المعارضة السورية... بين تعنيف دمشق ودموية الدوحة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: لم توفق مجاميع المعارضة السورية، على الرغم من الدعم الا محدود الذي اغدق عليها في توحيد رؤيتها حول ادارة الازمة مع الحكومة السورية، باستثناء اجماعها على استخدام العنف كوسيلة للتغيير.

فعلى الرغم من مرور عامين ونيف على اندلاع الاشتباكات العسكرية، حققت فيها القوات المتمردة على قيادة بشار الاسد انجازات متحركة على الارض، تظهر صورة المعارضة في اطار العام بشكل هزيل ولا يدع مجالا للثقة او الاعتماد عليها في مشروع سياسي طموح يكون بديلا مقبولا لنظام البعث في سوريا.

ويعزو بعض المراقبين الى تداخل الاجندات الاقليمية السبب في تشرذم المجاميع المناهضة للاسد، فضلا عن عدم امتلاكها في حقيقة الامر قرار مستقلا يضع مصلحة العباد والبلاد فوق كل اعتبار.

وغالبا ما تتبادل فصائل المعارضة الاتهامات والتخوين فيما بينها، في مؤشر ينم بوضوح الى خطورة الازمة الذاتية التي تمر بها تلك الفصائل، وانعكس ذلك جليا على التناحر الدموي المتصاعد بين القوى العلمانية ونظيراتها الاسلامية داخل الاراضي السورية.

فقد تحول الصراع الدموي القائم في سوريا من اقتتال بين الجيش الحكومي والمعارضة المسلحة، الى احتراب مستميت بين الجيش الحر وجبهة النصر المتطرفة، سيما ان الاخيرة نأت بنفسها عن الائتلاف المعارض بشكل علني لا لبس فيه، معلنة ارتباطه الصريح بتنظيم القاعدة الارهابي.

وتفجرت مجددا خلال الايام الماضية صراعا اقليميا على النفوذ بين محورين اساسيين، احدهما قطري- تركي والثاني بقيادة سعودية قريب من السياسة الاميركية، وهو صراع يسخر له المال والاعلام والسلاح والناس.

بطبيعة الحل صب ذلك بمنفعة كبيرة على الصعيدين الميداني والدولي لمصلحة الحكومة السورية، خصوصا ان ذلك انعش الآمال لدى مؤيدي بشار الاسد في اقتراب نهاية مأساوية للساعين الى الاطاحة بالنظام بالقوة.

كما لوحظ تراجع كبير في المواقف الغربية ازاء النزاع في سوريا، وعلقت معظم الدول الاوروبية توجهاتها في دعم مناوئي الاسد بالسلاح او التدخل العسكري المباشر، الى جانب الموقف الامريكي الثابت في عدم رغبتها بسقوط الاسد قسريا، كما كانت تروج له قطر والسعودية.

تلك المواقف مجتمعة بددت احلام المعارضة في تنحية الاسد قسرا، مما قد يدفعها دون ادنى شك الى طاولة الحوار المباشر غير المشروط مع دمشق، عل ذلك يمهد الى تغيير تدريجي وبمشاركة الاسد، في حال نجحت تلك الفصائل  بتطهير اجنحتها ممن لا ترغب بهم حكومة دمشق، وتحديدا من منهم محسوبين على قطر.

وابرز ما لفت خلال الفترة الماضية هو اعلان احمد معاذ الخطيب خلال خطابه امام القمة العربية امتعاضه مما اسماه "الوصاية" على المعارضة.

 وقال: "شعبنا دفع ثمن حريته من دمه، وقراره ينبع من مصالحه ويرفض وصاية اية جهة. ان اختلاف وجهات النظر الاقليمية والدولية ساهم في تعقيد المسألة" السورية.

في الوقت ذاته، كان حوالي سبعين معارضا سوريا يرفضون في بيان ارسل الى القمة "السيطرة الاستبعادية" التي يمارسها احد تيارات الائتلاف، في اشارة واضحة الى "جماعة الاخوان المسلمين"، و"الهيمنة العربية المتنوعة والاقليمية الفاضحة" على قرار المعارضة.

يقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في باريس زياد ماجد: "هناك تنافس بين محورين لا يختزلان المعارضة، لكنهما اساسيان لجهة تقديم الدعم المادي والعسكري لها: قطري - تركي يدعم تيار الاخوان المسلمين وسعودي يتناغم مع الولايات المتحدة".

واضاف: "هذا يترك اثره على تركيبة المعارضة السياسية وولاءات المجموعات العسكرية المختلفة".

وبعد انتخاب غسان هيتو رئيسا للحكومة، لم يتردد بعض المعارضين في وصفه بـ"مرشح قطر"، واقدم العشرات من اعضاء الائتلاف على تجميد عضويتهم. بحسب صحيفة القدس.

ويوضح ماجد ان "الخلاف على السيد هيتو لم يكن بالضرورة خلافا على الشخص، إذ لا يعرف الرجل كثر في سوريا او خارجها، بقدر ما كان خلافا على مبدأ حكومة او لا حكومة"، موضحا ان "المحور الاميركي - السعودي كان على الارجح مع التريث في تشكيل الحكومة الموقتة، والمحور القطري - التركي كان يفضل تشكيلها فدفع ربما في اتجاه اختيار هيتو".

ولا تقتصر تجاذبات الدول الخليجية الغنية بالنفط والجارة التركية الساعية الى لعب دور "القوة العظمى" اقليميا، على الشأن السياسي بل تتخطاه الى الشان العسكري.

وتقول شخصية معارضة، رافضة الكشف عن اسمها: "بعث السعوديون بعد اجتماع اسطنبول برسائل في اتجاهات عدة ليقولوا انهم غير راضين عن اختيار هيتو، ما دفع الجيش الحر الى الادلاء بموقف رافض له".

وروى مقاتلون في داريا في ريف دمشق انهم شعروا في بداية العام الحالي انهم سيخسرون المدينة المحاصرة من القوات النظامية منذ اكثر من ثلاثة اشهر، بعد ان نفدت منهم الذخيرة والسلاح.

واضافوا: "في تلك الفترة بالذات، تقدم معاذ الخطيب بمبادرته للحوار مع النظام، فتدفق السلاح بسرعة قياسية".

وقالوا: "ذلك يعني ان السلاح موجود على الحدود، وان تركيا ومعها قطر اللتين لم تكونا راضيتين عن طرح الخطيب، افرجتا عنه لتصعيد الوضع الميداني والتشويش على المبادرة".

في الاطار نفسه، يدرج خبير عربي متابع للشؤون السورية اختلاف وجهات التمويل والتسليح باختلاف مصادرهما. اذ يدخل السلاح القطري الى الكتائب والمجموعات المسلحة الاسلامية والقريبة من الاخوان المسلمين عن طريق تركيا، بينما يفضل السعوديون تمويل وتسليح المجالس العسكرية التي يشرف عليها ضباط منشقون عن الجيش السوري، "خوفا من تعاظم دور الاسلاميين المتشددين". وباتت شحنات الاسلحة المدفوع ثمنها من السعودية تمر منذ فترة عبر الحدود الاردنية.

اما المقاتلون السلفيون فلهم مصادر تمويل خاصة عبر جمعيات ومنظمات غير حكومية من دول خليجية اخرى. ويلعب الاعلام دورا كبيرا في الصراع غير المعلن، لا سيما عبر قناتي "الجزيرة" القطرية و"العربية" المدعومة من السعودية.

هكذا، يجد المعارضون لهيتو وللحكومة الموقتة في "العربية" المنبر المناسب، بينما تركز "الجزيرة" على "الحفاوة" التي لقيها هيتو من الجيش الحر خلال زيارته الى محافظة حلب حيث التقى قادة لواء التوحيد، احد ابرز المجموعات المقاتلة والمعروف بقربه من الاخوان المسلمين، وعلى ان الحكومة المفترضة بقيادة هيتو "مطلب تجمع عليه غالبية الشعب السوري".

يقول ماجد ان الصراع "لا ينحصر بالمرحلة الحالية، بل يتعلق أيضا بسوريا ما بعد الاسد. من سيحكم سوريا، الاخوان المسلمون كما في تونس ومصر، أم سواهم؟ من يؤثر أكثر في خيارات سياساتها الخارجية؟ من يشارك في اعادة اعمارها ومن يحظى بالاستثمارات الأهم فيها".

صراع لا شك سيجر اثمانا اضافية على الشعب السوري الذي دفع في سنتين سبعين الف قتيل وملايين اللاجئين والمنكوبين والمفقودين ثمن "ثورة" لم تثمر بعد.

الا ان ما فعله الخطيب لاحقا أوضح نهجا الذي يتجاوز المألوف فقد بدأ في رسم رؤية لحركة سياسية موحدة ومستقلة عن القوى الخارجية التي تقدم الدعم العسكري للمعارضة.

ويرى الخطيب الحرص على المصالح السورية يتطلب دعم الشعب السوري لا المعارضة.

ونتيجة لذلك يقول الليبراليون السوريون إنه يتعين على المعارضة أن تبذل قصارى جهدها لتقدم نفسها بصورة جامعة وتجنب المزيد من الانزلاق إلى الطائفية. ويضيفون أن القول بأنه لا يوجد سوى حل عسكري للأزمة يبعث بالرسالة الخطأ.

ويظهر الخطيب خطا مستقلا من قبل، بقوله إنه مستعدا للاجتماع مع مسؤول كبير بالحكومة إذا وافق الأسد على شروط مثل الإفراج عن آلاف السجناء السياسيين، وقد اعلن الاسد عن عفوا عاما قبل ايام.

يدرك الخطيب انه طريقه لن يكون محفوفا بالورود، وبات بين خياري تعنيف دمشق او دموية الدوحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/نيسان/2013 - 6/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م