شبكة النبأ: منظمات المجتمع المدني
العراقية وفي وقفة احتجاجية لها بمناسبة الحملة الخاصة بمناهضة العنف
ضد المرأة حمّلت برلمانيات ذي قار مسؤولية ما يحصل من جرائم بحق المرأة
وطالبت بإقالتهن واستبدالهن ببرلمانيين قادرين على الدفاع عن حقوق
المرأة مع تصاعد أعمال العنف وارتفاع معدلات الانتحار والقتل التي
تستهدف النساء لأسباب مختلفة في تلك المحافظة.
محافظة ذي قار او الناصرية تحتل المرتبة الثانية بعد بغداد في ما
يتعلق بجرائم الشرف او غسل العار، رغم مايبدو في الظاهر من فوارق
ثقافية واجتماعية وحضرية بين المدينتين.
في تلك المحافظة الى الجنوب من بغداد، لم يشاهد المتابعون للشان
الانتخابي صورة اي مرشحة على بوستر الدعاية الانتخابية، وكثيرا ماتذهب
التحليلات مذاهب شتى، كأن يفسر ذلك على انه تطرف ديني، او انتكاسة
لحقوق المراة، او حرية شخصية من قبل المرشحة، ولا يتم النظر اليه من
زاوية وضع المراة العراقية بشكل عام. رغم وجود الصور في الانتخابات
السابقة.
الامر لايقتصر على الناصرية فقط، بل شمل ايضا الديوانية وكربلاء
وسامراء، وربما اماكن اخرى لم تشملها التقارير الاعلامية التي انتشرت
في الاونة الاخيرة.
في المقابل تشهد هذه الانتخابات حالة من (التركيز الاعلامي) على
المرشحات الجميلات والتي يشاهد صورهن الكثير من الناس في الاماكن
العامة، وقد وصفته بالتركيز الاعلامي، لان الانتخابات السابقة بنسختيها
البلدية والنيابية شهدت ايضا ترشيحا لنساء جميلات، لكن لم يتم التعامل
مع صورهن كظاهرة انتخابية او اجتماعية او ثقافية، وبالتالي اعلامية
تحاول التاويل او النزوع لتفسيرات شتى لهذه الظاهرة.
ما الذي تغير هذه المرة؟
حالة الاحباط المتراكمة منذ دورتين انتخابيتين، وما راكمته من تجارب
فاشلة في الاداء المحلي او النيابي، وجدت تعبيرا لها في هذا التركيز
الاعلامي على المرشحات الجميلات. قد يعترض البعض ان هذا الفشل لايقتصر
على العنصر الذكوري فقط، بل يشمل ايضا النساء النائبات في مجالس
المحافظات والبرلمان مع الاخذ بعين الاعتبار الكوتا النسائية الممثلة
بنسبة الخمسة وعشرين بالمائة، لكن هذا الاحباط وجد متنفسا امامه من
خلال صور الجميلات امام مايعتقد الناخب العراقي هذه المرة انه جمال في
مواجهة القبح الذكوري في السياسة والتي بلغت ذروة توترها في استغلال
الشعارات الطائفية التي تجيّش باتجاه اقتتال لازال ينزف في الذاكرة
وموت مجاني على الهوية.
الجمال هنا هو المعادل الموضوعي للخوف من الموت الطائفي المفترض في
عقول الناخبين. وهو جمال يمكن ان نطلق عليه تسمية (الجمال السياسي)،
بموازاة ماعرف سابقا ويعرف حاليا ب (المال السياسي) والذي يستثمره
اللاعبون على مسرح السياسة العراقية استثمارا جشعا يجعل من الحديث عن
الفساد ومكافحته ضرب من الهلوسة والهذيان.
سلطتان الان تتنافسان على اصوات الناخبين، المال والجمال، مع عديد
من الفوارق بينهما.
الجمال، وهو تحديدا هنا جمال المرأة، الى زوال، انه متغير وغير
ثابت، وتغيره يحيل الى الانزواء والذبول. المال يمكن ان يزول لكنه
بالمقابل يمتلك القدرة على التراكم والزيادة.
المال يمكن ان يشتري الكثير من الاشياء، ومثله الجمال يمكن ان
تتصاغر امامه سلطة المال وسطوته.
لا يجتمع المال والجمال سوية الا في ما ندر، وفي الحالات المعنوية
والاخلاقية، اكثر ندرة.
المال لادين له، وهو له القدرة على التحرر من القيود والحواجز،
والجمال (واتحدث هنا عن جمال المراة تحديدا) تحكمه عدة اعتبارات ليس
اقلها الموانع الدينية او الاعراف الاجتماعية، ولا يشذ عن هذه الموانع،
استغلالا لفسحة الجمال الزمنية، الا القليل من ذلك لكنه ليس بالنادر.
المال والجمال يمكن ان يلتقيا، وكثيرا مافعلا ذلك، فجمال المراة
وخاصة في عصرنا الراهن سلعة مثل بقية السلع، في سوق العرض والطلب، وحتى
في الزواج، كثيرا مايكون شرط الجمال هو الاول بين الشروط، وبعدها تاتي
الميزات المطلوبة الاخرى في المراة.
الاثنان يمكن ان يكونا اسلحة مدمرة، بالنسبة لصاحبهما او بالنسبة
للاخرين، فالسبب الاول للحروب هو الاقتصاد اي المال، مثلما كانت حرب
طروادة، بسبب هيلين الجميلة.
ومثل المال يمكن ان يكون الجمال مصدر افساد، من خلال التاثير على
الاخرين وكيفية اصدار القرارات، او يكون طرفا في حرب اشاعات او ملفات
يتم التهديد بالكشف عنها امام الخصوم. هل تذكرون ملفات رافع العيساوي
الاخلاقية التي يهدد بتسليمها الى المرجعية؟
منذ دورتين لم يستثمر الجمال السياسي موقعه، ولم يستفد من مكانته
التي وصل اليها في الدورتين الانتخابيتين السابقتين، كما فعل الجمال
الاسرائيلي عبر وزيرة الخارجية (تسيبي ليفني).
لايعني كلامي هنا عقد مقارنة بين حالتين او مجتمعين او ثقافتين، بل
هو تذكير بمزايا اخرى تمتلكها المراة اضافة الى الجمال، فالجمال وحده
لايصنع الفارق دون حضور او ثقافة او قوة شخصية.
والاهم من ذلك كيفية استغلال موقع الجمال كسلطة في تغيير ولو بعض من
الصور النمطية التي يحملها المجتمع عنه، وهو مجتمع يحتفي بالجميلات
كوجوه واجساد جميلة فقط، دون التورع لحظة عن تشويه هذا الجمال نتيجة
موروث ثقافي ذكوري لاعلاقة له في الكثير من الاحيان بالدين.
حتى الان النساء الجميلات محط اهتمام اعلامي قبل المتر الاخير من
الماراثون الاعلامي، هل ستفوز الوجوه الجميلة في النهاية وتستحوذ على
عقول الناخبين بعد ان استحوذت على قلوبهم وتجمل وجه السياسة القبيح في
العراق؟ |