سوريا وثالوث "الأمير" و"الشيخ" و"الجنرال"

عريب الرنتاوي

في الأنباء، أن الأمير القطري استعجل الرئيس الأمريكي التدخل لحسم الموقف في سوريا، منطلقاً من قراءة لصيقة للمشهد الميداني السوري تقول، أن نافذة الفرص "للحسم العسكري" تضيق كثيراً، وباتت تُعد بالأشهر المعدودات، بعد التقدم الذي حققه الجيش السوري خلال الأسابيع القليلة الفائتة على عدة محاور وجبهات.. الشيخ حمد عبّر للرئيس أوباما عن خشيته من قيام الأسد بتصفية جماعية للمعارضة وتنفيذ عمليات انتقامية ضد الدول الداعمة لها.

بعد بأيام، كانت مؤسسة الإفتاء العالمي، إحدى أدوات السياسة الخارجية القطرية وأذرعها، ومن على منبر جامع الخليفة عمر بن الخطاب في الدوحة، تشكر إدارة أوباما على الـ60 مليون دولار التي قدمتها للمعارضة السورية، وتحث واشنطن على "نصرة" الشعب السوري، وتتوسل الغارات الأطلسية لتدمير النظام، وهي ذاتها المؤسسة التي سبق وأن أفتت بهدر دم كل من يعمل في المؤسسة السياسية والمدنية والعسكرية والدينية الرسمية السورية، فمن كان منهم مذنباً بقتل الشعب السوري، لقي جزاءه العادل، ومن منهم كان منهم بريئاً، فإن الله سيجزيه في اليوم الآخر خير جزاء، في تناغم بين الإفتاء والسياسة والمخابرات، يشف عن الدرك الذي بلغه "فقهاء السلاطين" و"مفكرو البترودولار".

الاستجابة الأولى لنداء الأمير والشيخ، جاءت من الجنرال يعلون.. غاراتان إسرائيلييتان خلال أقل من 48 ساعة، واحدة استهدفت قافلة سلاح موجهة إلى حزب الله (حزب الشيطان وفقاً لوصف القرضاوي).. والثانية، استهدفت مركز جمرايا للبحث ومستودعات للواء 105 على مقربة من جبل قاسيون، قلب العاصمة السورية، وحارسها الطبيعي الأمين.. والأرجح أن هذه الأنباء، سقطت برداً وسلاماً على أنصار مدرسة "التسول والتوسل" في طبعتيها السياسية/ الأمنية، والدينية/ العلمائية (لا ندري حتى الآن، ما هو موقف المدرسة القومية/ اليسارية/ الفوق ثورية التي تتخذ من الدوحة مقراً لها).

ليس بعيداً عن الدوحة، بالمعنى السياسي لا الجغرافي، كانت إحدى صحف لندن الصفراء، برغم غلافها الأخضر، تصدر في مقال افتتاحي يستخلص دروس الغارة الإسرائيلية الأولى (لم تكن الغارة الثانية قد وقعت).. أما الخلاصة، فتقول أن الدفاعات الجوية السورية، ليست بالكفاءة التي تبالغ واشنطن في تقديرها والحديث عنها.. وأن كل الذرائع لفرض مناطق حظر الطيران والممرات والملاذات وضرب مراكز السيطرة والقيادة والتحكم والقطاعات العسكرية، قد سقطت تحت ضربات سلاح الجو الإسرائيلي.. فلماذا كل هذا التقصير والتخاذل الأمريكيين.. لماذا لا تهب واشنطن لتدمير النظام، فتُريح ونستريح؟!.

طبعاً، الغارة الثانية، الأشد إيلاماً، ستُعمق يقين رئيس تحرير الصحيفة إياها، وستدفعه للخروج عمّا تبقى لديه من حذر وماء وجه، فيعيد انتاج فتوى القرضاي، ولكن بفتحها على اتساعها، وتوجيهها لكل من بيده الحول والقوة، للتدخل عسكرياً لتخليص المنطقة من شرور هذا النظام القمعي، وإشاعة نظام الحريات والديمقراطية "الأنجلو ساكسونية"، ولكن على الطريقة الوهابية المعمول بها في دول الرمل والملح ؟!.. حتى وإن جاءت الاستجابة من إسرائيل.

استيقظت هذا الصباح على رنين رسائل الهاتف والبريد الالكتروني.. بعضها يكتفي بذكر خبر الغارة من دون تعليق، وبعضها الآخر يقطر شماتةً وتشفياً.. لكأن جيوش الفتح الإسلامي، وليس جيش الاحتلال الإسرائيلي، هي من دكّت مركز الأبحاث ومراكز اللواء 105.. والمؤسف حقاً أن بعض مُرسلي هذه الرسائل، هم من أدعياء "خيار المقاومة" سابقاً، المتدثرين بلبوس الورع والتقوى والتدين دائماً... الذين أعمتهم العصبيات المذهبية، فباتوا يصفقون لنتنياهو ويعلون والإف 16.. وكيف لا يفعلون ذلك، وهم التلاميذ النجباء لكبير علمائهم الذي لم يدخّر فتوى ضد السلطة الفلسطينية المتخاذلة والمتأمركة، إلا وأطلقها، أما وقد صار الأمر متصلاً بصراع المذاهب وحروب داحس والغبراء، نراه يتحوّل إلى "داعية" للاستقواء بـ"الصليبيين والكفار"، و"مفتى القوات الأطلسية" في الدوحة وسائر المشرق وشمال أفريقيا.

على أية حال، نحن لا نعرف كيف سيتصرف النظام السوري بعد الغارات الإسرائيلية الثلاث التي استهدفته منذ أواخر كانون الثاني/ يناير الفائت.. ولكن بالاستناد إلى الخبرة السابقة، فنحن نتوقع المزيد من "ضبط النفس" و"الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين"... لكن مناخات الإقليم المتفجر، تسمح بإبقاء هامش للتخمين بتصعيد مقابل، رداً على العدوان الإسرائيلي، أما كيف ومتى وعن أي طريق وبأي شكل ووسيلة، فتلكم أسئلة، يصعب الإجابة عليها.

تكثيف الغارات الإسرائيلية على سوريا، يجب أن يُقراء في سياقين متلازمين.. الأول، ثابت واستراتيجي، ويتعلق بالقرار الإسرائيلي غير القابل للنقض أو الطعن، بضرب وتدمير مقدرات سوريا، دولة وجيشاً وبنية علمية وصناعية وتحتية ومجتمعاً.. والثاني، تكتيكي متحرك، وهنا يمكن التوقف أمام أكثر من حدث وتطور، لا يمكن فهم الغارتين الأخيرتين من دون إمعان النظر فيها:

الأول، خطاب السيد حسن نصر الله، الذي نقل التضامن مع النظام السوري، إلى "المستوى الاستراتيجي"، وجعل من معركة النظام في سوريا، معركة حياة أو موت لمحور بأكلمه، وتهديده بأن "لسوريا أصدقاء، لن يسمحوا بسقوطها".. والثاني، التأكيد الإيراني المتكرر على دعم النظام واعتبار معركته معركتها، وتذكيرها عشية الغارة، على أن "حدودها الأمنية تصل إلى شرق المتوسط".. والثالث، ويتصل بالتقدم النوعي الذي حققه الجيش السوري النظام على محاور وجبهات القتال المختلفة.. فهل قررت إسرائيل التدخل لتعديل موازين القوى على الأرض؟.. هل بدأت مرحلة اختبار النوايا الإيرانية واللبنانية (حزب الله)؟.. هل هي بداية التحرش العسكري بهذا المحور، توطئة لضرب البرنامج النووي الإيراني، وتدمير مقدرات حزب الله القتالية؟.. في الحقيقة لا يمكن النظر لهذه الغارات في سياقها السوري المحض، فهي محمّلة بالرسائل والأبعاد الإقليمية الأوسع نطاقاً... ووحدها الأيام القادمة، كفيلة بالإجابة على هذه الأسئلة والتساؤلات.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آيار/2013 - 26/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م