شبكة النبأ: قضية المهاجرين الأفارقة
أصبحت اليوم محط اهتمام لدى الكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية،
التي أعربت عن قلقها المتزايد حول الأوضاع المأساوية للمهاجرين
الأفارقة بسبب الملاحقات وانتهاك حقوق الإنسان وغيرها من الأمور
والمخاطر الأخرى، وفي هذا الخصوص فقد لقي 11 مهاجرا غير شرعي على الاقل
مصرعهم على بعد كيلومترات من سواحل مدينة الحسيمة شمال المغرب، بعد غرق
زورق كان يقل 34 مهاجرا كانوا يحاولون الوصول الى إسبانيا، التي غرق
قرب سواحلها مهاجر آخر بعد وصوله اليها في قارب صغير. وقال مصدر طبي من
مستشفى مدينة الحسيمة "استقبلنا جثث 11 مهاجرا منحدرين من جنوب
الصحراء، وهم قاصرتان وثلاث نساء وستة رجال".
وأضاف المصدر الطبي وممثل الجمعية المغربية لحقوق الانسان في مدينة
الحسيمة من جهته، ان "12 من هؤلاء المهاجرين خضعوا للاسعافات الضرورية،
فيما الباقون تم إنقاذهم، من طرف البحرية" الملكية المغربية. من جانبه
قال فيصل أوسار ممثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في مدينة الحسيمة
"ان أحد الضحايا توفي خلال نقله الى المستشفى، كما ان الزورق الذي
كانوا على متنه صغير جدا مقارنة مع عددهم الكبير".
وأوضح أوسار ان "الزورق انطلق من مدينة الناظور شرقا في اتجاهه
الاعتيادي وهو مدينة مليلية الإسبانية القريبة (15 كلم)، لكن مساره
انحرف في اتجاه الحسيمة (127 كلم)، حيث انقلب على بعد تسع كيلومترات من
الساحل، رغم ان المياه كانت هادئة". وأكد فيصل ان "خمسة من هؤلاء
المهاجرين مصابون، وما زالوا في مستشفى مدينة الحسيمة، فيما تم احتجاز
الناجين لدى الدرك الملكي المغربي". وغالبا ما تقوم السلطات المغربية
بعد احتجازها للمهاجرين غير النظاميين، بتسجيل أسمائهم وأخذ بصماتهم
وصورهم، لتعمد بعد ذلك الى ترحيلهم الى الحدود الجزائرية أقصى شرق
المغرب قرب مدينة وجدة.
ومن الجانب الإسباني أعلنت قوات خفر السواحل الإسبانية مصرع مهاجر
واحد وإنقاذ 14 مهاجرا كانوا على متن قاربين صغيرين عل مقربة من مدينة
طريفة أقصى الجنوب الإسباني. ونقلت السلطات الاسبانية المهاجرين ال 14
بعد تقديم الإسعافات الأولية لهم الى مركز خاص باحتجاز المهاجرين غير
الشرعيين. وأشار مسؤول في الصليب الأحمر الاسباني قبل مدة الى ان
المهاجرين غير الشرعيين اصبحوا يستخدمون اكثر فاكثر قوارب بلاستيكية
لعبور مضيق جبل طارق (14 كلم بين المغرب وإسبانيا)، مشبها هذه القوارب
ب"الالعاب".
وأوضح أنطونيو فيرنانديز المسؤول عن العمليات المستعجلة داخل هذه
المنظمة الإسبانية ان "هذه القوارب أسوأ مما كان يستعمل في السابق، وهي
تزيد من احتمال ضياع المهاجرين داخل البحر وغرقهم". وأنقذت دورية
مغربية في وقت سابق تسعة مهاجرين شمال مدينة طنجة كانوا يحاولون دخول
الأراضي الاسبانية على متن قارب، كما افادت وكالة الأنباء الرسمية.
بحسب فرانس برس.
وأعلنت مصالح الإغاثة الإسبانية قبل ذلك عن إنقاذها برفقة البحرية
المغربية، 23 مهاجرا سريا كانوا على متن قاربين مطاطيين، واقتادتهم الى
مدينة طريفة اقصى الجنوب الإسباني حيث يتم احتجاز المهاجرين السريين.
وبحسب جمعيات محلية فان ما بين 20 الفا و25 الفا من المهاجرين غير
الشرعيين من جنوب الصحراء الافريقية موجودون في نهاية 2012 في المغرب
بامل الوصول الى اوروبا. وتقول منظمة اطباء بلا حدود ان اغلب هؤلاء
قدموا من نيجيريا والكاميرون وغانا وغينيا ومالي.
من جهة أخرى قالت السلطات إن خفر السواحل الإيطاليين انتشلوا 139
شخصا كانوا على متن قاربين مطاطيين قبالة الساحل الجنوبي لجزيرة صقلية
في أحدث واقعة لوصول مهاجرين متسللين بطريقة غير شرعية. وجرى إنقاذ
مئات المهاجرين غالبيتهم من أفريقيا من على قوارب صغيرة وضعيفة أثناء
عبورهم إلى إيطاليا منذ بداية العام حيث تتزايد الأعداد منذ بداية
الربيع.
ونقل المهاجرون الذين أعلن عن إنقاذهم إلى جزيرة لامبيدوسا وهي
جزيرة صغيرة تقع قبالة صقلية التي تتحمل وطأة الهجرة عبر البحر إلى
جنوب أوروبا والقادمة من شمال أفريقيا. وتفيد منظمة هيومن رايتس ووتش
لمراقبة حقوق الإنسان أن ما يقدر بنحو 1500 مهاجر فقدوا حياتهم في
البحر المتوسط بعد انتفاضات الربيع العربي في عام 2011. وتقدر عدد
القتلى في عام 2012 بأكثر من 300 .
سياسة الهجرة الأوروبية
من جهة اخرى وبعد كارثة مقتل مهاجرين أفارقة غير شرعيين على حدود
جيبي سبتة ومليلة في المغرب، أعلنت مصادر حكومية اسبانية ومغربية نيتها
في تعزيز إجراءات مراقبة الحدود بين المدينتين والأراضي المغربية. وفي
حين أكدت اسبانيا نشر 450 عنصرا من قواتها على حدود سبتة ومليلة، وقال
الجانب المغربي إنه ينوي نشر 1600 جندي مغربي لمراقبة حركة العبور بين
الأراضي المغربية والمدينتين.
من جانبه قال وزير الدفاع الاسباني خوسي بونو إنه تلقى أوامر من
رئيس الوزراء الاسباني بتعزيز حماية الحدود الاسبانية ونشر مزيد من
الجنود للحيلولة دون تكرار ما حدث. وكان مئات المهاجرين السريين حاولوا
اجتياز الأسلاك الشائكة إلى مدينة سبتة. ووفقا لمصادر اسبانية فإن تصدي
القوات الأمنية الاسبانية والمغربية للمهاجرين الأفارقة السريين أدى
إلى مقتل شخصين في الجانب الاسباني وثلاثة في الجانب المغربي بعد إطلاق
النار عليهم.
وفي حين وجهت منظمات حقوقية وإنسانية مغربية واسبانية انتقادات
لتصرفات القوات الأمنية، باشرت الحكومة الاسبانية من جهة والمغربية من
جهة أخرى بالتنصل من تحمل مسؤولية وقوع الكارثة. وبينما أكدت حكومة
مدريد أن عمليات تشريح جثث القتلى كشفت عن أن إطلاق النار جاء من الطرف
المغربي، نسبت وكالة أنباء المغرب العربي إلى شهود عيان قولهم إن إطلاق
النار جاء من الجانب الاسباني. في الوقت ذاته رفضت نائبة الوزير
الاسباني الأول ماريا تيريزا فيرنانديز لابيغا التعليق على إشاعات قالت
إن بعض الضحايا سقطوا جراء إطلاق رصاصات مطاطية تستخدمها القوات
الاسبانية.
من جانبها تحاول منظمة الهجرة واللجوء التابعة للأمم المتحدة معرفة
أسباب الحادث. وفي هذا الخصوص يؤكد المتحدث الرسمي باسم المنظمة
الدولية روبرت كولفيل أن المشكلة لا تخص فقط مدينتي سيبتة ومليلية، بل
جميع دول الاتحاد الأوروبي وأن محاولات اللاجئين دخول الأراضي
الأوروبية تكلف يوميا موت عدد كبير من الناس. ووفقا لمعلومات الأمم
المتحدة التي جاءت على لسان المتحدث الرسمي باسمها، فإن السنوات الـ 12
السابقة شهدت 6300 حالة وفاة. وحث المسؤول جميع الدول التي يخصها الأمر
ببذل جهود أقوى للخروج من المأزق.
أما فولفغانغ بوسفيك مدير المنبر الأوروبي للجوء والهجرة فقد اتهم
الاتحاد الأوروبي بارتكاب أخطاء بخصوص سياسة اللجوء إليها، قائلا إن
المهاجرين لا يوجد أمامهم طرق أخرى غير محاولة عبور الأراضي الأوروبية
بسرية. ووفقا للخبراء، فإن المشكلة الديموغرافية التي تواجه أوروبا لا
يمكن حلها إلا من خلال زيادة الهجرة إليها. فعلى سبيل المثال تفيد
الإحصاءات الرسمية الألمانية إلى أن عدد سكان ألمانيا سينخفض من 82
مليون في الوقت الحاضر إلى 60 مليون في عام 2050.
وفي هذا الخصوص تعتبر كندا من أكثر الدول التي بدأت مبكرا في البحث
عن حلول لهذه المشكلة الديموغرافية، إذ أنها طورت منذ سنوات بعيدة
أنظمة لاستقبال المهاجرين المؤهلين وغير المؤهلين على حد سواء. وعلى ما
يبدو أن الاتحاد الأوروبي يبذل كذلك الجهود من أجل البحث عن حلول
مناسبة لهذا المشكلة. إلى ذلك قالت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية إن
كارثة سيبتة ومليلة فتحت عيوننا على ضرورة إدارة المشكلة بشكل أفضل.
وحثت فرنسيس ليبايل الحكومات الأوروبية على وضع اطر قانونية للمهاجرين
الذين يقصدون الأراضي الأوروبية.
المهاجرون التشاديون
الى جانب ذلك وفي خضم أعمال العنف التي سبقت وتلت الإطاحة بالزعيم
الليبي معمر القذافي مباشرة في أكتوبر 2011، اضطر الآلاف من المهاجرين
من جنوب الصحراء الكبرى إلى الفرار. ومنذ ذلك الحين، اعتقلت السلطات
المئات غيرهم في ظروف قاسية، ثم قامت بترحيلهم في وقت لاحق، وفقاً
لعمال مهاجرين سابقين من تشاد. وقد تم ترحيل أكثر من 2,000 تشادي
وغيرهم من مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 2012، وفقاً
للمنظمة الدولية للهجرة. وقال المهاجرون العائدون أن العديد من
المبعدين اعتقلوا لعدة أشهر أو سنوات، قبل نقلهم إلى تشاد في شاحنات
مفتوحة. كما أفادوا أنهم تعرضوا للاعتقال لأنهم لا يحملون وثائق صالحة
أو للاشتباه في أنهم من المرتزقة الذين دعموا نظام القذافي.
وقال قاسم صوفي، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في تشاد أن "إعادة
المهاجرين إلى أوطانهم بشكل مخالف للقواعد أصبحت أكثر كثافة في الآونة
الأخيرة. وقد لاحظت السلطات التشادية منذ العام الماضي تدفق المهاجرين
الذين كانوا محتجزين في ليبيا إلى شمال تشاد، وهذا يشكل تحدياً إنسانياً
خطيراً". وأضاف صوفي أن "العائدين يواجهون العديد من التحديات بدءاً من
التعامل مع صدمة الاحتجاز لفترات طويلة (تصل إلى 27 شهراً في بعض
الحالات)، إلى المعاناة من العنف أو مشاهدته".
وفقاً للمهاجرين العائدين، "تنظم السلطات الليبية الشاحنات التي
تخرج من ليبيا إلى تشاد حيث تترك العائدين. ويبدو أن الشاحنات غالباً
ما تكون غير مجهزة لنقل الناس ولا يتوفر بها الغذاء أو الماء أو لوازم
الإسعافات الأولية الكافية لرحلة تستغرق في كثير من الأحيان 10 أيام أو
أكثر،" كما أشار. وكان نحو 300,000 مواطن تشادي يعيشون ويعملون في
ليبيا قبل ثورة فبراير 2011، وفقاً للحكومة التشادية. وكان معظمهم من
العمال ذوي المهارات المتدنية في طرابلس وبنغازي أو سبها، حيث عاش
معظمهم لفترات تتراوح بين عام واحد وخمسة أعوام. منذ يناير 2012 فقط،
قامت ليبيا بترحيل 566 من مواطني تشاد (أفرجت عنهم من مراكز الاحتجاز).
وقال صوفي أن "العائدين يصلون في حالة يرثى لها، ويعاني الكثير منهم من
جفاف شديد والتهابات وجروح، فضلاً عن مشاكل في المعدة".
وروى محمد زيني عيسى البالغ من العمر 26 عاماً والذي كان قد عاش في
ليبيا لمدة خمس سنوات، بعد ترحيله مؤخراً، عن سوء المعاملة في مركز
الاحتجاز الذي كان محتجزاً فيه مع عمال مهاجرين آخرين لفترات طويلة دون
تهمة رسمية. وقال عيسى، وهو من منطقة البحيرة في تشاد، في لقاء مع
المنظمة الدولية للهجرة "في أحد الأيام، كنت في طريقي لزيارة ابن عمي
على بعد 5 كيلومترات فقط من شقتي.
ثم استوقفتني سيارة تابعة للجيش وضربني الجنود بشدة حتى فقدت
الوعي". وأضاف قائلاً "عندما استيقظت، وجدت نفسي في مركز اعتقال دون أن
أعرف السبب، ولم يكن هناك أحد يمكنني أن أسأله عن سبب اعتقالي. ومكثت
في مركز الاعتقال لمدة 27 شهراً في ظل ظروف قاسية، ولكنني بفضل الله ما
زلت على قيد الحياة لأن كثيرين آخرين وافتهم المنية. رأيت الآخرين
يُقتلون أو يموتون من المرض. لقد عاملونا مثل الكلاب".
وتجدر الإشارة إلى أن لدى ليبيا تاريخ طويل من العنصرية ضد السود،
لكن المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى رعايا دول مثل تشاد
والنيجر والسودان والسنغال ومالي ونيجيريا كانوا يتعرضون للعنصرية بشكل
خاص منذ بدء الانتفاضة الليبية، لأن الثوار الذين قاتلوا من أجل
الإطاحة بالقذافي زعيمهم السابق اتهموه بالاستعانة بالمرتزقة الأفارقة
السود للمساعدة في قمع التمرد. وقد واجه القذافي قبل وقت طويل من سقوطه
اتهامات بضم الجنود التشاديين والمحاربين الطوارق من شمال غرب أفريقيا،
وغيرهم من المقاتلين غير الليبيين، إلى الجيش الليبي، لاسيما في لواء
خميس الذي تولى قيادته أحد أبنائه.
وغالباً ما يصل المهاجرون الذين يتم ترحيلهم من ليبيا إلى تشاد عن
طريق البر إلى فايا، أكبر مدينة في شمال تشاد، حيث يتم استقبالهم في
مركز العبور من قبل المنظمة الدولية للهجرة والصليب الأحمر التشادي
والسلطات المحلية. ومنذ يوليو 2012، تم ترحيل ثلاث موجات من المهاجرين
التشاديين من ليبيا، حسبما ذكرت المنظمة الدولية للهجرة. وفي وقت سابق،
أدت الثورة الدموية إلى فرار أكثر من 150,000 عامل مهاجر من البلاد.
وقال موسى آدم بشير الذي يبلغ من العمر 25 عاماً أن السلطات ألقت
القبض عليه وتعرض للضرب في مركز الاحتجاز الذي ظل فيه لمدة 14 شهراً
قبل إطلاق سراحه فجأة دون أي تفسير. وقال بشير في مقابلة مع المنظمة
الدولية للهجرة "تعرضنا جميعاً للتعذيب في مركز الاعتقال. لم نعامل مثل
البشر، وتعرضنا للضرب كل يوم وليلة مثل الحيوانات لا لسبب سوى لأننا
تشاديون متهمون بأننا مرتزقة".
"وفي يوم من الأيام نقلونا إلى مستشفى حيث سحبت الممرضات دمائنا دون
أن نعرف سبباً لذلك،" كما أضاف، موضحاً أن نفس مركز الاعتقال كان به
أكثر من 2,000 شخص، من بينهم مواطنون من مالي والنيجر. وقال أيضاً: "لا
أعرف سبب إطلاق سراحنا. ذات ليلة، قيل لنا أننا سنعود إلى ديارنا في
اليوم التالي. وفي ذلك اليوم، وضعونا في شاحنات لنقلنا إلى الوطن".
بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.
وأوضح صوفي أن المهاجرين العائدين يجدون صعوبة في إعادة التوطين،
لأن العديد منهم لا يملكون وثائق هوية أو مال أو حتى ملابس، ويضطرون
إلى طلب الدعم من عائلاتهم التي كانت تتلقى منهم المساعدة في السابق عن
طريق التحويلات المالية. ولم تتلق بعض العائلات في الوطن اتصالات من
أقاربها منذ فترات طويلة، ولذلك تفترض أنهم قد لقوا حتفهم. وقال عيسى:
"على الرغم من أنني بالفعل لا أعرف ما سيحدث لي الآن، فإنني سعيد
بوجودي في الوطن، إذ لن يسألني أحد عن وثائق أو يضربني ويسجنني بدون
أسباب".
ثمناً باهظاً
في السياق ذاته كشفت بيانات جديدة أصدرها البنك الدولي أن الرسوم
التي يدفعها المهاجرون الأفارقة مقابل إرسال أموال إلى ذويهم أعلى من
تلك التي تدفعها أي جماعة مهاجرة أخرى في العالم. ففي حين يدفع مواطنو
جنوب آسيا في المتوسط 6 دولارات أمريكية مقابل كل 100 دولار يرسلونها
إلى أوطانهم، يدفع الأفارقة في الغالب أكثر من ضعف ذلك المبلغ. وفي
جنوب أفريقيا، حيث تكاليف التحويلات هي الأعلى في القارة، يتم إنفاق ما
يقرب من 21 بالمائة من الأموال التي يتم تخصيصها لأفراد الأسرة في
الوطن على عملية التحويل نفسها.
ويعتمد حوالي 120 مليون أفريقي على التحويلات النقدية التي يرسلها
أفراد الأسرة من الخارج لتغطية نفقات البقاء وخدمات الصحة والتعليم،
ويقول البنك الدولي أن ارتفاع تكاليف هذه المعاملات يضعف أثر التحويلات
النقدية المحتمل على مستويات الفقر. وفي محاولة للتصدي لهذه المشكلة،
دخل البنك في شراكة مع مفوضية الاتحاد الأفريقي والدول الأعضاء لإنشاء
المؤسسة الأفريقية للتحويلات النقدية، التي ستعمل على خفض تكاليف
المعاملات والتحويلات النقدية من الخارج إلى أفريقيا وبين دول القارة
السمراء نفسها. كما ستزيد هذه الخطوة من قدرة التحويلات النقدية على
التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة.
وقال ماركو نيكولي، وهو محلل مالي في البنك الدولي متخصص في
التحويلات النقدية، أن "نهج البنك الدولي يدعم الإصلاحات التنظيمية
والسياسية التي تعزز الشفافية والمنافسة في السوق وخلق بيئة تمكينية
تعزز منتجات السداد والتحويلات المبتكرة". وقال أوين مارومو، وهو عامل
في مزرعة يبلغ من العمر 33 عاماً ويعيش في دي دورنز، وهي منطقة زراعة
العنب في مقاطعة كيب الغربية في جنوب أفريقيا، أن عائلته في زيمبابوي
تعتمد على الأموال التي يرسلها إلى وطنه كل شهر.
وأوضح قائلاً "لدي منزل هناك وأنا بحاجة لدفع الإيجار. كما أنني
أتولى رعاية شقيقي الأصغر منذ أن توفيت أمي قبل أربع سنوات، بالإضافة
إلى عائلة زوجتي. وأضاف أن "كافة مواطني زيمبابوي هنا تقريباً يقتصدون
لإرسال الأموال إلى الوطن، وإذا استطاعوا أن يرسلوا الأموال إلى بلدهم
كل أسبوع لفعلوا ذلك".
وفي تقرير أصدرته منظمة الشعب ضد المعاناة والظلم والفقر (PASSOP)،
وهي منظمة غير حكومية في كيب تاون، في عام 2012، كشفت مقابلات مع 350
مهاجراً من زيمبابوي عن بعض الأسباب الرئيسية التي تجعل إرسال الأموال
من جنوب أفريقيا عملية مكلفة وصعبة.
وينبغي الإشارة إلى أن إحدى العقبات الرئيسية هي الإطار التنظيمي
الصارم الذي يحكم التحويلات النقدية الدولية الصادرة من جنوب أفريقيا.
وتقتضي تشريعات الرقابة على تحويل العملات، على سبيل المثال، أن تدخل
شركات تحويل الأموال (MTOs) في شراكة مع أحد البنوك. وتقول منظمة الشعب
ضد المعاناة والظلم والفقر أن هذا يخنق المنافسة التي من المرجح أن
تقلل تكاليف المعاملات المالية.
كما تقتضي تشريعات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب أن يقدم
العملاء ما يثبت الإقامة ومصادر أموالهم قبل أن يتمكنوا من الحصول على
الخدمات المالية. وهذا يستبعد على نحو فعال الكثير من المهاجرين الذين
يعيشون في مستوطنات غير رسمية والذين يحصلون على أجورهم نقداً. ووجدت
منظمة الشعب ضد المعاناة والظلم والفقر أنه حتى المهاجرين الذين
يستطيعون الوصول إلى البنوك وشركات تحويل الأموال مثل ويسترن يونيون
وموني غرام، فإن العديد منهم يفتقر إلى المعرفة المالية اللازمة
للاستفادة من هذه الخدمات.
وأشار مارومو إلى أن "بعضهم قد وصل لتوه من المناطق الريفية في
زيمبابوي، ولذلك يستغرقون وقتاً طويلاً لمعرفة مثل هذه الأمور،" مضيفاً
أن عدم وجود وثائق قانونية يشكل عقبة رئيسية أخرى. "إذا كنت لا تحمل
وثائق، لا يمكنك تحويل النقود عن طريق البنوك". وبدلاً من ذلك، يعتمد
ثلاثة أرباع المهاجرين من زيمبابوي الذين أجرت منظمة الشعب ضد المعاناة
والظلم والفقر مقابلات معهم على قنوات تحويل الأموال "غير الرسمية"،
مثل إعطاء المال أو البضائع إلى سائقي الحافلات والأصدقاء أو الوكلاء
لإرسالها إلى الوطن.
ولكن هذه القنوات لا تكون في الكثير من الأحيان أرخص كثيراً من
اللجوء إلى البنوك أو شركات تحويل الأموال، كما أنها أشد خطورة. فقد
أفاد 84 بالمائة من المهاجرين الذين تم استطلاع آرائهم والذين استخدموا
الأساليب المذكورة، أنهم مروا بتجارب سيئة، بما في ذلك سرقة أموالهم
وفقدان أو تدمير سلعهم والتأخيرات الطويلة في توصيل التحويلات إلى
المستفيدين المقصودين.
وروى مارومو تجربته الخاصة بإرسال الأموال إلى بلده الأصلي عن طريق
وكيل يحصل على عمولة قدرها 15 بالمائة لإرسال المال من حسابه في بنك
جنوب أفريقي قبل تسليمها إلى أقارب مارومو في زيمبابوي. وقال "منذ فترة
قصيرة، فقدت ما يقرب من 2,000 راند (225 دولاراً) لأنني أودعت هذا
المبلغ في حساب الوكيل الذي قال أنه لم يتسلمها وتحجج بأعذار أخرى. وفي
النهاية، استرجعت المال، لكن ذلك كلفني ما يقرب من 1,000 راند (113
دولاراً) في صورة اتصالات هاتفية إلى زيمبابوي".
وأضاف أن البعض يستخدمون سائقي الحافلات أو الأشخاص العائدين إلى
الوطن. "عليك أن تثق بهم لأنه ما من حل آخر أمامك. وقد تحدث مشاكل
كثيرة، فقد اختفت أموال الكثير من الأشخاص. نسمع مثل هذه القصص كل يوم
تقريباً". أما الآن، يستخدم مارومو خدمة تحويل أموال على الانترنت
Mukuru.com ومقرها في المملكة المتحدة، والتي تحظى بشعبية لدى العديد
من أبناء زيمبابوي الذين يعيشون في الخارج. ومتطلبات إثبات الإقامة
ومصدر الأموال هي نفسها التي تفرضها شركات تحويل الأموال التقليدية،
لكن الموقع يتقاضى رسوماً قدرها 10 بالمائة على التحويلات من جنوب
أفريقيا إلى زيمبابوي، وهي أقل من معظم البنوك.
وقد تعهد بنك الاحتياط والخزانة في جنوب أفريقيا بخفض تكلفة
التحويلات النقدية إلى 5 بالمائة عن طريق تخفيف القواعد المفروضة على
تحويل المبالغ الصغيرة، والتفاوض مع المنظمين في الجماعة الإنمائية
الجنوب أفريقية بشأن نظم الرقابة على تحويل العملات وإزالة شرط الشراكة
بين شركات تحويل الأموال والبنوك.
وقال روب باريل، مدير Mukuru.com، أن تحقيق هدف خفض الرسوم إلى 5
بالمائة سيكون صعباً بالنظر إلى التكاليف العديدة التي تتكبدها شركات
تحويل الأموال، بما في ذلك الرسوم المدفوعة إلى الشركات التي تقوم بجمع
ودفع المال، وتكلفة دعم المعاملات من خلال خدمة هاتفية مركزية،
والترخيص ومتطلبات الإبلاغ. وأضاف قائلاً: "سنكون جميعاً بحاجة إلى
التعاون معاً". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.
وأشار بوريل إلى أن القوانين الأقل صرامة التي تحكم عمل شركات تحويل
الأموال في المملكة المتحدة تعني المزيد من المنافسة، لكنها تشمل ضوابط
أضعف بكثير فيما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال. وعند العمل في جنوب
أفريقيا، ينبغي على Mukuru.com الامتثال للقواعد والدخول في شراكة مع
بنك يحمل ترخيصاً مصرفياً محلياً. وأفاد أيضاً، أنه "من السهل الحصول
على ترخيص خاص بك في المملكة المتحدة. فهناك 4,000 شركة تحويل أموال
تعمل في المملكة المتحدة مقابل 12 في جنوب أفريقيا، لكن الجانب السلبي
هو أنه من الصعب جداً مراقبتها جميعاً". |