هل الإسلام حقا معادي للمرأة؟

كلاوديا مينديه

ترى غالبية من الألمان الإسلام معادياً للمرأة. ولا يوجد قضية أخرى في النقاش الدائر حول الاندماج يثور الخلاف الحاد بشأنها في الرأي العام الألماني مثل هذه القضية، مع أن صورة "المرأة المقهورة" لا تتطابق مع الواقع الحياتي لمعظم المسلمات.

تثبت نتائج عدد كبير من استطلاعات الرأي الصورة السيئة الموجودة عن الإسلام في ألمانيا. وطبقا لبحث أُجرى على عدد كبير من المشاركين قام به معهد ألينباخ بتكليف من جريدة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج واسعة الانتشار في عام 2012 يرى ما يزيد عن الثلثين، أي 83 بالمائة، أن الإسلام معادي للمرأة. وجدير بالذكر أن النسبة كانت أعلى في استطلاع مشابه أجراه نفس المعهد في عام 2006.

وبالنسبة للأستاذة الجامعية المتقاعدة برجيت روميلسباخر المتخصصة في علم النفس وخاصة من منظور الثقافاتية (التبادل الثقافي) ودراسات الجنسين فإن مثل تلك الاستطلاعات تخرج بتلك القيم لأنه يجري إخفاء نواقص وتناقضات التطور الاجتماعي ويتم إسقاطها على المسلمين.  إزدواجية إرث الحداثة

تقول الأستاذة الدكتورة روميلسباخر: "ليست الحداثة في حد ذاتها تحررية ولا الدين دائما قمعياً." وفي الحالتين يتعلق الأمر بظواهر مبهمة تحتوى عناصر تحررية وقمعية في ذات الوقت. غير أن هذه الانكسارات والتناقضات لا ينظر إليها إلا في ارتباطها بالإسلام، وليس في ارتباطها بالمجتمع العلماني المسيحي. ولهذا يتولد الثنائيان المتضادان "المرأة الغربية المتحررة" و"المرأة المسلمة المقهورة". وترى روميلسباخر أنه يسيطر على النقاش المحتدم طريقتان مختلفتان مألوفتان للحجاج: إما أن التحرر بعيد كل البعد عن أي معتقدات دينية أو أن تحرير المرأة لا يعمل إلا في غرب يهودي-مسيحي بما يملكه من تنوير، ولكن ليس في فضاء إسلامي. وبحسب وجهتي النظر فإنه لن يكون ممكنا أمام المرأة المسلمة مبدئيا أن تنعم بالتحرر.

كما ترى روميلسباخر أن كلا المنهجين يغفلان حقائق هامة لا تتوافق مع الصورة الذهنية المطروحة، إذ تغفل الأطروحتان أن إرث الحداثة في أوروبا كان متباينا أشد التباين، فالتنوير هو الآخر قد عمل في بادئ الأمر على إقصاء المرأة، ولم يبدأ إلا في عصر التصنيع طرد المرأة من الفضاء الاقتصادي إلى الفضاء الخاص. واليوم على النساء أن يجاهدن من أجل استعادة الفضاء الاقتصادي مرة أخرى، وهو ما يفسر سبب تمحور جزء كبير من النقاش الراهن على امكانية التوفيق بين الأسرة والعمل.

وعلى أية حال فإن مثل هذه التقييمات لا تظل بمعزل عن أرض الواقع. ولهذا ترى لؤيزا أمينة بيكر، معلمة دين إسلامي في مركز بحوث المرأة المسلمة في مدينة كولونيا أن المسلمين والمسلمات "يعانون من تجارب الإهانة المستترة ومن عجزهم المطلق على مواجهة رأي الأغلبية السلبي، حتى لو لم يتعرضوا شخصيا لحالات تمييز شديدة الوطأة."

المسافة النفسية التي تفصلهم عن المجتمع الألماني

وعليه ترى بيكر التي ترتدي هي نفسها الحجاب أن الجيل الذي تجاوز الأربعين من عمره لديه توجه أقوى لتراثه الأصلي. وهنا تطفو على السطح أسئلة على غرار: "هل هذا فعلا بيتي؟ يا ترى ماذا تركت ورائي بالقدوم إلى هنا؟" وبالرغم من أن قليلين يفكرون بشكل مباشر في العودة إلى بلادهم الأصلية إلا أنه يظل هناك مسافة نفسية تفصلهم عن المجتمع الألماني.

أما بالنسبة لجيل الشباب البالغ فالموقف مختلف عن هذا بحسب ما ترى بيكر، إذ أنهم ينظرون من ناحية المبدأ إلى ألمانيا على أنها وطنهم، حتى لو بحثوا على نحو قوي عن رابط يربطهم بالإسلام. وفي دوراتها التعليمية تشهد بيكر اهتماما متزايدا بالفقه الإسلامي، حيث يأتي طلاب أكثر مما كان عليه الأمر من عشر سنوات مضت.

تعمل بيكر في مجال إعداد الرجال والنساء ليكونوا لاحقا معلمين للدين الإسلامي في الجاليات التابعة للمساجد. وإذا كان جيل الأبوين ضاربا بجذوره على نحو بديهي في عمق تربة التراث دون أن يضعها على محك التساؤلات، وحتى بدون أن يعرفها على نحوها الحقيقي، فقد بدأ مع الجيل الشاب تفاعل مكثف مع التراث الإسلامي، ومن هذا مثلا ما يجري من نقاشات حادة بين المهاجرات المسلمات عن وضع المرأة في القرآن، بحسب ما ترى بيكر.

تحول فكري في العائلات المهاجرة

يلاحظ صعود عظيم في المستوى التعليمي لدى الشابات المهاجرات، فهناك 36 بالمائة من الآباء والأمهات ممن لم يحصلوا إلا على شهادة تعليمية منخفضة في ألمانيا لديهم اليوم بنات يتمتعن بمستوى تعليمي مرتفع. وغالبية هؤلاء الشابات يردن تأمين حياتهن من الناحية المالية من خلال وظيفة ولكنهن في ذات الوقت لا يردن نبذ الأسرة، ولكنهن يجدن صعوبة في الموازنة بين المجالين معا.

كما يلاحظ وجود تحول فكري في كثير من العائلات المهاجرة، ومن هذا التخفيف من الحدة المرتبطة ببعض مجالات الأزمات التقليدية مثل مشاركة الفتيات في حصة الرياضة البدنية. وفي ذات الوقت أخذت في الأعوام الأخيرة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية مثل رياض الأطفال والمدارس والمستشفيات في الانفتاح على المهاجرين من المسلمين.

حينما تنشأ مشاكل على سبيل المثال فيما يتعلق بالعنف داخل الأسرة أو مع الشباب المشاغب في المدرسة فإنه من المهم بحسب ما ترى معلمة الدين الإسلامي لؤيزا أمينة بيكر أن يتم إشراك المتخصصين من المسلمين في البحث عن حل لتلك المشكلات.

"إننا في حاجة ماسة إلى مزيد من الاخصائين الاجتماعيين المسلمين في إدارات الشباب وإلى تفهم ثقافي للواقع الحياتي للأسر المسلمة"، بحسب ما ترى بيكر. فعندها فقط يمكن معالجة المشاكل القائمة على نحو مستديم دون أن يؤدي هذا إلى مزيد من التقطب داخل المجتمع.

* ترجمة وإعداد: المركز الألماني للإعلام

http://www.almania.diplo.de

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/آيار/2013 - 7/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م