فنزويلا بعد تشافيز... عنف اجتماعي وانقسام سياسي

 

شبكة النبأ: أزمة سياسية جديدة وخطرة تشهدها فنزويلا أتت على خلفية الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها البلاد، والتي أسفرت عن فوز نيكولاس مادورو الذي يعتبره البعض الوريث الشرعي للزعيم الراحل هوغو تشافيز وبفارق بسيط على منافسة المعارض أنريكي كابريليس، الذي سارع الى الطعن بنتائج ونزاهة الانتخابات التي أعقبها حدوث موجة من أعمال العنف أسهمت بسقوط العديد من الضحايا.

ويرى بعض المراقبين ان الخلافات الحالية ربما ستسهم بزعزعة النظام والأمن في فنزويلا خصوصا وان الرئيس الجديد لا يملك قوة الشخصية القيادية التي كان يتمتع بها سلفه الراحل الذي حكم البلاد منذ عام 1999 واستطاع ان يبني سياسة خاصة، ويواجه رئيس فنزويلا الجديد تحديات كثيرة ومهمة أولها ضرورة فرض سيطرته على البلاد، ومواجهة الانقسامات داخل الحزب الاشتراكي الحاكم، حتى يستطيع معالجة المشاكل المزمنة، مثل معدلات التضخم العالية التي تصل إلى 20%، ومعدلات الجريمة المرتفعة خاصة في جرائم القتل والخطف، والفساد المستشري، والبنية التحتية المتهالكة، واعتماد اقتصاد الدولة على تصدير النفط كمصدر رئيس للدخل بعد تأميم مئات الشركات الخاصة في فنزويلا، مما يجعل القطاع غير النفطي غير منتج ويعاني نقص الاستثمارات.

وفي هذا الشأن فقد أعلنت رئيسة المجلس الوطني للانتخابات في فنزويلا رسميا فوز نيكولاس مادورو في الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد، مشيرة إلى انه تقدم بفارق 265 الف صوت على مرشح المعارضة انريكي كابريليس الذي طعن بهذه النتيجة وطلب إعادة جمع الاصوات. وقالت رئيسة المجلس تيبيساي لوتشينا ان “المجلس الوطني للانتخابات يعلن ان رئيس الجمهورية البوليفارية الفنزويلية هو المواطن نيكولار مادورو موروس″ الذي حصل بحسب النتائج الرسمية على 50,75% من الاصوات مقابل 48,97% لكابريليس.

واعلن المجلس هذه النتيجة على الرغم من المناشدة التي وجهتها اليه المعارضة لارجاء هذا الاعلان الى حين جمع كل الاصوات. واوضحت لوتشينا ان 54% فقط من صناديق الاقتراع تم فرزها، لكنها اكدت ان بطاقات الاقتراع الورقية ما هي الا ايصال للتصويت الالكتروني وبالتالي ليست هناك من حاجة لجمع كل البطاقات من اجل اعلان النتيجة النهائية. ودعت رئيسة المجلس كل من يريد الطعن بهذه النتيجة ان يسلك “الطرق القانونية” لا ان يلجأ الى التهديد والوعيد والترهيب”.

واشاع هذا التقارب الكبير في النتائج اجواء من التوتر والغموض في هذا البلد النفطي الغني البالغ عدد سكانه 29 مليون نسمة والذي يشهد انقساما عميقا بعد 14 عاما من الثورة الاشتراكية. وقال مادورو (50 عاما) مخاطبا حشدا من الانصار تجمعوا في قصر ميرافلوريس الرئاسي في كراكاس وهو يرتدي سترة بالوان علم البلاد اليوم يمكننا القول اننا حققنا فوزا انتخابيا عادلا وقانونيا ودستوريا. وتابع هذا فوز اخر، تكريم لقائدنا هوغو تشافيز وهو الذي عينه الزعيم السابق خلفا له قبل وفاته في 5 اذار/مارس اثر اصابته بالسرطان.

غير ان مرشح المعارضة الذي ينفي حياد اللجنة الانتخابية ويندد بالتجاوزات حصلت خلال العملية الانتخابية، حذر من انه يرفض الاعتراف بهزيمته. وقال كابريليس حاكم ولاية ميراندا (شمال) محاطا بانصاره لن نعترف باي نتيجة قبل ان يعاد تعداد كل صوت من اصوات الفنزويليين، واحدا واحدا. وقال مخاطبا خصمه الذي شكلت نتيجته الضعيفة نسبيا مفاجأة كبرى الخاسر اليوم هو انت، اقولها لك بحزم، ملوحا بوثيقة تحصي 3200 حادث افيد عنها خلال العملية الانتخابية.

وقال المحامي الاربعيني الذي حقق تقدما ملفتا بعدما هزمه تشافيز بـ11 نقطة في الانتخابات الرئاسية في تشرين الاول/ اكتوبر هذه المعركة لم تنته .. سوف نصر على ان تكشف الحقيقة. وكانت تيبيساي لوثينا رئيسة المجلس الانتخابي اعلنت في وقت سابق فوز مادورو بعد انتظار دام عدة ساعات وساده التوتر، مؤكدة ان هذه النتيجة غير قابلة لان تتبدل غير ان احد اعضاء المجلس طالب بالتثبت من مجمل الاصوات، وهو طلب ايده مادورو.

واحتفل انصار تشافيز بالنصر في شوارع كراكاس وقالت اليزابيث مارتينيز وهي عاملة في الـ48 من العمر تضع شاربين اصطناعيين في علامة تاييد لمادورو قرب كشك احمر يبث الاعلانات الرسمية انني احتفل بفوز مادورو وبحبي لتشافيز، الرئيس الذي سابقى وفية له الى الابد. واعلن مادورو سائق الحافلات السابق والزعيم النقابي طوال الحملة الانتخابية انه ضامن المهام البوليفارية في اشارة الى البرامج الاجتماعية الممولة من العائدات النفطية للبلد الذي يملك اكبر احتياطي من النفط الخام في العالم.

ولن تكون المهمة سهلة لمادورو الذي تبنى المعركة ضد الامبريالية مؤكدا انه يملك ادلة جديدة على تدخل الولايات المتحدة في فنزويلا. ويتحمل مادورو ارثا فادحا بعد الفراغ الذي تركه الزعيم السابق وهو يتسلم ايضا اقتصادا هشا يتعين عليه تحديث قطاعه النفطي، مع دين يوازي نصف اجمالي الناتج الداخلي وتضخم يفوق 20%، ما يعتبر نسبة قياسية في اميركا اللاتينية.

وركز كابريليس حملته الانتخابية الهجومية على الصعوبات اليومية في البلاد مثل المستوى القياسي من انعدام الامن حيث احصيت 16 الف جريمة قتل لقاء تعداد سكاني قدره 29 مليون نسمة العالم الماضي، وانقطاع التيار الكهربائي وازمات المواد الغذائية المتكررة. ومادورو المؤيد لاقتصاد السوق تعهد كذلك بوضع حد للهدايا التي تقدمها البلاد لكوبا وغيرها من حلفاء النظام الذين يتلقون اكثر من مئة الف برميل من النفط يوميا عملا بـدبلوماسية نفطية شكلت اساسا لنفوذ فنزويلا في المنطقة.

وبعد تظاهرات تخللتها أعمال عنف اسفرت عن مقتل سبعة واصابة حوالى ستين شخصا بجروح حث مادورو على "فتح حوار" مؤكدا ان "الازمة يمكن حلها. ويبقى الرئيس المنتخب المقتنع بانه يتعرض ل"محاولة انقلاب"، متمسكا بمواقفه ودعا أنصاره الى توسيع التعبئة، كما اتهم "اليمين الفاشي" بالسعي الى اثارة "حرب اهلية كما في ليبيا او سوريا".

ويكرر وريث الرئيس الشعبي اليساري الراحل هوغو تشافيز دعوة "جميع الشعب الثوري الى الشارع" واعدا بمواصلة "الثورة" الاشتراكية التي اطلقها سلفه قبل 14 عاما في البلاد الغنية بالنفط. وتتوج تعبئة "التشافيين" في اثناء اداء الرئيس الجديد القسم الدستوري في كراكاس.

ويصف المنتقدون في المعارضة مادورو بأنه مسخ لتشافيز وإن خطاباته ترديد لخطابات الرئيس الراحل لكنها تفتقر إلى السحر والفكر المستقل. وقال منافس انريكي كابريليس "أكبر نقاط ضعف نيكولاس هي أنه يبدو وكأنه غير موجود أصلا والشيء الوحيد الذي ترونه في الحملة الانتخابية هو صورة الرئيس (تشافيز).. لا يصلح نيكولاس لها (الرئاسة)." وقال إن مادورو أصبح زعيما "غير شرعي" في لمحة للعلاقات المتأزمة التي يرجح أن تربط بين الرئيس والمعارضة في فنزويلا.

ولا يعرف الكثير عن حياة مادورو قبل انضمامه إلى تشافيز حين ظهر ذلك الضابط وكان حينها برتبة ليفتنانت كولونيل على الساحة السياسية في فنزويلا بانقلاب فاشل. وقال مدون إنه بعد التدقيق في عشرات النصوص السياسية والحركات الاشتراكية اليسارية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات لم يجد سوى إشارات عابرة لمادورو.

وكتب شخص في موقع على الانترنت أطلق على نفسه اسم ادجار بي "كل التفاصيل الشخصية والحميمة (الخاصة بتشافيز) كانت معروفة في العلن. "لكن بالنسبة لنيكولاس مادورو.. لا شيء.. فراغ معلوماتي تام وكامل.. وفي بعض الأحيان يرد ذكره وسط الحواشي ولكن في معظم الحالات لا يظهر في أي مكان."

وفي عام 1992 عندما سجن تشافيز بسبب فشل الانقلاب الذي أكسبه شهرة نزل مادورو إلى الشوارع وطالب بالافراج عنه وزاره في السجن. وقادت سيلسا فلوريس شريكة مادورو منذ وقت طويل الفريق القانوني الذي ساعد في الافراج عن تشافيز في غضون عامين. وكان ينظر إلى مادورو وسيليا على أنهما ثنائي قوي في السلطة. وكان مادورو نائبا برلمانيا تصدى لانقلاب قصير على تشافيز في عام 2002 ثم صعد إلى منصب رئيس الجمعية الوطنية وتخلى عن ارتداء القمصان المزركشة والجينز وأصبح يرتدي الملابس الرسمية.

من جهة اخرى اعلن وزير الاعلام هنريكي فيليغاس ان حوالى 15 دولة سترسل وفودا "رفيعة المستوى" حتى لو ان رئيسا واحدا فحسب اكد حضوره هو البوليفي ايفو مورالس.

وسبق ان رحبت اغلبية دول اميركا اللاتينية بانتخاب مادورو لكن الولايات المتحدة ايدت طلب اعادة فرز الاصوات. واعربت منظمة الدول الاميركية عن "قلقها العميق" حيال اعمال العنف التي تتبادل المعارضة والسلطة الاتهامات بشأنها.

ومنذ بدء الازمة اعلنت السلطات الفنزويلية عن توقيف اكثر من 130 شخصا ومجموعة محدودة من العسكريين يشتبه في تآمرهم مع المعارضة. ولم تستبعد الحكومة ان يكون كابريليس نفسه موضع تحقيقات بعد ان وعد رئيس الجمعية الوطنية ديوسدادو كابيلو احد اعمدة النظام بالسعي الى فتح "تحقيق جنائي" بحقه في اعقاب مقتل متظاهرين.

في السياق ذاته هنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نيكولاس مادورو على الفوز في انتخابات الرئاسة الفنزويلية قائلا إنه يتوقع استمرار العلاقات الطيبة مع بلد تربطه بموسكو استثمارات كبيرة في مجال النفط. وانتعشت العلاقات بين موسكو وكراكاس خلال عهد الرئيس الراحل هوجو تشافيز الذي توفي الشهر بالسرطان. وكان مادورو هو الخليفة الذي اختاره تشافيز قبل وفاته وأمل المسؤولون الروس في استمرار حماية صفقاتهم في مجالي الطاقة والسلاح مع فنزويلا.

وقال الكرملين بعد الانتخابات "أبدى بوتين ثقته في أن فنزويلا خلال قيادة مادورو ستوثق علاقات الشراكة الاستراتيجية مع روسيا." واستثمرت روسيا مليارات الدولارات في مشاريع النفط بفنزويلا ومنحت كراكاس قروضا لشراء السلاح. واعتاد إيجور سيتشين وهو حليف لبوتين ورئيس مؤسسة روسنفت أكبر منتج للنفط في روسيا زيارة فنزويلا لبحث صفقات النفط ومبيعات السلاح هناك.

وتتطلع روسيا لمشاريع جديدة في قطاع النفط والغاز على مستوى العالم في الوقت الذي مثلت فيه ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة ضغطا على ايراداتها من تصدير الطاقة وهي تبحث عن أسواق سلاح جديدة بعد ان فقدت بعض العقود في الشرق الأوسط منذ انتفاضات الربيع العربي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/نيسان/2013 - 9/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م