مصر تتعسر... هل تجهض مسيرة الديمقراطية؟

 

شبكة النبأ: تواجه مصر اليوم اضطرابات سياسية حادة أثرت انعكاساتها على استقرار البلاد امنيا واقتصاديا وسط مناخ ديمقراطي مربك، نتيجة الصراعات السياسية والحقوقية وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحرية التعبير.

إذ تثير هيمنة الإسلاميين على الساحة السياسية في مصر قلق الليبراليين وكثيرا من المدينين الذين يعارضون فرض قيود سياسية أو اجتماعية، لطالما أزعجت النخبة العلمانية التي تخشى من قيام الإسلاميين بفرض رؤيتهم على الجميع، مما يؤدي في النهاية الى تقويض الديمقراطية الوليدة في البلاد.

ويتهم المعارضون الرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان بمحاولة الهيمنة السياسية في فترة ما بعد مبارك، وبدورها اتهمت جماعة الإخوان المعارضة بأنها لا تريد الامتثال لقواعد الديمقراطية، ويرى بعض المعارضين ان الممارسات والقيود التي تفرضها جماعة الاخوان هي مساعي لإجهاض الثورة وهدم بناء الديمقراطية الجديدة.

وقد تجسد ذلك من خلال اتهام المعارض المصري علاء عبد الفتاح والإعلامي الساخر باسم يوسف، بالإخلال بالنظام العام وإشاعة الفوضى.

فعلى الرغم من وعود التحول الديمقراطي ومنح الحريات التي قامت من اجلها ثورات الربيع العربي، غير أن واقع الحريات في مصر تراجع تراجعا خطيرا في الآونة الأخيرة.

مما أثار استياء منظمات حقوقية محلية ودولية بشأن العديد من الانتهاكات بحق المعارضين الذين  يواجهون العنف والمضايقة بما في ذلك الاعتقال مع قمع قوات الامن والرقابة الذاتية وغياب الحماية القانونية، وانتهاكات مسيئة لحرية التعبير.

كما يرى بعض المحللين أن الاتهامات وأوامر القبض على الناشطين من شأنها ان تعمق جو عدم الثقة الذي تسبب من قبل في استقطاب سياسي في البلاد ويضيف المزيد من التعقيد إلى جهود الرئيس محمد مرسي لبناء جسور مع معارضيه قبل انتخابات تشريعية هددوا بمقاطعتها.

فيما رأى متخصصون آخرون ان من واجب المعارض وخصوصا الإعلامي المهني ان يضع حدا فاصلا بين الحرية في التعبير والحرية غير المسئولة وذلك من خلال التستر بغطاء الحرية ولتهجم بالاهانة والسب والقذف على مسؤولين لتشوه سمعتهم قد تضر بالصالح العام وتخرق المسؤولية الاجتماعية.

لكن يرى أغلب المراقبين أن ازدياد الشكاوى المرفوعة ضد صحافيين، ادى الى تفاقم الشكوك في وفاء الرئيس المصري بتعهده احترام حرية التعبير، وهو المطلب الاساسي لثورة 25 يناير التي ادت الى سقوط مبارك.

لذا يرى معظم المراقبين المشهد السياسي في مصر انه بات ما بين هيمنة الإسلاميين وتنمر المعارضة، فربما تعلن المعركة السياسية والحريات في مصر، عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في الآونة المقبلة، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب المصري من انزلاق مصر في وحل الفوضى مجددا، وبالتالي تبدد آمال ومنجزات الثورة.

شبح الماضي في قانون جديد

في سياق متصل قالت منظمات حقوقية إن مشروع قانون صاغه حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر يهدد بخنق العمل الأهلي في مصر ويسترشد بالأساليب الاستبدادية التي انتهجها الرئيس المخلوع حسني مبارك.

ويفرض مشروع القانون الذي من المقرر أن يناقشه مجلس الشورى -الذي يتولى التشريع حاليا- قيودا شديدة على تمويل المنظمات غير الحكومية وهي مشكلة عانت منها منظمات المجتمع المدني في عهد مبارك، وزاد من القلق اشارة منظمات المجتمع المدني إلى خطاب حكومي وجه في الآونة الأخيرة إلى منظمة حقوقية كبرى يطالبها بألا تتعامل مع منظمات أجنبية بدون الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية.

ويعيد الخطاب إلى الأذهان القيود الشديدة التي خنقت المجتمع المدني أيام مبارك والتي أدت لحبس بعض النشطين البارزين، وفي العام الماضي حين كانت شؤون مصر خاضعة لإدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد سقوط مبارك حوكم 19 نشطا أمريكيا مؤيدا للديمقراطية بمقتضى قوانين عهد الرئيس السابق. واتهم النشطاء بتلقي أموال أجنبية دون موافقة الحكومة.

ويأتي مشروع قانون منظمات العمل الأهلي بعد مشروع آخر من الحكومة التي يقودها الإسلاميون تعرض لانتقادات باعتبار أنه استبدادي ويعطي الدولة سلطات أكثر من اللازم لخنق المعارضة لها.

ويمنع مشروع القانون الجديد المنظمات من تلقي أموال دون موافقة السلطات من أجانب أو جماعات اجنبية أو مصريين يقيمون بالخارج. ويبدو أن مشروع القانون يفرض قيودا أكثر من مشروع قانون سابق نوقش عام 2012 في مجلس الشعب الذي كان يقوده الإخوان المسلمون قبل حله بناء على حكم قضائي.

وقالت ممثلة منظمة هيومن رايتس ووتش في القاهرة هبة مورايف "هذا مرة أخرى تأكيد للإحساس العام بالارتياب حين يتعلق الأمر بحقوق الإنسان والديمقراطية"، وأضافت "حين تقارن مشروع القانون بذلك الذي طرح أوائل العام الماضي سترى تغيرا في النهج"، وقال رئيس اللجنة القانونية بحزب الحرية والعدالة مختار العشري إن القيود على التمويل الأجنبي مطلوبة لمنع أعداء مصر من حياكة مؤامرات ضد البلاد ولمنع غسل الأموال.

وقال لرويترز في اتصال هاتفي "يعني أروح أجيب من إسرائيل.. من اليهود.. من عند الصهاينة علشان نخرب مصر"، وأضاف "ممكن تكون جريمة غسل أموال آتية في شكل (تمويل مقدم إلى) منظمات أهلية. وهذا ليس معناه المنع. ليس هناك منع على الإطلاق إنما هناك ضبط. هناك فرق بين المنع والضبط."

لكن منظمات المجتمع المدني تخشى العودة إلى الماضي. وزادت مخاوفها من خطاب بعثت به الحكومة يوم 11 فبراير شباط إلى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.

وجاء في نسخة من الخطاب اطلعت عليها رويترز أن رئيس مجلس الوزراء أخطر المنظمات المحلية بألا تشارك الكيانات الدولية في مشروعات بحثية أو دراسات أو استطلاعات رأي أو جمع معلومات إلا بعد إذن الجهات الأمنية.

ووصفت منظمة العفو الدولية الخطوة بأنها "خفض جديد لحرية التنظيم." وقالت إن اللغة الغامضة التي تشير إليها عبارة "الكيانات الدولية" يرجح أن يكون المقصود بها منظمات مراقبة حقوق الإنسان الدولية ومنظمات الأمم المتحدة، وقال نشطاء إن الخطاب يبدو وقد صيغ لتقييد مراقبة منظمات المجتمع المدني لانتخابات مجلس النواب التي ستبدأ في ابريل نيسان. وتعتزم بعض أحزاب المعارضة مقاطعة الانتخابات وتقول إنه لا توجد ضمانات لنزاهتها.

وقال مدير البرامج في معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محمد زارع إن مشاريع قوانين أخرى بخصوص المنظمات الاهلية قدمت لمناقشتها في مجلس الشورى لكن مشروع قانون حزب الحرية والعدالة هو الذي تجري مناقشته، وقال "حزب سياسي واحد متفرد بكتابة مشروع القانون مثلما أن حزبا سياسيا واحدا متفرد بالسلطة في مصر"، وقال طارق زغلول من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان "احنا داخلين على انتخابات برلمانية وطبعا كل المنظمات هتشتغل على المراقبة. المشروع أحيل رسميا مما يعني أنه سيطبق بسرعة"، وأضاف "أعتقد أن هذا من أجل الحد من عمل المنظمات في المراقبة. لكن منظمات المجتمع المدني ستواصل عملها وأنشطتها وستواصل الدفاع عن حقوق الإنسان مهما يكن الأمر."

علاء عبد الفتاح

فقد أخلت النيابة العامة المصرية بدون كفالة سبيل نشط بارز اتهم بالتحريض على العنف ضد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي وجاء القرار بعد أن سلم النشط نفسه للمثول للتحقيق.

وكان علاء عبد الفتاح وهو مدون صار رمزا للانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك عام 2011 واحدا من خمسة نشطين أمر النائب العام بضبطهم وإحضارهم في خطوة وصفتها المعارضة بأنها ردة عن الديمقراطية.

وقال عبد الفتاح في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بعد استجوابه "انا اصلا مردتش على اي سؤال والتزمت الصمت"، وأضاف "قدام قاضي التحقيق هرد على الأسئلة والأدلة والتحريات."

ولا يزال النشطون الأربعة الآخرون وهم أحمد دومة وكريم الشاعر وحازم عبد العظيم وأحمد الصحفي يواجهون أوامر الضبط والإحضار الصادرة ضدهم بعد أن رفضوا المثول للتحقيق بحسب محاميهم تامر جمعة الذي تحدث إلى رويترز.

وقال المتحدث باسم النيابة العامة في بيان إن عبد الفتاح تقدم للتحقيق لكن المتحدث لم يتطرق إلى النشطين الأربعة الآخرين، وانتقدت اثنتان من الصحف المعارضة الكبيرة أوامر الضبط والإحضار. واتهمت صحيفة الدستور مرسي وجماعة الإخوان بتنفيذ "مخطط إجرامي" و"تطبيق القوانين الاستثنائية" و"محاصرة السياسيين".

وصدرت أوامر ضبط وإحضار النشطين بعد تهديد أطلقه مرسي عقب اشتباكات قال فيه إنه سيتخذ إجراءات لم يحددها لحماية مصر. وقال إن "الإجراءات اللازمة" ستتخذ ضد من يثبت تورطه من السياسيين بالتحريض مهما يكن مستواهم، وتقول المعارضة إن النائب العام ينحاز لجماعة الإخوان المسلمين.

وقال المتحدث باسم جبهة الإنقاذ الوطني التي تقود المعارضة التي يغلب عليها الليبراليون واليساريون ان ضباط الامن "سيستمرون في البحث عن الأشخاص إلى أن يعثروا عليهم. ليس أمامم اختيار إلا أن يفعلوا هذا. إنها قضية سياسية وهذ هو السبب في أن الناس لا يريدون أن يذهبوا."

وقدمت الجماعة بلاغا إلى النائب العام ضد 169 شخصا بينهم رؤساء أحزاب سياسية تتهمهم فيه بالتحريض على العنف، وكتب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع في صفحته على موقع فيسبوك يقول "قررت الجماعة تتبع كل من دعا وحرض على هذه المظاهرات أو شارك فيها بكل الإجراءات القانونية التي ترد الأمور إلى نصابها"، وأضاف "لن نترك حقا من حقوقنا."

إهانة مرسي وازدراء الاسلام

على الصعيد نفسه استجوبت النيابة العامة المصرية أبرز إعلامي تلفزيوني ساخر في البلاد بشأن مزاعم باهانة الرئيس محمد مرسي وازدراء الاسلام وهي قضية يرى معارضون انها دليل جديد على حملة قمع ضدهم، وسلم باسم يوسف نفسه بعدما أمر النائب العام بضبطه واحضاره. واخلت النيابة سبيله بكفالة 15 الف جنيه (2200 دولار).

واشتهر يوسف ببرنامج ساخر قدمه عبر الانترنت بعد الانتفاضة التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك من السلطة في 2011 . ويذاع برنامجه الآن عبر التلفزيون وقد اثار مقارنات مع برنامج (ديلي شو) الذي يقدمه الاعلامي الامريكي الساخر جون ستيوارت.

ويواجه يوسف اتهامات باهانة الاسلام وتقويض مكانة مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين والذي فاز بالرئاسة في انتخابات حرة في يونيو حزيران الماضي. واصدر النائب العام امر الضبط والاحضار بعد اربع شكاوى قانونية على الاقل قدمها انصار مرسي.

ووصل يوسف الى مكتب النائب العام وهو يرتدي قبعة ضخمة تحاكي قبعة ارتداها الرئيس حين منح دكتوراه فخرية في الفلسفة من باكستان في وقت سابق في مارس اذار، وكان يوسف ارتدى القبعة في برنامجه الذي يحظى بمشاهدة كبيرة في واحدة من لكزاته لمرسي. واثار الضحك العام الماضي من استخدام مرسي المتكرر لكلمة "الحب" حين ردد اغنية حب وهو يحتضن وسادة على شكل قلب طبعت عليها صورة الرئيس.

وقالت هبة مورايف مديرة مكتب مصر بمنظمة هيومن رايتس ووتش "هذا تصعيد يحاول تقييد نطاق التعبير الحر"، وهذه ابرز قضية في سلسلة من القضايا المشابهة التي اعتمدت على اتهامات باهانة مرسي. وافاد المحامي الحقوقي جمال عيد ان اكثر من 20 قضية من هذة النوعية اقيمت خلال اول 200 يوم من حكم مرسي وهو ما يعادل اربعة امثال القضايا المماثلة التي اقيمت طوال فترة حكم مبارك التي امتدت 30 عاما.

وقال السياسي الليبرالي البارز محمد البرادعي المنسق العام لجبهة الانقاذ المعارضة في صفحته على موقع تويتر "ملاحقة باسم يوسف وزملائه من الإعلاميين بتهم لا تعرفها إلا الأنظمة الفاشية هو استمرار لممارسات قبيحة وبائسة لإجهاض الثورة"، وأضاف أن "التغيير حتمي."

وشدد مرسي نبرته في الرد على الاحتجاجات العنيفة مؤخرا ضده وضد الاخوان المسلمين. وبعدما وعد قبل اسبوع باتخاذ خطوات لحماية لامة تعهد بأن "يكسر رقبة" اي شخص يلقي بقنبلة حارقة، وتحبط الاضطرابات جهود انعاش الاقتصاد.

واستجوب يوسف بعدما اصدر النائب العام خمسة أوامر ضبط واحضار لنشطاء سياسيين بارزين اتهموا بالتحريض على العنف ضد جماعة الاخوان المسلمين التي دفعت بمرسي الى السلطة في انتخابات العام الماضي.

وعبرت الولايات المتحدة التي تقدم 1.4 مليار دولار من المساعدات العسكرية لمصر سنويا عن القلق بسبب التقارير عن اصدار اوامر ضبط واحضار لنشطاء سياسيين، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند ان الحكومة الامريكية قلقة ايضا من ان التحقيق يجري في هذه القضية في حين "لم يتم التحقيق بصورة سليمة" في قضايا اخرى هوجم محتجون في بعضها خارج قصر الاتحادية الرئاسي في ديسمبر كانون الاول او قضايا "الوحشية المفرطة للشرطة".

وتقول شخصيات معارضة ان النائب العام طلعت ابراهيم منحاز لمرسي الذي عينه في نوفمبر تشرين الثاني الماضي ويطلبون ابعاده من المنصب، وقضت محكمة بأن قرار تعيين ابراهيم غير قانوني ولابد من تركه المنصب. ويعتزم ابراهيم الذي ينفي اي انحياز التقدم باستئناف ضد قرار المحكمة.

تسليح رجال الشرطة

الى ذلك قررت السلطات المصرية تسليح رجال الشرطة من ذوي الرتب المنخفضة بمسدسات، بحسب ما افاد مصدر امني، بعد تنظيمهم احتجاجات طالبوا خلالها بتسليحهم وتحسين ظروف عملهم وسط تزايد الجرائم العنيفة في البلاد.

وقال المصدر ان وزير الداخلية محمد ابراهيم وافق على استيراد 100 الف مسدس بعد نحو اسبوع من احتجاجات الشرطة، ويحمل ضباط الشرطة المصرية وبعض المجندين اسلحة خفيفة وفي بعض الاحيان البنادق، ولكن رجال الشرطة الاقل رتبة غير مسلحين، وازدادت الجريمة في مصر بعد الاطاحة بحسني مبارك مطلع 2011. بحسب فرانس برس.

وقتل نحو 30 شرطيا خلال الثورة المصرية التي استمرت 18 يوما واحرقت خلالها عدد من مراكز الشرطة، كما قتل 138 شرطيا على الاقل منذ ذلك الوقت، طبقا لاحصاءات نشرتها وزارة الداخلية في كانون الثاني/يناير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/نيسان/2013 - 6/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م