روسيا والمنظمات الغير حكومية... تكبيل وتشديد

 

شبكة النبأ: عملية تفتيش المنظمات غير الحكومية واخضاعها لرقابة الحكومة الروسية لاتزال محط اهتمام وسائل الإعلام والعديد من الدول والمنظمات العالمية، وبموجب قرار خاص فقد اخضعت روسيا المنظمات الغير حكومية العاملة على أراضيها والتي يبلغ عددها وبحسب بعض التقارير 654 منظمة غير حكومية إلى التفتيش المالي والتدقيق بمصادر تمويلها والبحث في سجلها الضريبي وبنود صرف الأموال التي تحصل عليها ويذكر ان الرئيس الروسي بوتين قد كشف في وقت سابق أن المنظمات غير الحكومية في روسيا تلقت خلال أربعة أشهر فقط ما يزيد على 28 بليون روبل (نحو بليون دولار) من الخارج و جرى تمريرها من خلال البعثات الدبلوماسية العاملة في روسيا، مؤكداً أن القانون لا يحظر أنشطة المنظمات غير الحكومية، ولكنه يفرض ممارسة الرقابة على انشطتها ومواردها المالية، وحث الرئيس الروسي وسائل الإعلام ان تتمسك بالموضوعية ولا تبالغ في التهويل حول عمليات التفتيش الجارية في المنظمات غير الحكومية، مشيراً إلى أن قانون المنظمات غير الحكومية الذي تعتمده روسيا وتسعى لتطبيقه، ليس الوحيد في العالم، فهو مطابق تماماً للقانون الذي تطبقه الولايات المتحدة منذ العام 1938.

وقد تباينت ردود الفعل تجاه هذه القضية المهمة ففي الوقت الذي اكدت فيه روسيا على احقية قرارها في سبيل الحفاظ على سلامة امنها واستقرارها ادنت بعض الدول الاخرى هذا القرار واعتبرته مشروع جديد لاخضاع هذه المنظمات والحد من تحركاتها، ويرى بعض المراقبين ان هذا القرار ربما سيكون بداية لازمة جديدة بين روسيا وبعض الدول الاخرى التي اعلنت رفضها لمثل هكذا قرارات، وفي هذا الشأن فقد بدأ مكتب المدعي العام ووزارة العدل ودائرة الضرائب الاتحادية الروسية عمليات تدقيق واسعة النطاق في انشطة هذه المنظمات، شملت منظمات ألمانية "كونراد أديناور" ومؤسسة "فريدريش إيبرت" والفرنسية "الأليانس فرانسيز".

إضافة إلى جمعية "ميموريال"، ومكاتب التمثيل الروسية التابعة للمنظمات الدولية مثل "منظمة العفو الدولية" (أمنيستي)، "منظمة الشفافية الدولية" و"منظمة مراقبة حقوق الإنسان" (هيومان رايتس ووتش)، وحركة "من اجل حقوق الإنسان" وصندوق "الحكم العام" ومنظمة "المساعدة المدنية" ومجموعة "موسكو هلسنكي".

واطلقت روسيا ملاحقات قضائية ضد منظمة غولوس الروسية غير الحكومية المتهمة بانها لم تسجل في سجل "عملاء الخارج" كما ينص القانون. واتهمت وزارة العدل التي برزت خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية الاخيرة لتنديدها بعمليات التزوير على نطاق واسع، بانها غير مدرجة على هذا السجل كما ينص القانون المثير للجدل الذي دخل حيز التنفيذ في نهاية 2012.

ويرغم القانون المنظمات غير الحكومية التي تحظى بتمويل من الخارج ولها نشاط سياسي، بان تدرج اسمها في سجل "عملاء الخارج" وان تعلن ذلك في اي نشاط سياسي. وقالت الوزارة في بيان ان غولوس "تتلقى تمويلا اجنبيا ولها نشاط سياسي على الاراضي الروسية وبالتالي فانها عميل للخارج". وقد تتعرض المنظمة غير الحكومية لغرامة قدرها 500 الف روبل (12180 يورو) ومديرتها ليليا شيبانوفا لغرامة 300 الف روبل (7300 يورو). والعقوبات التي ينص عليها القانون قد تصل الى السجن عامين.

ولم تقبل اي منظمة غير حكومية حتى الان بان تسجل على هذا السجل. وهي المرة الاولى التي تهدد منظمة غير حكومية بعقوبات بموجب هذا القانون منذ اطلاق السلطات الروسية قبل ثلاثة اسابيع حملة واسعة لمراقبة الجمعيات. وخضعت منظمة ميموريال ابرز منظمة غير حكومية لحقوق الانسان وفرعا منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في موسكو ومؤسسات المانية او حتى مجموعات دينية للمراقبة ما اثار استياء في الخارج.

ورأى رحمة احمدغالييف محامي غولوس ان هذه الاتهامات "لا اساس لها وغير مشروعة". واوضح ان وزارة العدل تعتبر ان غولوس، التي نالت العام 2012 جائزة مالية من جانب مدافعين نروجيين عن حقوق الانسان، تتلقى تمويلا من الخارج. وقال "اجبرت غولوس على رفض هذا المال بسبب تبني قانون العملاء للخارج".

وعبارة "عميل للخارج" كانت تطبق على المعارضين الحقيقيين او المفترضين في عهد ستالين، الذين كانوا يعدمون رميا بالرصاص او يرسلون الى معسكرات. وكانت تستخدمها ايضا السلطات السوفياتية في السبعينات او الثمانينات للاشارة الى المنشقين المأجورين للغرب. وتوقعت وزارة العدل في تقرير ان تتمكن في العام 2013 من مراقبة اكثر من سبعة الاف منظمة غير حكومية.

في السياق ذاته انتقدت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل امام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التضييق الذي تعاني منه منظمات دولية غير حكومية في عملها داخل روسيا، ودعت ميركل الى "ان تعطي روسيا فرصة للمنظمات غير الحكومية وللجمعيات المتعددة، والتي نعرف نحن في المانيا انها عامل تجديد". وكانت تشير في كلامها مباشرة الى التحقيقات التي فتحت في روسيا بحق العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية وبينها منظمات المانية ما اثار غضب برلين. وفي مقابلة مع التلفزيون الالماني "اي ار دي" دافع بوتين مجددا عن هذه التحقيقات معتبرا انه يحق للشعب الروسي ان يعرف ما هي المنظمات التي تعمل في البلاد وتتلقى اموالا اجنبية "وما الهدف من هذا التمويل". بحسب فرنس برس.

وشددت ميركل ايضا على اهمية قيام مجتمع مدني ناشط في روسيا. وقالت ان "روسيا تريد ان تتنوع ونحن نريد مساعدتها في ذلك ولدينا اقتناع بان هذا الامر ينجح خصوصا بوجود مجتمع مدني ناشط". وتبقى روسيا شريكا اقتصاديا مهما لالمانيا. فالتبادل بين البلدين يناهز 74 مليار يورو سنويا. والغاز الروسي لا غنى عنه لتزويد المانيا بالطاقة.

موسكو تتهم واشنطن

على صعيد متصل اتهمت موسكو مسؤولة اميركية كبيرة بالتدخل في الشؤون الداخلية الروسية بعد تصريحات انتقدت فيها حملة تفتيش واسعة طالت نحو مئة منظمة روسية غير حكومية. وكانت وزارة الخارجية الروسية تشير الى تعليقات ادلت بها المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند التي اعلنت ايضا ان واشنطن تواصل تقديم الدعم المالي الى عدد من المنظمات الروسية غير الحكومية المدافعة عن حقوق الانسان.

وقال المتحدث باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش في بيان ان "تعليقات فيكتوريا نولاند لا يمكن اعتبارها الا بمثابة استفزاز". واضاف ان موسكو تعتبر ان ما قالته نولاند لجهة استمرار واشنطن في تمويل منظمات روسية حقوقية غير حكومية عبر وسطاء، بمثابة "تدخل مباشر" في الشؤون الداخلية الروسية. وتابع "انه في الواقع تحريض مباشر لبنى غير حكومية وعامة على انتهاك التشريع المتصل بانشطة منظمات غير حكومية داخل الاراضي الروسية".

الى جانب ذلك استجوب اعضاء في الغرفة المدنية الجهاز الاستشاري المقرب من الرئاسة الروسية، السفير الاميركي في موسكو مايكل ماكفول بشان مساهمة مسؤولين سابقين في اجهزة المخابرات الاميركية في تمويل منظمات غير حكومية روسية. وقالت فيرونيكا كراشينينكوفا احد اعضاء الغرفة ان "مؤسسة ماك ارثر دفعت العام الماضي 750 الف دولار لمجموعة هلسنكي بموسكو و2,5 مليون دولار لمركز كارنيغي بموسكو".

واضافت مخاطبة السفير "لمن كان يعمل نائب رئيس هذه المؤسسة باري لوينكرون الذي يبدو انه من اتخذ هذا القرار؟ لقد كان المستشار الخاص لمدير المخابرات المركزية الاميركية ومسؤولا في قسم التحاليل بالمجلس الاميركي للمخابرات. هذه هي السيرة المهنية لشخص يوزع المنح على منظمات روسية".

ورد السفير الاميركي الذي دعي الى اجتماع الغرفة "التقي بحكم عملي باستمرار مسؤولين سابقين في المخابرات السوفياتية (كي جي بي) الذين يقومون حاليا بعمل آخر. وانا احكم عليهم بحسب كفاءتهم المهنية وليس بحسب ماضيهم". واضاف "انا فخور بانه في النظام الحكومي الاميركي نجد وظائف للقدامى".

وكان الرئيس الروسي فلادمير بوتين الذي عمل سابقا في ال كي جي بي، عين بعد توليه الرئاسة في العام 2000، زملاء سابقين بالاجهز السرية في مناصب بالحكومة الروسية. وفي كلمة امام الغرفة المدنية عبر السفير الاميركي مجددا عن قلق الولايات المتحدة ازاء عمليات التفتيش المكثفة التي طالت منظمات غير حكومية روسية. واضاف السفير "نامل ان لا تضع عمليات المراقبة الاخيرة للمنظمات غير الحكومية ، بما فيها منظمات اميركية، عراقيل امام الاتصالات بين البلدين". بحسب فرنس برس.

من جانب اخر قالت موسكو إن واشنطن وجهت ضربة قوية الى العلاقات بينهما بمنعها 18 روسيا من دخول الولايات المتحدة بشأن مزاعم عن انتهاكات لحقوق الانسان وردا على القرار الأمريكي حظرت على 18 أمريكيا دخول روسيا. وكانت حكومة الرئيس الامريكي باراك اوباما اصدرت قائمة تضم 18 شخصا يخضعون لحظر في الحصول على تأشيرات دخول وتجميد الأموال في الولايات المتحدة بموجب قانون ماجنيتسكي الذي أقره الكونجرس في اواخر العام الماضي.

وقالت وزارة الخارجية الروسية "تحت ضغوط من الأعضاء المصابين بداء الخوف من الروس في الكونجرس الامريكي وجهت ضربة قوية الى العلاقات الثنائية والثقة المتبادلة" ووصفت القائمة الامريكية بأنها "خطوة غير ودية". وينذر اصدار البلدين لقوائم الممنوعين من الدخول بإفساد الآمال التي اعلنها الجانبان عن رغبتهما في تحسين العلاقات.

لكن الحكومتين اظهرتا قدرا من ضبط النفس بابعاد كبار المسؤولين الحاليين عن القائمتين فيما بدت محاولة لاحتواء الخسائر السياسية. والأمريكيون الممنوعون من دخول روسيا بينهم اثنان من المسؤولين في حكومة الرئيس السابق جورج بوش قالت وزارة الخارجية ان لهما صلات بأعمال تعذيب وقائدان سابقان في القاعدة البحرية الامريكية في خليج جوانتانامو بكوبا. ويجري توم دونيلون مستشار الامن القومي للبيت الابيض محادثات مع مسؤولين كبار في موسكو في اعلى اتصال وجها لوجه منذ بداية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الامريكي باراك اوباما.

ووضعت وزارة الخارجية الروسي 18 امريكيا على قائمة المحظور حصولهم على تأشيرة دخول إلى روسيا وجمدت اموالهم بموجب قانون وقعه بوتين في ديسمبر كانون الاول يسمح باتخاذ خطوات كهذه ضد امريكيين يعتقد انهم انتهكوا حقوق الانسان لروس في الخارج. ويحظر هذا القانون تبني الأمريكيين لأطفال روس. ومن بين الامريكيين الذي شملهم الحظر اربعة قالت وزارة الخارجية الروسية ان لهم علاقات "بتشريع وتطبيق التعذيب." ومن بين الأربعة مسؤولان من عهد بوش هما ديفيد ادينجتون كبير الموظفين السابق لنائب الرئيس الامريكي ديك تشيني وجون تشون يو المحامي السابق لوزارة العدل الامريكية وقائدان سابقان لمراكز احتجاز عسكرية في قاعدة جوانتانامو البحرية الامريكية.

ويقول منتقدون ان ادينجتون اثناء عمله مع تشيني ضغط باتجاه المزيد من الاستخدام لأساليب التحقيق العنيفة بينما اصدر يو رأيا قانونيا قال فيه ان القوانين الاتحادية بشأن استخدام التعذيب لا تنطبق على التحقيقات التي تجرى في الخارج. وارسل جيفري دي. ميلر - الميجر جنرال المتقاعد والذي كان قائدا خلال عهد بوش في جوانتانامو - إلى العراق لتقديم المشورة بشأن اساليب الاستجواب وكان مستشارا للاستجواب في سجن ابو غريب. وكان الاميرال جيفري هاربسون قائدا في جوانتانامو خلال فترة رئاسة اوباما الاولى.

وبينهم ايضا سلطات انفاذ القانون التي شاركت في محاكمة فيكتور بوت تاجر الأسلحة الروسي الذي يقضي عقوبة السجن 25 عاما في السجون الأمريكية بعد اعتقاله في تايلاند وروسي يقضي عقوبة السجن 20 عاما بشأن اتهامات بالإتجار في المخدرات. وقالت وزارة الخارجية "حرب القوائم لم تكن خيارنا لكن ليس لنا الحق في عدم الرد على الابتزاز الصارخ." وأضافت في بيان "حان الوقت للسياسيين في واشنطن ان يدركوا اخيرا انه ليس مجديا بناء علاقات مع بلد مثل روسيا بروح التوجيه والاملاء المباشر." بحسب رويترز.

وشكا بوتين الذي يحكم روسيا منذ عام2000 رئيسا ورئيسا للوزراء كثيرا مما يقول انه استغلال من جانب الولايات المتحدة لمخاوفها الخاصة بحقوق الإنسان كذريعة للتدخل في شؤون روسيا ودول اخرى. وشملت القائمة الامريكية 16 شخصا لهم صلة بقضية الواشي الروسي سيرجي ماجنيتسكي الذي كشفت وفاته في السجن عام 2009 عن مخاطر تحدي الدولة الروسية وعمقت قلق الغرب بشأن الحقوق وسيادة القانون في روسيا.

واعرب الاتحاد الاوروبي عن "قلقه" حيال الحملات الروسية وحذرت برلين من ان هذا الامر قد يؤدي الى "تدهور" العلاقة بين روسيا والمانيا. وعزا المتحدث باسم الخارجية الروسية انتقادات واشنطن الى قرار موسكو بوقف انشطة الوكالة الاميركية للتنمية الدولية (يو اس ايد) بعد اتهامها بالتدخل في السياسة الروسية. وقال لوكاشيفيتش "ليس هناك اي شك في ان محاولات التاثير الخارجية في العمليات الداخلية في بلادنا وفي تنمية المجتمع المدني، آيلة الى الفشل". واصدر الكرملين قرارا اعلن فيه تقديم 2,3 مليون روبل (58 الف يورو) هذا العام الى المنظمات غير الحكومية، في مبادرة تهدف الى اظهار دعم السلطات لانشطة هذه المنظمات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/نيسان/2013 - 7/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م