انفلونزا الطيور... داء يأبى الزوال

 

شبكة النبأ: تخشى الكثير من دول العالم من تفشي فيروس انفلونزا الطيور بسلالته الجديدة والمعروفة بـ(إتش7إن9) خصوصا مع ارتفاع حالات الإصابة في الصين التي شهدت21 حالة من بينها ست حالات أدت الى الوفاة. وإنفلونزا الطيور وبحسب بعض المصادر هو مرض معدٍ تنفسي يسببه فيروس (نوع من أنواع العدوى الفيروسية) يصيب وينتشر بين الطيور عادة ويصيب الانسان كما الطير ويصيب جميع أنواع الطيور الداجنة منها والبرية وخاصة الدجاج والبط والاوز والطيور البرمائية كما يمكن ان يصيب أنواعا أخرى من الحيوانات كالخنزير، ويسبب وفاة الطير والانسان.

وتعد الطيور البرية هي مصدر ومأوى لهذا الفيروس وانتقاله خاصة في فترات هجرة الطيور حيث إنها تكون في بعض الأحيان حاملة له في أحشائها دون الإصابة به ولكنها تتسبب في انتقال الفيروس وتفشيه بين الكتاكيت والبط والديوك وتؤدي إلى قتلها، ولم تكن فيما مضى تنقل عدواها إلى البشر إنما كانت محصورة بين الطيور، وتعتبر الطيور المائية أيضا المسئول الأول لبدء انتشار العدوى وانتقالها إلى الطيور الداجنة.

وقد حدثت طفرة في التكوين الجيني والوراثي لهذا الفيروس مكنته من نقل العدوى من الطيور المصابة به إلى الإنسان، وهناك أيضا تأكيدات بأن سبب الإصابة هو التعرض المباشر للطيور الحية والمصابة بهذا الفيروس عبر إفرازاتها المخاطية كاللعاب أو الإفرازات بشكل عام وفضلاتها هذا الفيروس قد يعيش في اللحوم النيئة والمنقولة له من الطيور المصابة. ومن السهل لهذا الفيروس أن يعلق في الشعر والملابس كما يمكن دخوله إلى جسم الإنسان عن طريق الاستنشاق.

وفي هذا الشأن فقد ذكرت وسائل الاعلام الرسمية الصينية ان السلطات الصينية وجدت اثار فيروس جديد لانفلونزا الطيور قتل ستة اشخاص في مناطق اخرى بشنغهاي بعد ان اعدمت السلطات اكثر من 20 الف طائر في سوق ضخمة للدواجن بالمدينة. وقالت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) انه تم العثور على عينات من فيروس (اتش7 إن9) في سوقين تبيعان المنتجات الزراعية في منطقة مينهانج في شنغهاي المركز المالي للصين والتي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة.

ويقع السوقان قرب سوق هوهواي للدواجن الحية التي اكتشف فيها حمام مصاب بالفيروس في وحيث جرى اعدام الطيور. واصابت السلالة الجديدة من فيروس انفلونزا الطيور 16 شخصا في الصين كلهم في شرق البلاد. وتوفي ستة اشخاص. ويبدو ان هذه السلالة لا تنتقل من انسان لاخر ولكن السلطات في الصين وهونج كونج قالت انها اتخذت احتياطات اضافية. وقالت شينخوا ان شنغهاي منعت دخول كل الدواجن الحية من مناطق اخرى بالبلاد الى المدينة واغلقت الان ثلاث اسواق لوقف انتشار الفيروس. وقالت حكومة هونج كونج انها تكثف مراقبتها للمسافرين والدواجن الوافدين الى المدينة.

وأكدت السلطات في شنغهاي أن الفيروس لايزال يستجيب للعقار تاميفلو ويمكن معالجة من يتم تشخيص حالتهم مبكرا. وقال وو فان مدير مركز شنغهاي لمكافحة الأمراض والوقاية منها خلال مؤتمر صحفي "لدينا حاليا مخزونات من عقار تاميفلو تكفي لمواجهة موجة التفشي الحالية."

وفي اليابان وضعت المطارات ملصقات عند نقاط الدخول لتحث الركاب القادمين من الصين على طلب الرعاية الطبية في حالة تشككهم في الإصابة بانفلونزا الطيور. وفي الولايات المتحدة قال البيت الابيض إنه يراقب الوضع وقالت المراكز الأمريكية لمكافحة الامراض والوقاية منها إنها بدأت العمل لإنتاج لقاح ليكون جاهزا وقتما تقتضي الحاجة إليه. وقالت إن الأمر سيستغرق من خمسة إلى ستة أشهر لبدء الإنتاج التجاري للقاح.

وقالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إنها تتعاون بشكل وثيق مع الهيئات الدولية والمحلية المعنية بالصحة. وذكرت متحدثة باسم الإدارة "في إطار استجابة أكبر من الحكومة (الأمريكية) ستعمل إدارة الغذاء والدواء أيضا مع مصنعي الأدوية واللقاحات للإسراع في تطوير وتوفير أي لقاحات قد تكون فعالة."

ومع الخوف من إمكانية ظهور وباء مماثل لسارز قالت الصين إنها تحشد الموارد لمكافحة الفيروس. وقالت وزارة الصحة في بيان نشر بموقعها على الانترنت إن الصين "ستعزز جهودها لمكافحة الفيروس. وستنسق وتستعين بكل المنظومة الصحية في أنحاء البلاد لمحاربة الفيروس."

وتبادلت مراكز منظمة الصحة العالمية في أتلانتا وبكين ولندن وملبورن وطوكيو عينات من الفيروس حيث تقوم بتحليلها لتحديد أفضل نوع يمكن استخدامها في تصنيع اللقاح إذا لزم الأمر.

ولن يتخذ بسهولة أي قرار ببدء الإنتاج التجاري للقاحات الواقية من السلالة الجديدة إذ سيعني ذلك التضحية بإنتاج الأمصال الموسمية. وقد يؤدي ذلك إلى نقص اللقاح المضاد للانفلونزا الموسمية العادية التي وإن كانت غير خطيرة لغالبية الأشخاص فإنها تحصد آلاف الأرواح.

وقالت شركة سانوفي باستور أكبر منتج في العالم للقاح الأنفلونزا إنها على اتصال دائم مع منظمة الصحة عبر الاتحاد الدولي لمصنعي وجمعيات الأدوية لكن من السابق لأوانه تقييم خطورة الحالات الصينية. وأفادت منظمة الصحة العالمية بأن نتائج الاختبارات الأولية تشير إلى أن السلالة الجديدة من انفلونزا الطيور تستجيب للعلاج بعقار تاميفلو الذي تنتجه شركة روش وعقار ريلينزا الذي تنتجه شركة جي.إس.كيه.

ويقول بعض الخبراء إن هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود لتحديد مستوى الخطر الذي تشكله السلالة الجديدة. وقال أليكس ثيرمان المستشار الخاص للمدير العام للمنظمة العالمية لصحة الحيوان لرويترز "تتحور فيروسات اتش7 في الغالب ومن ثم يمكن أن تختفي نتيجة التحور أو تزيد قوتها لذا من المهم دراسة كل واحد من الفيروسات التي أخذناها من الإنسان والحيوان."

في عام 2003 حاولت السلطات الصينية في باديء الأمر التستر على انتشار فيروس سارز الذي ظهر في الصين وتسبب في وفاة نحو عشرة بالمئة ممن أصيبوا به وكان عددهم ثمانية آلاف شخص على مستوى العالم. وتوجد سلالات اخرى من انفلونزا الطيور مثل فيروس (اتش5ان1) منذ سنوات عديدة ويمكن ان تنتقل من طائر الى طائر ومن طائر الى انسان لكن ليس من انسان لانسان.

السلالة الجديدة

في السياق ذاته فالعلماء في مدينة روتردام الهولندية يعرفون على وجه التحديد ما يتطلبه تحور فيروس انفلونزا الطيور ليصبح سلالة وبائية محتملة بين البشر وذلك لأنهم أنتجوا فيروسات متحورة مشابهة في المعمل. لذلك فإنهم مع ظهور سلالة غير معروفة من انفلونزا الطيور في الصين يقولون إن ما اتخذوه من قبل من قرار مثير للجدل بإجراء تجارب محفوفة بالخطر كان قرارا صائبا رغم ما لقيه من معارضة شرسة.

وقبل كل شيء فإن ما يحتاج العالم إلى معرفته بشأن سلالة (اتش7 ان9) الجديدة لفيروس انفلونزا الطيور هو مدى قدرتها على الانتشار بين البشر. وقال اب اوسترهاوس وهو باحث عالمي رائد في الانفلونزا يقود أبحاث علم الفيروسات في مركز اراسموس الطبي بهولندا إن الدراسات التي يجريها فريقه وفريق آخر في الولايات المتحدة هي أفضل وسيلة للاجابة على هذا التساؤل.

وأضاف "لا نعرف في الوقت الحالي ما إذا كان ينبغي علينا إصدار تحذير أم الاسترخاء والقول إن الأمر بسيط." وقال إنه يتعين للاجابة على هذا "أن نعرف ما يحتاجه هذا الفيروس ليصبح معديا."

وتستهدف الابحاث التي تجرى لاجابة أسئلة ملحة مثل هذه تحديد التغيرات الجينية او التحورات التي تجعل فيروسا حيوانيا يصيب البشر. وبمعرفة هذه التحورات يصبح الباحثون ثم السلطات الصحية أكثر استعدادا لتقييم مدى خطورة أي فيروس جديد في مراحله المختلفة ومتى ينبغي أن يبدأوا في تطوير عقاقير ولقاحات ودفاعات علمية أخرى.

لكن هذه الابحاث تثير كثيرا من الجدل. فعندما أعلن فريقان من العلماء في أواخر 2011 توصلهما لطريقة تخليق سلالة أخرى من فيروس (اتش5 ان1) المسبب لانفلونزا الطيور في صورة معدية بين البشر علت أجراس الإنذار في المجلس القومي الاستشاري للأمان الحيوي في الولايات المتحدة حتى أنه اتخذ خطوة غير مسبوقة وسعى لحظر نشر الدراسات.

وفي سلسلة من الابحاث المماثلة استحدث العلماء عمليات تحور في فيروس (اتش5 ان1) تجعله انتقاله ممكنا بين الثدييات عبر قطرات الماء في الهواء. وقال المجلس إنه يخشى أن تقع تفاصيل العمل الذي أنجزه رون فوشييه في معمل روتردام وفريق ثان بقيادة يوشيهيرو كاواوكا بجامعة ويسكونسن في الايدي الخاطئة التي يمكن أن تستغله في الارهاب الحيوي.

وقالت وندي باركلاي وهي عالمة في فيروس الانفلونزا في امبريال كوليدج في لندن "كان هناك ذعر من أنهم يخلقون وحشا." وتلى ذلك جدل حاد واتفق الباحثون في الانفلونزا في أنحاء العالم على تعليق التجارب على هذا النوع لمدة عام حتى تهدأ المخاوف. لكن خلال فترة التعليق قال بعض العلماء إن الابحاث ضرورية للاستعداد لوباء الانفلونزا المقبل وإن وقفها سيترك العالم في تخبط عندما تظهر سلالات انفلونزا جديدة.

وقالت باركلاي التي كانت ضمن 40 عالما وقعوا على خطاب مفتوح في يناير كانون الثاني يدعو إلى إنهاء تعليق الأبحاث الخاصة بانتقال انفلونزا الطيور إن الاحداث الجارية في الصين تبين السبب. وأضافت "ظهور (اتش7 ان9) يبين أن الانفلونزا ستظهر في فترات منتظمة من مصادر حيوانية." وتابعت أن هذا الفيروس "يبرز حقيقة أننا لا نعلم إن كان أي فيروس قابل للانتقال بين البشر عند ظهوره أم أن انتقاله سيقتصر على الحيوانات لانه عندما يصل إلى العائل البشري سيجد حواجز يتعذر عليه اختراقها."

إلا أن بعض العلماء ما زالوا غير مقتنعين بقيمة تحوير الفيروسات في المعامل بغض النظر عن مدى أمانها بهدف تخليق وتحليل سلالات الانفلونزا المتحورة التي يمكن أن تنتشر بين الثدييات. وكتب سايمون وين هوبسون رئيس مؤسسة أبحاث العقاقير ومقرها واشنطن في دورية نيتشر العلمية مقالا اتهم فيه الباحثين في مجال الانفلونزا بالسير معصوبي الاعين في طريق محفوف بالمخاطر. وقال "لم يصل العالم إلى هذا الحد من الكثافة السكانية العالية من قبل. هل من الملائم للعلماء المدنيين صنع ميكروبات أكثر خطورة؟". بحسب رويترز.

ويقول اوسترهاوس الذي اطلع على بيانات التسلسل الجيني من عينات سلالة انفلونزا الطيور (اتش7 ان9) في الصين وتوصل إلى عمليات تحور تبعث على القلق حدثت بالفعل في السلالة إن هذه المخاوف تتضاءل أمام عدم معرفة المخاطر التي يمكن أن ينطوي عليها ظهور فيروس جديد. وأضاف "قد يكون هذا الفيروس على وشك اكتساب خاصية الانتقال (بين البشر). أعتقد ان معرفة قواعد اللعبة أمر حتمي."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/نيسان/2013 - 28/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م