شبكة النبأ: هل هناك أزمة تكتنف
خطابنا الثقافي الراهن؟، هذا السؤال يدور في اذهان المثقفين العراقيين
حتما، وربما العرب بعد موجة (الربيع العربي)، بل كثيرا ما يُثار مثل
هذا التساؤل في صور وصيغ عديدة، تدل من دون شك على علم المثقف بالمأزق
الذي يعيشه الآن، وتؤكد معرفة المثقف بأنه لا يمتلك الخطاب المنسجم
والمسؤول ازاء الاحداث الجسيمة التي يمر بها العراق في مرحلة ما بعد
التغيير.
بمعنى أوضح أن هناك فوضى في الخطاب الثقافي العراقي والعربي، وهناك
تشرذم في الرؤية الى الاحداث، وفي المواقف والمعالجات، وهناك تناقضات
كثيرة وكبيرة تحد من فاعلية الخطاب الثقافي ازاء الاحداث الجسام
والمرحلة العصيبة التي يحاول أن يعبرها العراقيون بأقل الخسائر، على
الرغم من أن نذر الشؤم والقتل والموت والصراع العصبي والقبلي والعقائدي
والعرقي والفكري، كلها تلوح في الافق، وتجعل العراقيين وكثير من
المجتمعات العربية تعيش في حالة من القلق والخوف من المصير المجهول.
ومن الواضح أن المؤسسة الثقافية بشقيها الرسمي والاهلي، ليست قادرة
على بلورة رؤية واضحة للاحداث، كما أنها عاجزة عن اجتراح الخطاب
الثقافي الجاد والمؤثر في شرائح ومكونات المجتمع، لذلك يبدو دور المثقف
معطّلا أو ضعيفا في افضل الحالات، وهو في الغالب لا تأثير له بسبب ضعف
المؤسسة الثقافية، وانشغال النخبة القيادية - خاصة- بالصراع على
الامتيازات لاسيما اتحاد الادباء بقيادته الحالية التي باتت مصدر تندّر
واستنكار، ليس من لدن الشعب فحسب، بل من لدن المثقفين والادباء انفسهم،
وهم يتابعون حالة الضعف والوهن التي تعتور هذا المكون الثقافي الذي بات
ضعيفا، بسبب تقاعسه وعجزه، في طرح الخطاب الثقافي الصائب وتوحيد الصوت
المثقف، والتأثير في المجريات الخطيرة التي يمر بها البلد حاليا.
واذا كانت الثقافة لا تنحصر في حدود منظمة واحدة، وهو أمر صحيح، لكن
يبقى اتحاد الادباء كمنظمة عريقة أسسها وقادها فطاحل شعراء العراق،
ومنهم شاعر العرب الاكبر، محمد مهدي الجواهري، يبقى مسؤولا عن
الانتكاسات التي تعاني منها الثقافة، على الرغم من أن جميع المثقفين
معنيون بالنكوص الذي يعتور الخطاب الثقافي ويصيبه بالوهن والضعف ازاء
ما يحدث في العراق من تدهور خطير في السياسة، لاسيما حالة الاحتقان
الطائفي التي تحاول جهات معادية للعراقيين أن تستثمرها لصالحها، من
خلال اشعال فتيل الصراع الطائفي، في حين نلاحظ غيابا غريبا لدور
المثقف، وضعفا لدور المؤسسة الثقافية، وكأنها تعيش في بلد آخر غير
العراق، أو كأن المواطن العراقي وتأريخه وحاضره ومستقبله لا يعني
المثقفين ولا المؤسسة الثقافية او منظماتها التابعة.
هذا الخلل في عدم القدرة على بلورة رؤية وخطاب ثقافي مؤثر، لا يحتاج
الى اثبات، لان الواقع اليومي الذي نعيشه يثبت ذلك ويؤكده على مدار
الساعة، وهذا دليل قاطع على ان من يدير الثقافة الآن، - ليس الرسمية
فقط وانما المنظمات الثقافية الاهلية ايضا- أما لا يعرف بفن الادارة
ومهاراتها، وأما يؤمن بأنه غير معني بما يتعرض له البلد من مخاطر، قد
تحوله الى دويلات صغيرة وتقضي تماما على دولة وتاريخ وشعب عريق.
لذلك لابد من أن يجترح المثقفون خطابا ذا رؤية جادة وعميقة، تتعامل
مع أزمة المرحلة الراهنة بجدية عالية ومسؤولة، لأن الثقافة كما يتفق
الجميع، وكما أثبتت تجارب الامم المتقدمة، هي التي تتقدم النخب الاخرى
في اوقات الازمات، وتطرح الحلول والرؤى الكفيلة بحلحلة الازمات، فضلا
عن كونها قادرة على ترسيخ منهج الانسجام والتقارب والتناغم بي مكونات
الشعب الواحد، والثقافة أيضا، هي التي تتصدى لمعالجة الانتكاسات
والمخاطر التي تتعرض لها الامم والشعوب، وذلك من خلال العمل الجاد
والنوايا الصادقة، وترك المصالح والامتيازات (والايفادات) ذات المنفعة
الشخصية البحتة، وتفضيل مصلحة الشعب والبلد على كل شيء. |