شبكة النبأ: ما ذنب عمال التنظيف
ومتسوقون عند وجه الصباح في مدينة العمارة، ومواطنون آخرون في الحلّة
والمسيّب وكربلاء والديوانية، حتى يتحولوا الى أشلاء خلال ثوان،
ويرحلوا عن هذه الحياة التعيسة ويخلّفوا الآهات والآلام؟
ربما ذنبهم الوحيد أمام المجرمين والارهابيين، أنهم بشر أولاً،
يريدون ان يعيشوا كما سائر بني آدم، بعيدين عن المتشبهين بالإنسان..!
وعراقيون ثانياً؛ عندما يؤكدون دائماً، وفي مناسبات عديدة، مثل
الانتخابات الاخيرة أنهم مؤثرون في استباب الأمن الاستقرار في العراق،
من خلال اختيار مسؤوليهم، فكان الجواب، هو أن الأهم أن يتحولوا الى
دخان ودماء تخرّب الصورة الناصعة للوضع العراقي بشكل عام، وبالنتيجة،
تتحقق مصالح دنيئة لأناس يقفون في الظل دائماً.
خمسة انفجارات في وقت واحد أمس الأثنين، ضمن النهج الارهابي –
الاجرامي الجديد في العراق، حيث تتوزع العبوات والسيارات المفخخة في
أماكن متعددة من البلاد، وتنفجر في أوقات متقاربة جداً، وتحصد عشرات
الأرواح، ويكون وقع الخبر أكثر تأثيراً من خلال وسائل الاعلام، وربما
راهن الارهابيون على خطف الأضواء الاعلامية عما يجري فيما يسمى بساحات
الاعتصام في الرمادي و حويجة ومناطق اخرى، وما جرى من تصعيد ارهابي
خطير وإراقة جديدة للدماء البريئة في الرمادي، بمقتل خمسة جنود عزّل من
السلاح، كانوا عائدين من إجازة الى وحداتهم العسكرية، حيث استوقفتهم
العصابات الاجرامية، باطلاق الرصاص على عجلات السيارات، ثم هاجم عدد من
أشباه البشر، على الجنود بالسيوف والسكاكين ، أزهقوا ارواحهم في مشهد
ربما تتقزز منها الحيوانات القريبة من ذلك المكان. وهذا الحادث الدامي
هو ايضاً كان مسبوقاً بحادث دامي آخر في قضاء حويجة جنوب كركوك والتابع
ادارياً لمحافظة صلاح الدين، حيث هاجم عدد من المجرمين وانطلاقاً من
خيام (المعتصمين)، ثكنات الجيش وقتلوا عدداً من الجنود دون أن يكون في
وضع المواجهة العسكرية.
هذه الممارسة المحسوبة والمدفوعة الثمن، تدلنا على تكتيك جديد: "اقتل..
اقتل.. حتى يبقى العراق ساحة للقتل والاضطراب".. وكما هو شأن المحققين
الجنائيين، يبحثون عن المستفيد من جريمة قتل معينة. وفي العراق، فان
المستفيد هو تحديداً من لا يتمكن من الإثراء وجني الاموال الطائلة،
وتحقيق المصالح السياسية، بإستباب الأمن والاستقرار في هذا البلد. ومن
أولئك؛ الشركات الاجنبية المتنفذة ذات المشاريع العملاقة.. ودول لها
مصالح اقتصادية وسياسية في العراق، يهمها جداً أن تكون الهشاشة، صفة
العراق دائماً، سياسياً واقتصادياً وامنياً، حتى يخلو الجو لها، ستصول
وتجول بكل حرية. ثم لا ننسى أن الاستقرار الامني الكامل، يتبعه استقرار
سياسي ثم تحكيم منظومة من المراقبة والمتابعة على الاصعدة الخدماتية
والأمنية والادارية، وبالنتيجة لن نشهد المستويات العالية من الفساد
الاداري والمالي، كالذي يحصل بشكل مريع في العراق.
لنتوقف قليلاً عن رسم الطموح البعيد، ونسلط الضوء على الجهود
المبذولة حالياً للحفاظ على أرواح الناس خلال السنوات الماضية.. فجاء
قرار استيراد أجهزة "السونار" للكشف عن المتفجرات من بريطانيا، دلالةً
من الحكومة للمواطن على أنها تهتم بحياته وهو يسير في الشارع.. ولكن مع
وجود هذه الأجهزة بيد منتسبي وزارة الداخلية وهم يمررونها جنب السيارات
في السيطرات الأمنية في كل أنحاء العراق، نسمع ونرى وقوع الانفجارات
الهائلة في هذه المدينة وتلك، وإزهاق أرواح المئات من ابناء الشعب
العراقي المظلوم.
محكمة بريطانية، وليست الدولة العراقية، هي من كشفت سر هذا الجهاز
المضلّل، عندما أدانت "جيم ماكورماك"، رجل الاعمال البريطاني، بتهمة
تصدير أجهزة زائفة للكشف عن المتفجرات، والصفقة عبارة عن (8)آلاف جهاز
جنى "ماكورماك" أرباحاً منها بقيمة (85) مليون دولار..! لنتصور قيمة
الصفقة التي دفع ثمنها ابناء الشعب العراقي، ومنهم اشخاص ذهبوا ضحية
زيف هذه الاجهزة. وحسب المفتش العام في وزارة الداخلية عقيل الطريحي،
فان القيمة الحقيقية للجهاز الواحد في الاسواق العالمية، هو (400)
دولاراً، فيما بيع للعراق بـ (55) ألف دولار، بما يعادل حوالي ستة
وستين مليون دينار عراقي.
السلطات الأمنية تتذرع بصعوبة القبض على من يقفون خلف تفخيخ
السيارات وإعداد الاحزمة والعبوات الناسفة، والكشف عنهم، لكن هل من
الصعب الكشف عن هكذا قضايا تقع بين ظهرانيها؟! ثم ان محكمة بريطانية
أدانت رجل أعمال معروف، وحكمت عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، ولم يتضرر
أحد في بريطانيا من أجهزة "ماكورماك". فما بال المسؤولين العراقيين لا
يحملّوا أحداً مسؤولية وجود أجهزة مزيفة وفاشلة لها علاقة بأرواح
الناس؟
ربما القارئ اذا كان من أهل العاصمة بغداد، أو من تكثر زياراته
للعاصمة، يعرف جيداً طبيعة المشاعر التي يحملها الأهالي هناك إزاء
سماعهم أصوات الانفجارات بين لحظة وأخرى، فهم لا يعبأوا بها ولا
يتحدثوا عنها، كأن شيئاً لم يكن ولم يحصل، والجميع يقول: أمرٌ طبيعي،
ولا غرابة في الموضوع..! هذا الاستمراء والتطبع له تداعيات خطيرة على
الوضع النفسي والروحي للانسان العراقي، ربما لا يكون محسوساً في الوقت
الراهن، إلا انه يظهر على المدى البعيد، حيث تنعدم القيمة الانسانية
بين الناس، ولا تكون ثمة قيمة لأحد اذا ما سقط أرضاً بحادث مروري أو
تعرّض لوعكة صحية، أو اي طارئ آخر، فربما يمر الناس من حوله مرور
الكرام!
فهل هذا هو ما يستحقه الشعب العراقي حقاً؟! |