ليس غريبا على بعض المثقفين العرب دعمهم للعنف والارهاب وخلط
الاوراق في العراق الجديد للارتزاق والكسب الحرام، فلطالما برر امثال
هؤلاء لديكتاتورية نظام الطاغية الذليل صدام حسين، ولجرائمه وحروبه
العبثية، وها هم اليوم يبررون الارهاب من خلال وصفه بالمقاومة والثورة
وما الى ذلك.
لم نسمع منهم كلمة ادانة للفعل الشنيع الذي ارتكبته جماعات العنف
والارهاب في مدينة الرمادي، بقتلها، وبطريقة وحشية، للجنود الخمسة
الشهداء، كما اننا لم نسمع منهم كلمة ادانة لما تفوه به مؤخرا (امام
النار) واقصد به (فقيه موزة) الذي دعا الولايات المتحدة الاميركية الى
وقفة جهادية ل (تحرير) الشعب العربي السوري، في اطار كلام طائفي خبيث
بامتياز، لم نسمع منهم اي شئ لانهم جزء من الارهاب.
انهم يمنون انفسهم بربيع يشهده العراق الجديد، ناسين او متناسين
بانه يختلف عن كل الدول العربية الاخرى، فليس في العراق الجديد نظام
سياسي نزا على السلطة بانقلاب عسكري او بمؤامرة دبرت بليل، كما انه ليس
فيه نظام قبلي يتوارث الابناء السلطة عن آبائهم كما هو الحال في نظام
القبيلة الفاسد في الخليج.
في العراق الجديد نظام سياسي دستوري فيدرالي وتعددي انبثق من خلال
دستور صوتت عليه اغلبية الشعب العراقي، وفيه مؤسسات لدولة يبنيها صندوق
الاقتراع، على الرغم من كل الاشكالات والملاحظات التي نأخذها على هذه
المؤسسات، ولكن يبقى الفارق الجوهري بين العراق الجديد وبقية النظم
السياسية في البلاد العربية، باستثناء تلك التي شهدت ربيعا عربيا كمصر
وتونس وليبيا واليمن، هو نوعية النظام السياسي فبينما يعتمد في العراق
الجديد على ادوات الديمقراطية ووسائل التداول السلمي للسلطة، يعتمد في
بقية البلدان اما التوريث او الانقلابات العسكرية، ما يعني قدرة الاول
على التطور والاصلاح اما الثاني فلا يمكن اصلاحه الا بعملية انقلاب
جذرية تاتي عليه من القواعد، من خلال ربيع يكنسه ومخلفاته ليبني نظاما
سياسيا جديدا على غرار ما هو معمول به في العراق الجديد او شبيه له.
فلماذا اذن يمني بعض المثقفين العرب انفسهم بربيع عربي في العراق؟.
اولا: انهم يتعاملون مع العراق الجديد بطائفية مقيتة، ولو كانت
الاقلية هي التي تحكم البلاد في اطار سياسات التمييز الطائفي والعنصري،
لغنوا لها وحموها من اي تغيير ولرقصوا لها، ولكن، ولكون نظام العراق
السياسي يعتمد مبدا حكم الاغلبية، وهو جوهر النظم الديمقراطية في
العالم، لذلك تراهم يتعاملون بطائفية هي بالضد من الثقافة التي يدعونها
وبالضد من الربيع الذي يتمنونه وبالضد من الديمقراطية والحرية والكرامة
التي يقولون بانهم يتمنونها للعراقيين، فالطائفية والعنصرية تتناقض مع
كل ذلك جملة وتفصيلا، الا انها اعمتهم لانهم مسكونون بالحقد والكراهية
والتمييز الطائفي.
وعندما يشهد العراق اليوم سلسلة التفجيرات الاجرامية التي طالت
الابرياء في الاماكن المزدحمة في اكثر من محافظة عراقية، وقد حملت
دلائل التمييز الطائفي باقبح صوره، لا احد منهم يستنكر او حتى ينبس
ببنت شفة، لان الامر لا يعنيهم لازال الضحايا من غير ما تتمنى انفسهم
المريضة.
وعندما تصبر الحكومة على تظاهرات واعتصامات بعض مناطق العراق ولم
تتعرض لهم باي شكل من اشكال العنف واستخدام القوة، لم يثن احدهم على
ذلك او يقدره، وربما اعتبروا الامر دليل على ضعفها في مواجهة الاحداث،
واذا صادف ان استخدمت القوات الامنية بعض القوة، ربما خطأ، في هذه
المنطقة او تلك، فان الدنيا تقوم ولا تقعد على لسان هؤلاء، في الوقت
الذي لم ينبسوا ببنت شفة وهم يرون انهار الدماء التي تسيل في ساحات
الاعتصام والتظاهر في مصر الكنانة واليمن السعيد وغيرها من دول الربيع
العربي.
اية ازدواجية هذه التي يتعامل بها هؤلاء (المثقفون)؟ واية ثقافة
هذه التي يسعى هؤلاء لزرعها وزرقها في المجتمع العربي المتخلف؟ انها
ثقافة التمييز الطائفي والعرقي، وهي ثقافة القتل والذبح والتفجير
والتدمير التي تحرض عليها فتاوى التكفير التي يصدرها بين الفينة
والاخرى فقهاء البلاط القابعين في المملكة العربية السعودية وفي (دولة
قطر العظمى) وبتغطية مكثفة من قبل الاعلام الطائفي التحريضي المشبع
بالبترودولار الخليجي، وكل ذلك ظنا منهم بان تصدير العنف والارهاب الى
العراق، مثلا،سيحمي عروشهم منه، ولكن هيهات هيهات فلقد علمتنا التجارب
المتتالية بان من يدعم العنف سيكتوي بنيرانه ان عاجلا ام آجلا، وان من
يحرض على الارهاب في بيت جيرانه سيلحقه الاذى والدمار منه ان عاجلا ام
آجلا، وان من يصرف الملايين من اموال البترودولار لتصدير الارهاب الى
جيرانه سيستورده مجانا ان عاجلا ام آجلا، وان من يحرض باعلامه وبفتاوى
فقهاء التكفير على العنف والارهاب لقتل الابرياء في البلاد الاخرى
سيستورد كل ذلك بفتاوى مضادة وباعلام مضاد يغزوه في عقر داره، ولات حين
مندم.
ثانيا: انهم في حقيقة امرهم يكرهون الديمقراطية ويعشقون الاستبداد
والديكتاتورية، فهم نتاج النظام السياسي العربي الفاسد والمؤسسة
الدينية الرسمية الفاسدة، ولذلك لا ينبغي ان ننتظر منهم اي تاييد
للنظام السياسي الديمقراطي في العراق الجديد ابدا، انهم يدافعون عن
متبنياتهم الثقافية، وانهم يدافعون عن جيوبهم التي ملئت مالا حراما من
نظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج، ولهذا السبب فهم اشد نفاقا
من غيرهم.
انهم يدافعون عن نظام (موزة) واخواتها الذي يشكل اليوم مع اسرائيل
محور (التدمير العربي) ان على صعيد المفاهيم والقيم والمبادئ او على
صعيد الواقع المزري.
ولقد نجح هذا المحور، بامواله الطائلة واعلامه التضليلي، وللاسف
الشديد، في توظيف جيش من (المثقفين) الى جانب جيش من فقهاء البلاط
للتنظير للتدمير المعرفي والواقعي الذي يمارس بالضد من عقول وارادات
الشعب العربي والذي نام وغفا لكثرة اللدم.
ان الديمقراطية بالنسبة لهم تعني تغيير المتبنيات القديمة وكل ما
يتعلق بها من نظم سياسية فاسدة ومؤسسة دينية رسمية فاسدة، والذي يعني،
بالتتابع، ايقاف كل انواع الدعم المادي والمعنوي الذي يحصلون عليه من
بترودولارات نظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج، ولذلك تراهم
يستميتون دفاعا عن كل السياسات التي تصدر من الاخير بلا تفكير او تأني
او تردد، فلقد ربط هؤلاء مصيرهم بمصير نظام القبيلة الفاسد وتحديدا
بنظام (موزة) الذي يقود اليوم ويدير اتجاهات الاحداث في المنطقة
بالنيابة عن اسرائيل.
اما العراقيون، فلقد فعلوا خيرا بامرين: الاول؛ عندما لم تبتلع
مؤسسات الدولة الامنية الطعم الذي رمته لها جماعات العنف والارهاب
وبايعاز من نظام (موزة).
الثاني؛ عندما اعلن الشرفاء من المعتصمين والمتظاهرين فك ارتباطهم
بكل من يحرض على العنف والارهاب في مناطقهم، ثم خطت الصحوات خطوة
اضافية الى الامام باعتقالها للقتلة المجرمين الذي قتلوا الجنود
الشهداء الخمسة.
يجب ان ينتبه الجميع ويقدروا الظرف لكي لا تعود مناطقهم حواضن
دافئة للارهاب مرة اخرى، فالخاسر الأول من جراء ذلك هم انفسهم قبل
غيرهم، فلماذا يسمحوا للمشهد ان يتكرر ثانية؟.
[email protected] |