عشتار لم تقتل في جبهة الحرب

هادي جلو مرعي

لم أنس عشتار يوما وكلما نظرت في الأشياء وجدت لها إسما محفورا في الذاكرة حتى تلك المشروخة، وعلى ما أجد إن ذاكرتي مشروخة على الدوام بسبب عوامل طبيعية، وأخرى خارجية تعود لطبيعة الأحداث المحيطة بي على مستوى العمل والتفكير والعلاقات العامة والمشاكل التي تضرب البلاد والعباد وتسبب الأرق الممض لي ولأمثالي من العراقيين وتنهش الذاكرة المتبقية لديهم.

عندما كنت صغيرا كانت أول ثلاجة تدخل بيتنا الصغير، أو لأقل غرفتنا الطينية في القرية ثلاجة عليها علامة ( عشتار) وكانت هناك أجهزة منزلية تحمل ذات العلامة التجارية ويبدو في حينها وهو الأمر الذي لم يتوضح لي لأني كنت صغيرا، إن تلك العلامة هي لشركة عراقية تقوم بتصنيع أجهزة كهربائية ومنزلية مختلفة لأغراض متنوعة ساهمت الى حد بعيد في التخفيف عن معاناة الناس في الصيف والشتاء وجعلتهم يعيشون مع الآلهة التي دخلت المنازل لتذكر بالجمال الأسطوري عبر ثلاجة، أو مبردة هواء، أو مروحة أو مجمدة، أو طباخ بسبع عيون.

أخذت الحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت لثماني سنين كاملة عشتار الى الجبهة لتقاتل، والدليل إنها لم تعد موجودة في المنازل، وعطلت عن الحركة، وتركت الشركة والمصانع، وكانت ترافق عمالها ومهندسيها في الخنادق يقتلهم العطش والجوع والبرد والهجومات المتبادلة بين المتحاربين، بينما غابت نهائيا في تسعينيات القرن الماضي، ولعلها فقدت في المقابر الجماعية، أو طمرت في خندق من خنادق جبهة الحرب تلك، أو ربما صادرها الأمريكيون مع أسلحة الدمار الشامل فلم نعد نرى لعشتار من حضور بيننا، والثلاجة العشتار التي كنا نمتلكها كبرت وشاخت نتيجة الاستهلاك، لكنها والشهادة لله صمدت لسنوات طويلة حتى اضطررنا لشراء ثلاجة جديدة لعلها تفي بالغرض وتحفظ لنا الطعام وتبرد لنا المياه التي نستهلك في الصيف الحار في بلد يفتقد أشياء كثيرة لكنه يتمتع بحضور حراري لاهب كل صيف يرافقنا الى أمكنة مختلفة بدءا من غرفة النوم، وحتى الحمام، ويلاحقنا في الشارع والسيارة، ويهب لنا التراب والعرق لتتحجر الأطيان على أجسادنا المتلونة بالقهر والحرمان والرغبة في الحصول على أشياء نشعر بالحرمان منها، ولانجد السبيل لتحقيقها مهما تطاولنا في أفعالنا، وحيلنا، ومهارات التلون والإنبطاح التي نمتلك.

عشتار التي تعود كطائر الفينيق وتنتج الأجهزة المختلفة وتغزو السوق بشكل مختلف هذه المرة وتنافس المنتج الأجنبي لجودة الإنتاج كانت ومثلها شركات وصناعات غيبت قسرا لأسباب نجهل منها البعض، ونعرف منها الكثير، ونأسف لأننا نعرف العلل، لكننا لانجد الطبيب، وإذا وجدنا عرفنا إنه لايمتلك المهارة في إعادة المريض الى الحياة، فصناعتنا الوطنية زاخرة بالعطاء لكنها معطلة قسرا، وقد سألت مسؤولا رفيعاعن غياب الصناعة الوطنية بصفته خبيرا في هذا المجال ؟ وقال إن أسباب تدني الحضور الصناعي الوطني يعود لأسباب عديدة، ونحتاج الى نوع من التخطيط والترتيب والتأهيل يعيد لصناعتنا قوتها وحضورها ونشاطها من خلال خطط وبرامج حكومية مدعمة بقوانين من البرلمان العراقي تساهم في إعادة ماكينة الصناعة الوطنية الى سابق عهدها برغم صعوبة تحقق ذلك بسبب الصراع السياسي وتعدد مراكز القرار في الدولة.

 

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/آيار/2013 - 3/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م