فقه الدولة: في وجوب مكافحة التأخر

الشيخ فاضل الصفّار

حفظ النظام ومنع الإخلال بالأمن والهرج والمرج، والقيمومة على حفظ الحقوق الأولية والثانوية، ثم توفير الرفاه العام والكرامة الاجتماعية للجميع، وبسط العدل في الناس وتسويتهم أمام القانون، توفير فرص التنمية والتكامل للجميع في بعديها المادي والمعنوي، من أبرز مهام الدول والحكومات في سياستها الداخلية التي قامت عليها الأدلة الأربعة، مضافاً إلى الارتكاز العقلي والعقلائي عليها، وهنا مسائل وتفريعات ينبغي التعرّض إليها، حيث ذكرنا في البحث السابق ثلاث مسائل وهي، المسألة الأولى: في وجوب توحيد المجتمع المسلم، المسألة الثانية: في وجوب مراعاة التعدد والتنوع الاجتماعي، المسألة الثالثة: في وجوب السعي لتطوير البلاد، وفيما يلي المسألة الرابعة.

المسألة الرابعة: في وجوب مكافحة التأخر

يجب على الدولة السعي للتخلص من عوامل التأخر والانحطاط، بل يحرم عليها السير في مطبات التأخر، فإن بعض الدول تبني سياستها على فلسفة التأخر سواء عن علم أو جهل، فتقع في مهاوي السقوط، وتعرّض نفسها ورعاياها إلى المزيد من الفوضى وتضييع الحقوق، وربما إيقاع البلد في أيدي الخصوم، وهذه كلها من المفاسد العظيمة التي يحكم العقل بقبحها والشرع بحرمتها.

أهم عناصر التأخر

 هذا وتقوم فلسفة التأخر والسقوط على منظومة من الرذائل والمساوئ الفكرية والنفسية، ولعل من أبرزها مايلي:

الأول: الجهل

فإنه الطامة الكبرى الذي يجر وراءه سلسلة طويلة من الرذائل والمساوئ، كالفقر والمرض والظلم والفوضى والتخلف ونحوها، وفي الغرر: «الجهل أصل كل شر[1] وفساد كل أمر»[2] فيجب على الدولة وجوباً عقلياً وشرعياً السعي لتعليم نفسها ثم المجتمع، ورفع مستوى التعليم للقضاء على أضرار الجهل.

الثاني: الغرور

 فإن المغرور لا يصلح للتقدم بنفسه فكيف يصلح لتقديم غيره؟ ومن الواضح أن المغرور قد لا يلتفت إلى غروره لجهله أو غفلته، لكنه يمكن الرجوع إلى عقلاء الناس في تشخيص صفاته وخصوصياتها، وخصوصاً في مثل سياسة الدولة، فإن الغرور له آثار ومزايا ويمكن التوصل اليه عبرها، والظاهر أن غالب الأخلاق الذميمة لا يعترف بها أصحابها، لكن يمكن تمييز الرذيلة عن غيرها، أو ابتلاء الإنسان بها بالرجوع إلى العرف أو الآثار.

الثالث: التكبر

وهو رؤية الإنسان نفسه في ذاتها أو صفاتها أو آثارها أرفع من الغير في الشؤون الثلاثة، وهو من أقبح الرذائل وأسوأ الصفات. قال سبحانه:{إن الله لا يحب كل مختال فخور}[3] وفي الحديث:«من تكبّر في سلطانه صغّره»[4] وفي آخر:«آفة الاقتدار البغي والعتو»[5] ومن الواضح أن العمل كالعلم يحتاج إلى تواضع خاص حتى يحصل فيه الإنسان على النجاح، والإنسان المتكبر ينطوي على فلسفة التأخر، فما بالك بالدولة إذا قامت سياستها على التكبر والاستعلاء، فإنها توقع البلد في مطبات النعرات القومية والعنصرية والانقسامات الداخلية والتعالي على الحقيقة وما أشبه ذلك.

الرابع: الانطوائية وضيق الفهم

ولازمه عدم تفهم الحياة، فإن للحياة موازين خاصة إذا سارت الدولة على طبقها وصلت إلى أهدافها، وإلا تأخرت، ومن الواضح أن فهم روابط الحياة وقوانينها بحاجة إلى التجارب وطول معاشرة الناس والتأمل والتفكير، فغير الدارس لعلوم الحياة لا يفهمها مهما كان ذكياً، والمنقطع عن الناس وتجاربهم لا يفهمها مهما كان ملتفتاً، وهذا من سبب سقوط المستبدين؛ لأنهم يتحاشون عن الناس ولا يعاشرونهم، ويأخذون الأمور بالكبرياء والغرور، وهذا ما يقودهم إلى الجهل وعدم تفهّم ملابسات الأمور، ومن الواضح أن من لم يفهم الحياة لا تستجيب له أزمتها.

الخامس: سوء الظن بالناس

فإنه من أكبر عوامل فشل الدول وجرها إلى الظلم والحيف والاستبداد فضلاً عن إيجاد القلق وعدم الاستقرار للحاكم وحكومته؛ لان استيلاء الشك على الحاكم يخيفه من الناس، والخوف يدعو الى التجسس والحذر والانعزال، وبالتالي الوقوع في الظلم والتعسف، وعن الباقر عن أمير المؤمنين عليهما السلام فيما كتبه لولده الحسن (عليه السلام):«ولا يغلبن سوء الظن فإنه لا يدع بينك وبين صديق صفحا»[6].

وعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله):«شر الناس الظانون، وشرّ الظانين المتجسسون، وشرّ المتجسسين القوّالون، وشرّ القوالين الهتّاكون»[7].

السادس: الفظاظة

فإنها من أسوء الصفات في الممارسات السياسية والسلوك الفردي والاجتماعي. قال سبحانه: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}[8] ومن الواضح أن من أوليات عوامل النجاح والتقدم هو كسب قلوب الناس؛ ولذا ورد في جملة من الروايات التحريض عليه، فعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال:«رأس العقل بعد الايمان التودد إلى الناس، واصطناع الخير إلى كل برٍّ وفاجر»[9] إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة بهذا المضمون[10]، والمستفاد منها لزوم عمل الإنسان لكسب قلوب الناس فضلاً عن الدولة.

وعليه فإن السياسة الصحيحة التي يجب على الدولة اتخاذها هو العمل لجمع الكلمة والتفاف الناس حولها لتحقيق اهدافها الصحيحة، وفي سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يثير الدهشة في هذا الجانب، فإنه كان يقول ويعمل ويرشد ويهدي ويألف ويؤلف ويجمع الناس حوله، ففي بعض الأخبار أنه (صلى الله عليه وآله) حينما حبس ثمامة في محلٍّ قريب من المسجد لأنه وجماعته اعتدوا على المسلمين في قصة مفصلة فأسره النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، ثم دخل عليه وقال له:«ما تقول يا ثمامة؟» قال ثمامة: إن قتلت فبعدلك، وإن أخذت مالاً فدية فبلطفك، وإن أطلقت فبفضلك، فلم يقل الرسول (صلى الله عليه وآله) شيئاً، وخرج من عنده. وفي اليوم الثاني دخل عليه وأعاد عليه الكلام، فأعاد ثمامة الجواب، وفي اليوم الثالث دخل عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) وأعاد عليه كلامه في اليومين السابقين، فأجاب ثمامة بمثل جوابه، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإطلاق سراحه، ولما خرج من الأسر كتب إلى عشيرته أن أقبلوا فإنه رسول حقاً، وجاءت العشيرة، وأسلم الكل بفضل خلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلو تدبيره وحسن حكمته الرفيعة[11].

السابع: الفرض وتشديد القبضة

فإن من الواضح أن السياسات والدول الناجحة تقوم على القلوب، وأقوى ما تقوم عليه هي قناعات الناس واعتقادهم بها ومحبتهم لها، فعرش القلوب أكبر وأعظم وأبقى من عروش الأبدان، ومن هنا يجب على الدولة التودد إلى الناس، والتقرب إليهم، ويحرم عليها تشديد القبضة عليهم وقهرهم، أما الأول فلأنه يتوقف عليه النظام والعدل، وما يتوقف عليه الواجب واجب، وأما الثاني فحرام؛ لأنه ظلم وتصرّف في شؤون الآخرين دون رضا منهم، ومنه يعرف وجوب قيام سياسة الدولة على المحبة مع جميع الناس.

وفي الروايات تأكيد شديد على هذا النهج، ومما ورد في هذا المجال قول عيسى (عليه السلام):«أحبوا أعداءكم»[12] ومفاده: أن حب الإنسان لعدوّه ليس فقط يخفف من عداوته، بل إنه يوجب أن ينقلب العدو صديقاً، كما كانت سياسة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، ومن أهم شعب استجلاب الحب هو الرفق والمداراة والخدمة لتقريب الصديق وتحييد العدو.

ومن المعلوم أن الناس مختلفون في التحمّل، فاللازم على الدولة أن لا تحمل الناس فوق طاقتهم حتى لا يتذمروا منها ومن سياستها، والاستبداد من أكبر مساوئ الدول ومعوقاتها، وهو مزيج من الرذائل الأخلاقية والنفسية والفكرية، كالأنانية والتكبّر والغرور والجهل والاستعلاء وأشباهها من الصفات الذميمة والقبيحة، وعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):«من استبد برأيه هلك»[13] والظاهر أن كلامه (عليه السلام) ناظر إلى نفس المستبد، وإلا فإن للاستبداد جهة ثانية للتخريب والدمار، وهو ما يرتبط بالمستبد من الناس أو من سياسة ترتبط بالدولة، ولعل في قوله سبحانه: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد[14] مايشير الى ذلك.

الثامن: الجهل بالضوابط وتوازنات الأشياء

فإن للأشياء موازنات خاصة وارتباطات مخصوصة وضوابط إذا لم يعرفها الإنسان يقع في مشاكل كثيرة، وأحياناً لا يصل إلى الأهداف، كمن لا يعرف الطريق يسير سيراً طويلاً ثم لا يصل إلى نتيجة، وإن وصل فبثمن باهض لم يكن له مبرر إذا كان تحرى الطريق الأفضل من الأول.

وعليه فاللازم أن تراعي الدولة التحرّي التام لمعرفة الموازنات والمعادلات والأسباب والمسببات حتى لا تقع في الخلل وتهدر الثروات والحقوق،ومن أفظع مظاهر اللاتوازن في الدولة هو استحقار الناس واستصغارهم، فإن الدولة إذا قامت سياستها على استصغار الناس واحتقارهم تعامل بمثل هذه السياسة من قبل الناس؛ لأن لكل فعل رد فعل يخالفه في الاتجاه ويوازيه في الكم والكيف، بل أكثر منه في الشعور النفسي والعمل الاجتماعي.

وكيف كان، فإن التحقير والإهانة والإذلال وما أشبه بالإضافة إلى أنها محرمات شرعاً وقبيحة أخلاقاً توجب رد الفعل من قبل المواطنين تجاه الدولة، فكما تحتقرهم وتستصغرهم يستصغرونها، وهذا ما يوجب الخروج عن الاستقرار والأمن العام، ويسبب التمرد والعصيان.

ومن مظاهر اللاتوازن عدم التفكير المتواصل في فهم الأسباب والمسببات للظواهر والأزمات ودراسة عللها ومعاليلها وفي ربط الأشياء بعضها ببعض؛ ولذا غالباً ما يسقط المستبدون، حيث إنهم لا يفكرون في ارتباط الاستبداد بالسقوط، كما يسقط الكسالى لعدم تفهّمهم ارتباط الكسل بالتأخر، مع أن الكون مليء بملايين القوانين التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيه، وبعضها يرتبط ببعض؛ لأن الكون وحدة واحدة، وبعض القوانين علّة لبعضها الآخر، وبعضها طريق، وبعضها معد، وبعضها مانع، وبعضها قاطع، فإذا لم يعرف الإنسان روابط الأشياء مع بعضها ولم يفهم التوازن في الكون يمشي على خلاف سننه، فيصاب بالتأخر والسقوط، والفكر هو القائد إلى جملة من ذلك، فإذا لم تقم الدولة سياستها على التفكر والبحث والفحص وفهم الموازنات سقطت؛ لأنها تمشي على خلاف السنن الكونية، كما أن من مظاهر اللاتوازن في سياسة الدولة توزيع الاتهامات وسوء الظن بالناس، وهذه من أهم العوامل التي تسقط الدولة من القلوب والنفوس. وانعكاسات ذلك السلبية على المجتمع والدولة بنحو عام كبيرة، وتؤدي إلى الفوضى والانشقاقات والانقسامات؛ وذلك لأن الحط من كرامة المجتمع يقود إلى جملة من المساوئ، وهي:

أولاً: إهانة الأفراد والحط من كراماتهم وتعريضهم للإذلال، وهذا محرم شرعاً، وقبيح عقلاً، ومن الواضح أنه لا يمكن للدولة التي تقوم سياستها على هذا النهج أن تكون مورد اعتماد وثقة من قبل الآخرين.

ثانيا: إضاعة الأهداف السامية والانشغال بتوافه الأمور التي تسبب تمزق المجتمع.

ثالثا: إيجاد جو من سوء الظن والفساد بين الناس، وبذلك تنصرف الألسنة والأقلام والأفكار الى الهجوم والدفاع نقدا وتأييدا بدلاً من الانصراف إلى التنمية.

رابعا: إيقاع البلد وأبناء البلد في شبكة الاستعمار وما أشبه؛ إذ يستثمر الخصوم أمثال هذه الأجواء لتوظيف التائهين والحيارى والمحتاجين لخدمة أغراضهم.

خامسا: انعزال الصالحين والأكفاء عن المشاركة السياسية؛ لأن الصالحين ينزهون أنفسهم عن التلوّث بالمجتمع الموبوء سلبي الاتجاه. قال سبحانه: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء}[15] ومن الواضح أن الكفاءات إذا انعزلت عن سياسة الدولة فقدت أهم عناصر تقدمها.

سادسا: إيجاد الجو المشحون بالتوتر والانفعالات، مما يعطي المجال للمتزلفين والمتملقين من مختلف الشرائح لهدم العدل وتقويض الفضيلة والقضاء على عناصر التقدم.

سابعا: إمراض المجتمع بالسلبيات النفسية والأخلاقية التي تفنيه وتمزقه، وهذا ينعكس على رؤيته للأمور ولمجالات الحياة المختلفة، فإن المجتمع المتمزّق ينحط في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والفكرية وغيرها، ويعيش في حياة مظلمة يحكمها التخلف والتأخر.

وتدلنا التجارب البشرية على أن من أكبر أسباب التأخر هو الاشتغال بالهوامش بدلاً عن الجذور، وكثيراً ما يرى الإنسان من يتحرّق لهذا الهدف أو ذاك، بينما يرى أنه يصرف طاقاته المادية والمعنوية فيما يناقض الهدف، كمن يريد وحدة المسلمين ثم يصرف وقته في القوميات أو العرقيات أو اللونيات أو ما أشبه ذلك، وفي الروايات الشريفة ما يشير إلى ذلك، فعن الصادق (عليه السلام) أنه أوصى بعض أصحابه فقال: «لا تكونن دواراً في الأسواق، ولا تلي دقائق الأشياء بنفسك، فإنه لا ينبغي للمرء المسلم ذي الحسب والدين أن يلي شراء دقائق الأشياء بنفسه ماخلا ثلاثة أشياء فانه ينبغي لذي الدين والحسب ان يليها بنفسه: العقار والرقيق والإبل»[16] وفي المستدرك بسند الأئمة إلى علي (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل جواد يحب الجود ومعالي الأمور، ويكره سفاسفها»[17].

وعليه فإن انشغال الحكومة بالتوافه من عناصر تأخر الدولة في سياستها، ومن عناصر تأخر الشعب بنحوٍ عام.

ثامنا: التزييف، فإن من الواضح أن الحياة مبنية على الحقائق، والزيف ضد الحقيقة، فإن قسماً من الناس يعتادون القفز على الامور بدون واقعية، وهذا من اكبر أسباب السقوط؛ لأن الخديعة لا يمرّ عليها زمان إلاّ وتظهر، كما أنها توجب وضع غير الكفوء في موقع الكفوء، والجاهل في موضع العالم، والمدير في موضع المدار، وفضلاً عن المساوئ الواقعية لهذه السياسة فإنها تسلب ثقة الناس بالدولة، وإيمانهم بكفاءتها وهيمنتها، مما قد تدفعهم إلى عدم التعاطي معها إلا بالخوف والقوة والإرهاب، وهذا من شأنه أن يعود على الجميع بالاستبداد والظلم، كما يسبب الاختلاف والمعارضة الحادة، وربما يقود إلى الحرب، ومهما كانت الدولة ذكية في تحسين خداعها وتمريره على الناس فإنها لابد وأن تنكشف، وفي المثل: يمكن للإنسان أن يخدع بعض الناس في بعض الوقت ولا يتمكن أن يخدع كل الناس في كل الوقت.

وفي الحديث: «الكذب يرديك وإن أمنته»[18].

ومن الواضح أن الآثار الخارجية تلازم الواقع والوجود الحقيقي لا المزيّف المكذوب؛ لأن النتائج الحقيقية تترتب على مقدماتها واسبابها الحقيقية؛ بداهة أن واقع البيضة هو الذي ينتج الفرخ، والحنطة هي التي تنبت الحنطة، والإنسان هو الذي يولد الإنسان؛ لأن الحقيقة هي النابتة لا الخداع، وقد شهدت التجارب البشرية الخادعين حينما سقطوا، ولا زالت تشهد ذلك.

وكيف كان، فإن الجهل والغرور والأنانية من أهم أسباب جنوح الدول إلى الخداع والتزييف، ولكن هذه السياسة تنطوي على نفسية متأخرة، فيجب على الدولة أن تتجنب الخداع ؛ لأنه سرعان ما ينكشف فيعود عليها بالأضرار والمساوئ. قال الشاعر:

ومهما تكن عند امرئ من خليقة.....وإن خالها تخفى على الناس تعلم[19]

وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه سئل ما الحيلة؟ قال: «ترك الحيلة»[20].

تاسعا: سياسة العنف، فإنه من أسوأ ما يبتلى به الناس حكاماً ومحكومين، فإن كثيراً من الناس يجنحون إلى العنف في كلامهم وتفكيرهم وأعمالهم حتى وإن لم يمارسوه بالفعل؛ لأن اللاعنف منطوٍ على السكون والتواضع، وهذا بحاجة إلى تربية نفسية طويلة ومراقبة وضبط حتى تنقلب السريرة العنيفة إلى سريرة لينة رفيقة.

ولا يخفى أن مصدر العنف والانطواء على الحدية إنما ينمو غالباً في النفوس غير المؤدبة وغير المرباة من ناحية، ومن ناحية ثانية في غير المجتمعات الاستشارية؛ لأن الجو العام يوجب إنبات النبات المشابه لذلك الجو، فالماء يملح في الأراضي المالحة، ويعذب في الأراضي الطيبة، والتربية والشورى جوّان مناسبان للرفق واللاعنف، بخلاف الاستبداد،وقد قال سبحانه: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا}[21].

وكيف كان، فإن من أهم أسباب تأخر الدول وفشل سياستها وسقوطها هو انطواء السياسة في أساليبها العامة أو الخاصة على العنف والقسوة والجفاء والفظاظة.

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

................................................

[1] تصنيف غرر الحكم: ص72 رقم1096.

[2] المصدر نفسه: رقم 1097.

[3] سورة لقمان: الآية 18.

[4] تصنيف غرر الحكم: ص346 رقم 7961.

[5] المصدر نفسه: ص345 رقم 7932.

[6] البحار: ج74 ص207.

[7] مستدرك الوسائل: ج9 ص147 ح10510 باب141من ابواب احكام العشرة.

[8] سورة آل عمران: الآية159.

[9] البحار: ج1 ص131 ح17 ؛ الوسائل: ج16 ص295 ح21586 باب3 من ابواب فعل المعروف.

[10] في الحديث: الن كنفك فان من يلن كنفه يستدم من قوله المحبة» تصنيف غرر الحكم: ص250 رقم 5205 ؛ وانظر المصدر: رقم5206 و5209 و5213 و5214.

[11] انظر الكافي: ج8 ص299 ح458 الهامش.

[12] شرح نهج البلاغة: ج10 ص159.

[13] نهج البلاغة: ص500 الحكمة 161.

[14] سورة البقرة: الآية 205.

[15] سورة الانعام: الآية 159.

[16] الكافي: ج5 ص91 ح2 ؛ الفقيه: ج3 ص104 ح426 ؛ الوسائل: ج17 ص73 ح22019 باب 25 من ابواب مقدمات التجارة.

[17] مستدرك الوسائل: ج13 ص 56 – 57 ح14736 باب22 من ابواب مقدمات التجارة.

[18] تصنيف غرر الحكم: ص220 رقم 4407.

[19] المعلقات العشر: ص63.

[20] البحار: ج35 ص383 ح 12.

[21] سورة الاعراف: الآية 58.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/نيسان/2013 - 16/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م