مواقع التواصل الاجتماعي... محاذير القرصنة الثقافية

 

شبكة النبأ: ما يزال الخبراء والمعنيون بالشأن التربوي، يبدون مخاوفهم وقلقهم من الاستخدام الخاطئ وغير المحسوب لمواقع التواصل الاجتماعي، بل وعموم الامكانات التي يوفرها النت في الوقت الحاضر للاتصال السريع والمجان، وما يعرف بـ "الشات"، كما نسمع الحديث عن أضرار الإدمان على "الحاسوب" نفسه. فهذا الجهاز الصغير يحمل لإنسان اليوم امكانات هائلة لا تعوض بأي حال، لإقامة العلاقات والاتصالات المتعددة الاشكال والأصناف، ويأتي الجانب الاجتماعي في المقدمة، بسبب المشكلة القائمة بالأساس على صعيد العلاقات الاجتماعية، مما يمكن القول معه؛ أن مواقع التواصل الاجتماعي دخلت حياتنا الاجتماعية، في وقت كنّا بحاجة الى التأصيل والتماسك الذاتي، فالمشكلة (قيمية)، وليست فنيّة أو تقنية، لذا نلاحظ هذه المواقع، والـ "الشات"، بمنزلة النافذة والمتنفس لأبناء الجيل الجديد للهروب من الواقع المتأزم والسيئ.

ربما تزداد المخاوف في هذا الجانب، لدى شعوب ترى الحلول الاجتماعية بعيدة المنال، في ظل ظروف سياسية وثقافية غاية في التعقيد، مثل العراق، يكون الحديث عن سلامة الحالة النفسية للطفل والشاب، والثقافة الاجتماعية والقيم الاخلاقية والانسانية، في المراتب المتأخرة أمام الحديث عن المشاركة السياسية والوعي الأمني والفساد الإداري والبحث عن موارد التمويل لتلبية الوضع المعيشي. وهذا ربما، ما دفع باحثون في جامعة بابل مؤخراً لتنظيم ندوة علمية في كلية تكنولوجيا المعلومات، حيث بحث المشاركون السبل الكفيلة لعلاقة حسنة ومفيدة مع مواقع التواصل الاجتماعي على النت.. ونُقل عن رئيس قسم البرمجيات في الكلية، صفاء عبيس المعموري، قوله إن: "الندوة تهدف إلى توعية المتصفحين والمبرمجين وعامة الناس إلى استخدام أنظمة التشغيل وأجهزة الهواتف النقالة الذكية والتصفح الآمن للمواقع الالكترونية".

وعن هذه الندوة ايضاً ، قال الباحث أمير كاظم هادي: "استعرض خلال الندوة أنواع المواقع الالكترونية لاسيما الحديثة منها والخاصة باستخدامات البوابات الالكترونية ومواقع الخزن السحابي والمدونات النصية والفديوية ومواقع التواصل الاجتماعي ومخاطرها المحتملة من سرقة لمعلومات الدخول لاسيما الفيسبوك"، داعياً إلى ضرورة "سيطرة الوالدين واشرافهم على الحسابات الخاصة بأبنائهم ليتحكموا بمستوى الوصول للمحتوى المناسب بأعمارهم وكذلك للأوقات المسموح بها بالعمل أو التسلية في الحاسوب الشخصي والأجهزة اللوحية وأجهزة الهواتف النقالة الذكية".   

هذه الندوة التي تُعد من القلائل التي يشهدها العراق لمناقشة قضايا التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية العالمية، ركّزت بشكل كبير على الجانب التقني والفني لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي ولاسيما "فيسبوك" وغيرها، وضرورة الانتباه الى الإدلاء بمعلومات شخصية أو اعطاء ارقام هاتف ربما تمكن مخترقي المواقع من سرقة كلمات السر. وكانت ثمة دعوة لمستخدمي هذه المواقع لاسيما بين شريحة الشباب لاستخدام برامج التشفير لحفظ المعلومات الهامة داخل الحاسوب الشخصي. إلا ان الاشارة السريعة والخاطفة للجانب الثقافي في الموضوع، يدلنا على وجود الحاجة لتخصيص وقت كاف وندوات مماثلة لمناقشة التأثيرات الثقافية والتربوية لهذه المواقع على سلامة البنية الاجتماعية والقيم الاخلاقية.

فمسألة الاستفادة من خدمات "النت" شأنه، شأن الاستفادة من القنوات الفضائية، فهي تفرض نفسها على الواقع كوسيلة اعلامية عامة تصل الى الجميع، يبقى المطلوب هو الاستخدام الصحيح، وعدم السقوط في المحذور فيما تقدمه من برامج، لأن بكل بساطة، لم تأت الغالبية الغالبية العظمى من تلكم القنوات من بيئات اسلامية ومحافظة، وتأخذ مناهجها من علماء الدين. إنما هي تستند الى منظمومة قيمية خاصة محكومة باستحقاقات اقتصادية.. كذلك الحال بالنسبة الى مواقع التواصل الاجتماعي على النت، فهي بالأساس تعود الى شركات عالمية ضخمة، ربما تقف خلفها دول كبيرة ايضاً، لها مصالحها الخاصة في هذا الجانب.

وبالرغم من أن استطلاعات الرأي في العراق وبلاد أخرى، تشير الى وجود التقارب في النسبة لرؤية الناس إزاء التأثير السلبي أو الإيجابي لمواقع التواصل الإجتماعي على حياتهم العامة، فان المؤشرات والدلائل تؤكد أن السلبيات أكثر من الايجابيات، لسبب بسيط هو استبدال فئة من الناس نمط العلاقات الاجتماعية التي طبعت المجتمع الاسلامي، بهذه المواقع، ولعل الإقبال المتزايد على "فيسبوك" أكثر من غيره، خير دليل على ذلك. وفي دراسة أعدها مجموعة من طلبة الجامعات في بغداد، جاء أن (90%) من مستخدمي النت، يتوجهون الى "فيسبوك"، وأن (77%) منهم يهدفون من وراء ذلك تحقيق التواصل الاجتماعي.

وهنالك حقيقة، من الجدير الانتباه اليها، لاسيما في أوساط الشباب، أن طريقة استخدام (فيسبوك)، وايضاً مواقع "الدردشة" أو المحادثة عبر النت، تختلف لدى المجتمع الغربي، عما هو عليه لدى المجتمع الاسلامي، فالفيسبوك – مثلاً- أنشئ بداية على يد طلاب جامعة "هارفارد" الأميركية، واقتصر الأعضاء في هذا الموقع على طلبة الجامعة، لأغراض دراسية وعلمية، فيما تخدم المحادثة عبر النت المجتمع الغربي المتشضّي في علاقاته الاجتماعية، بخلاف ما نتباهى به في مجتمعاتنا الاسلامية، ولو بنسب متفاوتة، بمعنى أن الغرب ليس له ما يخاف عليه من هذه المواقع التي نشأت في بيئته بالأساس. أما نحن فهناك حقاً ما نسعى للحفاظ عليه، وهو حق طبيعي لا يُلام عليه أحد.. ففي الدراسة الآنفة الذكر تبين أن (83%) من افراد العينة يبحثون عن التواصل الاجتماعي عبر "فيسبوك"، أما للمسائل الفكرية فـ (8.4%)، وللمسائل الدينية (3.4%).

وللعلم فقط؛ فان الخبراء والمعنيين في الغرب، هو ايضاً بدأوا يشكون من التأثيرات السلبية من الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي على السلامة النفسية للشباب والفتيان على وجه التحديد.. ففي دراسة أجراها العالم الأمريكي "لاري روزين" استاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا، وشمل (1000) مراهق، ومراقبة (300) آخرين لمدة 15 دقيقة، وخرج بنتيجة بالنتيجة؛ أن الانانية والعدوانية والاضطرابات النفسية والكآبة وتراجع المستوى الدراسي، من صفات هؤلاء المدمنين على مواقع التواصل الاجتماعي.. والنقطة المثيرة في استطلاع "روزين"، قوله: من أهم الاشياء الايجابية التي رصدتها الدراسة، ظاهرة "التعاطف الافتراضي" الموجود بين مستخدمي الـ "فيسبوك"، حيث يشارك كل منهم الآخر الأفراح والأحزان، ويتبادلون الكلمات الرقيقة مما يساعد في تحسين الحالة المزاجية لديهم.."!

ولمن يتابع آراء الخبراء وعلماء الاجتماع والنفس الاجتماعي حول مواقع التواصل أو مواقع المحادثة عبر النت، يجد الحديث الكثير عن السلبيات كما بعض الايجابيات التي يتحدث عنها البعض. وفي كل الأحوال فان التأثيرات السلبية لا يعني بأي حال تجاهل هذا التطور الهائل في عالم الاتصال، والذي جعل العالم قريبة واحدة، وقرب البعيد الى حد أن يكون في الجيب الصغير من الملابس، لكن المهم ايضاً أن لا يتسبب هذا  التطور الهائل والفائق السرعة، في إبعاد القريب.. واعتقد أن وجود كوابح في طريق "فيسبوك" ومواقع الاتصال الاخرى، تساعد  على توفير الأمن للمستخدم من الناحية التقنية والفنية، فلن يدفعه تهوره وفضوله الى السقوط في شرك القرصنة ومافيا الحاسوب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آيار/2013 - 26/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م