شبكة النبأ: ينشغل العراق منذ العام
2005 بالانتخابات التي تقام للمجالس المحلية، ولمجلس النواب، وكذلك
يسود هذا الانشغال في البلدان التي قامت فيها ثورات وحركات مابات يعرف
بالربيع العربي، وهي تونس وليبيا ومصر واليمن، وهناك دول عربية عديدة
مارست الانتخابات سواءا الملكية منها او الجمهورية في عالمنا العربي،
رغم اختلاف طبيعة انظمة الحكم فيها ودرجة نزاهة هذه الانتخابات.
ينظر الى الانتخابات عادة، انها الدعامة الاولى للديمقراطية في
انظمة الحكم التعددية، لانها تتيح للناخبين تغيير السياسيين اذا فشلوا
في تقديم الخدمات للناخبين، او فشلوا في تحقيق نوع من الاهداف الوطنية
للدولة في فترة انتخابهم.
في الدول الديمقراطية الراسخة، لاتعتبر الانتخابات بشقيها (البلدي
او البرلماني) هي نهاية المطاف او انها التعبير الصادق عن قيم
الديمقراطية. فهناك ايضا، المؤسسات الراسخة، الصحافة الحرة، القضاء
العادل، وايضا تقليد سياسي عرفي، غير مكتوب، وهو الاقالة والاستقالة،
وهو عرف يمثل حجر زاوية قوية في الثقافة السياسية لتلك البلدان التي
قطعت شوطا طويلا على صعيد النظرية والممارسة.
يعرّف معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية الانتخاب بانه: طريقة
لتعيين المضطلعين بالادوار السياسية تمنح اعضاء المجتمع المعني حق
اختيار ممثيلهم.. في هذا المنظور يظهر الانتخاب وفي وقت واحد كمبدأ
وتقنية للحكم.
كمبدأ للحكم، يشكل الانتخاب اساس الديمقراطية التمثيلية، تسليما
بانه لايمكن للسلطة السياسية ان تكتسب شرعيتها الا اذا اداها الشعب عبر
ممثليه المعنيين بالطريقة السليمة. لهذا تطلبت الديمقراطية التمثيلية
توسع قانون التصويت، ولايعتبر الانتخاب ديمقراطيا بالكامل الا اذا تم
بالتصويت العام من دون اي استثناءات اجتماعية، اقتصادية، تربوية او
جنسية.
كمؤسسة حاملة للشرعية، يعد الانتخاب طقسا مهما في الحياة السياسية،
وتثبيت للمجتمع السياسي، وتكريس قيمة الطاقم السياسي. غير ان هذا الدور
السياسي الحاسم يتجاوز اطار الانظمة الديمقراطية التعددية، حيث يفرض
الانتخاب بدون خيار عنصرا اساسيا في عمل الانظمة السياسية الاستبدادية،
اي كطقس يشرع واداة تواصل سياسي بين الحكام والمحكومين..
كتقنية للحكم، الانتخاب هو موضوع للجدل والنقاش.. فطريقة تعيين
الحكام تؤثر تاثيرا حاسما على نتيجة الانتخابات فتشكل بذلك رهانا
اساسيا بالنسبة الى الطبقة السياسية.
واساليب ممارسة حق التصويت متنوعة للغاية، في المكان كما في الزمان،
مفسحة المجال امام صيغ تحوّل بطريقة دائما غير مرضية كليا التعبير عن
التصويت في كيفية تعيين الممثل السياسي. فالتصويت قد يكون مباشرا (حيث
يختار المواطن ممثله مباشرة) او غير مباشر من درجة واحدة او عدة درجات
(حيث يختار المواطن ناخبين كبارا يعينون بدورهم مؤدي الدور السياسي)
كما في انتخابات الشيوخ في فرنسا او الانتخابات الرئاسية في الولايات
المتحدة. ويكون التصويت غالبا سريا، لكن وسائل ضمان هذا الحق هي على
درجة متفاوتة من الفعالية، خصوصا في الانظمة الاستبدادية (وجود
المعازل، احترام حرية الخيار الفردي اثناء التصويت).
طوّر الحكام أدوات وأساليب للتلاعب في عملية الانتخابات - أو ما
يسمى في أدبيات السياسة (تقنية التلاعب) - بغرض تحقيق مقاصد غير تلك
التي تُرجى من الانتخابات الديمقراطية، وعلى رأسها الحصول على الشرعية
أمام الجماهير والتخفيف من حدة الضغوط المطالبة بالإصلاح واحترام حقوق
الإنسان في الداخل والخارج. وفي المنطقة العربية لم تؤد الانتخابات
التي تجريها بعض أنظمة الحكم إلى انتقال ديمقراطي واحد، ناهيك عن تحول
ديمقراطي حقيقي.
وقد أفضى استخدام الانتخابات والتعددية الحزبية الشكلية إلى تجاوز
التقسيم التقليدي لنظم الحكم (نظم ديمقراطية بنماذجها المختلفة مقابل
كل من النظم التسلطية والنظم الشمولية بأشكالهما المختلفة)، وظهور
أشكال عدة لتصنيفات جديدة، حال (الديمقراطية الزائفة)، أو (النظم
المختلطة)، أو(النظم شبه الديمقراطية)،أو(التسلطية
الانتخابية)أو(التسلطية التنافسية).
كما يذهب الى ذلك عبدالفتاح ماضي في بحثه المعنون (مفهوم
الإنتخابات الديمقراطية) والمقدم الى اللقاء السنوي السابع عشر
الديمقراطية و الانتخابات في الدول العربية والمنعقد في العام 2007 ضمن
مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية.
لقد وضع روبرت دال الانتخابات الحرة والنزيهة ضمن الشروط السبعة
للشكل الديمقراطي من وجهة نظره، غير أنه لم يُقدم تعريفاً تفصيلياً
للانتخابات الحرة والنزيهة، مؤكداُ على ضرورة أن يسبق إجراء تلك
الانتخابات مجموعة من الحريات والحقوق الديمقراطية، معتبراً أن الترتيب
المنطقي للأمور يأتي على النحو التالي: حرية الحصول على المعلومات من
مصادر متعددة - حرية التعبير – حرية التنظيم وتشكيل مؤسسات مستقلة –
إجراء انتخابات حرة ونزيهة. أي أن الانتخابات الحرة والنزيهة هي (ذروة
الديمقراطية وليس بدايتها) عند دال، فالانتخابات لا تسبق الديمقراطية،
وهي لا تنتج لا الديمقراطية ولا الحريات والحقوق.
وفي الأدبيات العلمية التي تعنى بالديمقراطية والانتخابات في الغرب،
حاول بعض الباحثين وضع تعريفات محددة للانتخابات الديمقراطية للحالات
التي يدرسونها. ولعل من أبرز تلك الأدبيات وأكثرها شمولاً ما قام به
ديفيد باتلر وآخرون، فالانتخابات العامة الديمقراطية تستند إلى شروط
ستة، هي: حق التصويت العام لكل المواطنين البالغين، دورية الانتخابات
وانتظامها، عدم حرمان أي جماعة من تشكيل حزب سياسي ومن الترشح للمناصب
السياسية، حق التنافس على كل مقاعد المجالس التشريعية، حرية إدارة
الحملات الانتخابية على وضع لا يحرم فيه القانون ولا وسائل العنف
المرشحين من عرض آرائهم وقدراتهم ولا الناخبين من مناقشة تلك الآراء،
وتمكين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم وسط جو من الحرية والسرية وفرز
الأصوات وإعلانها بشفافية وكذا تمكين المنتصرين من مناصبهم السياسية
حتى وقت الانتخابات التالية.
للانتخابات الديمقراطية عدة مقاصد واهداف يمكن ادراجها بالشكل
التالي: التعبير عن مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطة - اختيار الحكام -
تسوية الصراعات السياسية بطرق سلمية - توفير الشرعية السياسية أو
تجديدها - محاسبة الحكام - التجنيد السياسي - التثقيف السياسي
وتتضمن معايير حرية الانتخابات:
احترام مبدأ حكم القانون - احترام مبدأ التنافسية - ضمان حريات
المعرفة والتعبير والاجتماع والإعلام - حرية تشكيل المنظمات السياسية
المستقلة عن السلطة التنفيذية.
اما معايير نزاهة الانتخابات فهي: حق الاقتراع العام - تسجيل
الناخبين بشفافية وحياد - الحياد السياسي للقائمين على الانتخابات -
قانون انتخابي عادل وفعّال - دورية الانتخابات..
الانتخابات العراقية بشقها البلدي على الابواب، وفيها تحتدم
المنافسة بين المرشحين، وهناك الكثير من التجاوزات الحاصلة على قوانين
مفوضية الانتخابات في الدعايات الانتخابية وفي اماكن تعليقها وفي
محتوياتها.
الكل يطمح الى الفوز في هذه الانتخابات لانها كما يتصور القائمون
عليها، تعبد الطريق الى الفوز في الانتخابات النيابية في العام 2014
ومايعنيه ذلك من امتيازات يمكن الحصول عليها من خلال قبة البرلمان، او
التمهيد للحصول عليها من خلال ابنية المجالس البلدية..
الانتخابات التي ننشغل بها، كما يراها روبرت دال وحسب ترتيبه للحقوق
والحريات الديمقراطية، لا تنتج في عراقنا لا الديمقراطية ولا الحريات
والحقوق. |