من يحوِّل ذهب العراق الى تراب؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك مقولة أو وصف مجازي يُطلق على الاشخاص الموهوبين المنتجين الناجحين، تقول تلك المقولة (إنك إذا لمست التراب تحوِّله الى ذهب)، وهناك أشخاص على النقيض من ذلك، إذ بلمسة منهم يتحوَّل الذهب الى تراب، وهؤلاء هم البلاء والوباء الذي يفتك بالشعوب (الغنية الفقيرة) في الوقت نفسه، كما هو الحال مع العراق.. هذا البلد الغني في موارده وثرواته الطبيعية والبشرية والآثارية والدينية، لكن شعبه المحروم يعاني من الفقر والعوز والحرمان، والسبب أصحاب اللمسات التي (تحوِّل الذهب الى تراب)، فمن هم هؤلاء، وكيف يقومون بتحويل الذهب الى تراب ولماذا؟

إن الامر يتعلق بقادة البلد بطبيعة الحال، وبمن يتصدر الادارة في السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والخدمات، وادارة ثروات البلد وموارده، فإذا غاب التخطيط وضعف التنفيذ، وتردّى القانون، تستشري ظواهر الفساد والتجاوز على المال العام، وتسود دوائر ومؤسسات الدولة ادارات فاسدة تنطبع بالطابع المافيوي وتنتعش العصابات، وتتضاعف حالات الاختلاس وتُهدر ثروات البلاد في صفقات وهمية وتنتعش حالات التزوير والتهريب وغسيل الاموال، وتضيع الموارد والثروات هباءً، ويزداد الفقراء فقرا في حين تتضاعف ثروات القلة القليلة وتتضخم ارصدتهم وحساباتهم في البنوك المحلية والخارجية، ويشترون القصور والفلل الفارهة والسيارات الحديثة واليخوت التي يسهرون فيها، فيما يتضور فقراء الشعب جوعا، ويتألمون ويمرضون ويغوصون في وحل الجهل.

يحدث هذا بسبب اللمسات التي يقوم بها بعض القادة والسياسيين والمافيويين، عندما يقومون بتحويل ثروات البلاد وموارده والذهب الاسود (من خلال ظواهر الفساد) الى تراب، على العكس مما يحدث في بلدان اخرى يقوم قادتها وساستها، وأولي الامر فيها بتحويل التراب الى ذهب، من خلال لمساتهم التي تحترم الآخر ولا تتجاوز على حقوقه.

ومثالنا على ذلك، اليابان هذا البلد الذي اصبح اقتصاده من اقوى اقتصاديات العالم، بفضل لمسات ابنائه وقادته المخلصين، وبسبب المنظومة القانونية التشريعية التي لا تسمح اطلاقا بالفساد والتجاوز على المال العام، فضلا عن التخطيط الاقتصادي الدقيق والتنفيذ الناجح، علما ان منظومة السلوك المجتمعي في اليابان بحد ذاتها، تشكل درعا واقيا ضد الفساد والاختلاس وقبول الرشا وما شابه من امراض باتت متفشية في مجتمعنا، لذلك ينظر اليابانيون الى الشرف وفق معيار الالتزام بضوابط حفظ المال العام فضلا عن السعي المتواصل لتطوير الفكر وتحديث الرؤى والمشاريع الاقتصادية التي ترتقي بالبلاد على نحو متسارع ودونما توقف.

فيما يحدث لدينا العكس، اذ تؤكد كثير من الوقائع والفضائح التي يرتكبها اصحاب اللمسات الساحرة، تؤكد أن البلد يسير نحو الانحدار والنكوص والتراجع، وهي علامات واضحة وأجراس انذار تحذر الجميع وأولهم القادة، بأن ما يحدث من اهدار واهمال وتبذير وسرقات للمال العام، سيقود البلاد الى مستنقع الفقر والجهل والمرض الذي سيدمر الجميع، بمن فيهم الطبقة السياسية التي تحكم البلاد وتدير شؤونه، وتشترك في انشطته وفعالياته السياسية.

ومن مؤشرات تحويل الذهب الى تراب، موجات الغبار التي تملأ شوارعنا واحياءنا السكنية وبيوتنا، بسبب الحفريات العشوائية الكثيرة التي تخلفها مشاريع فاشلة، تقوم بها شركات وهمية او غير متخصصة، فضلا عن مقاولين فاشلين هم سراق في حقيقة الامر، ولذلك على القيادات الجديدة (مجالس المحافظات) والقادة الاخرين، أن يتحركوا بقوة لتغيير ما يحدث، وعليهم جميعا ان ينقذوا البلاد من الانحدار الى الهاوية، وتخليص الشعب من الفقر، ويمكن هذا من خلال سن وتنفيذ تشريعات قوية فورية، رادعة للفساد والمفسدين والمافيويين.

بعكس ذلك ستفوت هذه الفرصة ايضا، وسيستمر البلد في الانحدار الى مستنقع الجهل، والمرض الذي لا ينتج سوى الدمار والاحتراب، لذا امام الطبقة السياسية الحاكمة وسواها، فرصة قد تكون اخيرة لتغيير المسارات الخطيرة.. نحو الاتجاه الصحيح!

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/آيار/2013 - 23/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م