قيم التقدم: الصراع بالاحتواء

علي حسين عبيد

شبكة النبأ: لا شك أن النفس البشرية جُبلتْ على الصراع، لأنه يدخل بقوة في تركيبها الظاهر والخفي على حد سواء، ولو لا الصراع لما تقدم الانسان خطوة واحدة الى امام، فالفضل لما وصل اليه الانسان في رحلته الطويلة والشاقة وما حققه من تقدم كبير في عالم اليوم، يعود الى طبيعة الصراع التي تحتدم في الذات ومع الآخر ايضا، الامر الذي يُحدث تحفيزا كبيرا على التفوق والنجاح في هذا المجال او ذاك.

ولكن ثمة جانب آخر للصراع.. ونعني به الصراع الذي لا يخدم حياة الانسان الفرد ولا الجماعة، ذلك هو الصراع السلبي، المدمر، والذي لا ينفع حتى صاحبه، لذا ينبغي احتواء هذا النوع من الصراع، علما أن الذات هي المحرك الاول وهي الوعاء الذي يتحرك فيه الصراع أولا، حيث يصطرع الانسان مع ذاته وتحتدم في عقله وذهنه المتناقضات الكثيرة، ثم هناك الصراع الذي يتولد مع الحيز الخارجي، حيث تتناقض الآراء والافكار والمعتقدات.

لذلك على الانسان والجماعة ايضا، أن يطوّع الصراع ويحتويه يما يحقق نوعا من الانسجام والتفاهم على الرغم من الاختلاف في الآراء والرؤى والافكار، وهكذا تصبح قيمة الصراع بالاحتواء من القيم التي تسهم بصورة كبيرة في بناء المجتمع الحيوي المتحرك المنتج، ضمن منهج احتواء الصراعات المختلفة.

هناك صراع بين مكونات المجتمع الواحد ايضا، لان التناقضات كثيرة ومتنوعة تتعلق بانماط الحياة المختلفة وتصل الى حد المأكل والملبس والمشرب وما شابه، غذ لا تتفق كل الاذواق مع بعضها، حتى نوع الزي يختلف من شخص الى آخر ومن فئة الى أخرى حيث تنعكس الجغرافية والتاريخ ونوع الثقافة وجذورها، وجميع هذه الاختلافات هي نوع من الصراع الذي قد يتسبب في نوع من المشكلات المتبادلة ربما تصل الى درجة الاحتراب، لهذا ينهض هنا دور الاحتواء الذي يجرّد الصراع من آثاره المدمرة ويحوله الى نوع من التنافس الايجابي.

لذا لابد من المبادرة لتعزيز النقاط المشتركة بين الأنا والآخر، وبين المجموعة والمجموعة الاخرى، لأن زوال الصراع أمر مستبعد إن لم يكن في عداد المستحيل، كونه يدخل في التركيبة النفسية للانسان، لذا لا يمكن تجميد الصراع او تحييده او إلغائه كليا في ذات الانسان والجماعة، ولكن تذهب المجتمعات المتطورة الى طريقة متوازنة وفعالة، تستطيع من خلالها أن تزيل التأثيرات الخطيرة لحالة الصراع، وتحولها من حالتها المؤذية السلبية الى حالة تصب في صالح الانسان والجماعة، وذلك من خلال لجوئها الى اسلوب معالجة الصراع باحتوائه وتحويله الى نوع من التحفيز وليس الاحتراب والالغاء والاقصاء والتدمير.

وبهذا الاسلوب الصحيح والمتميز، يصبح الصراع حالة مقبولة ومحفزة في آن واحد، كونها لا تؤدي الى نشوب النزاعات بين الافراد او الجماعات، بل تصبح بمثابة المحرك للاردات المتضادة، من خلال التفاهم والانسجام في النقاط المشتركة، والابتعاد عن نقاط التناقض والاختلاف، وبهذا تتم عملية احتواء الصراع واضراره ومخاطره الكثيرة.

هذه القيمة فيما لو تطورت بين الافراد ومكونات المجتمع المتعددة، فلا خوف من حالات التناقض في الاراء والافكار بل وحتى العقائد، إذ يتم ترك ما يتسبب بالتباعد والصرع من خلال التفاهم المتبادل، ويتم التقارب من خلال المشتركات، وهكذا تترسخ حالة الصراع بالاحتواء كقيمة مجتمعية يتمسك فيها الجميع كمنهج حياة، يساعد على التعايش وبث روح التعاون والتوازن، وقبول الاخر بكل ما ينطوي عليه من نقاط اختلاف فكرية او سواها، كي يعيش الجميع بحالة من الاستقرار والتوازن الذي يتيح للجميع الابداع في مجتمع، يجعل من الصراع بالاحتواء قيمة مجتمعية متفق عليها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/نيسان/2013 - 13/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م