أجهزة كشف المتفجرات.. وماذا بعد!

زاهر الزبيدي

منذ سنتين والتحقيقات جارية بصفقة شراء أجهزة كشف المتفجرات ولغاية يومنا هذا لم نحسن ثأرنا لتلك الدماء الزكية والأرواح التي أزهقها فساد تلك الصفقة.. بريئة طفقت الى بارئها تشكو ظلم وبطش الفساد بإهلنا، فالعقل العراقي الذي عُرف عنه أنه لا يُخدع بسهولة ؛ خدعه البريطاني صاحب شركة ATSC وباعه أجهزة فحص المتفجرات ADI651 الفاشلة وبأضعاف سعرها المتعارف عليه، مستغلاً عوامل عده كانت قد ساهمت في تلك الخدعة تمثلت : فسادنا وحبنا للمال الحرام، عدم إمتلاكنا الرؤيا لمعرفة ما هو أكثر تطور في العالم، حاجة العراقيين لمثل تلك الأجهزة لدرء خطر الموت تفجيراً عن أبناء شعبنا وتوفر المال بسهولة.

واليوم ماذا حدث ؟ كيف لايمكننا أن نُحمّل من إشترى تلك الأجهزة اللعينة المسؤولية عن الأرواح التي أزهقت منذ عام 2006 ولازالت، سبعة أعوام من الموت والخوف، سبعة أعوام وأرواحنا وأبناءنا تنشر رؤوسهم وعظامهم على مقاصل الإرهاب الذي وجد أن نصره يتجلى في فسادنا وإفسادنا، سبعة أعوام ونحن نضع أيدينا على قلوبنا كلما خرجنا لشوارع المدينة بحثاً عن رزقنا أن لا نعود بأجساد كاملة لأهلنا أو لا نعود إطلاقاً حينما تُبخِرنا عبوات الـ TNT و الـ C4

من يتحمل مسؤولية كل هذا الموت والدمار الذي أحدثته صفقة فساد واحدة وماذا ننتظر من الفساد ونتائجه التي ستظهر بعد حين محدثة تلك الهزات العنيفة في الشارع العراقي.. فترانا اليوم نخرج متظاهرين لعدم وجود الكهرباء ولا نتظاهر لموتنا المستمر.. اليومي الذي لم ينقطع مذ أدخل المفسدون تلك اللعبة وجعلوا معها أرواحنا لعبة بيد الأرهاب.

المخجل أكثر في الموضوع أنه لغاية اليوم ترفض لجنة الأمن البرلمانية على لسان عضوها السيد قاسم الأعرجي إخراج الجهاز من الخدمة والذي فند فشل تلك الأجهزة 100% ووصفه بالناجح ولكن بنسبة 30% !.. غريب أن توافق لجنة الأمن البرلمانية على مثل تلك الإحتمالات على طريقة موتنا أي أن تلك الأجهزة هي مسئولة عن موت فقط 70% من شهدائنا وجرحانا منذ عام 2006 ويعلم الله كم عددهم، ولا أدري ما فائدة جهاز بنسبة نجاح 30% فقط وهو يعمل في أهم مجالات عمرنا فلنتخيل معاً أن جهازاً طبياً يعمل بنسة نجاح 30% أي أن 70 مريضاً من كل 100 يموتون من إستخدامه، كيف لنا أن نسمح لمثل هذا الجهاز في مستشفياتنا ونجبر المرضى أن يكونوا تحت رحمته ولماذا نمنح هذا الجهاز ثقتنا وبالتالي نوهم الشعب بأنهم بأمان مادام هذا الجهاز يعمل في شوارع موتنا، لماذا لا نُبَصرهم بالحقيقة المرة ونضعهم أمام الأمر الواقع ليعرفوا كيف يتصرفوا وهم سائرون على دروب رزقهم اليومي، أليس الأجدر أن نكون كذلك نعترف بأننا فشلنا ونبحث لهم عن فرصة نجاة أخرى من الموت قتلاً مع سبق الإصرار والفساد ؟

حينما نحكم اليوم على تلك الأجهزة أو نحاول أن نعيد التحقيق بملفاتها ؛ علينا أن نعيد إستذكار آلاف العمليات الإرهابية وعشرات الآلاف من العجلات المفخخة والكواتم التي عبرت بمباركتها.. نتذكر كيف فُجرت باصات الطلبة ونتذكر كيف فُجرت مسيراتنا المليونية ونتذكر كيف قُتل أطفال المدارس وكيف قُتل العلماء وكيف قتل الجنود في نقاط التفتيش والسيطرات ونتذكر كيف قطعت أوصال زائري العتبات المقدسة والتفجيرات التي حصلت بالمراقد المقدسة وكيف هوجمت وزارات الدولة وكيف رُمِلت نساءنا ويُتِم أطفالنا ونتذكر كيف دُمرت البنية التحتية لوطننا وكيف أسقطت أبراج الكهرباء وأحرقت أنابيب النفط وكيف أصبح نهار العراق حجيماً.

فمن يثأر لأرواح عشرات الآلاف معلقة في سماء بغداد وينزع الثوب الأسود عن أراملنا.. لقد ثأرت بريطانيا لتلك الأرواح بحكمها بعشرة سنوات على المورد الرئيس لتلك الشركة وأنا أرى بأنه حكم جائر لا يستحقه.. لكونه لم يُجبر أحد على شراء أجهزته، بينما أصدرت المحكمة المختصة بقضايا النزاهة حكماً بالسجن لمدة أربع سنوات على مدير عام مكافحة المتفجرات اللواء جهاد الجابري لإدانته بقضايا فساد تتعلق بأجهزة كشف المتفجرات!

نرى أن أحكامنا كلها لا ترقى لمستوى ما نمر به من مآس يومية مؤلمة تفتك بنا وتحطم نفسياتنا وتحيل مستقبلنا الى مجهول مظلم، وليس من السهولة أن نربط ما أفسدته تلك الأجهزة بأرواحنا فقط بل أثرت بشكل كامل على مستقبل الوطن بأسره وعقاب من تولى توريدها يجب أن يكون عبرة لكل من تسول له نفسه أن يعبث بأرواحنا.. حفظ الله العراق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/آيار/2013 - 2/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م