شبكة النبأ: في كل حدث يتعلق بالعرب
او المسلمين يتم استدعاء نظرية المؤامرة، وهو استدعاء كثيرا مايريحنا
ويريح اعصابنا، وهو هروب الى الامام في مواجهة مشاكلنا واحباطاتنا
المتراكمة، وهو ايضا يريحنا من عملية البحث عن الاسباب الكامنة خلف
مانصل اليه دائما من فشل وخيبة..
في حادث بوسطن، لم يتاخر والد و والدة المتهمين بالتفجيرات من اعلان
براءة ابنائهما وان ماحدث هو تلفيق للتهم ضدهما من قبل السلطات
الامريكية، والسبب دائما لان هناك استهداف للمسلمين في امريكا او بلدان
اوربية اخرى.
وتفسير هذا الاستهداف كما تذكره الام، التي قتل احد ابنائها وتم
اعتقال الاخر، ان ابنها كان مراقبا من المباحث الامريكية طيلة ثلاث او
خمس سنوات، وبالتالي لايمكن ان يقوم بما نسب اليه، ولم تسال الام سؤالا
افتراضيا لماذا كان تحت المراقبة التي تتحدث عنها؟ البحث عن الاجابة
ستكون فيه مشقات كثيرة هي والاب في غنى عنها، اذن اسهل الاجوبة واكثرها
راحة هو الاستهداف والتلفيق.
في كل حدث من هذا القبيل نستدعي تلك النظرية الرائعة، نظرية
المؤامرة، ونسمع الكثير على السنة الناس والكتاب والسياسيين والمحللين،
ابعاد هذه المؤامرة، دون الخوض في الحديث مثلا عن الاسباب الثقافية او
الاقتصادية او صدمة الحداثة بالنسبة للمسلمين في بلدان الغرب الاوربي
والامركي.
فلا يتم الحديث عن متغيرات ثقافية او اجتماعية او مستوى تعليم او
فروقات طبقية او اجتماعية، يعيشها المسلمون في تلك البلدان وتترك
اثارها على تفكيرهم وسلوكهم.. ولا يتم الحديث عن الاشواط الكبيرة التي
قطعتها مجتمعات تلك البلدان في ما يتعلق بالمواطنة وحقوق الانسان
والحريات الكثيرة، بل دائما يتم الحديث عن هذا التضاد بين غرب مسيحي
وشرق اسلامي..
لايتم الحديث عن المرجعيات التي تدعو الى العنف والتطرف والتكفير
ورفض الاخر، في بلداننا الام، وتاثير ذلك على عقول المسلمين، حتى في
تلك البلدان، وتضخيم كل شيء ضدهم، دون النظر الى المشتركات الكثيرة بين
القيم الاخلاقية في تلك المجتمعات وبين تعاليم الدين الاسلامي.
في مقال كتبه احد الصحفيين العرب وهو عبارة عن حوار دار بينه وبين
احد الشباب، يقول الكاتب: داهمني شاب غاضب - كالعادة - يريد إرباك
سعادتي وقطع نشوتي ومنعي من استكمال الساندويتش الثاني من أجل الحوار
معه.
وفيما يلي ما دار بيني وبينه:
الشاب: يا أستاذ، هل ترى الانفجارات الحالية في بعض المدن
الأميركية؟
الكاتب: نعم، إنها جريمة بكل المقاييس، وهو أمر يدعو إلى القلق
الشديد.
الشاب: ولماذا تسميها جريمة؟! إنها انتقام من السماء ضد الأميركان!
الكاتب: قتل الأبرياء من المدنيين من دون جرم أو سبب هو أمر ترفضه
كل الأديان والشرائع، وهو أمر حرمه الله سبحانه وتعالى.
الشاب: لكن الجيش الأميركي قتل الناس في أفغانستان والعراق من دون
سبب.
الكاتب: الجيش الأميركي كان في حالة حرب وإذا أصاب أو قتل مدنيين
بالخطأ فهو إحدى جرائم الحروب، وهو يعلن عنها ويحاكم من تسبب فيها
ويوقع تعويضات عنها لضحاياها.
الشاب: ولماذا تقول إن ما حدث في بوسطن وتكساس أمر يدعو للقلق؟
الكاتب: لأنني أخشى أن ينتهي الأمر ويكون الفاعل عربيا أو مسلما مما
قد يزيد الطين بلة ويتسبب لنا في أضرار جديدة.
الشاب: أي أضرار تقصد؟
الكاتب: ليس من مصلحتنا أن تتشوه صورتنا النمطية لدى الشعب الأميركي
بأن كل عربي إرهابي وكل مسلم كاره للآخر، لأن ذلك سوف يضر أولا
بالجاليات المقيمة في أميركا منذ سنوات، ثم سوف يضر بأبنائنا الدارسين
هناك، وسوف يجعل كل حامل جواز عربي أو صاحب أي اسم مسلم يواجه متاعب
شديدة كلما حاول دخول أي مطار أميركي أو أوروبي.
الشاب: إن هذه الإجراءات هي إحدى علامات العنصرية لدى الغرب ضدنا!
الكاتب: يا رجل، اتق الله! حاول أن تتخيل أن دولة ما قام أحد
مواطنيها بالاعتداء على مواطنيك من دون سبب أو مبرر، فكيف سيكون رد
فعلك؟!
الشاب: سوف أسحقه سحقا. أنا لا أقبل أي اعتداء على شعبي وأهلي!
الكاتب: إذن، لماذا ترفض إعطاء ذات حق رد الفعل الشرعي للأميركان
بينما تعطيه لنفسك؟!
الشاب: (لم يرد، وغادر غاضبا بلا تعليق على ما قلت).
ماحدث برأي هذا الشاب، والاف غيره هو انتقام من السماء، لكنه يسحق
مايقوم به اخر لو حدث في بلده، وهو نفس التفسير الذي كتبه اخرون في
مقام اخر، بعد الزلزال الذي ضرب ايران، فهو حسب هؤلاء انتقام الهي من
الصفويين بسبب مايرتكبوه ضد السنة، ولا ادري ماهو تفسيرهم لما حدث في
باكستان من تبعات هذا الزلزال، هل هو انتقام من السماء ايضا، ام هو
اختبار الهي للسنة؟
لازلنا لانفارق تلك العتمة الفكرية والاخلاقية التي تحكم الكثير من
تصرفاتنا وردود افعالنا تجاه مايحدث حولنا..
ربما اسجل هنا فرقا بيننا وبين الاخرين، في حدث بوسطن.. لم تقم
الشرطة باعتقال المئات من الحاضرين الى الماراثون تحت بند الشبهة، ولو
حدث مثل هذا في بلداننا ستقوم قوات الشرطة باعتقال المئات من الحاضرين
وانتزاع اعترافاتهم منهم تحت التعذيب، وحتى لو تم القبض على الفاعلين
الحقيقيين فانهم لن يخرجوا بسهولة بسبب تعقيدات الروتين الحكومي،
وسيظلون تحت المراقبة لفترات طويلة.
فرق اخر بيننا وبين هؤلاء الاخرين، الذين تنتقم السماء منهم دائما،
وهو هذا التعاون المجتمعي بين افراد المدينة وبين قوات الشرطة، دون
هتافات او تظاهرات، ولو حدث ماحدث لدينا لسمعنا الكثير من التهديد
بخروج التظاهرات والاعتصامات حتى تحقيق المطالب المشروعة. |