وباء في الاحساء وقد يتسع الى منطقة الخليج، وهو نتيجة طبيعية للفساد المنتشر في اغلب الجهات الحكومية، وليس فقط في وزارة الصحة المقصرة في تفشي فيروس الكورونا القاتل، وانما الجهات العليا التي لم تحرك ساكنا ولم يظهر حتى الان اي مسؤول كبير (..) يتحدث حول الامر ليوضح حقيقة المرض الذي يحصد في كل يوم ضحية من ابناء الوطن!!. وكذلك غياب مسؤولي المنطقة بالدور المطلوب لتطمين الاهالي، وكأن المواطنين لا يستحقون ذلك الاهتمام.

ما يحدث في الاحساء هو نتيجة طبيعية لانتشار وباء الفساد، لقد كتبت الصحافة كثيرا حوله، وقدم الاهالي العديد من الشكاوي لكبار المسؤولين عن الاحتقان بسبب السياسة المتبعة في ادارة المنطقة، ومنها حاجة المنطقة للمزيد من المراكز الصحية والمستشفيات الحديثة، لاسيما عجز المستشفيات القائمة قبل نحو 30 عاما، وقلة عددها في ظل الكثافة السكانية. وقد بينت ازمة التعاطي مع وباء الكورونا عن النقص الحاد في الاحساء للمستشفيات والخدمات الصحية والمختبرات الحديثة، حيث ان العينات التي تؤخذ لممرضى ترسل الى مختبرات وزارة الصحة المركزية في جدة على الساحل الغربي عبر الطيران المفتوح!. اي ان الاحساء والمنطقة الشرقية والرياض لا يوجد فيها مختبرات قادرة على فحص العينات!.

الاحساء هي اكبر مساحة ادارية في المملكة تتكون من عدد من المدن منها الهفوف والمبرز واكثر من سبعين قرية وعشرات المراكز، و الهجر والبلدات، وتطل على البحر مياه الخليج، وميناء الاحساء الرئيس هو ميناء العقير الشهير، ولها حدود مع قطر والامارات وعمان واليمن، وقريبة من البحرين والكويت، يوجد فيها العديد من الجامعات والكليات، وفيها مطار فتح عام 1949م. وسكة حديد وإدارات لشركة ارامكو كمعاهد تدريب ومستشفى واحياء سكنية لموظفيها، ويقع في الاحساء قوات الحرس الوطني للقطاع الشرقي، ومدينة في الاحساء خاصة بالحرس الوطني ومستشفى الملك عبدالعزيز الصحية لمنسوبي الحرس.

بالاضافة الى ذلك كانت الاحساء من أهم المناطق الاقتصادية والغذائية في الجزيرة العربية، لانها أكبر واحة زراعية في العالم..، فيها أكثر من 3 مليون نخلة ويزرع فيها الرز والفواكه والخضروات، وقد حرص الملك عبدالعزيز على الاستيلاء عليها في عام 1913م. التي كانت حينها تحت الحكم العثماني لاهميتها الاقتصادية.

وفي الاحساء يقع عدد من ابار النفط منها حقل غوار وهو اكبر حقل في العالم، وفيها مناطق الانتاج لنفط والغاز مثل حرض والعضيلية والعثمانية وشدقم وغيرها.

وكانت الاحساء هي اهم سلة اقتصادية وغذائية في منطقة الجزيرة، قبل اكتشاف النفط، وبعد اكتشاف النفط دفعت الاحساء الضريبة غاليا جدا جدا!!. اذ تم تهميشها واضعاف مركزها، وذلك عبر نقل مركز الامارة من مدينة الهفوف العاصمة الادارية للساحل الشرقي للجزيرة العربية الذي يسمى - ساحل الاحساء - في العهد العثماني والسعودي حتى عام 1956م. حيث تم تغيير مسمى المنطقة إلى الشرقية، ونقل مركز الامارة من الهفوف الى الدمام في ذلك التاريخ.

ومنذ ذلك التاريخ والاحساء تتجه نحو الانهيار والدمار بسبب السياسة المتبعة، وغياب الوعي عند الاهالي، حيث تم تدمير الزراعة، اذ قامت شركة ارامكو باستخدام المياه الجوفية لضخ ابار النفط عبر المضخات العملاقة، حيث جفت المياه، كما ان ظهور شركة ارامكو بقوة وتشجيع الاهالي على الالتحاق بها، ساهم في ترك الاهالي لاعمال الزراعة التي ماتت بسبب قلة المياه، وعدم الدعم الحكومي المشجع للبقاء على ممارسة الزراعة.

اهمال مدن وقرى الاحساء من الاهتمام والعناية، وحرمانها من المشاريع الحديثة التي تتناسب مع الطفرة النفطية، وتشجيع الاهالي –اجبار- على الهجرة الى المدن الحديثة - الدمام والخبر والظهران والجبيل – (وكذلك الرياض)، التي فيها كل متطلبات الحياة الحديثة المدنية. ولعل كان هناك هدفا للقضاء على الاحساء التاريخية والقوة الاقتصادية فتاريخ الاحساء يعود الى أكثر من 4000 عام قبل الميلاد.

ما حدث سبب صدمة للاهالي وهم يشاهدون منطقتهم التي صمدت طوال الاف السنين، تموت بسياسة الاهمال والتهميش وتتحول الى اطلال، فقرروا على عدم ترك منطقتهم والتمسك بالارض مهما كان، مما أدى إلى تحمل الأهالي صعوبات كبيرة جدا وحرمانهم من خدمات كثيرة، ومع مرور عشرات السنين من الاهمال والتهميش والنسيان، وغياب العدالة الاجتماعية، وضعف البنية التحتية والخدمات والاستفادة من الطفرة النفطية، اصبحت الاحساء التي كانت تمثل ارقى منطقة حضارية في الجزيرة العربية من حيث الزراعة والتجارة والصناعة حسب حاجة الناس في ذلك الزمن البسيط، تحولت الى منطقة بحاجة إلى اهتمام ورعاية خاصة لانعاشها فهي تحتضر حسب وصف احد المسؤولين.

والاكثر من ذلك ان الوظائف الادارية والمراكز في الاحساء موقوفة - وقف رسمي- على عوائل محددة من الاحساء، وعلى من خارج الاحساء، وكأن امهات هذه المنطقة الاحساء عجزن عن انجاب كوادر وقيادات قادرة على تحمل المسؤلية، واعمار وبناء المنطقة والوطن!. ورغم حاجة الاهالي للاهتمام من قبل الجهات المسؤولة والحصول على اراضي سكنية، يتم توزيع اراضي على الالاف من هم من خارج المنطقة!. مما ادى الى زيادة حالة التذمر لدى الاهالي، والاحتجاج والتظاهر كما حدث في عام 1980 وفي عام 2011م. والاحتجاج عبر التمسك بالارض وعدم الهجرة للمدن الحديثة، وبالمحافظة على تراث واثار وثقافة المنطقة الاصيلة- فأهل الاحساء الاكثر مشاركة في مهرجانات التراث والاثار-، والاحتجاج بالكلمة ومنها الشعر، - فالاحساء مشهورة بالشعراء والادباء كالشاعر الدبلوماسي غازي القصيبي، والشاعر المعروف جاسم الصحيح، والشاعر الاستاذ جلال العلي الشاعر الغيور الثائر ضد الفساد، الذي صور حجم الألم والمرارة والمعاناة في جسد حبيبته الاحساء، ومطالبته بعدم الاستسلام، في قصيدة رائعة:

احساء مهما ضيعوك تبسمي... واذا سقوك المر لا تتألمي

احساء لا يحزنك أنك دوحة... مهجورة من صادح مترنم

أو غادة مثل الربيع جميلة... طمست محاسنها بليل مظلم

احساء مهما ضيعوك تبسمي... وتجرعي بالعز كأس العلقم

واستأنسي مهما رايت اماجدا... ذاقوا لحبك نقمة المتحكم

وتدرعي الصبر الجميل اذا انثنى... في جيد أهلك صارم لم يرحم

فاذا الشوارع قد علت صيحاتها... وتسربلت كل الروابي بالدم

حتى اذا اهلوك شتت جمعهم.. احساء لا تهني ولا تستسلمي.

هذا جزء من قصيدة الألم، قصيدة تستحق ان تكون حاضرة لدى كل محبي الاحساء، فالاحساء هي الارض، وهي جزء من الوطن الغالي، وان ما يحدث في الاحساء من انتشار وباء الكورونا، وسقوط ضحايا اعزاء، هو بسبب الفساد المنتشر في جسد الوطن، والذي هو سبب فيما يحدث في الوطن من ازمات ومشاكل، ولهذا على المواطنين التحرك وعدم الاستسلام للفساد، أصل كل وباء، والعمل على استئصاله قبل ان يقضي على ارواح المواطنين والوطن، ومنطقة الخير الاحساء، التي كانت سلة الغذاء في ايام الشدة، ومازالت لغاية اليوم مصدر الطاقة والخير، بحاجة الى العناية والاهتمام والى فرق انقاذ خاصة، كبقية اغلب مناطق الوطن.

متى سيغضب أهل الاحساء والشرقية والوطن والخليج، وهم يشاهدون منطقتهم تتحول إلى منطقة وباء، ومتى ستتحرك الجهات المسؤولة، ودول الخليج لحماية المنطقة من وباء قاتل مخيف؟.

وأخيرا، ان من اسباب انتشار الفيروس الخطير في الاحساء وبقية مناطق الوطن يعود لـ وباء الفساد والاهمال والتهميش المنتشر في جسد الدولة!!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/آيار/2013 - 8/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م