من المعروف ان الله سبحانه وتعالى يعاقب الإنسان الذي يظلم نفسه
فكيف بظلم الإنسان لآلاف الناس..؟ وكيف ببيوت تطفأ بسبب استشهاد
راعيها؟ وكيف بأبناء يسرق القوت من أفواههم بسبب جشع الآخرين الإجرامي
الذي يصل لحد الاتجار بسلامة الناس وأمنها؟
نعم.. فتلك هي القضية الأولى على سلم الأهميات في وطننا اليوم..
الأمن والأمان وسلامة الناس.. وبعدها يستتب كل شيء.. فلا سقف بيت يرفع
ولا مائدة طعام تفرش ولا مدرسة تعمر ولا مصنع ينتج ولا حياة تتفتح من
دون امن وأمان وسلامة..
**
وللحق نقول ان كل عمليات الفساد التي شهدتها الدولة العراقية والتي
لم تخلوا منها وزارة بدءاً من ملفات الفساد في وزارة التجارة الى
الفساد في امانة بغداد وليس انتهاءا بملف فساد صفقة الاسلحة الروسية
التي لا نعرف الى هذه اللحظة كيف تم تشييع نعشها، كل هذا الفساد في كفة
والفساد في اجهزة كشف المتفجرات في كفة اخرى لأنها لم تهدر اموال
العراقيين فقط بل تسببت بسفك دماؤهم، لذا اعتبرها ابشع صفقة فساد في
تأريخ العراق.
بدأت القضية قبل عامين من ادانة وحكم رجل الأعمال البريطاني الذي
باع العراق اجهزة مغشوشة – فقد حكم الرجل بخمس سنوات سجن وخمسة أخرى
تحت المراقبة، وإن كانت العقوبة لا تتناسب مع جرمه ولكن ذاك القضاء
والقانون البريطاني ولا دخل لنا فيه – اما نحن.. فقد تم إلقاء القبض
على احد المشاركين في الصفقة الفاسدة وتم إيداعه في السجن قبل سنتين.
ولكن للقضية تداعياتها وتشعباتها وافرعها وذنوبها التي لم يأخذها
احد بعين الاعتبار.. وتلك هي القضية.. فقد استمرت الجهات الرسمية في
العراق والى يومنا هذا باستخدامها لهذه الأجهزة على حواجز التفتيش
والمعابر الحدودية وفي المطارات والمباني الحكومية الحساسة على الرغم
من انها ببساطة شديدة.. لا تعمل والانكى من ذلك ان البعض من المسئولين
مازالوا يدافعون عن هذه الاجهزة باستماتة شديدة، مما يطرح سؤال مهم وهو
لماذا هذا الدفاع؟
**
لقد أثرنا ملف هذه الأجهزة مرتين : المرة الاولى عام 2010 والثانية
في عام 2012 الا ان أجهزتنا المختصة لم تتحرك لكشف هذه الصفقة ولم تنبس
ببنت شفة الا بعدما بادرت المحاكم البريطانية بمتابعة ومحاكمة رئيس
الشركة البريطانية الذي قام ببيع الاجهزة التي اخذ فكرتها من جهاز
لاطلاق كرات لعبة الغولف لا يتجاوز ثمنه العشرين دولارا..الى دول عدة
ومن ضمنها واكبرها العراق..
واسأل : اليس من المصيبة والوضع المؤسف والمحزن في آن ان تقوم
السلطات البريطانية بمحاكمة تاجر بريطاني لم يتسبب بفساد مالي او اراقة
دماء بريطانية، في حين مازالت مؤسساتنا المختلفة المعنية بالامن
والقضاء والسلامة تستخدم الأجهزة الفاسدة التي لا طائل من ورائها..
وتقف مكتوفة الايدي تتفرج وكأن الامر لا يعنيها؟
**
تقول تقارير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" ان اكثر من
سبعمئة شخص قُتلوا وأُصيب أكثر من الف وستمائة آخرين في شهر نيسان بسبب
الارهاب وقد شارك المفسدون بهذا القتل.. ونسأل.. كم من الناس قبل هذا
(النيسان) قتلوا بسبب الاستمرار في استخدام هذه الاجهزة الفاسدة في
حواجز التفتيش وغيرها.. وعدم استبدالها بأجهزة فعالة وحقيقية؟
**
ما المطلوب اليوم؟؟
ببساطة تامة.. الاستعانة بالمراكز العالمية المعروفة في مجال مكافحة
المتفجرات للوصول الى الاجهزة الفعالة في هذا المجال، وايقاف استخدام
هذه الأجهزة نهائيا.. والبحث عن كل المتورطين باستيرادها من مسئولين
وشركات مزيفة جاءت بعباءة المسئولين.
ومع احترامي لكافة المسولين العراقيين الذين يطالبون الحكومة
البريطانية بتشديد العقوبة على التاجر البريطاني، الا اني اجد ذلك نوعا
من تبرئة الجانب العراقي الذي تعاقد على شراء هذه الاجهزة بأسعار
خيالية وهم يدركون تماما فشلها وعجزها عن كشف المتفجرات.. لندع امر
البريطاني لاهله.. فلديهم قوانين ولدينا شريعة عجيبة تكاد من وراء عدم
الملتزمين بشيء اسمه الشرف والانصاف والعدالة ان تفلت زمام الامور الى
لا رجعة.. |