الاعلام الصاخب... بين تزييف وتضليل

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: للاعلام دور كبير في تثبيت الحقائق، أو تغييرها، وله قدرة كبيرة على التلاعب بالعقول، ليس البسيطة العادية غير المتخصصة فحسب، وإنما يمكن للاعلام الصاخب أن يتلاعب حتى بعقول النخبة، أو الاشخاص والجهات المعنية بتطوير المجتمع، والتي تعلن قيادتها للنشاط المجتمعي الحكومي والاهلي على حد سواء.

ولعل مكمن خطورة الاعلام يتضح بقوة في تعامله مع بسطاء الناس، ومحاولاته الحثيثة لتزييف الحقائق بما يتفق ومصالح القائمين عليه، خاصة اذا عرفنا قدرات الاعلام الكبيرة في خداع العقول التي تظن بأنها واعية ومحصنة من مخاطر الاعلام الصاخب والكاذب، وهذا يذكرنا بالمقولة ذائعة الصيت لجوزيف جوبلز وزير الدعاية النازي الذي قال فيها: (إكذب إكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك)، وهكذا يتعامل الاعلام الصاخب مع تزييف الحقائق لتصبح الاكاذيب حالة واقعية مفروضة على العقول التي سرعان من تنطلي عليها عمليات الخداع والتضليل، لتمرير اهداف معينة لصالح كتلة او حزب او شخصية سياسية، او تزيين وجوه كالحة وأياد سارقة وآثمة، ومشاريع مشبوهة، وما الى ذلك من اهداف يسعى الاعلام الصاخب الى ترويجها وتثبيتها كحقائق.

إن بسطاء الناس ربما لا يعون مخاطر اللعبة الاعلامية وقدرتها على التزييف، لذلك قد ينخدع كثيرون بسرعة، بما يتم طرحه من اهداف ومشاريع واجندات مشبوهة مختلقة لا تمت للحقيقة بصلة، وقد نعطي العذر للناس البسطاء بسبب تدني مستوى الوعي لديهم، وضعف الاطلاع وفهم ما يجري في السياسية وسواها، ولكن ما هو عذر العقول المتخصصة الواعية عندما تنطلي عليها مثل هذه الاكاذيب وتؤثر عليها، وتغيّر من قناعاتها وسلوكها ايضا؟، إن الخطر كل الخطر يكمن في قدرة الاعلام الصاخب على التأثير في العقول الواعية المتخصصة، فيصدق هؤلاء ما يبثه هذا النوع من الاعلام، ويتم القبول به وتنطلي الاكاذيب عليهم، ويتم التعامل مع ظاهرة تزييف الحقائق، على انها اعلام واقعي متخصص وصادق.

لذلك اذا كان ثمة عذر للعقل البسيط في تمرير ما يروج له الاعلام الصاخب، فإن هذا العذر لا يمكن منحه لمن يعلن بأنه صاحب وعي عال ويؤكد بأنه من النخبة، وانه من المتصدين لرفع كفاءة الاعلام وتطوير البلد في عموم المجالات، إذن فالمطلوب ممن يعلن انتسابه الى النخبة الواعية، أن لا يسقط ضحية للاعلام الصاخب، كما يسقط صاحب الوعي البسيط والعقل العادي، والسبب أن من ينتسب الى النخبة ويتصدى لقيادة المجتمع، ينبغي أن لا تنطلي عليه عمليات الخداع والتضليل والتزييف التي يقوم بها الاعلام الكاذب.

وهذا الامر بالتحديد يتطلب سبلا وطرائق اخرى للتفكير، بمعنى اوضح على من ينتمي الى النخب، التفكير بطريقة مضادة ومبتكرة تختلف على نحو تام عما يطرحه الاعلام المخادع، من افكار ورؤى ومشاريع تبدو وكأنها تنتمي للحقائق، لكنها عبارة عن حزم متواصلة من الخداع والتزييف، تستهدف بث وترسيخ اهداف معينة، لا تصب في صالح المجتمع، بل تهدف الى تحقيق مصالح ضيقة الافق والرؤية، اما تتعلق بحزب او كتلة او شخصية سياسة، تهدف الترويج لمصالحها ونفسها، على حساب المصالح العامة.

وغاليا ما تتلفع مثل هذه المصالح ذات الطابع الاناني، برداء المصلحة العامة، فيقوم الاعلام المضلل بدوره الخطير في قلب الحقائق، وتلميع الوجوه والمشاريع المشبوهة، فيتم تمرير مثل هذه الاهداف الخطيرة واسطة الاعلام الصاخب، لتتعامل معها العقول البسيطة على انها تعمل لمصلحتها، لكنها في الحقيقة مشاريع مزيفة ليس لها علاقة بالواقع.

هنا يتقدم دور اصحاب الوعي المتخصص والعقول الواعية، لكشف مثل هذه الألاعيب، وفضح الاعلام الصاخب، ورفض التعامل معه من خلال اطلاق حملات توعية مضادة، تكشف حالات التضليل التي يقوم بها، وتحصّن الوعي الشعبي العام ضد الانزلاق في منحدر الاعلام الصاخب الذي لا يعمل لخدمة المجتمع، بل هو اعلام مأجور، مزيّف للحقائق، يتحرك وفقا لمصالحه المادية قبل كل شيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/نيسان/2013 - 26/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م