شبكة النبأ: أكثر ما يحزّ في النفس
ويشجي القلب على أوضاع العراق، أن تاريخ التاسع من نيسان عام 2003 ما
يزال فاقداً للهوية الثقافية.. فهل هو تاريخ للاحتلال الامريكي عندما
دخل وحدات من قوات المشاة البحرية "مارينز" العاصمة بغداد؟ أم تاريخ
انهيار نظام صدام، ونهاية عهد الرعب والقمع والتنكيل؟ أم هو تاريخ
لحصول تغيير في نظام سياسي قائم على الفردية والديكتاتورية، واستبداله
بنظام قائم على التعددية الحزبية وتشكيل الحكومة من خلال الانتخابات
البرلمانية ؟
ما الذي يجعلنا ندور في هذه الدوامة، علماً أن هذه الذكرى كانت في
السنوات الأولى تُعد "عيداً وطيناً" وقررت الحكومة والبرلمان إعلان يوم
التاسع من نيسان كل عام عطلة رسمية، لكن التشنيع والتخوين وهاجس فقدان
القاعدة الجماهيرية، دفع بالحكومة لإلغاء هذا القرار، وتركه كأي يوم
آخر في حياة العراقيين، وكأن شيئاً لم يكن؟!
غياب الرؤية المحددة للغد الآت، وفقدان البرنامج البديل للمستقبل،
هو السبب في هذه الدوامة، كما لو أن العراق مقدر له ان يواجه المفاجآت
والصدمات على طول الخط. ولذا لا نجد الحلول الجذرية ولا الافكار
الأصيلة ذات الصلة بالواقع، ولا المنهج الصحيح، لكن اذا طالعنا كتاب "اذا
قام الإسلام في العراق" لسماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني
الشيرازي – قدس سره الشريف- نجد الرؤية المحددة والبرنامج المتكامل
لمستقبل العراق، طبعاً؛ سماحة الامام الراحل يتطلع الى رؤية حضارية
شاملة، تشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع، وسائر جوانب الحياة، وربما
يكون الكتاب الذي ألفه سماحته في أوساط التسعينات، نافذة كبيرة على
واحة خضراء، على عراق تضافرت عليه الجهود من الطاغية البائد في الداخل،
ومن الدوائر الغربية في الخارج، ليصل الى أشد وأقسى حالات ضنك العيش
والموت البطيء.
لقد صدر هذا الكتاب في المهجر، في وقت كان الغرب يكرس واقع النظام
الصدامي الضعيف والمقهور، وفي وقت كان الاخير يكرس واقع التجويع
والتنكيل بابناء الشعب العراقي عبر المتاجرة بجوعه وآلامه وأمراضه
الفتاكة. أما الجماعات العراقية المعارضة في الخارج، فكانت تتفرج لحين
انتهاء فترة الصلاحية المحددة للنظام البائد من قبل الغرب. لذا فان
الكتاب لا يجتر المعاناة، بقدر ما يقدم البديل الحضاري، الذي يحول دون
تكرار تلك المعاناة، لا أن تكون عبارة عن دوامة قاتلة تسحق تحت عجلتها،
الحقوق والكرامات والمقدسات، كما حصل خلال السنوات الماضية.
العفو العام
ربما يرى البعض صعوبة بالغة في تقبّل هذا المنطق خلال عملية تغيير
شامل وكبير، يفترض ان يطيح برؤوس كبيرة من العهد البائد، فكيف نطوي
عهداً أسوداً مع وجود رموز لهذا العهد ممن سببوا الظلم والطغيان
والمفاسد؟
من الناحية الظاهرية، ربما يكون هذا البعض محق من الناحية العاطفية
التي تجيش في فورة التغيير، لاسيما وأن القادمين الى السلطة، يأخذهم
الزهو والاعتداد بالنفس من حيث لا يريدون، فيجدون من الاولوية تصفية
رموز النظام البائد، حتى وان كانوا باعداد كبيرة في المجتمع.. لكن من
على المدى البعيد، فان التصفيات الجسدية، لها من المساوئ أقلها إحياء
نزعة العنف والدموية وتكريسها في الواقع كما كانت في السابق.
وقبل هذا الكتاب، أشار سماحة الامام الراحل الى هذه النقطة في كتابه
"السبيل الى إنهاض المسلمين"، الصادر عام 1983، حيث أكد على قاعدة "العفو
عما سلف" لتكون ضمن مناهج الحكم الناجح الضامن للاستمرار. وفي هذا
الكتاب يؤكد سماحته على أن "العفو العام يسبب اطمئنان الناس إلى
الحكومة القائمة مما يؤدي إلى تعاونهم معها، وهذا يعني تكريس الاستقرار
والأمن، لاسيما وأن الحكومة في بداية أمرها بحاجة إلى التعاون الواسع
من الناس".
ويستشهد سماحته بالاجراءات التي اتخذها النبي الأكرم صلى الله عليه
وآله، مع أهل مكة، وايضاً عفو أمير المؤمنين عليه السلام، عن أهل
البصرة، ونفس الشيء فعل مع الخوارج بعد هزيمتهم في "النهروان"، رغم كل
ما فعلوه وجنوده بحق الإمام وبحق الإسلام والمسلمين.
ويشير سماحة الامام الراحل الى نقطة غاية في الأهمية طالما تم
تغييبها، وهي خلق العداوات من خلال أعمال الانتقام من هذا وذاك.. ولعل
بعض شواهد من تاريخنا الحديث والمرير، تكون كافية للعبرة، فما قام
الشيوعيون خلال حكم عبد الكريم قاسم، من جرائم بشعة ضد معارضيهم، من
السحل في الشوارع وبتر الأعضاء والتمثيل بالجثث، سوى الاعدامات
المتتالية، جرت عليهم ثارات دموية عندما انقلب عبد السلام عارف على
قائده قاسم، وأطلق أفراد "الحرس القومي" مثل الكلاب المسعورة لتنهش
أجساد الشيوعيين وتفعل بهم أبشع وأفظع مما قاموا به هم، طبعاً؛ طالت
التجاوزات والجرائم أفراد من المجتمع، لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع.
بينما لنلاحظ العفو العام، فانه وإن كان تنازلاً مؤلماً، إلا انه
مثمر على المدى القريب والبعيد، حيث سيوظف الجميع لخدمة البلد والشعب،
والتفكير فقط وفقط، في التطور والتقدم، والتعويض عمّا فات من الحرمان
والتخلف.
الفساد الإداري
معروف في كل مكان، أن الفساد الإداري يُعد الخلية السرطانية التي
تنتشر في جسم الدولة، وتفتك بها بشكل تدريجي. وظاهرة الرشوة والمحسوبية،
لا تنحصر في إطار محدود، كما يألفها البعض في العراق وسائر البلاد
الاسلامية، إنما تأخذ ابعاداً اجتماعية ونفسية، تجعل من القيم
الاخلاقية والانسانية، مفردات لا مكان لها في هذا الواقع الفاسد. وأول
ما يتمخض عنه الفساد، كما يشير اليه سماحة الامام الراحل هو التخلف
وهدر الثروات، وبالنتيجة تعميق حالة الإحباط والخيبة في نفوس الناس.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "يستدل على أدبار الدول بأربع:
تضييع الأصول والتمسك بالغرور وتقديم الأراذل وتأخير الأفاضل"، وجاء
عنه عليه السلام ايضاً: "تولي الأراذل والأحداث الدول دليل انحلالها
وأدبارها".
وسئل أحد رموز الدولة الأموية بعد انهيارها، عن سبب السقوط. فأجاب:
لأنهم وكلوا الأمور الكبيرة إلى الصغار والأمور الصغيرة إلى الكبار،
فلا الصغار كانت لهم كفاءة إدارة الأعمال الموكلة إليهم ولا الكبار
عملوا بما أوكل إليهم لتكبرهم، وبين هذا وذاك ضاعت الدولة..
سماحة الامام الراحل يتساءل عن سبب تبني الأمويين هذا النهج..؟
ويجيب: "لأن الصغار أكثر تملقا وإطاعة.. بينما الكبار يدركون كثيرا من
الحقائق وينتقدون، لذلك عزلوهم عن كبريات المهام ووكلوا إليهم أمورا
صغيرة وقاية عن شرهم بالتطفّل، وهذا ما رأيناه في كل حكومة استبدادية
ولذا رأينا سقوطها بشكل مشين.. أما لو كانت قد استقامت في عملها لكانت
تعيش أضعاف أعمارها".
ويشير سماحة الامام الراحل في سياق حديثه عن "الفساد" كمفردة عامة،
في إطار البديل الاسلامي الشامل، الى أن الحكم الإسلامي يجب عليه
مكافحة الفساد الاجتماعي، مثل تعاطي الخمور وارتياد دور القمار
والرذيلة ومحاولات التشجيع على الميوعة الجنسية، كما يجب مكافحة الفساد
الاخلاقي مثل الصفات الذميمة كالكذب والنفاق والدجل والخيانة وغيرها،
والفساد الاقتصادي، مثل الاحتكار والربا وغيرها.
لا للشعارات الزائفة
تلعب "الشعارات" دوراً كبيراً ومؤثراً في تحريك مسارات الشعوب
والأمم في عملية التغيير، مثل الشعارات الوطنية او القومية، او
التحررية وغيرها، لأنها تعني بالمشاعر والاحاسيس وليس العقل، لذا نجد
محترفي الشعارات ينجحون بامتياز بحشد الملايين من الناس حول الحاكم
الأوحد، كما تسوق الناس باتجاه الحرب، او التصدي لقضية ما، او معاداة
بلد ما.. كما نجح في ذلك حزب البعث البائد في العراق، عندما جيّز جملة
من الشعارات البراقة، غررت وضللت الكثير من ابناء الشعب العراقي، كما
فعلت الشيء نفسه مع شعوب عربية.
من هنا، فان اللجوء الى هذا الاسلوب من الخطاب مع الجماهير، يسبب
حالة من الخيبة والخذلان لدى الناس، لاسيما اذا كانت الشعارات تتضمن
مبالغات ووعود ثقيلة، يفهم منها المتاجرة واللعب بمشاعر الناس ومصائرهم..
ثم ان هذه الشعارات اذا تنطلي على الشريحة الفاقدة للوعي والثقافة،
فانها لن تكون كذلك مع الشريحة المثقفة والواعية، حيث ستعمل على فضح
حقيقة هذه الشعارات الجوفاء، وبالنتيجة فقدان ثقة الناس بالنظام القائم
الجديد.
ويشير سماحة الامام الراحل الى حقيقة أخرى في عملية رسم الهيكلية
الصحيحة لنظام الحكم السليم، أن "من يطلق الشعارات الكبيرة والجوفاء هم
الدكتاتوريون، الذين يحاولون خداع شعوبهم والشعوب الأخرى بأنهم يفعلون
الكثير وانهم تقدميون و ناجحون... وهذا يتم في ظل غياب المحاسب والرقيب،
والصحافة الحرة.. أما في الأنظمة الاستشارية والديمقراطية فانه لا يمكن
-عادة- التكلم وإطلاق الشعارات عبثاً، فان كل كلمة يحاسب عليها الحكام
من قبل المؤسسات الدستورية والأحزاب المعارضة والصحافة الحرة، ولذلك
يكثر العمل ويقل الكلام وتتقدم البلاد..".
مشكلة "القانون"
يشكل القانون، الركن الأساس في بناء أي دولة بالعالم.. وهذا القانون
الذي يسنّه ممثلو الشعب في المجالس النيابية، في النموذج الديمقراطي،
والذي يسنّه الحاكم الأوحد في النموذج الديكتاتوري، وهو من شأنه ان
ينظم حياة الناس في المجالات كافة، ثم يأتي دور الدستور الذي يتضمن
الفقرات والبنود التفصيلية للقانون المتعلق بمجالات الحياة كافة.. ومن
اجل نموذج راقي وناجح، يؤكد سماحة الامام الراحل، على أن القانون
والدستور المستند على الاحكام الاسلامية، هو طوق النجاة للشعب العراقي
وسائر الشعوب، لا النموذج المستورد الذي ابتليت به الدول الاسلامية، و
ماتزال تتخبط في المعضلة الكبرى المسماة بـ "الدستور". والدليل الكبير
لديه، أن الخيار الاسلامي "يستند إلى الكتاب والسنة والإجماع والعقل،
فهو متغيّر حسب استنباطات واجتهادات شورى الفقهاء الذين ارتضتهم الأمة
مراجع لها جيلا بعد جيل وفترة بعد فترة". ويضيف سماحته موضحاً هذه
النقطة تحديداً "كثيراً ما يكون الدستور الثابت والذي وضع قبل عشرين
عاما، غير ملائم مع تطورات الحياة اليومية، مما يولد ثغرات سياسية
واجتماعية وأزمات حادة. أما القانون الإسلامي فيستطيع أن يواكب جميع
التطورات. والذي يستنبط الأحكام والقوانين هم الفقهاء الذين هم مراجع
المسلمين شيعة أو سنة كل لأهل مذهبه".
ويقطع سماحته في هذا السياق، بأن "لا قانون أساسي في الإسلام-
بالمعنى المصطلح- وإنما الموجود: الكتاب والسنة والإجماع والعقل. وإن
عمر القانون الأساسي في بلاد الإسلام، هو عمر دخول المستعمرين فيها،
والجدير بالذكر أن بريطانيا التي كانت وراء إيجاد القانون الأساسي في
تركيا وإيران، ليس لها في بلادها دستورٌ ثابت، بل يتبعون العرف فيما
أسموه (العرف الدستوري)".
ربما يقول الكثير، وليس البعض، بصعوبة تطبيق هذا المبدأ العظيم في
الواقع الحاضر، لكن لا يختلف معي أحد، بحجم المرارة التي يعيشها العراق،
بسبب عدم وجود القوانين والتشريعات الصادرة من مصدر رصين، لتنظم القضاء
والحريات والاحزاب والعمل والسكن والاعلام والامن وغيرها من متطلبات
الحياة.
التداول السلمي للسلطة
اذا كان الخروج من نفق الديكتاتورية يفترض أن يفضي الى الدخول في
واحة الديمقراطية والتعددية، فان الضمانة الاكيدة لنجاح النموذج الجديد،
هو تحقيق التداول السلمي للسلطة، من خلال فتح باب التنافس الشريف
والسليم في العمل السياسي، وهذا من شأنه ان يطور البلد والشعب، ويساعد
على ظهور الكفاءات والمهارات والعقول البناءة. لذا فان الامام الراحل
يوصي بـ"إيجاد حالة التنافس الإيجابي عبر تكوين الأحزاب الحرة ذات
الجذور الاجتماعية والمستندة إلى المؤسسات الدستورية، حتى توجد الحوافز
نحو التقدم، وبحيث يؤدي الكل أدوارهم بأفضل وجه، في ميادين العلم
والعمل، ونجد ذلك جليا في حياة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، فقد
أقر بانقسام المسلمين إلى (مهاجرين) و (أنصار)، ثم أثار التنافس بينهما
إذ ما يؤديه الإنسان من عمل جيد هو المقياس في الكفاءة رغم أنه ساوى
بين الناس في مجالات العقيدة والعبادة والمعاملات والحقوق الإنسانية
وفي قبال القانون".
تفضيل الكفاءات
وهذه ايضاً تُعد من المسائل الخلافية التي تنشب عادةً بعد التغيير
الكبير في معظم الدول، إذ يكون التفضيل لأصحاب التغيير من الجماعات
الثورية والمعارضة، ونبذ كل من عمل في النظام السابق، حتى وإن كان من
العلماء والمبدعين. لكن سماحة الامام الراحل يضع قاعدة قرآنية مضيئة
أمامنا من سورة يوسف، حيث يقول تعالى على لسان النبي يوسف عليه السلام:
"أجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم". ويقول سماحته: "إن الأعمال
التقنية والفنية تحتاج إلى الأمانة – حفيظ- و الخبروية – عليم-" ، مما
يستدعي الاهتمام بالخبراء والكفاءات، أما ملاحظة الولاء الثوري في
العاملين للدولة فقط، فإنها تزيد الأمر تعقيدا واعضالًا إذ معنى ذلك أن
تقع إدارة الدولة بيد غير الأخصائيين مما يتبعه أخطاء كثيرة وكبيرة.
فإن وجود الثوريين في الأجهزة الحكومية كي يحملوا لواء الثورة، لابد أن
يتوازن مع وجود الأخصائيين كي يتمكنوا من حفظ البلاد وتقديمها إلى
الأمام، وكل واحد بدون الآخر يكون حال البلاد معه حال الطائر بجناح
واحد".
التنمية الاقتصادية
إن وجود خطة وبرنامج متكامل للاقتصاد، يثبت للناس وجود المستقبل
المشرق والآمن لهم من وراء التغيير الكبير في النظام السياسي الحاكم،
ومن أهم وأبرز النقاط الايجابية للاقتصاد الناجح، تأثيره الايجابي
المباشر على المكانة السياسية للبلد، فالاقتصاد المستقل والمتماسك،
يساعد عن نشوء النظام السياسي المستقل والدولة المنيعة والعصية على
الضغوطات والاستفزازات الخارجية.
أما الآلية لتحقيق ذلك، فانه الامام الراحل يشير الى ضرورة أن
"تكوّن الحكومة أو تسمح بتشكيل مؤسسات اقتصادية ولجان مختصة من أهل
الخبرة، لكل نوع من أنواع الاقتصاد، كالزراعة والصناعة والتجارة
الخارجية والداخلية والمصارف والنفط وغيرها، بحيث تكون قوانينها حيوية
مطابقة للإسلام وللعصر. كل ذلك في إطار (حرية رؤوس الأموال) بمعنى
الكلمة- في غير المحرم- يقول تعالى: "فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا
تُظلمون"، وكون كل الأمور بيد الناس .. والدولة مهمتها الإشراف فقط،
حتى المطارات وسكك الحديد والمعامل والمصانع الكبار والصغار
والمستشفيات وغيرها. وإعطاء الحرية لجميع الناس في الاستفادة من الأرض،
كما في الحديث الشريف: (الأرض لله ولمن عمرها)، والماء والغابات وحيازة
المباحات: كالأسماك وسائر أقسام الحيوانات، وكذا أنواع المعادن حسب
قانون (من سبق)".
إن منح الحريات للعمل والانتاج والحيازة في إطار الاحكام الاسلامية،
يبشر الناس في العراق، وفي كل مكان بالعيش الرغيد، إذ لا بطالة، ولا
تضخم، ولا غلاء في الاسعار، ولا أزمة سكن، ولا أي نوع من الازمات
المعيشية التي يعاني منها العراقيون، ولا سبيل لهم بالخلاص منها.
هناك الكثير الكثير من النقاط المضيئة الاخرى التي طرحها سماحة
الامام الراحل في كتابه هذا، يرسم فيه نموذج المستقبل المشرق للعراق
الذي عاش فيه، وجرّب أهله وخبر قدراته وامكاناته، بحيث كان على اطمئنان
كامل بأن تطبيق هذه الرؤى على أرض الواقع العراقي، من شأنه ان يرفع
العراق الى مرتبة الدول المتقدمة والناجحة في العالم. وما يحزّ في
النفس حقاً، ان نجد الرؤى والتوجيهات التي طرحها سماحته في اواسط
التسعينات، تتحقق بشكل معكوس تماماً، فلا تنمية اقتصادية بسبب القيود
على العمل والبناء والانتاج، ولا قوانين أصيلة ذات جذور راسخة، ولا
أمن واستقرار، بسبب التجاذبات السياسية والتنافس المحموم على السلطة،
والأنكى من كل ذلك، أن نسمع بعد سيل من الدماء التي أريقت من آلاف
الابرياء من نساء ورجال واطفال، من يتحدث عن إعادة "دمج البعثيين ممن
لم تتلطخ ايديهم بالدماء"، أو "تعديل قانون المسائلة والعدالة"، وغيرها
من الاجراءات الترقيعية التي جاءت متأخرة، ولنفترض أنها حصلت في الايام
الاولى من سقوط نظام صدام، فهل كان العراق يخسر الامن والاستقرار، بل
يخسر حتى الأمل في التقدم والتطور؟! |