ثلاثية الضحك العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا اشتري الصحف اليومية بصورة مستمرة، وان فعلت فبحالة واحدة، اكون وقتها انوي الذهاب الى مكان معين، والصحف تسليني مسافة الطريق.. ماعدا ذلك اكتفي بالمرور عليها عن طريق الانترنت..

اقف مطولا عند بائع الصحف قبل ان ادفع ثمن ماأشتريه من بعضها، وهو بعض قليل لايتعدى اربع صحف، واحدة منها احترمها، والثلاث الباقيات مجاملة للبائع..

خلال وقوفي عند البائع، يقوم بالترويج لصحفه لكل قادم جديد، (رواتب – زيادات رواتب – قروض – سلف – منح) وهو ليس وحده، فهناك غيره من يكتب تلك الكلمات مع بقية العبارة على الواح كارتونية صغيرة يضعها على الصحف المعروضة امامه..

على الشبكة العنكبوتية، اضافة الى الصحف القليلة التي اتابعها، هناك المواقع الاخبارية الالكترونية، وهي كثيرة جدا، وبما اني لا املك الوقت للدخول اليها جميعا، فاني اكتفي بموقع واحد يضع على صفحته جميع المواد والاخبار من المواقع العراقية العديدة.

لدينا صحف ومواقع الكترونية كثيرة، وهي بمعظمها مملوكة لجهات سياسية ولاحزاب ولشخصيات لها علاقة من قريب او بعيد بتلك الجهات السياسية، وينطبق هذا الكلام على الفضائيات ايضا..

حديث الاستقلالية لاوجود له الا في النادر القليل جدا من تلك الوسائل، وربما هذا احد الاسباب الذي لم يصنع من وسائل الاعلام لدينا سلطة رابعة محترمة.. اضافة الى اسباب اخرى ليس مجال الحديث عنها..

في العراق الجديد، والمولود منذ العام 2003 ، هناك ثلاثية من الضحك تحكمه، ويمكن ان احصرها بثلاثة مرتكزات (السياسة – الاعلام – الجمهور)..

وكل واحدة من هذه المرتكزات تستند على ثلاثة اخرى من الضحك الذي يتوزع على الشكل التالي:

السياسي يضحك على نفسه – يضحك على الاعلام – يضحك على الجمهور.

الاعلام يضحك على الجمهور – يضحك على السياسي – يضحك على نفسه.

الجمهور يضحك على الاعلام – يضحك على السياسي – يضحك على نفسه.

لكل سياسي جمهور معين يمارس عليه كل يوم فعل الضحك، صحيح اننا لانرى هذا الضحك عبر وسائل الاعلام، شفتان منفرجتان او قهقة عالية، لكننا نراه عبر طبيعة تلك التصريحات التي تستهدف جمهوره..

السياسي لايصدق نفسه، انه اسير اللحظة الاعلامية الباهرة، والضوء ساطع يمنع الرؤية، وهو مطالب بالكلام، انه اسير لحظته واسير كلامه.. انه يضحك في سره، فالجمهور بعد قليل سيهتف باسمه، لكنه جمهور ضاحك هو الاخر، ان لم يكن على هذا السياسي فعلى نفسه، وعلى الاخرين الذين لايهتفون لهذا السياسي ولتلك التصريحات..

والسياسي يضحك على الاعلام، بين تصريح ونفي لهذا التصريح، وبينهما ضحك متبادل بين الاثنين.. انها وظيفة الاعلام، ليس البحث عن الحقيقة همّا من همومه، بل هو اعلام الاشاعة، واعلام الضحكة – اللحظة.. من صحيفة الى اخرى ومن موقع الى اخر، الاخبار – الاشاعات هي نفسها دون مراجعة او تدقيق، وكثير منها بنفس اخطائه اللغوية والنحوية والاسلوبية، لامجال للتوقف، فنوبة الضحك يجب ان تستمر.

الجمهور بدوره يحتاج الى من يضحك عليه، السياسي يوفر تلك الفرصة بامتياز، لكن من ينقل للجمهور مايضحكون عليه؟ انه الاعلام، اشاعة هنا، واشاعة هناك، وكل اشاعة هي بمثاية (كبسولة) ضحك ياخذها الجمهور عبر تلك الاخبار – الاشاعات، زيادة او سلفة او منحة او قطع اراضي وغيرها من (كبسولات) ضحك لايفيق الجمهور بعدها الا على اثر من هلوسات جميلة، يكون نتيجتها ضحك متواصل على السياسي وعلى الاعلامي، فما قرأه او سمعه عبارة عن نكتة..

الجميع متواطيء في لعبة الضحك المتبادل ذلك، ولا يمانعون في تبادل الادوار، ضاحك منه ومضحوك عليه، فالثلاثية يجب ان تستمر، لان السياسي يحتاج الى الاعلام والى الجمهور، والاعلام بحاجة الى السياسي والى الجمهور، والجمهور بحاجة الى سماع السياسي عبر الاعلام..

هناك بعض الفروق في الضحك المتبادل بين الثلاثة:

السياسي يحتاج الى التنويع في نكته (تصريحاته) المضحكة، وهو تنويع يستفيد منه الاعلام ايضا، لكن هذا التنويع لايعني ابتكار الجديد، بل هو اعادة لنكتة قديمة بالفاظ اخرى، والاعلام ايضا يساعد على نشرها، لكنه لايتساءل عن حقيقة جدتها او قدمها.. ويمكن العودة للكثير من تلك النكات – التصريحات منذ العام 2003 وحتى الان.. والسياسي زائل لابقاء له في عالم الضاحكين والمضحكين، انه دور يؤديه لمرحلة معينة، ريثما ياتي سياسي اخر قد لايضحك على الاخرين او يضحك الاخرين عليه.. وتلك ربما نكتة اخرى في زمننا العراقي الجديد.

الاعلام حين يروج لهذا الضحك المتبادل، فانه يقبض اجره من الطرفين، وهما السياسي والجمهور.. فلاشيء مجاني في عملية تبادل الضحك، وهنا يدخل طرف رابع، لكنه طرف مؤقت وليس دائمي في هذه المعادلة الثلاثية، واقصد به شركات الاتصال العراقية..

الجمهور يريد المشاركة في حفلة الضحك الفضائية، شركات الاتصال توفر له هذا، اتصل على الرقم الظاهر امامك على الشاشة، وقبلها يجب ان تشحن رصيدك فالدقيقة الفضائية مكلفة، لكنه ثمن الضحك الفضائي..صوتي الان يسمعه الملايين، وانا ايضا اسمعه عبر شاشة التلفاز امامي..

لكل وسيلة اعلام جمهورها الذي تضحك عليه، وهو جمهور عاطفي، يعيش اللحظة الراهنة، لكنها المتواصلة بين ساعة واخرى عبر تلك الوسيلة الاعلامية، عبر استضافة السياسي الضاحك والمضحوك عليه، او عبر استضافة مقدمي البرامج انفسهم في عملية تخادم مباشر لعدم وجود اموال كافية، لاستضافة اخرين يجيدون فن الضحك والاضحاك المتبادل..

الجمهور هو مادة الضحك الرئيسية من قبل الاثنين، لكنه ربما يتفوق على الاثنين معا بحكم امتلاكه الكونترول لتغيير المحطة الفضائية، او ربما لانه يمتلك القدرة على شراء الصحيفة تلك او عدم شرائها، او ربما هو الذي يضحك على طول الخط على الاثنين، وربما تلك هي ميزة الجمهور العراقي الذي رغم كل الضحك منه تراه يضحك على الاخرين وعلى نفسه، وكانه يتفق مع ميلا كونديرا في روايته الضحك والنسيان حين يقول (الضحك هو العيش بعمق لا نظير له).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/نيسان/2013 - 10/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م