الاكراد وتركيا... سلام غير موثوق حتى الان

 

شبكة النبأ: تعيد منازل حجرية متهدمة الى الأذهان ذكرى الغارات الجوية التركية على المتمردين الاكراد المتحصنين في جبل قنديل بشمال العراق.

حياة قاسية وسط القمم التي يغطيها الجليد والإمدادات الشحيحة والعمليات المسلحة في تركيا المحفوفة بمخاطر جمة.

لكن زعيم المتمردين عبد الله اوجلان الذي اعلن وقفا لإطلاق النار من زنزانته بسجن في تركيا مؤخرا قد لا يجد إقناع مقاتليه أمرا يسيرا في إطار اي اتفاق لإنهاء الصراع الذي اودى بحياة 40 الف شخص.

وقال القائد العسكري للمتمردين الاكراد مراد كارايلان في قرية تحت جبل قنديل "المشاعر متباينة... مئات من رفاقي فقدوا حياتهم الى جواري. يجب أن أقول لك إن رفاقنا يريدون مواصلة كفاحنا. التنظيم اتخذ قرارا بالسلام لكن مقاتلي الصف الثاني يقولون إنهم يستطيعون مواصلة الحرب." وأضاف "أعمل معهم حتى يقبلوا بهذا ايضا."

وتمثل صورة اوجلان ذي الشارب المحفورة في الجبل عبر الوادي تذكرة بمن يقود حزب العمال الكردستاني حتى بعد 14 عاما من إلقاء القوات الخاصة التركية القبض عليه في كينيا. لكن اوجلان نفسه قال لساسة اكراد مؤخرا إنه يشعر بغضب بسبب التشكك في جبل قنديل في عملية السلام. وأضاف "أنا غاضب منهم."

القوة صغيرة وتواجه مشكلات فهناك نحو 3400 في العراق وما بين 1500 و2000 في تركيا حيث استهدفوا القوات التركية ونفذوا تفجيرات في مدن منها اسطنبول ومنتجعات شاطئية.

وقد تتبخر سيطرة اوجلان بوصفه مؤسسا لحزب العمال اذا انقطع الاتصال البريدي مع جبل قنديل عبر مسافة 1400 كيلومتر تفصل بين الجبل وجزيرة امرالي. ونجا اوجلان  من الإعدام بالكاد بعد محاكمة عام 1999 لكنه ربما يذهب في غياهب النسيان.

ويخاطر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بإثارة غضب القوميين الذين يخشون من أن يؤدي اي اتفاق يلبي مطالب الاكراد بالحكم الذاتي والمزيد من الحرية الثقافية الى تدشين سريع لمسعى لاستقلال كردي كامل. علاوة على ذلك فإنه بإجراء محادثات مع حزب العمال يتعامل مع جماعة صنفها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وانقرة على انها جماعة إرهابية.

ويقول اردوغان إن القوات ستواصل عملياتها ضد حزب العمال مادام لم يلق السلاح لكنه أكد أن المتمردين لن يستهدفوا عند رحيلهم من تركيا. ويريد كارايلان هذه الضمانات من البرلمان.

وقال متمردون إن طائرات تركية حلقت فوق الجبل قبل ايام ورد مقاتلو الحزب على طائرات الهليكوبتر بالاقتراب  من الحدود.

وقال كارايلان في غرفة صغيرة مزينة بصور اوجلان "نحن مستعدون للحرب لكننا مستعدون للسلام ايضا... اذا وقع اي هجوم ضد قواتنا فإن لها الحق في الدفاع عن نفسها." وأضاف أن المقاتلين يمكن أن ينسحبوا الى جبل قنديل بحلول فصل الخريف على أن يكون هناك ممر آمن. لكنها رحلة طويلة وكانت فيما مضى رحلة خطيرة. بحسب رويترز.

تناثر الحطام في الطريق الجبلي المتعرج عبر الاراضي التي يسيطر عليها حزب العمال. يحمل ضريح صورا وقطعا مما توصف بأنها سيارة عائلة حوصرت في غارة جوية تركية. في احدى القرى يسجل مبنى خرساني متهدم المكان الذي سقط فيه اكبر عدد من القنابل التركية ردا على هجمات الحزب داخل تركيا.

تحت القمم يوجه مقاتلو الحزب الذين يحملون بنادق الكلاشنيكوف الشاحنات والسيارات عبر نقاط تفتيش نائية تفصل كردستان العراق عن الاراضي التي يسيطر عليها المتمردون. والتعايش السلمي بين الجيب الذي يسيطر عليه الحزب وحكومة كردستان التي تطور علاقات جيدة مع انقرة ليس سهلا.

وقالت امرأة ذكرت اسما مستعارا هو ايفين جيي إنها غادرت جبل قنديل بعد أن سجنها حزب العمال شهرا بسبب خلاف مع قائد رفض السماح للنساء بارتداء السراويل القصيرة في مباراة لكرة اليد. وتذكر آثار ثلاثة أعيرة نارية على ذراعها اليسرى بأزمات أعمق مرت بها خلال مكوثها تسع سنوات في الجبل.

وقالت في اربيل عاصمة كردستان العراق حيث تدير الآن عددا من اكشاك بيع الوجبات السريعة في عدة مراكز تجارية "كان الوضع اصعب مما تستطيع أن تصفه الكلمات... حين تركنا المخيم (خلال القصف) تنقلنا كل ليلة تقريبا واستخدمنا الحقائب التي كنا نحمل فيها الذخيرة كوسائد."

خلال طلعات عبر الحدود في تركيا كانوا يتناولون الطحين (الدقيق) المخلوط بالماء او الاوراق والحشائش المغلية وكانوا يحتمون بالكهوف او تحت الأشجار للهروب من القوات التركية.

وقال كارايلان إن الحديث عن تسليم متمردي حزب العمال اسلحتهم لايزال سابقا لأوانه في ظل أنه لم تجر إصلاحات دستورية بعد تلبي مطالب بمنح الاكراد حقوقهم وتعترف بهم. لكن المحادثات تتقدم بتردد وراء الكواليس وفقا لما تشير اليه تسريبات إعلامية وهي التي تمخضت عن إطار لخطة.

وقال كارايلان الذي ولد في نفس المنطقة التي ولد بها اوجلان بجنوب شرق تركيا "اكثر من اتفاق ملموس هناك تفاهم متبادل الآن... العملية محفوفة بالكثير من المخاطر لكنها الخطوة الصحيحة التي يجب اتخاذها."

وبعد أن بدأ حزب العمال الكردستاني حملته العسكرية عام 1984 للمطالبة بدولة كردية مستقلة في الجنوب خفف الحزب من طلباته بالحصول على حكم ذاتي سياسي وحقوق ثقافية اوسع في دولة حظرت فيها اللغة الكردية رسميا لفترة طويلة.

وينتمي الكثير من المقاتلين الى جنوب شرق تركيا معقل الأكراد حيث يقول كثيرون انهم واجهوا القمع والتمييز. وخاض اردوغان مجازفة سياسية حين خفف القيود على اللغة والثقافة الكردية مما اثار انتقادات من القوميين الذين يخشون تفسخ تركيا.

والحياة ليست مثالية فالمقاتلون يتنقلون باستمرار لتجنب الغارات الجوية وينامون في كهوف واكواخ حجرية في الغابات او تحت خيام. وتتكون معظم الوجبات من الفاصوليا والارز واللحم.

ويشجع حزب العمال الكردستاني المساواة بين الجنسين فيجند مقاتلات وهو امر غير مألوف في المجتمع الكردي الذي يهيمن عليه الذكور تقليديا ويتجلى هذا بوضوح في معقله.

وقالت مقاتلة ذكرت انها انضمت الى حزب العمال وهي في الثالثة عشرة من عمرها وقضت 15 عاما في جبل قنديل إنها تعلم ان الحريات والمكانة التي تتمتع بهما هنا ربما لا يتفقان مع القيم التقليدية للعائلة الكردية اذ عادة ما يقتصر دور النساء على الطهي وتربية الابناء. وأضافت "في مجتمعنا لا تقدر النساء. أشعر بمكانتي وقيمتي هنا اكثر."

وكان لمقاتلة اخرى تحفظات على ترك الجبل بعد هذه الفترة الطويلة والعودة الى الديار. وقالت وهي جالسة وقد وضعت بندقية فوق ساقيها "لا نستطيع ان نترك هذه الحياة. أقول لنفسي احيانا إنني اذا عدت لاعيش مع عائلتي وتحقق السلام والحرية فكيف أترك الحياة التي اعتدتها؟"

ربما تكون هذه واحدة من المشكلات وهي ليست غريبة عمن يسعون لإنهاء التمرد فبالنسبة للمتمردين يصبح الجبل أسلوب حياة.

وقال كارايلان "لا يريد المقاتلون او المقاتلات ترك الحياة الحرة التي يتمتعون بها في الجبال. لكن علينا أن ندفعهم الى الثقة."

واختبرت مسائل نزع السلاح وإعادة دمج المقاتلين جهود السلام من ايرلندا الشمالية الى جنوب افريقيا. ومن الممكن الاستعانة بوسطاء من الخارج للاشراف على نزع السلاح وإعادة الدمج مثلما حدث في ايرلندا الشمالية. ومن المؤكد أن هناك عاملا قويا من عدم الثقة بين الجانبين.

بالنسبة لمقاتلين مثل بوتان فإن القتال لثماني سنوات في جبل قنديل وتركيا هز اي ثقة في أن أنقرة ستنفذ ما عليها من التزامات. وقال عامل البناء السابق "التاريخ يظهر لي أنه لا يوجد مكان للثقة في الدولة التركية."

وجاءت مساعي السلام بين الجانبين إثر أحد فصول الصيف حين تصاعدت هجمات حزب العمال الى مستويات جديدة وردت السلطات التركية على هذا باعتقال مئات النشطاء الأكراد وتجديد غارات القصف على جبل قنديل.

وتم إعلان وقف إطلاق النار عدة مرات وأجريت محادثات سرية مع حزب العمال الكردستاني فيما مضى لكن هناك حذرا من الجانبين مع سقوط قتلى شبان في الصراع من الجانبين اغلبهم من الاكراد على مر الاجيال.

إنه صراع تضرر من جرائه الاقتصاد التركي ودفع جنوب شرق البلاد الى الفقر. وقال كارايلان "نحن في مرحلة تريد فيها الجماهير الكردية والتركية السلام. يجب أن يتخذ اردوغان خطوات لحل المسألة الكردية ليدون اسمه في سجل التاريخ."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/نيسان/2013 - 23/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م