أكلة الأكباد أم أكلة ثورات الشعوب

 

شبكة النبأ: كم هي الفاصلة بين حادثة التمثيل بجثة الصحابي الجليل وناصر الإسلام الأول؛ حمزة بن عبد المطلب على يد "هند بنت عتبة" وسط معركة أحد..؟ وبين حادثة التمثيل بجثة الجندي السوري واستخراج قلبه لأكلها.. إنها ليست بعيدة بلحاظ المنهج العنيف والدموي المتأصل في بعض البشر.

لا علينا بحيثيات الحادث، فهنالك التحليلات المتراكمة عبر القنوات الفضائية ومواقع النت، تلقي باللوم على أصل الحرب الأهلية ومسؤولية نظام الحكم في دمشق في استمرار إراقة الدماء، وأن الحادث جاء مكسباً سياسياً ومعنوياً في ساحة المواجهة. وهنالك التنصّلات من المعارضة السورية السياسية.. إنما المشكلة القائمة حالياً في شعب يدفع ثمناً باهضاً في أرواحه وأعراضه وممتلكاته بسبب تسلل افكار ذات طباع بدوية تعود الى ما قبل عهد الأخلاق والأحكام الاسلامية السمحاء، حيث دفن البنات أحياء تحت التراب، ورفع رؤوس المحاربين الخاسرين على أسنة الرماح، وهي اليوم تلبس قناع المعارضة وترفع شعار التغيير السياسي، علماً إن البلدان العربية التي شهدت التغيير السياسي، كانت الناس فيها في الشوارع، بينما الشعب السوري اليوم تحت الخيام في العراء في المناطق الحدودية في ظل ظروف اجتماعية وصحية أقل ما توصف بأنها مأساوية.

مقطع الفيديو الذي انتشر على مواقع النت مؤخراً، هو بالحقيقة رسالة الى الشعب السوري، قبل أن يكون مادة إعلامية ومكسب سياسي، ليعرف حقيقة الناس الذين يحملون السلاح ويقاتلون على أرضه، وطبيعة أفكارهم ودوافعهم، بل وعقائدهم.. ربما يتحدث البعض عن الحالة العصبية التي تنتاب البعض في ساحة المواجهة، بحجة استخدام الطرف المقابل لاساليب عنيفة تجبر على الرد بالمثل، لكن ألم يكن بالإمكان توظيف تلك الاساليب إعلامياً وسياسياً وفضح الطرف المخطئ..؟ يقول الإرهابي والجاني في حديث على "اسكايبي" مع مجلة "التايم" الأمريكية إنه وجد في ملابس الجندي السوري هاتف نقال صوّر لقطات "لإمرأة وابنتيها يتعرضان للإذلال". فهذه تُعد فيضحة، إن صدقت رواية الإرهابي، وكان بإمكانه أن يكرر الضجّة التي خلفتها فضيحة سجن "أبو غريب" والموقف الحرج الذي وقعت فيه أمريكا أمام العالم، لكن هنا؛ بدلاً من أن يكون النظام السوري هو المحرج وأمام المسائلة القانونية، باتت المعارضة السورية، بشقيها العسكري في الداخل والسياسي في الخارج، في موقف حرج للغاية، أجبر الائتلاف السوري المعارض الى إدانة هذا العمل ووصف الفاعل بأنه "جاني تجب محاكمته أمام قضاء نزيه...".

أهم وأبرز ما حملته رسالة الفيديو الى الشعب السوري، أن الجماعات الارهابية المسلحة، لا علاقة لها بالواقع الاجتماعي او الاقتصادي في سوريا.. إنما هي أجندات سياسية لأطراف اقليمية ودولية، تنفذها عناصر مشحونة بثقافة جاهلية، تحت مسمّى "السلفية"، وهي تبيح لمن يتبناها فعل كل شيء لتحقيق هدفه وغايته، وإلا كيف يمكن ان يتغير الوضع الاقتصادي والسياسي في بلد، وينعمّ شعبه بالخير والرفاهية والتقدم، من خلال والقتل والذبح  واستخراج أحشاء الإنسان والتباهي بتناول قطع من القلب أو الكبد، بل أن الإرهابي المجرم، وقف أمام صاحبه المصور وهو يهدد الطرف المقابل بأنه "سيأكل قلوبهم وأكبادهم..."؟

فيما مضى من الزمن كنت أشكك بالمقولة "الثورة تأكل ابنائها".. ويبرر المرددين لهذه المقولة، أن هنالك ثورات كبرى حدثت في العالم، وكذلك في العالم الاسلامي، لكن ابناء الثورات والمؤسسين لم ينالوا سوى التنكيل والتهميش بل حتى التصفية الجسدية. هذه المقولة لا تصمد اليوم أمام حقيقة وجود أناس مهمتهم أكل الثورات من الداخل مثل السرطان الذي يفتك بجسم الانسان، وإلا فان الثورات الحقيقية بالأساس لا تقوم ولا تندلع، إلا بدوافع نبيلة على خلفية طموحات وغايات انسانية كبيرة، مثل نيل الحرية والكرامة والاستقلال.. لنلاحظ الشعب  العراقي الذي أراد مجرد تغيير واقعه ونظام حكمه، من الديكتاتورية والاستبداد والحرمان والتخلف، حتى احتوته العناصر المدربة على الذبح والخطف والنسف وراحت توغل في دماء الابرياء بحجج واهية من قبيل "الاحتلال الاجنبي"، او "التكفير"..

وفي سوريا، حيث من حق الشعب التغيير والتطوير في أوضاعه السياسية والاقتصادية نحو الأفضل، لكن هذا الطريق يجب أن يكون وفق بوصلة خاصة تحركها دول مثل قطر أو السعودية أو فرنسا أو حتى اسرائيل، لا الشعب السوري نفسه.. وهكذا الحال بالنسبة لسائر الشعوب الساعية الى التغيير والتطوير.. ومن المؤكد أن الدموية هي العقبة الأكبر أمام أي حركة تغيير عقلانية، وليس أدلّ على ذلك من الإصرار على استمرار العنف وخلق المشاهد المريعة التي توحي للمتابع من بعيد أن هذا الشعب لن تقم له قائمة حتى مع حصول التغيير السياسي بالقوة، ولن يكون له حصة في التقدم العلمي والتقني والنمو الثقافي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/آيار/2013 - 7/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م