مصر... اقتصاد في غرفة الانعاش

 

شبكة النبأ: أسهمت الأحداث والفوضى السياسية التي شهدتها مصر بعد ثورة 25يناير، بخنق الاقتصاد المصري الذي أصبح اليوم على حافة الانهيار، بسبب فشل جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى الى التفرد بالسلطة ومصادرة منجزات الثورة من خلال دعم الرئيس محمد مرسي احد الاذرع المهمة لهذه الجماعة والذي عجز عن إدارة الحكومة كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان سوء الإدارة وانشغال الرئيس بمصالح الحزب والجماعة واعتماده على بعض القرارات الفردية قد أثر سلبيا على اقتصاد مصر واسهم بازدياد معاناة الشعب المصري الفقير، الذي أصبح يئن من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وازدياد معدلات البطالة وغيرها من الأمور الأخرى، وهي بوادر معلنة لوقف الدعم الحكومي الذي يستفاد منه اكثر64مليون مصري، في سبيل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي وهو ما من شأنه أن يثير توترات اجتماعية وسياسية ويسهم بزعزعة الامن في البلاد.

وفي هذا الشأن حذَّر وزير التخطيط والتعاون الدولي المصري أشرف العربي، من أن الوضع الاقتصادي الراهن في البلاد أصبح مقلقاً للغاية، داعياً إلى اتخاذ إجراءات سريعة لاستعادة حيوية النشاط الاقتصادي. وتوقَّع العربي أن يصل العجز في الموازنة العامة للدولة إلى 19.5 مليار دولار بحلول حزيران/يونيو 2015 المقبل، داعياً إلى اتخاذ إجراءات سريعة لتغطية ذلك العجز من خلال جذب استثمارات جديدة وتنشيط حركة السياحة.

وأوضح العربي أن "المسؤولين المصريين يجرون مباحثات مع بعثة من صندوق النقد الدولي تقوم حالياً بزيارة لمصر"، معرباً عن أمله في أن يتم الاتفاق المبدئي مع البعثة للحصول على قرض من الصندوق "خاصة أن المناقشات مع البعثة تحظى باتجاه إيجابي ودعم كبير". وتقوم بعثة فنية من صندوق النقد الدولي بزيارة لمصر لبحث حصول مصر على قرض من الصندوق بقيمة 4.8 مليار دولار.

وعما إذا كان صندوق النقد الدولي وضع شروطاً صعبة على برنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر، قال العربي "إن البرنامج المصري وطني تماماً ومصر هي التي وضعته بما يلائم متطلباتها وظروفها الحالية بهدف معالجة وإصلاح المشكلات الاقتصادية ويستمر حتى حزيران/يونيو 2015 عن طريق وضع إجراءات متدرجة لاستعادة النمو والاستثمار".

وأضاف أن الموازنة العامة للدولة يتكلف فيها الدعم أكثر من نحو 30%، موضحاً أن "برنامج الإصلاح الاقتصادي يتضمن تقليل المبالغ الموجهة للدعم وتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق تخصيص حصص للمواطنين بالتساوي بما يناسبهم وأن من يريد حصة إضافية يحصل عليها بمبلغ أعلى من المخصص عن طريق الدعم". وتشهد القاهرة ومحافظات مصرية عدة، تظاهرات احتجاج على تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وسوء الأحوال الإنسانية والمعيشية للمواطنين.

وتتفاوض مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض قيمته 4.8 مليار دولار تحتاج اليه مصر كشهادة من المؤسسة المالية الدولية لاستعادة ثقة المستثمرين والمانحين من اجل الحصول على مزيد من الدعم المادي. وخلال الأشهر الخمسة الماضية التي شهدت مفاوضات الحكومة المصرية مع الصندوق، ارتفعت أسعار السلع الأساسية للمواطن المصري بسبب زيادة الحكومة للتعريفات الجمركية وزيادة أسعار الكهرباء والمياه والغاز. كما رفع الدعم تدريجيا عن المشتقات البترولية بدءا بالوقود عالي الجودة.

ورفعت الحكومة مؤخرا سعر قارورة الغاز الذي يستخدم في المنازل والمطاعم من خمسة جنيهات (0.73 دولار) الى ثمانية جنيهات (1.15 دولار)، ما أدى الى ارتفاع أسعار العديد من المأكولات وخصوصا وجبات الفول الطعام الرئيسي للمصريين. لكن عمر عامر المتحدث باسم الرئاسة المصرية ارجع الأمر الى محاولة الحكومة العمل على معادلة جديدة للإصلاح الاقتصادي يشكل الدعم محورها. وقال ان 'الحكومة المصرية تريد ان تتأكد ان الدعم يصل مباشرة الى مستحقيه'.

وتراجع احتياطي النقد الاجنبي من 36 مليار دولار الى 13 مليارا فقط في غضون عامين، فيما يتزايد عجز الموازنة بشكل متسارع. وقلل الوضع الاقتصادي المتعثر من فرص مصر في الحصول على مساعدات وقروض دولية بعدما واصلت مؤسسات التصنيف الائتماني تخفيض تصنيف مصر الائتماني.

وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني درجة السندات الحكومية المصرية من 'بي3' الى 'سي ايه ايه1' في نهاية اذار/مارس بسبب تصاعد العنف وتراجع حجم احتياطيات النقد الاجنبي في البنك المركزي. وتشهد مصر أحداث عنف واشتباكات بين متظاهرين والشرطة بشكل شبه متواصل منذ نحو خمسة اشهر بسبب الأزمة السياسية بين الرئيس المصري محمد مرسي والمعارضة.

وقال مجدي صبحي نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان 'القرض بحد ذاته لن يحل الأزمة الاقتصادية لكن مصر تحتاج الى شهادة دولية بان الوضع الاقتصادي مستقر وانها قادرة على رد قيمة اي قروض'. واشار الى ان الاتفاق على القرض سيفتح الباب امام قروض ومعونات تتجاوز الـ12 مليار دولار.

وقال تقرير لمؤسسة كابيتال ايكونوميكس للتحليل الاقتصادي ان القروض الثنائية يمكن ان تشكل حلا للحكومة المصرية حتى تامين قرض الصندوق. ووضعت دول اجنبية مثل قطر وتركيا والسعودية ودائع في البنك المركزي المصري لمساعدة الاقتصاد المصري. بدوره يعتقد الخبير الاقتصادي رشاد عبده ان 'نتائج وشروط الاتفاق مع الصندوق سيكون لها لعنات على المواطن المصري'. وقال عبده ان 'الصندوق يشترط تخفيض عجز الموازنة وتخفيض قيمة العملة لضمان تسديد قيمة القرض المتفق عليه'.

وأضاف ان 'الشرطين كارثيان فتخفيض عجز الموازنة ياتي عبر تخفيض الدعم وزيادة أسعار الجمارك وتخفيض قيمة العملة يرفع من سعر الدولار'، متوقعا ان 'يفاقم ذلك من الأزمة الاقتصادية'. وتستورد مصر أكثر من 60 بالمئة من السلع الأساسية بحسب خبراء، ما يجعل أسعار تلك السلع ترتبط بسعر صرف الدولار.

وانخفضت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الاميركي بشكل كبير منذ نهاية العام ، ليصبح سعر صرف الدولار 6,83 جنيها بزيادة قدرها نحو 80 قرشا. وتوقع عبده ان تفاقم نتائج القرض الأزمة الاقتصادية عبر 'زيادة الأسعار وزيادة التضخم وزيادة البطالة'. ويقول الخبراء ان حل الأزمة السياسية وتوفير الاستقرار السياسي والقانوني والأمن سيساعد في حل الأزمة الاقتصادية بمنأى عن قرض الصندوق الذي قد يفاقم الأزمة.

وتراجعت البورصة المصرية إلي أدنى مستوى في 2013 مع قيام المستثمرين الأجانب ببيع الأسهم خوفاً من تعرض الجنيه المصري لمزيد من الهبوط. وقال أنغوس بلير، رئيس مركز سيغنيت للبحوث المتخصص في شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 'يقوم صندوق النقد الدولي بزيارة صعبة. ستواجه مصر مزيدا من الضغوط لتقديم خطة اقتصادية إيجابية.. لتحاول وضع خطة لبناء الثقة محليا وتعزيز الاستثمارات والنمو'.

وتبدو المخاطر عالية بالنسبة للحكومة التي يقودها الإخوان المسلمون حيث هبطت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي إلى مستويات حرجة تغطي فاتورة الواردات في أقل من ثلاثة أشهر فقط وفقد الجنيه نحو 10' من قيمته منذ بداية العام. وفي محاولة لحماية الجنيه الذي يتم تداوله بأسعار أقل من ذلك في السوق السوداء رفع البنك المركزي أسعار الفائدة، وهو ما زاد تكلفة الإقتراض اللازم لتمويل العجز الحكومي الذي سيصل إلى 12.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إذا لم يتم إجراء الإصلاحات. ودفعت الأزمة المالية الحكومة لخفض واردات الوقود، وهو ما أدى إلى نقص تسبب في اضطراب حركة النقل وانقطاع متكرر للكهرباء.

ولحل تلك المشكلة قالت مصر إنها تهدف لاستيراد النفط من العراق وليبيا وسوف تسدد في الوقت نفسه بعض مستحقات شركات الطاقة الأجنبية. وخفضت مصر أيضا واردات القمح وهو ما قلص المخزونات أملا منها في جني محصول وفير يكفي لإطعام سكانها البالغ عددهم 84 مليون نسمة. ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم.

وبدون الاتفاق مع الصندوق ستظل مصر قادرة على المضي مترنحة لعدة أشهر لكن الوضع لن يكون مريحا. وفي حين يدفع ضعف الجنيه معدل الضخم للارتفاع، يهدد نقص الوقود والكهرباء بتفاقم التوتر في الشارع حيث تتصاعد الاحتجاجات السياسية من جانب معارضي الرئيس محمد مرسي وكثيرا ما تتحول إلى العنف.

وتظاهر أصحاب مستودعات بيع اسطوانات غاز الطهي المدعومة أمام وزارة التموين احتجاجا على زيادة أسعار الاسطوانات التي أعلنتها الحكومة في خطوة ربطها المحتجون بالمحادثات مع صندوق النقد وهو ما يشير إلى احتمال حدوث مزيد من الاضطرابات. وقال فهمي أحمد (39 عاما) وهو واحد من مئات المحتجين الذين يشتكون من أن الزيادة في السعر ستقلص هامش ربحهم من بيع الاسطوانات للمواطنين 'من المستحيل بالنسبة لنا العمل مع تلك الزيادة'.

وكانت مصر توصلت لإتفاق مبدئي مع الصندوق في تشرين الثاني/نوفمبر، لكن تم إرجاء التصديق على الإتفاق بعد أسابيع قليلة وسط احتجاجات أشعلها صراع سياسي بين مرسي ومعارضيه. وقال سامي (49 عاما) وهو موظف وأب لولدين ان 'زيادة الأسعار الأخيرة سببها الرئيسي التفاوض مع صندوق النقد الدولي'.

وأضاف بإحباط 'اذن الاسعار ستشتعل اكثر حال تم الاتفاق على القرض'. وتابع الرجل 'بالكاد اطعم اسرتي حاليا كل شيء في مصر تضاعف ثمنه'. اما المهندس محمد محمد (59 عاما) وهو اب لثلاثة اولاد وكان يقوم بالتسوق، فقال 'لم اشتر اي سلعة بالثمن نفسه مرتين متتاليتين خلال الأشهر الثلاثة الماضية'. واضاف ان 'دخولنا ثابتة ومصاريفنا تزداد بسبب الاسعار'، متوقعا 'مزيدا من الغلاء مع تنفيذ قرض صندوق النقد الدولي'.

وارتفعت اسعار السلع الاساسية مثل البقوليات والخضروات والفواكه واللحوم وهو ما قلل من القوة الشرائية للمواطنين بشكل مؤلم، الامر الذي زاد من حنق المواطنين وقلقهم بشان مستقبلهم. ويعاني الاقتصاد المصري من تراجع حاد في واراداته الرئيسية المتمثلة في قطاع السياحة والاستثمار الاجنبي في اعقاب الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.

من جانب اخر تقدم المرشح الرئاسي السابق في مصر المحامي خالد علي ببلاغ للنائب العام اتهم فيه الرئيس محمد مرسي ومسئولين حكوميين آخرين بـ'قلب النظام الاجتماعي والاقتصادي للدولة' على خلفية المفاوضات التي تجريها مصر للحصول على قرض صندوق النقد الدولي . وأعلن علي أن النائب العام المساعد قرر إحالة البلاغ إلى نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق فيما تظاهر العشرات من النشطاء أمام دار القضاء العالي بوسط القاهرة رفضا لقرض صندوق النقد الدولي.

وطالب المرشح الرئاسي السابق في بلاغه الذي حمل رقم 5583 لسنة 2013 عرائض النائب العام بتوجيه تهمه محاولة قلب النظم الاقتصادية والاجتماعية ضد كل من الرئيس محمد مرسي ورئيس مجلس الشوري ورئيس مجلس الوزراء ووزير المالية وذلك لمحاولتهم تمرير قرض صندوق النقد الدولي بدون موافقه مجلس النواب.

وقال علي في بلاغه إن 'المشكو في حقهم يحاولون إيهام صندوق النقد الدولي أن السلطة التنفيذية تمتلك بفردها قانونيا سلطة الموافقة علي القرض وهو ما يمثل عصفا بالشرعية الدستورية التي تتيح فقط لمجلس النواب دون غيره الموافقة علي مثل تلك القروض كما أن الترويج لذلك عن طريق المشكو في حقهم ما هو إلا قلبا لنظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية' . وأضاف البلاغ 'مجلس الشوري لا يمتلك أي صفه قانونية للموافقة علي مثل هذا القرض وأن المادة 230 من الدستور تتيح له فقط سلطة التشريع ولم تنقل له صلاحية الموافقة علي الاتفاقيات الدولية مثل قرض صندوق النقد الدولي، وأن هذه الصلاحيات مختصة فقط طبقا للدستور لمجلس النواب دون غيره'.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/نيسان/2013 - 4/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م