السياسة بين الرؤية الاسلامية والميكافيلية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: هناك من ينظر الى السياسة على انها فن المصالح، وأنها غير خاضعة للحس الانساني السليم، وأن كل الاهداف السياسية مبررة بغض النظر عن الوسيلة التي تؤدي الى تحقيقها، ولا تزال القاعدة التي تقول ليس هناك صداقات دائمة ولا عداء دائم بل هناك مصلحة دائمة، طرية وحاضرة بين القادة السياسيين والمفاوضين، لكن الامر الذي لا يمكن نسيانه او اهماله هو أهمية رفض المنهج الميكافيلي الذي يذهب الى تبرير الوسيلة لتحقيق الهدف السياسي.

من هنا نلاحظ خلو الرؤية الميكافيلية من المبادئ الانسانية على نحو كلي، على العكس تماما من رؤية الاسلام للسياسة، حيث التجريم والتحريم التام للانتهازية وتبرير الوسيلة أيا كانت درجة بشاعتها لتحقيق الغاية المخطط لها، لذا تختلف رؤية الاسلام بصورة جوهرية عن الرؤى التي تقول أن السياسة تخلو من الانسانية، وبين يدينا مبادئ وسلوك الدولة الاسلامية في عصر الرسالة النبوية المحمدية، وكيف كانت القيم والمبادئ الانسانية العظيمة تتقدم بشكل قاطع على المناهج الظالمة المتوحشة حتى في ظروف الحرب.

لذلك فإن الاسلام يحارب الانتهازيين، ويرفض القادة الذين يؤمنون بالرؤية الميكافيلية، ويطالب بالسياسة القائمة على الضوابط الانسانية المتحررة، كالانتخابات وما ينضم إليها من فعاليات موازية.

لذا يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب الموسوم بـ (من عبق المرجعية): (إن في الاسلام انتخابات، واستفتاء، وإدلاء بالآراء والاصوات، ومجالس أمة وبلدية، وما شابه ذلك).

الحاكم الاسلامي الآن

لقد بات واضحا أن هناك انظمة سياسية تطلق على نفسها بانها انظمة اسلامية، استطاعت بعد موجة الاحتجاجات التي اطاحت بعدد من الانظمة الفردية، استطاعت ان تصل الى سدة الحكم عبر الانتخابات، كما حصل في مصر وتونس وليبيا وسواها، وقد كان متوقعا أن تكون هذه الحكومات وحكامها مختلفة عن الانظمة السابقة خصوصا انها تضفي على نفسها المنهج الاسلامي، وهي عبارة عن احزاب اسلامية معروفة منها على سبيل المثال (الاخوان المسلمون)، ولكن ما نراه في الواقع، يختلف عما تدّعي هذه الحكومات والاحزاب وقادتها، فالحاكم يقول شيئا ويتصرف بطريقة تناقض اقواله.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (لا يكفي للحاكم أن يقول: إنني حاكم إسلامي، بل لا بد أن يكون مستنداً إلى القرآن والسنّة، فما لم يؤيّده القرآن والسنّة والمعصومون سلام الله عليهم ويقولون أنه من عند الله، فهو في واقعه غير إسلامي وإن تسمّى بالإسلام). ويؤكد سماحته السمة الاستشارية (الديمقراطية) للنظام الاسلامي، واختلافه عن الانظمة الاخرى كالنظام الجمهوري مثلا، إذ يقول سماحته في هذا الخصوص: إن (الحكم في الإسلام لا جمهوري ولا ملكي، بالمعنى المصطلح لهما في قاموس عالم الغرب اليوم، بل استشاري).

كذلك فإن الحاكم اذا كان ينتمي الى حزب اسلامي، ويعلن أنه يقود الدولة والمجتمع وفقا لما يريده الاسلام، فإن المطلوب أن تتوافر صفات معينة في هذا الحاكم، أهمها أنه يبتعد عن الرؤية الميكافيلية في التعاطي مع السياسة وصنع القرار، لأن الفارق كبير جدا بل يصل الى التناقض التام بين المنظور الاسلامي والمنظور الميكافيلي، لذا لابد أن يكون الحاكم الاسلامي ذا مواصفات تؤكد اسلاميته وانسانيته قبل أي شيء آخر.

يقول سماحة المرجع الشيرازي عن الحاكم الاسلامي: إن (مواصفات الحاكم الإسلامي: أنه رجل مؤمن، متفقّه في الدين تماماً، يعرف شؤون الدنيا، ويتحلّى بالعدالة التامة، فمتى ما توفّرت في الإنسان هذه الشروط, ورضي به أكثر الناس صار حاكماً).

الحكم بين الواقع والظاهر

من المتفق عليه أن أي خلل بين الادّعاء والتطبيق سوف يفضح القادة السياسيين وأنظمتهم، لأن القول والادعاء لا يصمد أمام الوقائع، وهكذا تحدث حالات التشويه بحق الاسلام، عندما يدّعي بعض الاسلاميين من القادة والاحزاب، بأنهم يمثلون الاسلام ويحكمون الناس وفق تعاليمه وضوابطه، لكن الذي يفرزه الواقع يدحض هذه الاقوال والتصريحات، فيتم تشويه صورة الاسلام عن سابق قصد واصرار.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال على أن: (تطبيق الإسلام بصورة ناقصة يعطي صورة مشوّهة عن الإسلام، وهذا هو حال بعض الدول الإسلامية اليوم المتبجّحة بتطبيق الإسلام مع أنها لا تطبّق إلاّ جَلْد الزاني وقطع يد السارق، فهل هذا هو الإسلام وحسب؟(.

إن طبيعة الحكم وتحديد درجة نجاحه او اخفاقه، لا يتم معرفتها بالاقوال والادعاءات، أن الحكم صناعة قرار وافعال إجرائية قائمة على ارض الواقع، فكلما اقتربت هذه السياسة من الروح الانسانية النبيلة وتعاليم الاسلام، كلما ابتعدت عن الانتهازية الميكافيلية التي تبرر الغاية بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في تحقيقها، لذلك من يدّعي الانتماء الى الاسلام عليه ان يلتزم بتعاليمه، وهذا الالتزام لا يتحقق بالكلام وحده، بل يجب ان تكون هناك ادلة وأسانيد واقعية ملموسة تدل على هذا الالتزام، لذلك فإن الدولة الاسلامية هي دولة افعال تثبت الاقوال التي تنسجم مع مبادئ الاسلام.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب: إن (الدولة غير الإسلامية هي الدولة التي لا تحكم بالإسلام أي لا تطبق قوانين الإسلام، وإن كانت تسمى نفسها إسلامية، فليس المهم الاسم بل التطبيق والعمل).

وهكذا على الانظمة الجديدة التي تطلق على نفسها انظمة اسلامية، أن تلتزم بحوهر الاسلام في اعمالها وليس اقوالها، وأن تبتعد عن الاستحواذ والاستئثار بالنفوذ والمناصب، وان تبتعد عن الانتهازية والرؤية الميكافيلية للتعاطي مع صنع القرار.. يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص: (كل حكم لا ينتهي إلى الله فهو غير مشروع وغير إسلامي وإن كان صادراً عن دولة تسمّى إسلامية؛ لأن المهم الواقع وليس الظاهر).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/نيسان/2013 - 30/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م