ازمة المال الامريكية... خفض الإنفاق العام هل سينقذ البلاد؟

 

شبكة النبأ: برنامج خفض الإنفاق العام في الولايات المتحدة والذي ينص على بزيادة الضرائب وخفض الإنفاق بجميع أشكاله لايزال مثار جدل في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، ويرى بعض المراقبين ان سياسات الخفض ربما ستكون لها انعكاسات خطيرة خصوصا وانها تطبق من دون ضوابط واضحة والمشكلة الأساسية في التخفيضات المقترحة أنها ستطبق على كافة أشكال الإنفاق العام، وستتم عملية خفض للإنفاق العام بقيمة إجمالية تقدر بنحو تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة، ستبدأ هذا العام بخفض يساوي 85 مليار دولار تقريبا، حيث سيتم خفض إنفاق العديد من الإدارات الحكومية بشكل مباشر نتيجة لذلك، ووفقا للخطة سيتم خفض نصف الإنفاق المخطط تخفيضه من ميزانية البنتاجون.

وسيتم تخفيض ميزانيات الدفاع الأمريكي بنحو نصف تريليون دولار خلال العقد القادم، والخفض سوف ينسحب أيضا إلى الإنفاق غير العسكري، حيث سيتم خصم باقي النصف الآخر من المبلغ من الإنفاق على دعم التعليم والإسكان والبطالة والبحث العلمي، كما ستنخفض عمليات الدعم المقدمة للأسر منخفضة الدخول، وكذلك قد يفقد بعض العاطلين جانبا من دعم البطالة، ضمن قائمة طويلة من عمليات خفض الإنفاق في المجالات المختلفة.

واقترح البيت الأبيض ميزانية تحد من العجز الأمريكي على مدى ثلاث سنوات عن طريق زيادة الضرائب على أصحاب الملايين وتطبيق تخفيضات للإنفاق تحل محل التخفيضات التلقائية التي دخلت حيز التنفيذ في وقت سابق. وقال مسؤولون إن خطة الرئيس باراك أوباما لميزانية السنة المالية 2014 تقضي بأن يدفع الأمريكيون الذين يكسبون مليون دولار سنويا أو أكثر ضرائب لا تقل عن 30 بالمئة من دخلهم.

وقال مسؤولون كبار في إدارة أوباما إن هذه الزيادة إلى جانب تخفيضات الإنفاق ووضع حد أقصى للخصومات الضريبية لأصحاب الدخول العالية عند 28 بالمئة من شأنها أن تخفض عجز الميزانية الأمريكية إلى 2.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2016. وكان مكتب الميزانية التابع للكونغرس قد توقع في شباط/فبراير الماضي أن يبلغ العجز 5.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

ويقول أوباما إن مشروع موازنة العام المالي 2014 سيقدم مسودة معقولة ماليا لتوفير وظائف للطبقة الوسطى' وتقليل عجز الميزانية الاتحادية بمقدار 1.8 تريليون دولار خلال عشر سنوات. وذكرت تقارير إخبارية أنه من المتوقع ألا يتضمن مشروع الموازنة مخصصات لتحفيز الاقتصاد، يقول حلفاء أوباما إنها مهمة للغاية في حين أصر هو على تخفيضات الإنفاق لاستقطاب تأييد المعارضة الجمهورية في الكونجرس.

وأشارت وكالة بلومبرغ للأنباء الاقتصادية إلى أن هذه الخطوة من جانب الرئيس أوباما تأتي بعد صدور بيانات الوظائف الأمريكية التي جاءت مخيبة للآمال حيث جاء عدد الوظائف الجديدة التي تم توفيرها في آذار/مارس الماضي أقل من المتوقع بما يؤكد عمق الأزمة التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي. بحسب رويترز.

ونقلت الوكالة عن جيني سبرلنغ مدير المجلس الاقتصادي الوطني التابع للبيت الأبيض قوله لقناة بلومبرغ التلفزيونية إن هذه الموازنة ليست 'الموازنة المثالية بالنسبة لنا.. هذا عرض يمثل حلا وسطا وفيها إجراءات كنا نفضل عدم اتخاذها'. كما يتضمن مشروع الموازنة خفضا كبيرا في مخصصات مستحقي الضمان الاجتماعي سنويا من خلال تعديل نظام حساب معدل التضخم. كما سيتم خفض مخصصات برنامج الرعاية الصحية للمسنين بتقليل المدفوعات لشركات الرعاية الصحية وشركات الأدوية وفرض نفقات أعلى على المستفيدين من البرنامج من أصحاب الدخول المرتفعة.

ولقد بدأت بعض الإدارات الأمريكية في خفض عمليات التوظيف، كما بدأت بعض الإدارات الأخرى في خفض ساعات العمل لموظفيها، ولسوء الحظ أن إنفاق قطاع الأعمال منخفض وإنفاق المستهلكين منخفض أيضا، وبالتالي أن ينخفض الإنفاق الحكومي في الوقت نفسه، فإن ذلك يضيف إلى المشكلات التي يواجهها الطلب الكلي بشكل واضح، لذلك يرى البعض أن تأثير الخفض، رغم أنه محدود من حيث القيمة، في الاقتصاد الأمريكي سيكون جوهريا، أخذا في الاعتبار الأثر المضاعف للإنفاق.

وهناك اتفاق بين كثير من الاقتصاديين على أن خفض 85 مليار دولار من الإنفاق العام هذا العام أو حتى تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة لن يترتب عليه دفع الاقتصاد الأمريكي نحو الكساد مرة أخرى، وإن كان بعض المراقبين يرون أن التأثير في الاقتصاد الأمريكي لن يتم بصورة آنية، وإنما سيأخذ وقتا لكي يحدث تأثيره في الاقتصاد.

وبعض التقديرات تشير إلى أنه سيؤدي إلى خفض معدلات نمو الناتج بنسبة 0.5 في المائة، لذلك يراجع صندوق النقد الدولي تقديرات النمو للاقتصاد الأمريكي، النمو الحالي للاقتصاد الأمريكي يسير على نحو بطيء التحرك بشكل استثنائي في هذه الفترة مقارنة بالوضع منذ بدء خروج الاقتصاد الأمريكي من الكساد. فقد أظهرت النتائج الأولية للنمو في الربع الرابع من العام الماضي أن الاقتصاد الأمريكي قد حقق معدل نمو سالب 0.1 في المائة، وقد كانت المرة الأولى التي يحقق فيها الاقتصاد الأمريكي مثل هذه المعدلات المتواضعة من بداية استعادة النشاط في 2009، صحيح أن المراجعة الثانية لمعدل النمو أظهرت تحقيق الاقتصاد الأمريكي لنمو موجب 0.1 في المائة، إلا أنه ما زال أيضا معدلا متواضعا جدا.

البعض الآخر يرى أن التخوف الأساسي من أثر الخفض في الإنفاق اليوم ليس مقصورا على أثره الاقتصادي فحسب، وإنما أيضا من آثاره المتوقعة في قدرة المؤسسات الحكومية المختلفة على الاستمرار في تقديم الخدمات العامة بالكفاءة التي كانت تقوم بها من قبل نفسها. غير أنه وعلى الرغم من صغر المبالغ المتوقع خفضها من الإنفاق العام سواء بالنسبة لحجم الاقتصاد الأمريكي أو لحجم ماليته العامة، فإن عملية خفض الإنفاق لا تتوافق من حيث الأساس مع ما يحتاج إليه الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي خصوصا في الأجل القصير.

وبمعنى آخر فإن الخطة التي تم توقيعها تأتي في التوقيت الخاطئ على الإطلاق للاقتصاد الأمريكي، فليس هذا هو وقت التقتير على الاقتصاد بخفض الإنفاق العام، بالعكس، أكثر ما يحتاج إليه الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحاضر هو أن تتبنى الولايات المتحدة سياسات مالية توسعية تضمن رفع مستويات الإنفاق العام لتحفيز الطلب الكلي وتحسين أوضاع سوق العمل الذي لا تكاد تنخفض فيه معدلات البطالة، على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على انطلاق الأزمة المالية العالمية، والتقشف يمكن أن يؤخر من فرص استعادة النشاط الاقتصادي كما يقول بعض المتخصصين، وجدوى السياسات التقشفية في مثل هذا التوقيت لا تجلب إلا المزيد من البؤس الاقتصادي، على سبيل المثال تميل أوضاع أوروبا نحو التعقيد من الناحية الاقتصادية حيث يسير التعافي الاقتصادي في مسار سيئ وتميل معدلات البطالة نحو الارتفاع، بسبب السياسات المالية التقشفية التي تتبعها.

 رواتب وأجازات

من جانب اخر يعتزم الرئيس الأميركي باراك اوباما إعادة 5 بالمئة من راتبه في لفتة تضامن مع موظفي الحكومة الاتحادية الذين يتعين عليهم أن يأخذوا إجازة غير مدفوعة الأجر نتيجة لتخفيضات حادة في الانفاق. وقال مسؤول بادارة اوباما إن خفض الراتب الذي فرضه الرئيس على نفسه سيكون سارياً حتى نهاية ديسمبر/كانون الاول.

ويبلغ راتب اوباما 400 ألف دولار سنوياً. وقال المسؤول ان الرئيس قرر خفض راتبه بنسبة 5 بالمئة وهو خفض تبلغ قيمته الاجمالية 20 ألف دولار لانه سيكون مماثلاً لمستوى تخفيضات الانفاق في الهيئات الحكومية غير الدفاعية. ويأتي قرار الرئيس بعد ان قال وزير الدفاع الاميركي تشاك هاجل انه سيعيد جزءاً من راتبه بنفس القدر الذي ستخفض به رواتب الموظفين المدنيين بالوزارة.

في السياق ذاته قال سام كاس مساعد كبير طهاة البيت الابيض الذي يقوم بإعداد الطعام مرة في الاسبوع للرئيس الامريكي باراك اوباما ويساهم في ادارة برنامج لمكافحة بدانة الاطفال انه سيضطر لأخذ إجازة مؤقتة غير مدفوعة الاجر بسبب تخفيضات الميزانية الاتحادية.

وتحدث كاس عن الأجازة غير مدفوعة الاجر اثناء تحدثه الي صحفيين في برنامج (هيا نتحرك) وهو مبادرة لمكافحة البدانة في مرحلة الطفولة أطلقتها سيدة امريكا الاولى ميشيل اوباما. ولن يتأثر البرنامج بتخفيضات الانفاق.وقال كاس انه مازال يعد الطعام مرة في الأسبوع لأسرة اوباما رغم المهام المتزايدة المرتبطة ببرنامج (هيا نتحرك). وللبيت الابيض كبير طهاة يعمل معه اربعة مساعدين. ولم يتضح ما إذا كان طهاة اخرون سيمنحون اجازة مؤقتة غير مدفوعة الاجر بسبب تخفيضات الميزانية. بحسب رويترز.

وسيضطر بعض العاملين الاتحاديين لأخذ إجازة غير مدفوعة الاجر ليوم واحد في الاسبوع حتى 30 سبتمبر ايلول لكن ذلك لن يشمل كل الوكالات الاتحادية. وخفضت بعض الوكالات الميزانية بما يكفي لتجنب الإجازات القسرية. وانضم كاس وهو من شيكاجو الى فريق عمل البيت الابيض اثناء فترة اوباما الرئاسية الاولى وساهم في اقامة مزرعة للخضراوات في الحديقة الجنوبية للبيت الابيض والتي توفر منتجات زراعية تزن اكثر من 1361 كيلوجراما لاستخدامها في وجبات البيت الابيض.

على صعيد متصل أعلن وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هاغل، عن إلغاء المرحلة الأخيرة من برنامج الدرع الصاروخي الأوروبي الذي بدأته بلاده. ويتضمن الدرع نصب صواريخ اعتراض متطورة في بولندا لمواجهة الصواريخ متوسطة المدى، والتهديدات المحتملة من الشرق الأوسط. وقال هاغل إن التهديد "أخذ مداه" وإن التزام الولايات المتحدة الأمريكية بدفاع صواريخ الناتو لا يزال قويا.

واعترضت روسيا بشدة على نصب صواريخ الدرع، محتجة بأن نشرها سيوقف صواريخها العابرة للقارات، ويحد من قوة ردعها النووي. فيما أكدت واشنطن دائما على أن الدرع يهدف إلى حمايتها من هجمات إيران وكوريا الشمالية. ويتوقع محللون أن يفتح الإعلان الباب أمام جولة أخرى من المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة عن تقليص الأسلحة النووية.

وإلغاء المرحلة الرابعة والأخيرة من برنامج الدرع الصاروخي تم بطريقة "خجولة" في مؤتمر صحفي. وأوضح وزير الدفاع الأمريكي أن بلاده ستضيف 14 صاروخ اعتراض إلى نظام الصواريخ الموجود في ألاسكا، بحلول عام 2017، لمواجهة التهديدات المتزايدة من كوريا الشمالية. وأضاف بتحويل الموارد المالية من هذا البرنامج العالق إلى تمويل صواريخ جي بي إضافية وتطويرها، سيكون باستطاعتنا تعزيز قدراتنا الدفاعية ضد إيران قريبا، وضد تهديدات كوريا الشمالية أيضا.

ووعد هاغل حلفاء بلاده في الناتو بألا يؤثر القرار على مستوى حمايتهم، باعتبار أن المراحل الثلاث الأولى من برنامج الدرع الصاروخي ستوفر تغطية شاملة لكل الدول الحليفة، مثلما كان مخططا له، بحلول عام 2018. ولم يشر المسؤول الأمريكي إلى اعتراض روسيا، التي سبق أن قالت إنها لن تلتزم بالحد من الأسلحة النووية إذا تم نشر صواريخ الدرع في أوروبا. بحسب فرانس برس.

وقررت واشنطن خفض نفقات الدفاع، وهو ما يجعل البنتاغون يفكر في مراجعة تصوره لمكمن التهديدات الحقيقية. واعتبر مدير البحوث في جمعية الحد من الأسلحة، توم كولينا، القرار مفيدا الجميع قائلا: "لم نتخل عن شيء لأن المرحلة الرابعة لم تكن ستنجز على أي حال". كن الجمهوريين اعترضوا على القرار، حيث قال النائب مايك روجرز: " إن ذلك سيكلف الأمريكيين مالا أكثر وسيخيب آمال حلفائنا".

شراكة تجارية

من جانب اخر كشفت واشنطن شراكتها التجارية المقترحة مع الاتحاد الاوروبي في خطوة اخرى نحو اقامة اكبر منطقة تجارة حرة في العالم. وقالت هيئة تمثيل التجارة الاميركية انها تسعى الى الحصول على تعليقات الشعب على "شراكة الاستثمار والتجارة عبر الاطلسي" المقترحة، بما في ذلك المصالح والاولويات الاميركية من اجل تطوير مواقف اميركية للتفاوض.

وتهدف الشراكة التي اعلنها زعماء اكبر اقتصاد في العالم ودول الاتحاد الاوروبي ال27 في الى احداث زيادة كبيرة في التجارة والاستثمارات بين جانبي الاطلسي لتعزيز النمو الاقتصادي وزيادة الوظائف. وتعتبر العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الاكبر في العالم وتمثل نصف انتاج العالم من السلع والخدمات و30% من التجارة العالمية. وعلى اساس يومي فان تجارة السلع والخدمات الاوروبية والاميركية تقدر بنحو 2,7 مليار دولار (2,1 مليار يورو)، وتدعم ملايين الوظائف على جانبي الاطلسي، وفق الهيئة.

ووضعت اسس الاتفاق من قبل مجموعة عمل ثنائية رفيعة المستوى، وتضمنت إطار اتفاق يشتمل على إلغاء التعرفات الجمركية على تجارة السلع، والغاء او تخفيف العوائق امام تجارة السلع والخدمات والاستثمارات، وتعديل القوانين والمعايير التي يمكن ان تعوق التجارة والاستثمار بين الجانبين، والغاء او خفض العوائق مثل الدعم الحكومي للمؤسسات الحكومية والمعاملة التفضيلية للسلع والخدمات المحلية. كما يعالج الاتفاق التحديات الجديدة في وجه التجارة وتدفق الاستثمارات التي تنجم عن تقدم الاقتصاد العالمي والتكنولوجيا، بحسب مجموعة العمل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/آيار/2013 - 7/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م