النفط... نمو هزيل قد يمهد لأزمة عالمية

 

شبكة النبأ: يعد الذهب الأسود السلعة الضرورية التي يعتمد عليها العالم باستهلاك الطاقة حيث بات عنصرا أساسيا في الحياة اليومية، ومع التزايد السريع للطلب على هذا النوع من الطاقة الاحفورية، يصبح المخزون الخام من النفط على الكرة الأرضية غير مستقر. فالموارد النفطية في العالم مهددة نتيجة لارتفاع الطلب عليها لأغراض متعددة، منها تتعلق بالصناعة والزراعة والتكنولوجيا وغيرها العديد من الأغراض الاخرى.

إذ يشهد العالم في الفترة الأخيرة صراعات عديدة حول أنتاج الذهب الأسود وكيفية الاستمرار باعتماده كطاقة خلال العقود القادمة، حيث تأتي دول الاوبك في صدارة الدول المنتجة للطاقة النفطية في العالم، غير المستجدات الأخيرة المتمثلة بصعود الثورة الصخرية وهي مصطلح جامع لاستخراج النفط والغاز بتقنيات جديدة من مكامن غير تقليدية في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم. كشفت عن قلق متزايد بشأن النفط الصخري بين المسؤولين ورجال الأعمال في الدول المصدرة قد يفضي في النهاية إلى تغيير في الاستراتيجية الاقتصادية للمنطقة.

حيث تشير التوقعات المستقبلية لصناعة الطاقة أقوى حاليا من أي وقت في التاريخ الحديث. وقد يكون تذبذب الاسعار مفيدا لقلة من المتعاملين ولكنه لن يفيد النمو والاستقرار الاقتصادي العالمي على المدى الطويل، كما ان الضعف الاقتصادي قد يؤثر على الطلب العالمي على النفط في المستقبل القريب.

في حين يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن الفكرة السائدة على ان أسعار النفط ستبقى وبصفة عامة شبه مستقرة خلال الأعوام الباقية من هذا العقد، مما يظهر مؤشرات قوية لصراعات إستراتيجية بين البلدان النفطية قد تخلق أزمة اقتصادية عالمية.

حيث ان حدوث مثل هذا التفاوت على أسعار النفط، سيؤدي بصورة مباشرة إلى البحث عن البدائل وإن كانت مرتفعة التكلفة، إلا أن جدوى استغلالها سيكون أكبر من الاستعانة بالنفط، وعلى رأس هذه البدائل تأتي الطاقة النووي، التي قد تحل مكان الطاقة الأحفورية مستقبلا.

انخفاض الطلب العالمي على النفط

فقد خفضت المؤسسات الكبرى المعنية بتوقعات النفط في العالم توقعها لنمو الطلب العالمي على النفط هذا العام بسبب النمو الاقتصادي الهزيل، واظهرت بياناتها تشابها متزايدا في وجهات نظر المنتجين والمستهلكين، وقلصت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط بعد خطوتين مماثلتين من إدارة معلومات الطاقة الحكومية الأمريكية ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

ويأتي التشابه المتزايد في النظرة المستقبلية لوكالة الطاقة الدولية - التي تمثل 28 دولة صناعية - ومنظمة أوبك في تباين مع اختلاف وجهتي نظرهما في الماضي. وقال مراقبون إن ذلك قد يعكس الجهود الرامية لتعزيز الشفافية في سوق النفط - التي عرفت بغموضها وصعوبة توقع اتجاهاتها - مثل مبادرة بيانات المنظمات المشتركة.

وقال أوليفيه جاكوب المحلل بشركة بتروماتريكس "هناك الكثير من نقاط الالتقاء الآن بين وجهتي نظر منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية بشأن سوق النفط... فهما يستخدمان نفس البيانات بصورة متزايدة".

وذكرت الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا لها في تقريرها الشهري أن معدل الاستهلاك العالمي للنفط سيزيد بمقدار 795 ألف برميل يوميا هذا العام. وهذا هو ثالث خفض على التوالي لتوقعات وكالة الطاقة ويقل 25 ألف برميل يوميا عن توقعاتها في الشهر الماضي.

واتفقت أوبك ووكالة الطاقة أيضا في توقعاتهما لكميات النفط التي تحتاج المنظمة لضخها هذا العام من أجل تحقيق التوازن بين العرض والطلب. وتوقعت الهيئتان وصول معدل الطلب على نفط أوبك إلى 29.7 مليون برميل يوميا في عام 2013. بحسب رويترز.

وقلصت الوكالة توقعاتها لإمدادات النفط من دول خارج أوبك هذا العام للمرة الأولى في عدة أشهر، وقالت إن تدهور الأمن في ليبيا وسرقة النفط في نيجيريا ساهما في تراجع إنتاج أوبك الشهر الماضي.

وذكرت وكالة الطاقة أن إنتاج أوبك انخفض بمقدار 140 ألف برميل يوميا في آذار/مارس إلى 30.44 مليون برميل يوميا متأثرا بتراجعه في نيجيريا وليبيا والعراق رغم زيادة طفيفة في إنتاج السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، وقدرت الوكالة أيضا انخفاض صادرات النفط الإيراني في آذار إلى 1.1 مليون برميل يوميا من 1.26 مليون برميل يوميا في شباط في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على طهران بسبب نشاطها النووي.

على صعيد ذو صلة قال مندوب إيران لدى منظمة أوبك إن الدول المنتجة والمستهلكة راضية عن الأسعار الحالية التي تدور بين 100 و110 دولارات للبرميل لكن ضعف الطلب في الدول الصناعية قد يدفع الأسعار للانخفاض.

وأبلغ محمد علي خطيبي موقع وزارة النفط الإيرانية على الانترنت "الأداء الاقتصادي للدول الصناعية ضعيف وهو ما قد يؤثر في الطلب على النفط ووضع السوق. العوامل السلبية الحالية بما فيها تباطؤ الطلب على النفط وتدهور التوقعات الاقتصادية في الدول الصناعية ولاسيما الولايات المتحدة تهيمن على السوق"، وقال خطيبي إن تخفيضات الإنفاق المقترحة بالولايات المتحدة يمكن أن تؤثر على نمو الاقتصاد الأمريكي والطلب على النفط.

وتأتي تصريحات خطيبي بشأن نطاق السعر إثر تعليقات مماثلة من وزير البترول السعودي علي النعيمي في أواخر الشهر الماضي، ويظهر أحدث مسح أجرته رويترز تراجع صادرات الخام الإيراني إلى 1.15 مليون برميل يوميا في آذار/مارس من حوالي 2.5 مليون في 2011 قبل أن تتسبب عقوبات في خفض مبيعات النفط الإيراني عام 2012.

على صعيد آخر قالت مسؤولة أمريكية كبيرة  إن الولايات المتحدة تتوقع أن يواصل مستوردو النفط الخام الإيراني خفض مشترياتهم بدرجة كبيرة لكنها أشارت إلى حدوث تذبذبات موسمية أيضا. بحسب رويترز.

وفي لقاء مع الصحافيين قالت المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية الأمريكية والتي طلبت عدم نشر اسمها "أعتقد أن خفض المستوردين لمشترياتهم من الخام الإيراني سيستمر ... هناك اعتبارات موسمية وهناك طفرات ... هناك تعاقدات سابقة وعوامل موسمية تتعلق بهذه التعاقدات لذا نعرف أنه ستكون هناك تقلبات لكنني أتوقع أن يستمر الانخفاض"، وردت على سؤال عما إذا كانت تتوقع أن تكون هذه الانخفاضات كبيرة قائلة "نعم".

وبموجب القانون الأمريكي يتعين على جميع الدول التي تستورد الخام الإيراني أن تخفض بشدة وارداتها وإلا واجهت بنوكها احتمال العزل عن القطاع المصرفي الأمريكي وفقا لعقوبات تفرضها الولايات المتحدة.

ومنحت الولايات المتحدة يوم 13 آذار/مارس اليابان وعشر دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي مهلة 180 يوما لتنفيذ التخفيضات. وأشارت تصريحات المسؤولة إلى أن واشنطن قد تمنح مهلة أخرى مدتها ستة أشهر عندما تباشر تقييم تخفيضات واردات الدول في المرة القادمة.

وقلصت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في العام الماضي صادرات النفط الايرانية الى النصف الى نحو مليون برميل يوميا. وساعدت العقوبات ايضا على خفض قيمة العملة الايرانية الريال وأدت إلى ارتفاع التضخم إلى نحو 25 في المئة.

استقرار أسعار النفط

من جهته قال إبراهيم المهنا مستشار وزارة البترول السعودية إنه من المرجح أن تظل إمدادات النفط العالمية متوازنة وأن تبقى الأسعار مستقرة عند حوالي 100 دولار للبرميل حيث من المتوقع أن تحافظ منظمة أوبك على الإنتاج عند مستوياته الحالية هذا العام.

وأضاف أنه بافتراض إبقاء أوبك على مستوى الإنتاج الحالي البالغ 30.5 مليون برميل يوميا كما هو متوقع فإن السوق ستبقى متوازنة هذا العام مع توقع حدوث سحب من المخزونات التجارية في الربع الأخير من العام.

وفي كلمة بالكويت في منتدى نظمته الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (اوابك) قال المهنا إنه من المرجح أن يزيد إنتاج أوبك إلى 34 مليون برميل يوميا بحلول عام 2020 لتلبية زيادة متوقعة في الطلب.

وتابع بقوله انه في هذا الوضع ستتراوح الطاقة الانتاجية غير المستغلة في أوبك بين ثلاثة ملايين برميل يوميا وأربعة ملايين أغلبها من دول الخليج خاصة السعودية والعراق والكويت والإمارات العربية المتحدة. وأن هذه طاقة فائضة ملائمة فهي ليست مرتفعة بدرجة تشكل ضغوطا على الأسعار.

وتحدث كذلك عن الزيادة في انتاج النفط الصخري الذي يقول المحللون إنه أصبح مصدر قلق متزايد لدول منطقة الخليج المنتجة للنفط. وقال إن هذه المخاوف لا أساس لها لأن الآثار الإيجابية للنفط الصخري على الدول المنتجة للنفط ومنها دول أوبك والدول العربية في الأجل المتوسط بين خمس وعشر سنوات تفوق الآثار السلبية. وأضاف أن من الآثار الإيجابية إعطاء عمق واستقرار أكبر للسوق.

وتراجع سعر النفط دون 106 دولارات للبرميل امس الأربعاء بعد ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية إلى أعلى مستوياتها في اكثر من عشرين عاما ما قلص توقعات الطلب في أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم.

على صعيد آخر قال مصدر من قطاع النفط لرويترز امس إن السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم انتجت 9.14 مليون برميل يوميا في آذار/مارس بدون تغير يذكر عن الشهر السابق. وأضاف المصدر أن امدادات المملكة للسوق بلغت نحو 9.15 مليون برميل يوميا بدون تغيير يذكر أيضا عن 9.16 مليون برميل يوميا في شباط/فبراير الماضي، وعندما تزيد صادرات الخام عن الانتاج يكون الفارق قد أخذ من مخزونات المملكة.

بنك باركليز

من جهة أخرى واصلت اسعار العقود الآجلة للنفط الهبوط بعد ان اظهرت بيانات من ادارة معلومات الطاقة الامريكية زيادة في مخزونات الخام التجارية في الولايات المتحدة، وهبطت عقود خام القياس الدولي مزيج برنت تسليم مايو ايار 2.68 دولار الي 108.01 دولار للبرميل في حين تراجعت عقود الخام الامريكي الخفيف 2.13 دولار الي 95.06 دولار للبرميل.

على صعيد آخر خفض بنك باركليز البريطاني بشكل حاد امس توقعاته لسعر النفط ليصبح أحدث البنوك الكبرى النشطة في سوق السلع الأولية التي تتخلى عن توقعاتها لارتفاع الأسعار مع زيادة الانتاج الأمريكي وضعف الطلب العالمي.

وقال محللون من باركليز في مذكرة بحثية "نظام الامدادات العالمي على وشك استيعاب النمو المتوقع في الطلب العالمي دون ضغوط كبيرة"، واضافت المذكرة أن حلا سريعا لأزمة ايران وتعافي صادراتها وبطء تعافي الصين أو تعثر التعافي الوليد للطلب الأمريكي على الخام عوامل يمكن أن تؤدي لخفض سعر النفط، وقال باركليز إنه يتوقع الآن أن يبلغ متوسط سعر برنت 112 دولارا للبرميل في 2013 انخفاضا من توقعات سابقة قدرها 125 دولارا. ويتوقع البنك أن يبلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 95 دولارا في المتوسط مقارنة مع توقعات سابقة بلغت 108 دولارات للبرميل.

وتوقع مصرف كومرتسبنك الألماني متوسط لسعر برنت قدره 119 دولارا للبرميل في 2013 في حين يتوقع بنك بي.ان.بي/باريبا متوسطا يبلغ 115 دولارا للبرميل.

تراجع إنتاج أوبك أدنى مستوى

الى ذلك أظهر مسح استقصائي أن إنتاج منظمة أوبك من النفط الخام في طريقه إلى أدنى مستوى له منذ تشرين الأول/اكتوبر 2011 هذا الشهر، حيث تضغط الاضطرابات في ليبيا والأضرار التي أصابت خطوط الأنابيب في نيجيريا وانقطاعات التصدير في العراق على الإمدادات.

وتبين من المسح الذي شمل بيانات ملاحية ومصادر بشركات نفطية ومنظمة أوبك ومستشارين أن إمدادات المعروض من دول أوبك من المنتظر أن تصل في المتوسط إلى 30.18 مليون برميل يوميا في آذار/مارس نزولا من 30.42 مليون برميل يوميا في شباط/فبراير.

وأشار المسح إلى أن السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في المنظمة لا تزال تبقي على قيود على الإنتاج. ويتم تداول النفط عند 109 دولارات للبرميل وهو أعلى من المستوى المفضل لدى المملكة 100 دولار للبرميل رغم هبوط الأسعار إثنين في المئة هذا العام في ظل مخاوف بشأن الآفاق الاقتصادية العالمية.

وقال صامويل سيزوك المستشار لدى وكالة الطاقة السويدية 'أعتقد أن السعودية سعيدة بالدخول إلى الربع الثاني بهذا المستوى للإنتاج والأسعار لكننا نتوقع منهم التصرف بشكل سريع للغاية إذا لزم الأمر'.

وسيأتي إنتاج أوبك في آذار عند أدنى مستوى له منذ تشرين الأول/اكتوبر 2011 حينما أنتجت المنظمة 29.81 مليون برميل يوميا بحسب مسح لرويترز.

ويعد إنتاج أوبك الأقرب إلى ما تستهدفه عند 30 مليون برميل يوميا منذ بدء العمل بهذا المستوى المستهدف للإنتاج في كانون الثاني/يناير 2012، ومن المنتظر أن تجتمع دول المنظمة في 31 من أيار/مايو في فيينا لمراجعة سياسة الإنتاج للنصف الثاني هذا العام. وفي اجتماعها السابق في كانون الأول/ديسمبر أبقت أوبك على انتاجها المستهدف بدون تغيير رغم أن السعودية عدلت إنتاجها وفقا للطلب.

وأظهر المسح أن المملكة أبقت على إنتاجها بدون تغيير يذكر هذا الشهر عند 9.23 مليون برميل يوميا. وخفضت السعودية الإنتاج في الشهرين الأخيرين من 2012 وهو ما شكل دعما للأسعار.

ولا تزال مصادر في صناعة النفط تتوقع زيادة في إنتاج المملكة في الربع الثاني من العام نظرا للنمو في آسيا وزيادة الطلب الموسمي على الخام من جانب محطات الكهرباء في السعودية حيث من المرجح أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع إنتاج أوبك بشكل عام.

أسعار النفط لن تضر نمو آسيا

من جانب آخر قال وزير البترول السعودي علي النعيمي إنه لا يتوقع تأثر النمو في آسيا بأسعار النفط الحالية حتى فيما تواجه جهود أكبر اقتصادات في القارة لتعزيز النمو مصاعب بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.

وتكافح اليابان وهي من أكبر الدول المستوردة للخام في العالم عجزا تجاريا هائلا في حين تسعى الهند جاهدة لتحجيم الدعم المحلي المتنامي نتيجة ارتفاع أسعار النفط.

وقد قال النعيمي إن سعر مئة دولار لبرميل النفط مناسب للدول المستهلكة والمنتجة على حد سواء. وفي الأشهر الاخيرة ذكر أن المعروض في السوق العالمية جيد وأن الاستقرار عاد للسوق في اعقاب الاضطراب الناجم عن المواجهة بين إيران والغرب.

وقال النعيمي خلال مؤتمر كريدي سويس للاستثمار الآسيوي في هونج كونج "لن توقف المستويات الحالية مزيدا من النمو في آسيا." بحسب رويترز.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إن تراجع ثقة قطاع الأعمال في الصين والتباطؤ في أوروبا واحتمال تنفيذ تخفيضات للميزانية الامريكية كلها عوامل ستقلص الطلب العالمي على النفط في حين أن ارتفاع الانتاج في الولايات المتحدة يوفر الحماية للمستهلكين ازاء أي تعثر للامدادات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/نيسان/2013 - 12/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م