تونس... دولة بين فكي الجماعات السلفية

 

شبكة النبأ: يخشى الكثير من أبناء تونس من تنامي قوة التيار السلفي في البلاد الذي اعتمد وبشكل واضح مبدأ العنف والقسوة في سبيل فرض الفكر المتطرف من خلال اعتماد اساليب العنف والترهيب في سبيل الوصل والسيطرة خصوصا مع وجود تهاون ملحوظ من قبل السلطات التونسية التي لاتزال تخشى هي الاخرى من مواجهة هذه الجماعات المدعومة من الخارج كما يقول بعض المراقبين الذين اكدوا على ان أتباع أساليب العنف وإثارة المشاكل التي يعتمدها انصار واعضاء الفكر السلفي والتي اتسعت بشكل خطير هي مخطط واضح وصريح للإخضاع البلاد ومصادرة الثورة.

وفيما يخص اخر تحركات الجماعات السلفية في تونس فقد قال اساتذة ونقابيون ان متشددين اسلاميين هاجموا مدرسة ثانوية في مدينة منزل بوزلفة واعتدوا على مديرها بعد منعه دخول تلميذة ترتدي نقابا في أحدث توتر بين المعسكر العلماني والاسلامي في تونس.  ومنذ الثورة التي أطاحت قبل عامين بالرئيس زين العابدين بن علي ارتفع التوتر بين العلمانيين الذين سيطروا على الحكم لعقود وبين الاسلاميين الذين زاد نفوذهم في العامين الماضيين.

وقال مراد بن حمودة عضو النقابة بمعهد منزل بوزلفة الثانوي ان سلفيين هاجموا المعهد وهشموا سيارة "وحاولوا قتل مدير المعهد عبد الواحد سنتاتي بسبب رفضه دخول تلميذة منقبة لقاعة الدرس". واضاف ان السلفيين ضربوا المدير بالعصي ورشقوه بالحجارة.  وقال ان المدير نقل الى المستشفى وهو يعاني من كسور في عدة أجزاء من جسمه.

 وقال خليفة الضيف وهو استاذ بمعهد منزل بوزلفة انه تم تعليق الدروس بالمعهد بينما هدد نقابيون بإضراب عام في كل مدارس المدينة. وذكرت أستاذة أخرى رفضت نشر اسمها ان عشرات السلفيين تجمعوا بعد هذا الاعتداء امام المعهد مرددين خطبا وشعارات ضد العلمانيين.  

وتمنع القوانين الداخلية للمدارس والجامعات في تونس دخول قاعات الدروس بالنقاب. وفي 2012 اعلنت المحكمة الادارية التونسية ان قوانين البلاد تنص على انه "لا حق لأحد في الانتفاع بالخدمات التي يسديها المرفق العمومي بمقراته المفتوحة للعموم وهو مغطى الوجه". وتتهم وسائل اعلام وحقوقيون دولا خليجية بتمويل مجموعات سلفية لنشر الفكر "الوهابي" المتشدد و"تغيير نمط المجتمع" في تونس التي تحظى فيها المراة بوضع حقوقي فريد من نوعه في العالم العربي.

الى جانب ذلك هاجم سلفيون مفترضون مركزا للشرطة بسليانة (شمال غربي تونس) ومنع سلفيون آخرون عرض مسرحية في الرقاب (وسط غربي) واعتدوا على تقني، بحسب ما قال شهود. وقال شرطي في المكان ان عشرة سلفيين طاردوا في سليانة رجلا قالوا انه "سب الجلالة" ولجأ الى مركز للشرطة. واضاف الشرطي الذي طلب عدم كشف هويته "لقد هاجموا المركز واحرقوه جزئيا. وطلبنا تعزيزات فقدمت عناصر من الجيش فالقى السلفيون عليهم الحجارة وخربوا سيارة. وتم توقيف ثلاثة سلفيين".

وفي الرقاب منعت مجموعة من 30 اسلاميا متشددا عرض مسرحية عن الوضع السياسي في تونس بحسب فريق الممثلين. وقال وليد عبد السلام منتج المسرحية "كان هناك ما بين 30 و40 سلفيا امام دار الثقافة بالرقاب. وقامت ايطالية تنتمي الى فريق الممثلين بالتقاط صور، فصادروا الاسلاميون كاميرتها وشتموها وصرخوا في وجهها ماذا تفعلين هنا ايتها اليهودية، بحسب عبد السلام. واضاف "لقد حاول تقني مساعدتها فضربوه". وقال عبيد جمعي مخرج المسرحية ان شخصا قال انه من ناشطي حزب النهضة الحاكم هدده. واضاف "لقد قال لي انا من النهضة ومسرحكم ومشروعكم الثقافي لن يرى النور ايها الكافر.

من جهة اخرى اعلنت وزارة الداخلية التونسية العثور على مخبأ للأسلحة والمتفجرات في حي شعبي بولاية اريانة شمال العاصمة تونس. وقالت الوزارة في بيان "تمكنت وحدات الحرس الوطني من حجز كمية من قطع السلاح في مستودع باحد المنازل الكائنة بحي الجمهورية بمدينة المنيهلة من ولاية اريانة، تتمثل في قذائف ار بي جي وقطع من سلاح كلاشينكوف ورمانات (قنابل) يدوية وذخيرة ومواد متفجرة".

وقالت وسائل اعلام ان كمية الاسلحة المحجوزة هي الاضخم التي يتم العثور عليها قرب العاصمة تونس منذ الاطاحة في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. واضافت "في نفس الاطار تمكنت وحدات الحرس الوطني مدعمة بوحدات مختصة من الامن الوطني من ايقاف 13 نفرا بينهم 11 متحصنين داخل جامع النور بحي دوار هيشر (شمال غرب العاصمة) ضبطت لديهم كمية كبيرة من الأسلحة البيضاء المختلفة".

واوضحت ان ستة من المعتقلين مطلوبون للعدالة من اجل تورطهم في جرائم "حق عام من قبيل العنف والسرقة والاعتداء على الاملاك". ويعتبر دوار هيشر من معاقل التيار السلفي الجهادي في تونس. وفي تشرين الاول/اكتوبر 2012 جرت اشتباكات عنيفة في دور هيشر بين سلفيين وقوات الامن انتهت بمقتل سلفي. وقد تحصن المهاجمون وقتئذ بجامع النور ودعوا عبر مكبرات الصوت التي تستعمل لرفع الآذان الى "الجهاد".

وفي كانون الاول/ديسمبر 2012 قتلت الشرطة امراة واصابت زوجها بجراح خطيرة خلال عملية مداهمة لمنزل بدوار هيشر بحثا عن اسلحة وذخيرة. ومنذ سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، انتشر تهريب الاسلحة من ليبيا نحو تونس التي يقول مراقبون انها "ممر" لنقل السلاح نحو 'تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي" المرابط في الجزائر. وتتقاسم تونس وليبيا حدودا برية مشتركة طوالها حوالي 500 كلم. وتواجه تونس صعوبات في احكام مراقبة هذه الحدود.

في السياق ذاته هدد زعيم جماعة اسلامية متشددة تلاحقه الشرطة بحرب تطيح برئيس الوزراء وذلك في أول تهديد مباشر للحكومة التي يقودها اسلاميون مما قد يزيد المخاوف في تونس التي تسعى لاستعادة الاستقرار الامني والسياسي. وجاء تهديد سيف الله بن حسين زعيم تنظيم انصار الشريعة المتشدد بعد إتهام رئيس الوزراء علي العريض له بأنه المسؤول عن انتشار السلاح في تونس.

وقال بن حسين المعروف باسم ابو عياض في رسالة نشرها في الصفحة الرسمية لأنصار الشريعة موجه كلامه الي حركة النهضة "امسكوا مريضكم عنا وإلا سنوجه حربنا اليه حتى اسقاطه والقائه في مزبلة التاريخ." واضاف قائلا "لن نطيل القول فالجواب عليه ما ترون لا ما تسمعون إن لم تتداركوا امركم".

وتسعى الشرطة للقبض على بن حسين لاتهامه بالتحريض على مهاجمة السفارة الامريكية في سبتمبر ايلول الماضي احتجاجا على فيلم يسيء للاسلام في هجوم خلف اربعة قتلى. وتمكن من الفرار في الشهر نفسه من قوات الشرطة التي حاصرت انذاك مسجدا في وسط العاصمة ألقى فيه خطبة.

وفي الاشهر القليلة اشتبكت قوات الامن عدة مرات مع متشددين اسلاميين قرب الحدود مع الجزائر وليبيا يسعون الى ادخال سلاح الى تونس. وعثرت الشرطة على مخابئ كبيرة للسلاح واعتقلت نهاية 16 سلفيا قالت انهم يجمعون السلاح بهدف اقامة دولة اسلامية.

واتهم العريض متشددا دينيا ينتمي الى مجموعة سلفية متطرفة لم يسمها باغتيال المعارض العلماني البارز شكري بلعيد في 6 فبراير شباط وقال ان الشرطة تعرفت عليه وتطارده. وهاجم سلفيون حانات وقاعات للرسم والسينما قائلين انها لم تحترم مقدسات المسلمين. لكن هذا اول تهديد مباشر للحكومة التي يقودها اسلاميون من جماعة انصار الشريعة مما قد ينبؤ بمرحلة حرجة. واثناء حكم بن علي كان الاف السلفيين في السجون وخرج أغلبهم بعد الثورة.

على صعيد متصل رفض نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية في تونس فتاوى "جهاد النكاح" التي قال انها لا تلزم الشعب التونسي ولا مؤسسات الدولة وذلك بعد ورود انباء عن توجه مراهقات تونسيات الى سوريا تطبيقا لها. وقال الوزير "هذه الامور مرفوضة، هذه مصطلحات جديدة، ما معنى جهاد النكاح؟ الفتاوى لا بد ان تستند الى مرجعيتها العلمية والمنهجية والموضوعية، وأي شخص يفتي في الداخل او الخارج فتواه تلزمه ولا تلزم غيره من الشعب التونسي او من مؤسسات الدولة". واضاف "لا بد ان نسهم في مقاربات علمية واعلامية من اجل تسوية هذه الوضعيات".

ومؤخرا، أبلغت عائلات تونسية عن اختفاء بناتها المراهقات وسط ترجيحات بسفرهن إلى سوريا من أجل "جهاد النكاح" أي التطوع لاشباع الحاجات الجنسية لرجال يقاتلون القوات النظامية في سوريا. وفي وقت سابق أعلنت وزارة المراة والاسرة "تسجيل عديد حالات اختفاء الأطفال المراهقين" إثر "ظهور شبكات متخصصة تستهدف الشباب والأطفال من الجنسين لتجنيدهم عبر ممارسة التجييش الفكري والعقائدي".

ودعت الوزارة التونسيين إلى "تكثيف الإحاطة بأبنائهم وتوعيتهم بخطورة الانجراف وراء هذه الدعوات التي تستغل عوامل انعدام الفكر النقدي ونقص الثقافة الدينية لديهم من أجل زرع أفكار التعصب والكراهية وإرسالهم إلى بلدان تعيش صراعات داخلية بدعوى الجهاد".

من جهتها وصفت القيادية في حزب "حركة نداء تونس" المُعارض، سلمى اللومي الرقيق، توريط فتيات تونسيات في ما يُسمى بـ"جهاد النكاح" في سورية بـ"العار على تونس"، ودعت إلى ضرورة معالجة ظاهرة تدفق "الجهاديين التونسيين" للقتال في سورية بالحوار الآن وقبل إستفحالها. وقالت الرقيق إن "أوضاع المرأة في تونس بدأت تتردى، حيث تنامت الأخطار المحدقة بحقوقها التي إكتسبتها على مر السنين من خلال تزايد ما يحاك جهراً وسراً ضد مجلة (قانون) الأحوال الشخصية".

وأضافت أن "المخاطر التي تهدد مكاسب المرأة في بلادها مصدرها الدعاة الوهابيين الذين بدأوا يترددون على تونس، وبعض الشخصيات الحزبية التي أصبحت تروج لظواهر غريبة على المجتمع التونسي، منها تزويج القاصرات أو الأطفال، والزواج العرفي، وتعدد الزوجات". وإعتبرت ان أخطر هذه الظواهر، ما يسمى بـ"جهاد النكاح"، عملاً بفتوى الداعية محمد العريفي، حيث و"للأسف الشديد تم إستقطاب تونسيات صغيرات وإرسالهن إلى سورية للجهاد بالنكاح من خلال الزواج لبضع ساعات مع الجهاديين هناك".

وقالت الرقيقي إن هذا الأمر "عار على تونس وعلى المجتمع التونسي، ويتعين على الجميع التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والغريبة، كما يتعين أيضا التصدي لظاهرة الجهاديين التونسيين الذين يتدفقون على سوريا للقتال هناك". وكان الداعية الوهابي محمد العريفي، أصدر فتوى تجيز ما يسمى بـ"جهاد النكاح" في سوريا والتي تنص على "إجازة أن يقوم المقاتلون من غير المتزوجين أو من المتزوجين الذين لا يمكنهم ملاقاة زوجاتهم بإبرام عقود نكاح شرعية مع بنات أو مطلقات لمدة قصيرة لا تتجاوز الساعة أحيانا يتم بعدها الطلاق". ولقيت هذه الفتوى صدى لها في تونس، وأشارت تقارير إعلامية إلى أن عدداً من الفتيات التونسيات سافرن إلى سورية عن طريق شبكات تروّج لـ"جهاد النكاح" في تونس.

وحذرت الرقيق من تنامي ظاهرة تجنيد الشباب التونسي للقتال في سورية، وقالت "نحن أمام ظاهرة مخيفة وخطر داهم وحقيقي يخطف شبابنا، لأن المسألة لم تُعالج من البداية، وبالتالي يتعين مضاعفة الجهود للكشف عن المسؤولين عن تجنيد الشباب التونسي، وإجراء حوار مع الشباب المغرر بهم لإثنائهم عن مشاريعهم القاتلة". وأعربت عن خشيتها من تأثير التطورات المرتبطة بالملف السوري على القضية المركزية للعرب، أي القضية الفلسطينية التي أشارت إلى أن الإهتمام بها تراجع كثيراً خلال العامين الماضين إرتباطاً بالحراك الشعبي الذي تعيشه بعض الدول العربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/نيسان/2013 - 10/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م