ايطاليا... حكومة على أنقاض طبقة سياسية مفككة

 

شبكة النبأ: خلال الأشهر الأخيرة، أي منذ الانتخابات التي جرت في فبراير شباط الماضي، دخلت ايطاليا في أتون أكبر أزمة سياسية لها، بسبب الصراعات السياسية الصاخبة، في الوقت الذي يشهد فيه هذا البلد انكماشا اقتصاديا كبيرا وغضبا اجتماعيا عارما، قد يغرق ثالث اكبر اقتصاد في منطقة اليورو في فجوة الركود، بعدما وصلت الأحزاب المتناحرة إلى طريق مسدود فاقمة من الأزمة الراهنة.

لكن بعد مراوحة سياسية استمرت شهرين، تاق حكماء إيطاليا بتقديم مجوعة من بإصلاحات لكسر الجمود السياسي.

وفي محاولة لحل الأزمة السياسية تم أعادت انتخاب الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو  لفترة رئاسية ثانية شابها الكثير من الجدل السياسي الحاد بين الحزب الديموقراطي (يسار) وحزب شعب الديموقراطية (يمين) في ايطاليا بشأن تشكيل حكومة جديدة.

ليتولى الرئيس نابوليتانو مهامه على رأس ايطاليا ومهمته الرئيسية اعادة بناء الثقة على انقاض طبقة سياسية مفككة غير قادرة على التفاهم لاخراج ثالث اقتصاد في منطقة اليورو من الازمة والانكماش.

ورأى بعض المحليين  ان الحزب الديموقراطي لا يستطيع ان يستسيغ فكرة المشاركة في حكومة توافق واسعة مع برلوسكوني وحزبه، خصوصا بعدما فرض نفسه كلاعب اساسي في المعادلة السياسية، الى رفع سقف المزايدات فيما كان يعتقد حتى قبل بضعة اشهر انه انتهى سياسيا بعد سلسة محاكمات وفضائح.

فكما يبدو ان من الصعب التكهن بقدر الحكومة الجديدة على حل الازمة الحالية بينما لا يلوح في الافق اي حل في الوقت الراهن. ويرى بعض المراقبين انه من الضروري ومن مصلحة كل اوروبا ان تشكل ايطاليا حكومة مستقرة، حيث تلعب ايطاليا دورا محوريا في تسوية ازمة الديون الاوروبية بنجاح.

لكن على الرغم من تأكيدات بعض المحللين بأنه ما من احتمال نجاح حكومة نابوليتانو نجاحا باهرا، تدور تكهنات وتساؤلات كثيرة تطرح نفسها في أوساط الطبقة السياسية هل سيعيد نابوليتانو بناء حكومة على انقاض طبقة سياسية مفككة؟.

وعليه تفضي المعطيات آنفة الذكر بأن ايطايا مع الحكومة الجديدة ستعيش هذه الدولة مرحلة سياسية محورية لا تخلو من روح المغامرة، وعليه فقد تلوح في الأفق معارك سياسية حيوية بين نابوليتانو والمعارضة، قد تصنع تحديات وصراعات محلية ودولية على الأصعدة كافة، ليبقى المصير السياسي لايطاليا بين يدي الرئيس جورجيو نابوليتانو الذي قد يعتبر هذا الوضع غير مستقر تماما ما دفعه الى تشكيل حكومة جديدة اكثر رصانة.

ولادة حكومة جديدة

في سياق متصل بعد ازمة سياسية استمرت شهرين، ولدت اخيرا حكومة جديدة في ايطاليا تضم ائتلافا لقوى اليمين واليسار برئاسة رئيس الوزراء الديموقراطي انريكو ليتا ونائبه انجيلينو الفانو رئيس حزب سيلفيو برلوسكوني.

وعلق الرئيس الايطالي جورجيو نابوليتانو قائلا "لقد كانت الحكومة الوحيدة الممكنة وتشكيلها لم يعد يحتمل التأخير". كما اشاد بقدرة هذه الحكومة التي تضم ائتلافا من قوى اليمين واليسار على الحصول على ثقة مجلسي النواب والشيوخ، طبقا لنصوص الدستور، وبعد الاعراب عن امله في ان تظهر الحكومة الجديدة "اكبر تلاحم" بين اعضائها، قام نابوليتانو طويلا بمصافحة رئيس الحكومة الجديد.

وفي مؤشر قوي لهذا "التفاهم العريض" الذي لا يلقى ترحيبا من عدد كبير من ناشطي الحزب الديموقراطي (يسار) بزعامة ليتا، سيشغل انجيلينيو الفانو رئيس حزب شعب الحرية اليميني الذي انشأه برلوسكوني، منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية. كذلك اختير مدير بنك ايطاليا فابريتسيو ساكوماني وزيرا للاقتصاد والمال، وتضمنت التشكيلة الحكومية وجها جديدا هي المفوضة الاوروبية السابقة الراديكالية ايما بونينو التي تم تعينها وزيرة للخارجية. في حين اختيرت وزيرة الداخلية الحالية انا ماريا كانسيلييري لتولي وزارة العدل، وهي حقيبة حساسة بالنسبة لبرلوسكوني الملاحق في قضايا عدة.

وخلال تقديمه ب"رضى معتدل" تشكيلته الحكومية الجديدة، اشاد ليتا ب"الرقم القياسي للحضور الانثوي وتراجع معدل الاعمار لاعضاء الفريق" الحكومي. وتضم الحكومة الجديدة عددا من الوجوه غير المعروفة لدى العموم في ايطاليا.

واتسمت مهمة ليتا بالتعقيد اذ كان عليه جمع قوتين تبادلتا الهجمات المباشرة منذ سنوات. ورددت قوى اليسار مرارا خلال الاسابيع الاخيرة انها ترفض الحكم مع عدوها اللدود، سيلفيو برلوسكوني، وتعذر على هذه القوى اليسارية التي تستحوذ على غالبية مقاعد مجلس النواب لكن ليس في مجلس الشيوخ، الحصول على الدعم المطلوب لتشكيل حكومة. وشهدت الساعات الاخيرة تكثيفا للمفاوضات الرامية لاخراج التشكيلة الحكومية المنتظرة، وبعد مشاورات استمرت حتى وقت متأخر من ليل الجمعة السبت تحادث ليتا في الصباح مع بيير لويجي برساني.

ثم بدأ لقاء حاسما مع وفد كبير من حزب شعب الحرية (يميني) يضم رئيس الحكومة الاسبق سيلفيو برلوسكوني ورئيس حزب حرية الشعب انجيلينو الفانو والمستشار الخاص ل"كافالييري" وهو جياني ليتا عم الرئيس المكلف.

وبعد الاعلان عن الحكومة، اكد برلوسكوني انه بذل جهودا "من اجل تشكيل حكومة من دون فرض اي شرط، من دون استبعاد اشخاص كانوا وزراء في حكومات سابقة". واضاف "بذلك، ساهمنا في تشكيل حكومة في وقت قليل".

اما الرئيس نابوليتانو الذي اعيد انتخابه رغما عنه تقريبا والذي سيبلغ قريبا الثامنة والثمانين من العمر، فدعا الى "التجديد، وتغيير في الجيل مع حضور نسائي قوي". وهي طريقة لتلبية الحاجة الى التغيير التي عبر عنها الايطاليون خاصة التصويت بنسبة لم تكن متوقعة لبيبه غريلو الذي رأى في المفاوضات الدائرة "ازدراء بثمانية ملايين ايطالي" صوتوا له، ويتعين على الحكومة الجديدة التي تؤدي اليمين صباح الاحد، الاتفاق على برنامج موحد خصوصا بشأن السياسة الاقتصادية.

واكدت وكالة التصنيف الائتماني موديز انفستورز سرفيس العلامة التي اعطيت لدين ايطاليا بالرغم من الازمة السياسية وهي "بي ايه ايه2". لكن الوكالة احتفظت بامكانية خفضها على المدى المتوسط لان توقعاتها للنمو تبقى "سلبية"، وانتقد انريكو ليتا على غرار برلوسكوني سياسات التقشف. الا ان برلوسكوني يسعى بشكل نشط من اجل الغاء ضريبة عقاربة -كان وعد حتى بتسديدها خلال حملته- ما من شأنه ان يهدد حسابات الامة ويغرق اليسار في ورطة، ومن المتوقع ان يقدم ليتا برنامج حكومته امام مجلس النواب مع طرح الثقة امام البرلمان.

فيما تحدثت صحيفة لا ستامبا عن "حكومة سياسية تضم مكونات تقنية قوية يجب ان تشكل بسرعة"، مشيرة الى انه الحل العملي الذي يعمل رئيس الدولة الذي وضعت فيه لاحزاب السياسية ثقتها، على تحقيقه، ويفترض ان يقوم الحزب الديموقراطي اليساري المنقسم جدا والذي فقد من مصداقيته بسبب تردده، بعد فوزه في الانتخابات بترشيح رئيس للحكومة للرئيس.

والمرشح المرجح هو رئيس الوزراء الاسبق جوليانو اماتو الديموقرطي الذي ينتمي ليسار الوسط، المعتدل جدا و"البارع جدا". وكتبت صحيفة كوريري دي لا سيرا ان الرجل الذي يتمتع باحترام كبير في البلاد من بين الاوفر حظا لرئاسة الحكومة.

وجوليانو اماتو (74 عاما) الذي قاد ايطاليا من قبل الى مرحلة حساسة جدا وهي فترة التحقيق في قضية "الايدي القذرة" (1992-1993) التي طردت الطبقة السياسية السابقة المتهمة بالفساد، وقد تولى قيادة ايطاليا من مجددا في 2000-2001، والاسم المطروح الآخر هو احد مساعدي امناء الحزب الديموقراطي انريكو ليتا، ولاسباب متعارضة، لا يسهل حزب شعب الحرية (يمين الوسط) بقيادة سيلفيو برلوسكوني وحركة خمسة نجوم للنجم الكوميدي السابق بيبي غريلو مهمة تشكيل الحكومة.

فشعب الحرية يرى ضرورة رفض اي مرشح يساري ومعادي لمصالح برلوسكوني بينما ترفض حركة خمس نجوم اي مرشح يمثل الطبقة السياسية القديمة، وقدمت الصحيفة الاقتصادية "ايل سولي 24 اوري" الاثنين ثلاث توصيات للحكومة المقبلة قالت ان "هناك توافقا واسعا" حولها وعلى نابوليتانو التركيز عليها وهي تسديد ديون الادارات العامة للشركات والوظيفة والضرائب، وكان لاعادة انتخاب نابوليتانو رد فعل ايجابي على بورصة ميلانو التي بدأت اسبوعها على ارتفاع بلغ 1,73 بالمئة، وقال المعهد الوطني للاحصاءات ان 955 الف عائلة ايطالية ليس لديها اي دخل.

من جهة اخرى، وصف بيبي غريلو زعيم خمس نجوم اعادة انتخاب جورجيو نابوليتانو رئيسا لايطاليا بانه "انقلاب مؤسساتي صغير وماكر" دبرته الاحزاب التقليدية، وقال "اجتمعوا الاربعة ليلا (..) ثم نفذوا انقلابا مؤسساتيا صغيرا ماكرا" في اشارة الى الاجتماع الذي تم نهارا بين نابوليتانو وقادة اكبر الاحزاب السياسية الثلاثة بيير لويجي بيرساني وسيلفيو برلوسكوني وماريو مونتي، وقد سبق ان وصف غريلو الذي استقطب تصويت الغاضبين في الانتخابات الاخيرة، اعادة انتخاب نابوليتانو ب"الانقلاب" ما اثار ردود فعل غاضبة لدى باقي القوى السياسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/آيار/2013 - 20/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م