شعوب المنطقة تعيش مرحلة مصيرية، تعتبر من أفضل الفرص لكي تتحرر من
عبودية الأنظمة الاستبدادية والشمولية، ونيل حقوقها، واستعادة كرامتها،
وتشييد دولة القانون والنظام العادل الممثل للارادة الشعبية الذي يساوي
بين المواطنين.
ولتحقيق ذلك، شعوب المنطقة بحاجة إلى الوعي، والتحرر من ثقافة
الصنمية والتقديس للاسماء والشخصيات والرموز، فهذه الثقافة كانت ومازلت
لها نتائج مدمرة على العقول والفكر، وعلى الشعوب والدول، وهي - التقديس
والصنمية - من أهم اسباب صناعة الدكتاتوريات واستمرارها والتخلف والجهل
وبالخصوص المركب، اضافة إلى بروز شخصيات ووجهاء أو رموز استغلالية تبحث
عن مصالحها، لا تحترم مطالب واراء الناس، وتتعاطى بفوقية، وانها فوق
النقد.
لذا فالمطلوب من شعوب المنطقة التي تسعى لبناء دولة القانون
والعدالة الاجتماعية، ان تتجرد من حالة الصنمية والتقديس للاشخاص، وأن
تمارس حق التفكير والتعبير وحق النقد والحوار الشفاف بوعي ورؤية، وعدم
السماح لمن لا يملك الرؤية والمشروع ان يتحدث باسم الشعب أو يقوده.
كما على النخب والرموز والنشطاء، ومن يتصدى لقضايا المجتمع وأعمار
الارض وبناء الوطن، التحلى بصفات قيادية منها: الحكمة والاخلاص
والمبادرة والتضحية، وأن يكون قريبا من الناس، وتقبل النقد الهادف، وان
لا يستبد برأيه، ولا يتخذ موقفا ما ارتجاليا يحسب على المواطنين بدون
أن يستشير، من باب الامتثال لقوله تعالى: (وشاورهم في الامر)، وكما قال
الامام علي (ع): (الاستشارة عين الهداية)، (ومن استبد برأيه هلك، ومن
شاور الرجال شاركها في عقولها). وأهم الأمور هو توافر برنامج عملي حسب
رؤية واضحة، برنامج وطني سياسي متكامل لبناء دولة القانون والعدالة
والمساواة بين كافة المواطنين والمؤسسات.
فان غياب الرؤية والإستراتجية المنبثقة من الشعب والمدعومة منه،
لبرنامج سياسي محدد لتشييد دولة القانون والعدالة والمساواة بين كافة
المواطنين والمؤسسات في الوطن، والاكتفاء ببعض المطالب الخدماتية
والدينية الخجولة، أو عبر العرائض المتعددة -- التي لم تحقق الاهداف -
من قبل الرموز، هو الذي جعل الازمات الوطنية مستمرة منذ نشأة الدولة
ولغاية اليوم. وأدى بالتالي إلى فشل كافة التجارب السابقة، بين الرموز
والوجهاء والشخصيات من جهة، والسلطة من جهة اخرى، في تحقيق أي مكاسب
سياسية جوهرية لبناء دولة القانون.
وهناك الكثير من اللقاءات التي حدثت بين الشعب والسلطة، منذ سيطرة
-السلطة - على الارض وتأسيس الدولة، حيث تم الاتفاق على بنود معينة،
ولكن هذه اللقاءات باءت بالفشل، لان السلطة لم تلتزم بها،.. وإلى غاية
اليوم!.
ولن تتحقق اي مكاسب، من خلال تلك الطريقة في التعامل والتواصل، إذ
إن المشكلة في حقيقتها سياسية تتعلق بأنظمة الدولة، وغياب النظم
القانونية للدولة الحديثة، نتيجة إصرار السلطة على استمرار الدولة حسب
أنظمة محددة تضعها هي حسب مقاساتها ومصلحتها، وبالتالي المسؤولية عن
ذلك تقع على السلطة، بالاضافة الى ان بعض الرموز والوجهاء التي تتواصل
مع السلطة، مستفيدة من استمرار سياسة السلطة تلك، وبالتعامل مع الشعب
من خلالها - اي الرموز الوجهاء-.
والغريب، ان بعض الرموز والوجهاء في هذا الزمن لم تستفد من التجارب
السابقة والفاشلة لتحقيق اي مكاسب والتحول الى دولة قانونية حديثة،
وذلك باصراراها على مواصلة نفس الاسلوب الذي وقع فيه الرموز السابقين،
من حيث تدري او لا تدري، ولعلها لم تع الاسباب للفشل، - ومن تلك
الاسباب: إصرار السلطة على عدم التنازل للشعب للمشاركة في بناء الدولة
حسب دستور منبثق من الشعب مباشرة، غياب نظام الدولة الحديثة التي تعتمد
على القوانين في ادارة الدولة والتعامل مع المواطنين حسب قانون
المواطنة، - وليس على حسب مزاج وصلاحية ومكرمة، الشيخ والامير والواسطة
والعمدة والوجيه -، بالاضافة إلى الضعف السياسي لبعض الرموز والوجهاء،
والتعاطي مع القضايا بسقف متدني وبخجل وحياء واستعطاف، والاهم عدم وحدة
النخب والرموز (لتنعكس على الشارع) وتوافر برنامج سياسي شامل، مدعوم
مباشرة من قبل الشعب، فالمطالب الشعبية بحاجة إلى تفاعل وحراك الشعب
ليعطيها قوة، والحقوق لا تعطى وانما تنتزع، والشعب هو شريك حقيقي في
تحديد سياسة الدولة وإدارتها ولهذا لابد من تفاعله، بالاضافة إلى بعض
الرموز والنخب تعمل على المستوى الفردي، وتغلب المصالح الشخصية أو
المناطقية أو الفؤية وغياب روح التعاون فيما بينها،.. ومن المؤسف ان
تلك التجارب الفاشلة من قبل بعض الرموز والوجهاء، تتكرر الى غاية
اليوم، رغم ان المنطقة تعيش اليوم مرحلة مختلفة، حيث الشعوب أكثر وعيا
وجرأة وحراكا وتضحية عبر نزولهم الى الساحات لنيل الحقوق الكاملة ذات
السقف العالي جدا عن المطروح من قبل الوجهاء والرموز!!.
لماذا بعض الرموز والنشطاء، في فترة الحراك الشعبي، مصرة على مجاملة
السلطة والتواصل معها بنفس الطريقة السابقة، أو بطرح مطالب بسقف متدني
خجول، على آمل تحقيق حقوق وطنية بسيطة؟. وهل هم مقتنعون بأهمية دورهم
مع السلطة،(كمكتب علاقات عامة)، واما هذا هو الحد الاعلى الممكن
الواقعي في المطالب في ظل سلطة لا ترحم من يطالب بالاصلاح والتغيير؟.،
أم ان الهدف من الاستمرار بالتواصل هو الحفاظ على الوجاهة في
المجتمع؟.، وهل وصل بعض النخب والرموز من خلال تجربة التواصل مع
النظام، إلى قناعة بفشل مشروعهم وطريقتهم، وان المطلوب هو حل سياسي
شامل لإقامة دولة القانون، من خلال حق المواطنة لا من خلال الواسطة أو
الوجهاء و الرموز؟.
وهل السلطة ستبقى ابوابها مفتوحة للنخب والرموز والوجهاء، لو رفع
هولاء راية نيل الحقوق الوطنية، وانتقاد سياستها بشكل صريح ومباشر؟. أم
سيتعرض هولاء للتحقيق وللاعتقال والسجن.
وهل الشعب سيدعم النخب والرموز التي تعرضت للاعتقال والسجن، بسبب
مطالبهم الصريحة والجريئة لإقامة دولة القانون والعدالة حسب رغبة
المواطنين، والدفاع عن حقوق المظلومين؟.
بلاشك ان الشعوب الحرة العاشقة للعدالة والحرية والمساواة، والنخب
والرموز الواعية الحكيمة التي تبادر بالعمل والتضحية للمطالبة بحقوق
المواطنين، ولإقامة دولة القانون العادلة واعمار الوطن والدفاع عن
المظلومين، حسب رؤية واضحة المعالم، تستحق غاية التقدير والدعم
والمساندة، فالتاريخ سيسجل اسماء ومواقف من يعمل لذلك الهدف، فشكرا
للشعوب والنخب الحرة.
دولة القانون والعدالة هدف نبيل وسامي، لا يتحقق الا بارادة وسواعد
الشعوب الحرة، وهو هدف يستحق التضحية. |