المرأة الأفغانية... ضحية الحروب والمجتمع المتشدد

 

شبكة النبأ: تشهد حقوق الانسان وخاصة حقوق المرأة في أفغانستان مزيدا من التدهور، بعد أن حققت المرأة الافغانية تقدما في هذا المجال، منذ الاطاحة بنظام طالبان المتشدد ازاء حقوق المرأة مثل حقها في التعليم او التحرك وحدها خارج البيت، حيث كانت السلطات آنذاك تمنع تجوال المرأة لوحدها إلا برفقة رجل من اقاربها (زوجها او ابنها وما شابه).

ومع التقدم الذي حصلت عليه المرأة بعد إطاحة حكومة طالبان، إلا ان الوقائع تشير الى تعرض المرأة في هذه الدولة الفقيرة، الى مخاطر كبيرة كما تؤكد ذلك بعض المنظمات المعنية بحقوق المرأة.

فيما تعاني المرأة من ضغوط اجتماعية كبيرة بسبب التقاليد البالية التي هيمنت على المجتمع الافغاني، وهناك مخاطر الفقر التي تلقي بظلالها أيضا، حيث يتم بيع المرأة من لدن ابيها الفقير الى تجار المخدرات مقابل سد ديون متراكمة، وهناك معاناة حقيقية في مجال التعليم، إذ يتم منع المرأة بشتى التبريرات والحجج من التعلم والذهاب الى المدارس او الجامعات، فضلا عن منعها من ممارسة مواهبها التي تتعلق بالفنون وما شابه، وقد اتهمت الامم المتحدة والمنظمات المستقلة الحكومة الافغانية بالاهمال وعدم حمايتها للمرأة الافغانية والتفريط بحقوقها، خاصة ان الحكومة تنوي التحادث مع طالبان لكي تلقي السلاح، وهناك خشية كبيرة ان يتم هذا الاتفاق على حساب حريات المرأة المتعثرة اصلا.

ويبقى واقع المرأة في أفغانستان مجهولا في ظل انعدام الأمن وخطر العنف اللذان يحدان من حرية المرأة، إذ تعيش النساء الأفغانيات ظروفا صعبة منذ العقود خصوصا خلال حقبة حكم طالبان مابين عام 1996 – 2001، بشكل يجعل من تلك الشريحة الأكثر تضررا نفسيا واجتماعيا وماديا أيضا.

الأعراف والتقاليد

فقد قال المبعوث الخاص للامم المتحدة في افغانستان جان كوبيس ان العنف المرتبط بالتقاليد هو السبب الرئيسي في زيادة نسبتها 20 في المئة في حوادث قتل واصابة نساء في افغانستان العام الماضي.

ورغم التراجع بصفة عامة في عدد الخسائر البشرية السنوية بين المدنيين في أفغانستان للمرة الاولى منذ سنوات قالت الامم المتحدة الشهر الماضي ان أكثر من 300 امرأة وفتاة قتلن وان أكثر من 560 اصبن بجروح اثناء عام 2012 . بحسب رويترز.

وقال كوبيس للصحفيين في الامم المتحدة في نيويورك قبل مناقشات بشأن أفغانستان في مجلس الامن "الغالبية (الحوادث) مرتبطة بالعنف المحلي وتقاليد وثقافة البلد"، وقال "بالطبع توجد هجمات واضحة جدا على الناشطات من جانب متمردين". وأضاف "وبعد ذلك توجد مواقف مؤسفة عندما تقتل نساء اثناء أداء الاعمال اليومية (بواسطة قنابل لم تنفجر)"، ويقول دعاة حقوق الانسان الغربيون ان التقاليد الثقافية تستخدم عادة في تبرير اساءة معاملة المرأة مثل ختان الاناث والقتل بسبب الشرف.

بيع الفتيات لتسديد ديون تجار المخدرات

في حين برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة بيع الفتيات الصغار في أفغانستان لتجار المخدرات لتسوية الديون في حال تعذر الأمر على المستدين، الأمر الذي يفتح الباب على مأساة حقيقية عاشها ولا زال يمر بها عدد من العائلات الأفغانية.

وتبدأ هذه المأساة عندما يذهب أحد المزارعين ليستدين مبلغا من المال من عمالقة تجار المخدرات في أفغانستان، حتى يتمكن من زراعة محصوله من نبته الأفيون التي تعتبر المادة الخام في إنتاج الهيروين، بالاتفاق على أن يتم السداد بعد جني المحصول، دون الأخذ بالحسبان الجهود الرسمية التي تقوم بها السلطات الأفغانية لمكافحة وتدمير هذه المحاصيل في البلاد، وهنا تبدأ المشكلة بالتصاعد، حيث أن السلطات الأفغانية تقوم بتدمير المحصول الذي تجده مباشرة، الأمر الذي يعني تعذر المزارع عن سداد الدين المترتب عليه لتجار المخدرات مما يدفع هؤلاء التجار إلى اختطاف المزارع والمطالبة بسداد الدين بأي وسيلة ممكنة، ومع الضرب والتعذيب يضطر المزارع إلى بيع أحد بناته إلى هؤلاء التجار لتسوية الأمر.

ومع صورة الابنة "الطفلة" وكيف أنها ستصبح أداة للجنس بين تجار المخدرات والتعذيب الذي سينالها بالإضافة الى إستخدامها "كبغلة" لنقل المخدرات وتهريبها، تم إنتاج فيلم وثائقي بعنوان "عرائس الأفيون" الذي أثار ضجة إعلامية وحقوقية كبيرة على مصير هؤلاء الفتيات، ويسلط الفيلم الضوء على معاناة العديد من الأسر التي مرت ولا زالت تمر بهذه المأساة والطلبات القاسية لتجار المخدرات، حيث يصور الفيلم جلوس الأم من أحد بناتها التي قد لا يتجاوز عمرها الستة أعوام، محاولة إفهامها ما سيجري وإلى أين ستذهب وأن ما تقوم به هو إنقاذ لوالدها من الموت المحتم. بحسب السي ان ان.

وصرحت إحدى الفتيات المخطوفات ممن حالفهن الحظ وتمكنت من الفرار "لم يسمح لي الخاطفون من تغيير ملابسي أو إعطائي الفرصة لتنظيف ملابسي إلى أن بليت وهي على جسدي"، الطفلة التي تم تصويرها في الفيلم الوثائقي، أشارت إلى أنها وبعد فرارها لا زالت في خطر عودة هؤلاء التجار والمطالبة بها، إلا أنها وفي الوقت ذاته تشعر أنها محظوظة جدا بتمكنها من الوصول إلى بيت أبويها في الوقت الذي لا يحالف فيه الحظ العديد من الفتيات اللواتي يهرب ويبقين في الشوارع دون معرفة إلى أين سيذهبن.

الحكومة الأفغانية وحماية النساء

فيما انضمت الامم المتحدة الى الانتقادات المتصاعدة الموجهة لحكومة الرئيس الافغاني حامد كرزاي بشأن حقوق المرأة وحثتها على تطبيق قانون يمنع العنف ضد النساء، وقالت بعثة الامم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) في تقرير ان البلاد امامها طريق طويل لتنفيذ قانون منع العنف ضد النساء، وجرم القانون تقنين زواج القاصرات والزواج القسري وأعمال العنف الاخرى ومنها الاغتصاب.

وفي عام 2009 اصبح القانون نافذا بعد حملة استمرت سنوات شنها نشطون أفغان وغربيون وحسب ذلك من علامات التقدم، وقالت جورجيت جاجنون مديرة وحدة حقوق الانسان في يوناما في مؤتمر صحفي بعد نشر التقرير "التقدم في التعامل مع العنف ضد النساء سيظل محدودا الى ان يطبق القانون بشكل أوسع"، وأضافت "لذلك نطالب السلطات الافغانية باتخاذ خطوات أكبر لتسهيل عمليات الابلاغ عن حوادث العنف ضد النساء وان تفتح التحقيقات فعليا وتحيلها الى المحاكمة."

وتشعر النساء الافغانيات بقلق متزايد على مستقبلهن مع اقتراب موعد انسحاب معظم القوات التي يقودها حلف شمال الاطلسي من البلاد بحلول نهاية عام 2014 .

واستعادت المرأة الافغانية حقوقها الاساسية في التعليم والانتخاب والعمل منذ الاطاحة بحكومة طالبان عام 2001.

لكن بعض المشرعات وجماعات حقوق الانسان تقول ان انتهاك حقوق المرأة في تصاعد وأرجعن ذلك الى تراجع اهتمام حكومة الرئيس الافغاني حامد كرزاي بحقوق المرأة وهو ما تنفيه الحكومة، فقد قتل مسلحون مجهولون بالرصاص نادية صديقي القائمة باعمال رئيس ادارة شؤون المرأة في اقليم لغمان وهي في طريقها الى العمل في هجوم ادانه المجتمع الدولي، وجاء ذلك بعد خمسة أشهر من اغتيال سابقتها في هجوم بقنبلة. وكانت صديقي قد حلت محل حنيفة صافي التي قتلت في يوليو تموز في هجوم بسيارة ملغومة. وألقت اسرتها اللوم على طالبان.

وأبلغ ابن صافي رويترز في وقت لاحق ان السلطات تجاهلت مرارا مطالب بحمايتها وردد مخاوف من ان سلامة العاملات في الحكومة لا تلقى اهتماما جادا من كابول رغم التزامها بتعزيز حقوق المرأة.

وقالت المدرسة مسعودة جان (35 عاما) "علمنا نساء محبوسات داخل بيوتهن. آمل ان يتم انقاذ النساء اللاتي تحبسهن عائلاتهن في المنزل ويعذبن ويضربن"، وقالت جاجنون ان منظمات للمرأة الافغانية عبرت عن خشيتها من انه بدون مساعدة دولية سيكون من الصعب عليها مواصلة المطالبة بحقوق النساء.

الموت بالألغام

من جانب آخر قتلت عشر فتيات تتراوح اعمارهن بين تسع سنوات و11 سنة في انفجار لغم مضاد للاشخاص فيما كن يجمعن الحطب في شرق افغانستان، على ما افادت السلطات، وقال حاكم منطقة شابرهار محمد صديق دولتزاي لوكالة فرانس برس ان الحادث وقع في ولاية نانغرهار (شرق) حين صدمت احدى الفتيات عرضا اللغم القديم بفأس، واوضح ان "لغما قديما يعود الى حقبة +الجهاد+ (ضد القوات السوفياتية في الثمانينيات) انفجر فقتل عشر فتيات وجرح اثنتين اخريين"، من جهته قال المتحدث باسم حكومة ولاية نانغرهار احمد ضياء عبدالزاي ان اللغم زرعه "اعداء افغانستان" بحسب التسمية الرسمية لمتمردي طالبان.

وتم تفكيك حوالى 700 الف لغم واكثر من 15 مليون عبوة متفجرة في افغانستان منذ انسحاب القوات السوفياتية عام 1989، بحسب ارقام الامم المتحدة، لكن بالرغم من عمليات ازالة الالغام، لا يزال هذا البلد يعتبر من الدول التي فيها اكبر عدد من الالغام في العالم بعد نزاعات استمرت اكثر من ثلاثة عقود، ويستخدم عناصر طالبان القنابل اليدوية الصنع التي يزرعونها على حافة الطرقات لاستهداف القوات الافغانية والاطلسية غير انها تحصد العديد من القتلى المدنيين.  

تعليم الأفغانيات

في سياق متصل يستضيف الجنود الأميركيون خارج كابول بصورة منتظمة أسواقًا تجارية لسيدات الأعمال، كجزء من الجهود الجارية لمساعدة المواطنات الأفغانيات. وباتت هذه الجهود تتوسع الآن لتشمل بناء وتجديد المدارس كي تتمكن الفتيات من الحصول على تعليم جيد.

قالت المقدم ستيفاني بيرغرسون، قائدة قاعدة معسكر فينيكس بالقرب من كابول، "إن ما نحاوله هو الاستثمار في النساء والعائلات هنا في أفغانستان، وتحديدًا لدى جيراننا في "هودخيل"، كي يتمكنوا من إعالة أنفسهن وعائلاتهن."

السوق، أو البازار الذي يقيمه المعسكر ليس جديدًا، ولكن قادة المعسكر يتبعون نهجًا جديدًا عند تقرير من يحق له المشاركة فيه. في الماضي، كان يحتشد ما يزيد على 100 بائع من مختلف أنحاء أفغانستان والولايات المتحدة في ساحة المعسكر.

أما الآن، كما قالت رئيسة ضباط الصف بو تيدريك، التي تعمل مع الباعة المحليين، فإن المنظمين أصبحوا يطلبون مشاركة زعماء "هودخيل" والباعة المشاركين في المعسكر منذ زمن طويل الذين يمكنهم الاستفادة على الوجه الأفضل من إتاحة وصولهم إلى الزبائن في معسكر فينيكس، وأشارت بيرغيرسون إلى أن " الرجال هنا هم الذين يعيلون النساء."

وبالإضافة إلى الاستضافة المتكررة للأسواق التجارية، فإن بيرغيرسون تدعم أيضًا الخطط التعليمية لمديرة مدرسة البنات المحلية. سوف تشكل مشاريع المعسكر لبناء وتجديد المدارس قيمة لا تقدر بثمن لبناء الأسس لتعليم الأفغان. وهذه المدارس حاليًا، لا سيما مدارس البنات في أنحاء "هودخيل"، ليست سوى خيم منصوبة على أراضٍ متبرع بها، وأشارت بيرغيرسون إلى أن " مديرة المدرسة لا ينقصها شيء، ولكن تلزمها المساعدة لفهم طريقة التفاوض بشأن نظام التعليم الأفغاني". وأضافت أخيرًا، "إننا نريد المساعدة في ردم الفجوة، وبناء القدرات ونشر مهارات الأعمال، وسنواصل القيام بذلك."

فتاة افغانية تحلم بالشهرة تتحدى تهديدات المجتمع المتشدد

على صعيد مختلف رفعت لطيفة عزيزي وقد ارتدت غطاء فضفاضا على شعرها المصفف ذراعيها تعبيرا عن الفوز بعدما تخطت مرحلة اقصائية اخرى في مسابقة اختيار المواهب الغنائية "نجم افغانستان"، لكن اهمية هذا الفوز تنحسر إذا قورن بمعركة أكبر تخوضها عزيزي ذات السبعة عشر ربيعا لتحقيق حلمها لأن تصبح مغنية مشهورة وسط المجتمع الافغاني المتشدد.

وقالت عزيزي القادمة من مدينة مزار الشريف الشمالية لرويترز داخل غرفة تغيير الملابس بالمسابقة "سواء ربحت أو خسرت لا يمكن لأسرتي العودة الي المدينة.. ففي ذلك خطورة شديدة"، وفرت عزيزي واسرتها من مزار الشريف إلى العاصمة كابول بعد أن أغضب ظهورها في البرنامح في نوفمبر تشرين الثاني قبيلتها التي قالت إن الاسلام يحرم على المرأة الغناء والظهور على شاشات التلفزيون. وبدأت اسرتها في تلقي تهديدات بالقتل.

وقال سيد محمد قاسم وهو أحد افراد قبيلة لطيفة في مزار الشريف "لن يكون للطيفة عيش هنا بعد الذي فعلته. نحن لا نفعل مثل هذه الاشياء ولا نقبل من يفعلونها"، وبدأت التهديدات بعد اذاعة نبأ اختيارها للمشاركة في اول اختبار بالمسابقة. واصبح البرنامج -الذي يستقطب 11 مليون مشاهد وبدأ بثه منذ ست سنوات- نافذة مهمة للشبان الافغان الذين يراودهم حلم ان يصبحوا مطربين مشهورين. بحسب رويترز.

وقالت عزيزي بصوت منخفض "في اليوم التالي لاذاعة نباء اختياري للمشاركة في المسابقة ذهبت لاداء امتحانات نهاية العام لكن بدأت زميلاتي في توجيه صيحات فظيعة إلي وجذبي من شعري..هرعت باكية.. وحتى معلماتي لم تحاولن مساعدتي"، وقالت عزيزي إنها طردت في نهاية المطاف من المدرسة. ونفى محمد كلندري ناظر المدرسة ذلك عندما اتصلت به رويترز وقال إن بمقدور عزيزي العودة الى المدرسة متى شاءت.

رد الفعل العنيف الذي تواجهه عزيزي ليس غريبا على النساء الافغانيات عندما يصبحن شخصيات عامة.. فكثيرا ما تتعرض الممثلات والمغنيات للمضايقة وحتى الضرب أو القتل، ففي فيلم وثائقي في 2009 عن مسابقة "نجم افغانستان" إجبرت متسابقة على ترك بلدتها هرات في غرب البلاد بعدما سقط غطاء رأسها إلى كتفيها اثناء مشاركتها في المسابقة.

واثناء حكم حركة طالبان الذي استمرت من 1996 إلى 2001 كانت النساء في افغانستان ممنوعات من الذهاب الى المدرسة او الادلاء باصواتهن في الانتخابات او العمل في غالبية الوظائف. ولم يكن يسمح للمرأة ايضا بمغادرة المنزل دون ان يرافقها رجل، وحتى في كابول فان عزيزي والمتسابقة الاخرى الوحيدة تتلقيان تهديدات متواصلة، لكنها قالت لرويترز ان هذه التهديدات لن تمنعها من الظهور في المسابقة. ووافقها في ذلك والدها سيد غلام شاه عزيزي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/نيسان/2013 - 25/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م