أزمة المياه... ظاهرة قد تشعل الحروب الدولية

 

شبكة النبأ: تعتبر مشكلة شحة المياه من اخطر المشاكل التي تهدد الحياة بشكل عام، خصوصا مع استفحال وتفاقم خطر التغيرات المناخية والاحتباس الحراري الذي أدى الى انتشار ظاهرة الجفاف والتصحر، وأزمة المياه أو شح المياه كما تشير بعض المصادر هو مصطلح يشير إلى حالة الموارد المائية في العالم بحسب الطلب البشري عليها. وهذا المصطلح قد تم تطبيقه على حالة المياه في جميع أنحاء العالم من قبل الأمم المتحدة والمنظمات العالمية الأخرى. والجوانب الرئيسية لأزمة المياه هي ندرة المياه الصالحة للاستعمال البشري وتلوث المياه.

وتشير تقديرات الخبراء إلى أن خمس سكان الأرض يعانون من شح مصادر المياه، ما يعني أن 1.2 مليار إنسان يعيشون في المناطق الجافة. ويقدر العلماء في المعهد الدولي لتنظيم المصادر المائية، أن متوسط استعمال الماء لغرض الشرب يبلغ لترين للفرد الواحد يوميا، وأن ما يصرف لأغراض الزراعة والطعام معا يصل إلى 3000 لتر لكل مواطن في العالم. وتبلغ التقديرات الخاصة بالمياه المستعملة في الزراعة 7000 كيلومتر مكعب. ومن المتوقع أن يزداد هذا المؤشر في العام 2030 بمقدار 2000 كيلومتر مكعب أخرى، لتصل حصة المياه المستعملة في الزراعة إلى 70 بالمائة من الحجم الكلي للمياه المستهلكة في العالم.

يضاف الى ذلك تفاقم المشاكل السياسة والخلافات الدولية بين بعض الدول الأمر الذي تسبب بتعطيل الكثير من الاتفاقيات والمواثيق الخاصة، وهو ما ينذر بحدوث المزيد من الصراعات والحروب حيث قال تقرير للأمم المتحدة إن من المرجح أن يتسبب تراجع إمدادات المياه خاصة مع تأثير التغير المناخي في اندلاع المزيد من الصراعات مشيرا إلى ضرورة اعتبار المياه عنصرا حيويا للأمن القومي مثلها مثل وسائل الدفاع. وأضاف التقرير أن حوالي 145 دولة تتقاسم أحواض أنهار مع جيرانها وتحتاج إلى تعزيز علاقات التعاون بشأن هذا المورد المرجح أن يتاثر بسبب تزايد وتيرة الفيضانات وموجات الحر.

وقال ميشيل جارو رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية والأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية في التقرير "في العقود القليلة المنصرمة تجاوزت تعريفات الأمن حدود اقتصاره على الصراعات والمخاطر العسكرية." وفر نحو 185 ألف صومالي إلى دول مجاورة في عام 2011 بسبب نقص المياه والغذاء الناجم عن الجفاف بينما اضطر سكان مناطق بأكملها في جنوب السودان إلى مغادرة مناطقهم لشح المياه الناتج عن الصراع في عام 2012.

وتتعرض إمدادات المياه لضغوط متزايدة من سكان العالم الذين يتجاوز عددهم سبعة مليارات نسمة والمرجح أن يصل إلى تسعة مليارات بحلول عام 2050. وأشارت الدراسة إلى أن الآثار المدمرة للتغير المناخي تنعكس على المياه في الغالب. وأودت الفيضانات في باكستان عام 2010 بحياة نحو ألفي شخص بينما أدت موجات الجفاف التي ضربت الولايات المتحدة وروسيا في الأعوام الماضية إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية. بحسب رويترز.

وقال التقرير "تشكل المياه العابرة للحدود تحديات هائلة أمام تحقيق أمن المياه." ومن بين المؤشرات الإيجابية قال التقرير إن البرازيل وباراجواي وأوروجواي والأرجنتين وقعت اتفاقا في عام 2010 للتعاون والحيلولة دون اندلاع صراعات على خزان ضخم للمياه الجوفية يمتد على أكثر من مليون كيلومتر مربع. وتقدر منظمة الصحة العالمية بأن كل شخص يحتاج إلى ما يتراوح بين 50 و100 لتر من المياه يوميا لتلبية احتياجاته الأساسية.

الى جانب ذلك حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، من أن ما يقرب من نصف سكان العالم سيواجهون أزمة مياه طاحنة بحلول عام 2030م، مع ازدياد وتيرة معدل الطلب المتنامي بنسبة تصل إلى 40٪. وفجرت تصريحات بان كي مون لصحيفة يو إس أي توداي، قلقاً دولياً متزايداً بشأن هذه الكارثة الإنسانية، إذ يعيش فرد من كل ثلاثة أفراد تحت وطأة ضغوط أزمات المياه العالمية التي تتراوح درجة خطورتها بين المتوسطة والكبيرة.

وقال في الخطاب الذي ألقاه في افتتاحية السَنة الدولية للتعاون في مجال المياه عام 2013م، الذي تزامن مع الذكرى السنوية العشرين لفعاليات يوم المياه العالمي، إن ازدياد حجم التنافس الزراعي والصناعي والتجاري يشعل الأزمة التهاباً. وأضاف أن الزيادة السكانية والتغيرات المناخية يمكن أن يغيرا من طرفي المعادلة، مؤكداً الحاجة لنشر ثقافة التعاون الدولي والعمل بها خروجاً من هذا المعترك الصعب، فالموارد محدودة وغير مستدامة، ومصادر المياه غير كافية.

من جهته، توقع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة السفير توماس ماير هارتنج، زيادة معدل استخدام المياه بنسبة 50٪ بحلول عام 2025م مع تزايد أعداد النازحين إلى المناطق الحضرية، لافتاً إلى أن ما يقرب من 5.5 مليار نسمة أي ثلثي سكان العالم، سيعيشون في مناطق ساخنة متضررين من الأزمة.

وأضاف أن ما يزيد الأمر خطورة هو انهيار خطة منظومة الأهداف التنموية العالمية على أرض الواقع، إذ إنه من المتوقع زيادة أعداد مَنْ لا يستطيعون الحصول على مياه نظيفة صالحة للشرب بنسبة تتجاوز 50% بحلول عام 2015م، فقرابة 780 مليون نسمة على المستوى العالمي يعانون من مشكلات معالجة المياه، وبخاصة في إفريقيا التي تعاني فجوة كبيرة يصعب سدها.

مخاطر شحة المياه

في السياق ذاته عبر جنوب السودان عن اعتراضه على اتفاق النيل الذي أبرمته مصر والسودان سنة 1959 والمتعلق بتقسيم مياه النيل. وقال مسؤولون في جنوب السودان إن بلادهم ستلتحق بالاتفاق الذي وقعته إثيوبيا، ورواندا، وكينيا، وأوغندا، ورواندا، وتانزانيا سنة 2010، وانضمت إليه بورندي في 2011. وقال بول مايوم أكش وزير المياه والري في جنوب السودان إن بلاده لا تعترف باتفاقية 1959. وأضاف قائلا "كنا تحت سيطرة السودان عندما وقعت الاتفاقية، لذلك لم نكن نستطيع أن نقول شيئا، أما اليوم فنقول إنه لا علاقة لنا بهذه الاتفاقية."

ويعد توقيع الدول الواقعة على ضفاف النيل على إطار اتفاقية التعاون تعبير عن عدم رضاها على اتفاق 1959 الذي أعطى للسودان ومصر أكبر حصة من مياه النيل لتقاسمها. وقال مايوم "لقد التحقنا بمبادرة حوض النيل ونحن في طريقنا للالتحاق بإطار اتفاقية التعاون، الذي من خلاله يمكن لدول حوض النيل الالتقاء لمناقشة أفضل الطرق لاستغلال مصادر المياه."

وصرح الوزير لمحطة إذاعية "لقد رفضت مصر والسودان وجمهورية الكونغو الديموقاطية تعديل الاتفاق بدعوى أنه يتعارض مع اتفاق 1959". ووقع رئيس الوزراء المصري هشام قنديل على مذكرة تفاهم مع ريك ماشار نائب رئيس جنوب السودان حول التعليم، والصحة، والزراعة، والاستثمار دون الإشارة إلى ملف مياه النيل.

الى جانب ذلك حذرت منظمات اغاثية بريطانية من ان وجود مئات آلاف من اللاجئين السوريين في الاردن يستنزف مصادر المياه الشحيحة في هذا البلد الى "الحد الأقصى". وقال كريستيان سنود من منظمة "اوكسفام" في بيان مشترك مع الصليب الاحمر البريطاني، ان "حالة الطوارئ المتعلقة باللاجئين السوريين تسلط الضوء على مشكلة المياه وهي احدى المشكلات الملحة في الاردن".

واضاف انه "يتوجب ايجاد حلول للتعامل مع مشكلة شح المياه في الاردن، ويجب القيام بذلك بشكل عاجل". واعتبر سنود ان "الجهود الصغيرة الرامية الى الحفاظ على المياه ضرورية لكنها ليست كافية لمعالجة مشكلة اكبر وطويلة الامد"، موضحا ان "حكومة الأردن ستحتاج الى كثير من المساعدة، طويلة الأجل وواسعة النطاق، من حكومات العالم لمعالجة هذه المسألة الهامة".

واستقبلت المملكة الصغيرة موجات من لجوء الفلسطينيين والعراقيين بسبب الصراعات في العقود الماضية وتستضيف الآن اكثر من 450 الف سوري، منهم ما يزيد عن 120 الفا بمخيم الزعتري (85 كلم شمال شرق عمان) قرب الحدود مع سوريا. واكد البيان ان "نظام التزويد المائي في الاردن تحت ضغط شديد ويستنزف الى الحد الاقصى مع تدفق اعداد اكبر من اللاجئين الفارين من سوريا".

ويضطر الاردن الذي ينمو عدد السكان فيه بمعدل 3,5 بالمئة سنويا، الى سحب المياه الجوفية منذ الثمانينات لمواجهة ازمة المياه المزمنة. وبحسب البيان فان أكثر من 3500 متر مكعب من المياه تنقل يوميا الى مخيم الزعتري لتزويد اللاجئين بمياه نظيفة للشرب والطبخ والتنظيف، مضيفا "انها مسألة وقت فقط قبل ان تنفذ المصادر الرئيسية للمياه، وبعض المناطق تجاوز سحب مياهها الجوفية ثلاثة أضعاف معدل التغذية".

واشار الى ان اللاجئين لا يستطيعون شراء المياه المفلترة والمعقمة في المملكة الصحراوية، التي تعتبر احدى افقر 10 دول للمياه في العالم، والتي تشكل الصحراء 92 بالمئة من اراضيها. وقال البيان ان "هناك زيادة في حالات الإسهال بين الأطفال الصغار الذين لا يكون لديهم خيار سوى شرب الماء مباشرة عند تدفقه من الصنبور". بحسب فرنس برس.

واوضح ان اوكسفام "اعتمدت لبرامجها في مخيم الزعتري تدابير لحفظ المياه مثل صنابير تفتح لفترات قصيرة من الوقت لمنع إهدار المياه. ودعت المنظمات كذلك الى توعية افضل بين اللاجئين القادمين لمشاكل المياه في الأردن". وتعتمد المملكة بشكل كبير على مياه الأمطار لتغطية احتياجاتها مع تزايد عدد سكانها البالغ 6,8 ملايين نسمة بنسبة 3,5 بالمئة سنويا، في حين يفوق العجز السنوي 500 مليون متر مكعب. وتشير التوقعات الى ان البلاد ستكون بحاجة الى 1,6 مليار متر مكعب من المياه سنويا بحلول العام 2015.

على صعيد متصل يقول مسؤولون أن مئات الأسر في منطقة سول المتنازع عليها في جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد تواجه نقصاً في المياه بسبب ضعف سقوط الأمطار. وتدعي كل من أرض الصومال ومنطقة بونتلاند التي أعلنت تمتعها بالحكم الذاتي أحقيتهما في منطقتي سول وسناغ. وقال محمد موسى عوالي، رئيس هيئة البحوث الوطنية للبيئة والتأهب للكوارث وإدارتها في أرض الصومال"نعتقد أن حوالي 3,000 أسرة تواجه نقصاً في المياه في منطقة سول".

وأضاف عوالي أن بعض الأسر المتضررة من الجفاف في الريف هاجرت إلى المناطق المجاورة، مثل توغدير وبوهوتل، التي حظيت بكميات جيدة من أمطار "دير" الموسمية وهي الأمطار التي تهطل عادة في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر بينما سافر آخرون إلى الجنوب بحثاً عن المياه والمراعي.

وأضاف "لكننا قلقون بشأن كبار السن والأشخاص الذين ليست لديهم القدرة على الرحيل عن القرى. فهم يواجهون وضعاً خطيراً ويحتاجون إلى الماء والغذاء". وتعليقاً على عدد المتضررين، قال نائب محافظ سول محمد عبدي ديمبل "لا يوجد تقدير دقيق، ولكنني أستطيع أن أقول أن نقص المياه قد أثر على المنطقة بأكملها. يقع أقرب مصدر للمياه على بعد 94 كيلومتراً، داخل إثيوبيا، ونعتقد أن حوالي 200 أسرة رعوية ذهبت إلى إقليم مدق الصومالي بحثاً عن الماء والكلأ".

وقد ارتفع سعر المياه في لاس أنود عاصمة إقليم سول بشكل حاد منذ منتصف فبراير الماضي. فقد أصبح سعر برميل مياه الينابيع سعة 200 لتر يبلغ 1.5 دولاراً، بعد أن كان يبلغ دولاراً واحداً منذ شهر واحد. كما ارتفع سعر برميل مياه الأمطار المجمع في أحواض المياه من 2.48 دولاراً إلى 5 دولارات.

وأفاد فيصل جامع، وهو صحفي يعمل في لاس أنود أن "المياه نفدت من الينابيع القريبة من لاس أنود للمرة الأولى في التاريخ، كما أن الأسعار قد ارتفعت". وأضاف محمد عبد الله، وهو أب لخمسة أطفال أن "الزيادة في أسعار الماء لها تأثير سلبي على سبل عيشنا، وإذا كان دخل شخص ما 150 دولاراً في الشهر، فإنه سيحتاج إلى 45 دولاراً لشراء المياه، مقارنة بـ 22.38 دولاراً منذ شهر واحد، والمال المتبقي لن يكفي لتغطية احتياجاته المعيشية".

وبينما يتواصل موسم الجفاف يمكن أن تنضب المزيد من مصادر المياه، وفقاً لتوقعات ما بعد موسم الأمطار التي أعدتها وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية في الصومال (FSNAU). وأضاف تقرير وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية أنه "من المرجح أن تواجه المناطق التي عانت من سقوط كميات قليلة من الأمطار الموسمية في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2012، بما في ذلك هضبة سول وأجزاء من وادي نوغال، نضوباً سريعاً لموارد المياه خلال موسم الجاف في الفترة من يناير إلى مارس، خاصة وأن العديد من أحواض جمع مياه الأمطار لم تتجدد خلال موسم الأمطار الماضي. ومن المرجح أيضاً أن تسافر الحيوانات لمسافات طويلة إلى نقاط المياه بسبب نقص فرص الحصول على الماء في ظل ارتفاع تكلفة نقله بالشاحنات". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وقد يزداد الوضع سوءاً هناك بسبب تدهور حالة الأمن الغذائي المصاحبة لذلك، حسبما ذكرت وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية. وقد بدأت بعض أمطار "غو" - موسم الأمطار في الفترة من مارس إلى مايو تهطل على أجزاء من أرض الصومال، ولكن التوقعات المبدئية لوحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية تشير إلى أن إجمالي هطول الأمطار في الصومال سيكون طبيعياً أو أقل من المعدلات الطبيعية.

السلام الأزرق

الى جانب ذلك ومع اقتراب فصل الصيف، تعود مشكلة المياه إلى الواجهة في معظم الدول العربية التي يعيش معظمها تحت خط الفقر مائياً، خصوصاً مع تصاعد الجفاف والتصحر وندرة المياه بأثر من تغيّرات المناخ. ويزيد تعقيد الصورة أن معظم الأنهار العربية الكبرى تأتي من دول مجاورة، ليست علاقاتها العربية على أفضل صورة من السلام والتعاون. هل يمكن لدولة بمفردها أن تقاوم تغيّرات المناخ وموجات الجفاف وندرة المياه، سواء كانت دولة منبع أو مصباً، أم أن السياسة تربك الجميع، وربما بما لا يتلاءم مع حقائق العلم والمعرفة؟ هل يمكن أن تضع دول المنطقة حلولاً محلية لمشكلات المياه، عبر نظرة إقليمية بعيدة المدى؟ ولماذا لا يوجد كيان مؤسسي للمياه يجمع دول المنطقة حتى الآن، وهل من المستطاع إعادة النظر في مياه الشرق الأوسط، قبل أن تدهم «حروب المياه» مستقبلها غير البعيد؟

سيطرت هذه الأسئلة على تقرير السلام الأزرق Blue Peace، الذي أصدرته مجموعة بحث من علماء الهند، تحمل اسم استراتيجيك فور سايت غروب Strategic Foresight Group. تهتم المجموعة بملف المياه والسلام والتعاون الدولي وفض المنازعات والتنمية المستمّرة، وتموّلها سويسرا والسويد. وتتبنى فكرة السلام الأزرق بعض الشخصيات منها الأمير الحسن بن طلال و يشار ياكيش وزير الخارجية التركي السابق والدكتور محمد شطح وزير المال اللبناني السابق و الدكتور بختيار أمين الوزير السابق لحقوق الإنسان في العراق وميسون الزغبي الخبيرة السابقة في وزارة المياه الأردنية وشابان ديشلي، المستشار الاقتصادي لرئاسة الوزراء التركيّة. ونظّمت المجموعة الهندية مؤتمراً دولياً في إسطنبول أخيراً، بحث في سلام المياه في الشرق الأوسط، ونتائج تقرير السلام الأزرق والمياه العابرة للحدود. واستضافت المؤتمر مجلة تيركِش ريفيو التركية، بدعم من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي و الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون وجامعة باهشسيهير التركيّة.

وشارك في المؤتمر ما يزيد على 65 سياسيّاً وإعلاميّاً وخبيراً، من تركيا ولبنان والأردن والعراق وسورية ومصر واليمن والإمارات والسعودية والبحرين وإنكلترا والأراضي الفلسطينية المحتلة واللجنة العليا لتقرير السلام الأزرق. وساد شبه اتفاق على ضرورة أن تتحوّل المياه من سبب للصراع إلى حافز للتعاون، إذا توافرت إرادة سياسيّة كافية. ولوحِظ أن أوضاع المياه تتدهور باستمرار وبتسارع، ما يؤثّر في التنمية.

ودعا كريم بلشي رئيس تحرير تيركِش ريفيو إلى ثقافة مائية جديدة في المنطقة تُركّز على أهمية التعاون بين الشعوب والدول في حلّ معضلة المياه. وأكدت أنيتا بالو، ممثلة وزارة الشؤون الخارجية السويدية، التزام بلادها دعم جهود التنمية المستدامة والتعاون في إدارة موارد المياه. وشدّد اللورد إلدرديك عضو مجلس اللوردات البريطاني على ضرورة التعاون الإقليمي الشامل بين دول المنطقة.

ودعا الخبير الهندي سنديب ويسليكار، رئيس مجموعة استراتيجيك فور سايت، دول المنطقة إلى صوغ آلية مؤسسية للتعاون في مجال المياه، واحترام حقوق المياه والبنى التحتية المتصلة بها، خصوصاً في فترات الصراعات وتغيّر نُظُم الحُكم. وأشار ويسليكار إلى وجود لجان دولية للتعاون حول المياه، داعياً إلى الاقتداء بها في منطقة الشرق الأوسط. ودعا أيضاً إلى الالتفات إلى الطاقات الجديدة والمتجددة والتكنولوجيات الجديدة.

واستُهِلّ التقرير بإثبات وقائع صلبة عن تردي أوضاع أنهار المنطقة واستنزافها بشكل غير مسبوق، منها أنهار الأردن وبردى ودجلة والفرات والليطاني والعاصي واليرموك، إضافة إلى بحيرة طبريا والبحر الميت. وأوضح أن الأمر عينه يطاول طبقة المياه الجوفية في المنطقة. ونبّه إلى أن تغيّرات المناخ تزيد خطورة أوضاع المياه في الشرق الأوسط.

وذكّر بأن حرارة الصيف سترتفع بقرابة 3.7 درجة مئوية، والشتاء بقرابة 3.1 درجة مئوية، خلال العقود القليلة المقبلة، ما يؤدي إلى زيادة سرعة التبخّر وتغيّر أنماط هطول الأمطار. وتوقّع التقرير أن يؤثر التصحّر في سورية وتركيا والعراق والأردن إذ تواجه 60 في المئة من أراضي سورية خطر التصحّر، ويتهدّد حوض قونيه في تركيا خطر التصحر كليّاً بحلول 2030. وتعاني أراضي العراق خطر التصحّر بمعدل 0.5 في المئة سنوياً.

وخلص التقرير إلى توصيات شملت ضرورة إنشاء مجلس تعاون لموارد المياه بين تركيا وسورية ولبنان والعراق والأردن، وصوغ آلية سياسية لوضع معايير مشتركة لقياس تدفّق المياه ونوعيتها، ووضع أهداف للإدارة المستدامة للموارد المائية، والمشاركة في استراتيجيات إقليمية لمكافحة التغير المناخي والجفاف.

ودعا إلى بناء الثقة بين سلطات المياه في إسرائيل والسلطة الفلسطينية، للاتّفاق على أرقام الوضع الحقيقي لموارد المياه العذبة. وحثّ التقرير أيضاً على وضع نموذج إقليمي عن التغيّر المناخي بين عاميّ 2010 و2100، بناء على حاجات بلدان المنطقة، مع مراعاة الفوارق الطبيعية بينها. وشدّد التقرير على ضرورة الإدارة المتكاملة للمياه، وزيادة كفاءة الاستخدام والتخزين والتوزيع، ومعالجة مشكلات توزيع المياه داخلياً، والإيفاء بحاجات المواطنين بوصفه مقدّمة ضرورية لنجاح التعاون الإقليمي.

واستُعرِضت تجارب عن إدارة الأنهار الكبرى، منها تجربة اللجنة الدولية لحماية نهر الدانوب التي عرضها فيليب ويلر المدير التنفيذي للجنة. وأوضح ويلر أن الدول المتشاطئة على الدانوب تتعاون بشكل كامل لحماية النهر، عبر التركيز على 4 مجالات رئيسة هي: التكيّف مع تغيّرات المناخ، وطاقة المياه، والزراعة، والنقل النهري.

ولفت إلى أن تجربة نهر الدانوب تتميّز بالحرص على مشاركة الجمعيات الأهلية ورجال الأعمال في مشاريع إدارة النهر إذ جرى تأسيس جمعية الأعمال الصديقة للدانوب لنشر أفكار الإدارة البيئية المستدامة، وإنشاء مشاريع تساعد الدول على استثمار النهر وموارده وحوضه، بأفضل الطرق. ولفت ويلر إلى أن تجربة نهر الدانوب تضمّنت الاهتمام الكبير بالتوعية الجماهيرية، على غرار تنظيم نشاطات شعبية واسعة في يوم نهر الدانوب الموافق 29 حزيران سنويّاً.

وفي السياق عينه، قدّم الدكتور مانفريد سبريفكو، الرئيس السابق للجنة مياه الراين، عرضاً للجهود التي بُذِلت منذ عقد الستينات من القرن الماضي لحماية نهر الراين من التلوث وإدارة مياهه. وذكّر بأنه في العام 1963، أنشئت اللجنة الدولية لحماية نهر الراين التي اهتمّت بما يتعلق بمياه النهر وبيئته الطبيعية وموارد حوضه وفروعه. واستعاد أيضاً تأسيس لجنة متخصّصة لمياه الراين في العام 1970.

ولاحظ سبريفكو أن تجربة مياه الراين تميّزت بالاهتمام الشديد بالتشبيك مع جهات متنوّعة ومؤسسات علمية مختلفة. وأشار إلى وجود سكريتارية تنفيذية وأخرى علمية، إضافة إلى مجموعة عمل دولية علمية، وهيئات تنسيق مع مؤسسات حكومية وجامعات ومعاهد بحوث. ولخّص سبريفكو تجربة الراين في ترسيمات أبرزها ضرورة إدماج المستفيدين في اتخاذ القرارات ونشر الوعي الجماهيري، وضرورة توافر الإرادة السياسية الكاملة للتعاون بين الدول المتشاطئة على النهر، والتعاون عبر مفهوم الإدارة المتكاملة لموارد النهر وحوضه كلها.

وأشار إلى عدد من الاتفاقيات التي ترعى عمل لجان حماية النهر، منها اتفاقية بِرن (1972) واتفاقية حماية نهر الراين (1999)، وإطار العمل الأوروبي عن المياه، وإطار العمل الأوروبي لإدارة الفيضان. واختتم سبريفكو مداخلته بالحديث عن نموذج إقليمي لقياس التلوث في نهر الراين، اسمه راين آلارم موديل Rhine Alarm Model، وهو يقيس أيضاً تأثير التغيرات المناخية في النهر.

وأورد تقرير السلام الأزرق أن تدفّقات الأنهار في تركيا وسورية ولبنان والعراق والأردن، استُنزِفَت بنسبة لامست الـ95 في المئة بين عاميّ 1960 و2010 إذ انخفض تدفّق نهر اليرموك (الأردن) من 600 مليون متر مكعب إلى قرابة 250 مليون متر مكعب سنوياً. وانخفض تدفّق نهر الأردن من 1300 مليون متر مكعب إلى 100 مليون متر مكعب سنوّياً. وانخفض تدفّق نهر الفرات (العراق) من 27 بليون متر مكعب إلى 9 بلايين متر مكعب سنوياً.

وتقلّصت منطقة الأهوار في العراق بنسبة 90 في المئة. وكذلك انخفض منسوب المياه في البحر الميت من 390 متراً تحت مستوى سطح البحر في ستينات القرن العشرين إلى 420 متراً تحت مستوى سطح البحر حالياً، مع توقّع انخفاضه إلى450 متراً تحت مستوى سطح البحر بحلول 2040. وتقلّصت المساحة السطحيّة للمياه فيه من 950 كيلومتراً مربّعاً إلى 637 كيلومتراً مُربّعاً، ما يرشّحه للتحوّل بحيرة خلال خمسين عاماً، ثم الاختفاء في نهاية المطاف. ووصلت بحيرة طبرية إلى الخط الأحمر وهو 212 متراً تحت مستوى سطح البحر، في بعض السنوات الماضية.

وأبدى التقرير اهتماماً بموارد المياه العذبة المتجدّدة في الطبقة الجوفية الجبلية التي تتقاسمها إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وأشار إلى انخفاضها بقرابة 7 في المئة بين عامي 1993 و2010. وشدّد التقرير على أهميّة تنقيح الحسابات المائيّة التي تستخدمها معظم المنظمات الدولية، لأنها تستند إلى تقديرات من فترة التسعينات في القرن الماضي، وهو زمن توقيع اتفاقيات أوسلو. واعتبر أنها باتت غير واقعية الآن، مع ملاحظة أن أزمة الثقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تجعل كل طرف غير واثق بالأرقام التي يوردها الطرف الآخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/آيار/2013 - 21/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م