الإعلام ومؤشرات التحرر في العراق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يتفق الجميع على أن الاعلام هو الخط الفاصل بين الحرية ونقيضها، فأينما وُجد الاعلام الحر، وجدت الدولة الديمقراطية، والعكس يصح، إذ لا مجال لتقويض الاعلام في دولة ديمقراطية، ولا مجال لتعضيد الاعلام في ظل أنظمة سياسية دكتاتورية، لهذا تبقى درجة حرية الاعلام هي المؤشر الدقيق على تحرر الدولة والمجتمع معا.

ثمة نوعان من الاعلام، منه ما يتبع الى الدولة وينشأ في احضانها ويستمد ديمومته منها، فيكون اعلاميا حكوميا او سلطويا مروجا لها ويعمل في خدمتها ويضح كل قدراته في حياض السلطة او النظام السياسي الحاكم حصرا، وبهذا يتم توظيف الاعم كليا لصالح الحكومة، وهذا الامر متعارف عليه في الانظمة الفردية، أما الاعلام المستقل الحر فهو الذي يتخلص من اشكالية التعالق مع مصالح النظام السياسي، وخاصة قضية التمويل المادي.

إن الحكم على ديمقراطية اي بلد من بلدان العالم، يمكن أن تعرف من خلال درجة الحرية التي تتمتع بها الصحافة الورقية والالكترونية والاعلام المسموع والمرئي، وكل القنوات التي يمكن استخدامها في نشر المعلومة والافكار، كذلك لا يمكن التحكم بالاعلام ومساراته وحجب المعلومات ومضايقة بث الافكار والادعاء ان حرية الاعلام قائمة.

وهناك حجج واهية وأباطيل كثيرة تعتمدها الانظمة السياسية السلطوية لقمع الاعلام والتحكم في مساراته، وتجييره لصالها، من هذه الحجج ان الاعلام من دون تقييد سوف يسيء للدولة والمجتمع، أو الى الجانب الامني للبلد، وهكذا تكون الحجج حاضرة وكثيرة ويمكن تمريرها للتضييق على حرية الصحافة والاعلام عموما.

وهناك اشكالية كبيرة عالبا ما يتعرض لها الاعلام المستقل او الحر، تتعلق بالدعم المالي والتمويل الذي تحتاجه الصحف والوكالات والقنوات الاخرى من اجل الاستمرار في عملها الاعلامي المستقل، لان الجهة الممولة ستفرض اهدافها واجنداتها وتبث افكارها قبل اي فكر آخر، حتى لو لم تكن هذه الجهة حكومية، فكثير من الكتل السياسية والاحزاب تدفع للاعلام لكي يروج لها ولافكارها، وبهذا يفقد الاعلام استقلاليته وحريته ايضا، بمعنى ان محاصرة الاعلام لا تنحصر في الفعل الحكومي فقط، إنما سيكون التمويل سببا في فقدان الاعلام لحريته، وبالتالي فقدان المجتمع كله للحرية.

من هنا تنجح الدول الديمقراطية في تعضيد الاعلام بطرق ليس لها علاقة بالسلطة او النظام السياسي، إذ ينشط دور المنظمات الخيرية والمدنية والاثرياء كافة في تمويل الاعلام المستقل والحر، لهذا ليست هناك معاناة بسبب التمويل، على العكس مما يجري في البلدان او المجتمعات التي لا تتحلى بالوعي والثقافة المتطورة، حيث يتهرب الاثرياء من مساندة الاعلام ماديا، فيضطر العاملون في الاعلام المستقل الى اللجوء لدعم الحكومة وبالتالي يفشل الاعلام الحر في القيام بدورة الصحيح، وتسيطر الحكومة على تسيير الاعلام وفق مصالحها، تحجب ما تريد وتسرب ما تريد وفق اهوائها ومصالحها، بعيدا عن الديمقراطية والمنهج المتحرر.

وطالما أننا نؤمن بأن الاعلام وحريته خط فاصل بين التقدم والتخلف، التطور والسكون، المعاصرة والتقليد، علينا جميعا أن نعمل بكل قوة واخلاص وتنظيم وتخطيط، لدعم حرية الاعلام، لانها الطريق الاسرع والاضمن والانجح لبناء الدولة المدنية المتحررة، والنظام الديمقراطي المستقر، لذا يتطلب الامر خطوات اجرائية داعمة للاعلام منها:

- حماية وسائل الاعلام كافة من تأثيرات التمويل وما يتبع ذلك من تحكّم وتوجيه قد يسلب حرية الاعلام في التعامل مع المعلومة والحدث والافكار.

- على المؤسسات الاعلامية نفسها أن تتسم بالمهنية وتعمق المسار الاعلامي المهني، وتبتعد عن التعامل السطحي الذي يفقد الاعلام حضوره وجديته.

- لابد أن يكون هناك وعي من لدن اثرياء البلد في دعم الاعلام الحر.

- الضرائب ينبغي ان تسهم بطريقة منظمة لدعم الاعلام المستقل، وفق تشريعات واضحة تتبناها جهات تنفيذية دقيقة ومنضبطة في العمل.

- ان تعي الجهات الحكومية دورها المنضبط في دعم الاعلام الحر..

- أن يتم تشريع الضوابط الواضحة التي تحمي الاعلام من التقييد، وأن لا يتم تقييد العمل الاعلامي وفق حجج هدفها وأد الاعلام المستقل.

- الاستفادة من تجارب الدول والمجتمعات المتطورة في مجال الاعلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آيار/2013 - 26/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م