قيم التقدم: التعايش ثقافة العصر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من مؤشرات النضوج المجتمعي، قبول الاخر، وقبول الاختلاف، والتعامل مع الرأي الآخر بطريقة متمدنة، تدل على سعة البال والنفس والعقلية التي يحملها الانسان، و يزن بها الافكار والاشياء وانماط الحياة التي تختلف عن حياته وافكاره وقناعته، إذاً لا ينبغي لك أن تتواطأ مع   الفكر المختلف، لكن لا يصح لك نسفه بأية حال، بل عليك قبوله والتعامل معه بحيادية من دون ان تعمل به، او تقبل فرضه عليك من لدن الطرف الاخر، مثلما لا يجوز لك اطلاقا ان تفرض رأيك على الاخرين، أو تحسبهم من الخطّائين، وتعلن أن رأيك هو الأوحد في الصواب.

يتفق المعنيون من مفكرين وسياسيين وغيرهم، على أن درجة التعايش بين مكونات المجتمع، هي المعيار الأكثر دقة على مدى تحضّر ذلك المجتمع، بمعنى أوضح، كلما كان المجتمع ومكوناته اكثر استعدادا للتعايش والانسجام والتقارب والتناغم، كلما كان المجتمع اكثر تطورا وتقدما واستقرارا واقترابا من كمال التحضّر، في العيش والتفكير والسلوك على نحو عام، لذلك تعد سمة التعايش من اهم قيم التقدم، كونها استطاعت ان توحد المجتمعات، وتجعلها اكثر استقرارا وتناغما، ومن ثم تصبح مجتمعات مستقرة ومنتجة.

لهذا تبدأ المجتمعات الواعية في نشر ثقافة التعايش بين الاطفال اولا، صعودا الى الفئات العمرية الاخرى، ولكن هي تضمن اولا نشر هذه الثقافة بين الاطفال لكي ينمو الانسان وهو حاملا في تكوينه الفكري والسلوكي، ثقافة التعايش والاندماج في المجتمع، بغض النظر عن الاختلافات الفكرية والعرقية والدينية وما شابه، لهذا لا تتعرض مثل هذه المجتمعات الى اية ازمة او حالة من حالات التطرف، والتعصب والتكفير كما يحدث في بعض المجتمعات والدول الاسلامية، حيث يلجأ كثيرون الى تكفير الاخر، لمجرد الاختلاف في الرأي، او الفكر او الدين او الثقافة او العرق وما شابه.

وهكذا تخلصت كثير من الشعوب من حالات الاحتقان المجتمعي بسبب اختلاف المكونات من حيث طبيعة الانتماء، ولكن درجة تحضّر تلك المجتمعات وتمدنها، جعلها اكثر قدرة على الاندماج السريع، وفض الخلافات عن طريق القيمة الارقى من بين قيم التقدم ألا وهي قيمة التعايش التي تمحو حالات الصراع، وتحول حالات التعصب والتطرف الى حالات تناغم وتفاهم وانسجام، مما يخلق حالة من الاستقرار الدائم والقوي وهذا بدوره يشجع على الابداع وتنمية المواهب والقدرات الكامنة في دواخل الانسان، على العكس فيما لو كانت الاجواء محتقنة ومتشنجة بين مكونات المجتمع، اذ يؤدي هذا الى قتل المواهب وتبعثر الطاقات واندثارها، بسبب حالات الصراع والازمات المتلاحقة التي يعاني منها المجتمع الذي لا يؤمن بالتعايش ولا يعمق هذه القيمة الكبيرة.

أما الكيفية التي يتم من خلالها نشر هذه القيمة بين مكونات المجتمع ابتداءً من الاطفال، فإن الامر يتطلب جهدا وتخطيطا دقيقا وتنفيذا مخلصا من لدن الجهات المعنية، لاسيما الجانب الحكومي والجهات التعليمية التربوية المعنية، فضلا عن المؤسسات والمنظمات التي تُعنى بنشر قيم المحبة والسلام والتسامح بين اوساط الشعب كافة، ولاشك ان الدولة ينبغي لها ان تدعم هذا الاتجاه وتقدم التسهيلات اللازمة للجهات الفاعلة والناشطة في هذا المجال، اذ يتطلب الامر نوعا من الدعم الحكومي لاسيما المادي لاقامة النشاطات المختلفة كالندوات وعرض الاعمال الفنية في قاعات عرض جيدة ومناسبة، واقامة دورات التدريب والترويج الفعلي لقيمة التعايش بين الاطفال وجميع الفئات لضمان انتشار هذا القيمة، لتصبح في آخر الطاف منهج سلوكي يومي معتاد من لدن الجميع، وليس حالة مظهرية شكلة يتداولها البعض من اجل التجميل الخارجي او لتمرير اهداف سياسية وما شابه.

وهكذا ينبغي أن يعتني الجميع بنشر ثقافة التعايش، لانها الوسيلة الاسرع والانجع لاستقرار المجتمع، ولجعله قادرا على الانتاج والابداع المتواصل، والدخول في العالم المتحضر من خلال قيمة التعايش والتناغم المجتمعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/آيار/2013 - 27/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م