الدعاية الانتخابية خارج الأماكن المخصصة لها

د.ضياء الجابر الاسدي/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

إن من بين أهم الموضوعات المتعلقة بالحملة أو الدعاية الانتخابية والتي تحظى بعناية كل من التشريع والفقه والقضاء تحديد أماكن الحملة أو الدعاية الانتخابية، وذلك عن طريق تخصيص مساحات متساوية لكل المرشحين، ليمارسوا حملاتهم ودعايتهم الانتخابية فيها، ويتم تحديد هذه الأماكن من قبل السلطة المختصة في كل مدينة (مديرية البلدية، بالتنسيق مع فروع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في المحافظات)، والتي تأخذ بنظر الاعتبار مدى حيوية هذه الأماكن وكفايتها لجميع المرشحين عند التحديد والاختيار، والمحافظة على المظاهر الحضارية والجمالية للمدن، لان ترك الأمر لأهواء المرشحين ورغباتهم، يجعل من الأبنية والطرقات والساحات العامة، محل تنافس وسباق من اجل استغلالها في مجال الدعاية، لذلك حرصت التشريعات الانتخابية على مواجهة الأفعال التي تشكل خروجاً على الضوابط والأحكام المنظمة لاماكن الدعاية، بتجريمها وفرض العقوبات الجنائية على مرتكبيها، لعدم كفاية الجزاءات الانتخابية لوحدها في ضمان سير العملية الانتخابية وما يهمنا في هذا المطلب هو إلقاء الضوء على وسائل الحماية الجزائية التي فرضها المشرع لاماكن الدعاية الانتخابية، وهذا الأمر يتم من خلال تقسيمه على فرعين نتطرق في أولهما إلى ماهية جريمة عدم الالتزام بالأماكن المخصصة للدعاية، ونتناول في ثانيهما أركان هذه الجريمة.

الفرع الأول: ماهية الجريمة

حددت التشريعات الانتخابية الأماكن المخصصة لوضع الإعلانات والنشرات والملصقات الخاصة بالدعاية الانتخابية للمرشحين، ومنعت في الوقت نفسه وضع الدعاية خارج نطاق هذه الأماكن، أو القيام بممارستها في أماكن معينة، ومن اجل ضمان مبدأ المساواة يتم توزيع هذه الأماكن أو المساحات بينهم بالتساوي من قبل الجهة المختصة بناءً على طلبات تقدم ويتم تخصيص هذه الأماكن حسب أسبقية الطلب، أو القرعة، أو تسلسل المرشحين وأرقامهم، أو ترتيبهم حسب الحروف.

وتتفق جميع التشريعات الانتخابية على أن ممارسة الدعاية الانتخابية في غير الأماكن المخصصة لها يعد جريمة انتخابية، إلا إنها تختلف في كيفية إيراد الأحكام المتعلقة بتحديد الأماكن الخاصة بالدعاية وتجريم الأفعال التي تشكل خروجاً عليها. فقسم منها يورد هذه الأحكام صراحة في نصوصه، بمعنى أن المشرع يتكفل بتحديد هذه الأماكن وبيان الأحكام الخاصة بها، ويعاقب كل من يخالف هذه الأحكام، في حين يترك القسم الآخر من هذه التشريعات تحديد الأحكام الخاصة بأماكن الدعاية الانتخابية التي تعد خروجاً على هذه الأحكام للسلطة التنفيذية.

الفرع الثاني: أركان الجريمة

 من خلال النصوص المشار إليها أنفاً تتحدد الأركان التي تشكل جريمة عدم الالتزام بالأماكن المخصصة للدعاية الانتخابية، وهما الركن المادي والركن المعنوي:

أولاً: الركن المادي:

 ويتحقق بالإتيان بأي فعل يخالف الأحكام المنظمة لاماكن الحملة أو الدعاية الانتخابية، وتتجسد هذه المخالفة في صورتين:

الصورة الأولى (إيجابية): تتمثل في فعل وضع إعلانات أو نشرات أو ملصقات الحملة أو الدعاية الانتخابية في غير الأماكن المخصصة لوضعها، والتي يحظر القانون ممارسة الدعاية الانتخابية فيها، سواء كان الحظر بصورة مطلقة، أو لحين الحصول على ترخيص أو إذن من جهة مختصة، فوضع الدعاية على دوائر الدولة أو دور العبادة، أو المؤسسات الأمنية عمداً يتحقق بها الركن المادي، وتجد الإشارة هنا إلى أن المشرع العراقي وقع في خلط ولبس وتناقض، عندما أجاز نظام الحملات الانتخابية لانتخابات مجلس النواب رقم (19) لسنة 2010، استخدام دوائر الدولة والمساجد والحسينيات والمراقد المقدسة والبيع والكنائس وغيرها من دور العبادة، لدعم العملية الانتخابية حصراً، ولم يسمح باستخدامها لإغراض الدعاية الانتخابية للكيانات السياسية أو القوائم أو المرشحين، على الرغم من أن الحظر الوارد في قانون انتخاب مجالس المحافظات والاقضية والنواحي رقم (36) لسنة2008 باعتباره الواجب التطبيق على الحملة والدعاية الانتخابية بموجب التعديل الأخير لقانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005، قاصراً على عدم جواز استخدام دوائر الدولة، دون أن يمتد لدور العبادة، ويتضح ذلك من خلال نص المادة (34) منه والتي جاء فيها ما يأتي ((يمنع استخدام دوائر الدولة ويقصد بها مواقع العمل والوظيفة للدعاية الانتخابية ويسمح استخدام دور العبادة لذلك))، الأمر الذي يعني وجود مخالفة صريحة في نظام الحملات الانتخابية لتعارضه مع النص القانوني المنظم للحملة الانتخابية أو الدعاية الانتخابية والوارد في القانون، وكما هو معلوم ووفقاً لمبد التدرج القانوني(العلوية) لا يجوز لنظام أن يخالف نص القانون، عليه نرى ضرورة تعديل المادة الواردة في النظام وجعلها منسجمة مع حكم القانون، من خلال رفع التناقض الوارد فيها مع حكم القانون، أو تعديل القانون الحاكم للحملة الانتخابية، وجعل الحظر ممتد لدور العبادة فيما يخص الدعاية الانتخابية، وهو ما نفضله هنا.

وكذلك يكفي لقيام هذا الركن ترك المرشح لمن يعملون لصالحه وبناءً على موافقته الضمنية ليقوموا بتعليق لافتات الدعاية الخاصة به في الأماكن غير المسموح فيها، فلا يشترط قيام المرشح بنفسه بأعمال الدعاية في الأماكن غير المخصصة لها. ويتحقق الركن المادي أيضاً عند وضع الإعلانات في الأماكن المخصصة لها، ولكن بالاعتداء على المساحة المخصصة لمرشح آخر، سواء تم ذلك بدون علم المرشح صاحب المكان، أو باستئجار المكان بناءً على اتفاق بين الطرفين، أو تنازل المرشح عن المكان المخصص له لمرشح آخر بعوض أو بدونه وهذا الأمر غير جائز ومعاقب عليه قانوناً، لأنه يخل بمبدأ المساواة بين المرشحين في الدعاية الانتخابية، ولا تقوم الجريمة متى ما تم وضع الدعاية على المساكن الخاصة وبموافقة أصحابها، أما إذا كان الفعل بغير موافقة صاحب المسكن فيجب إزالتها وإلا كان له الحق في رفعها وإزالتها، دون اعتبار ذلك تمزيق أو إتلاف أو اعتداء على دعاية، مع قيام مسؤولية المرشح صاحب الدعاية عن جريمة عدم الالتزام بالأماكن المخصصة للدعاية.

 ويعد لصق الإعلانات على إشارات المرور الضوئية، أو الأعمدة التي يقيمها كل من مرفقي الكهرباء والهاتف، جريمة انتخابية، لأنها تشكل خرقاً للنظام القانوني الخاص بأماكن الدعاية الانتخابية. ويعد شريكاً في الجريمة مدير الدائرة الحكومية الذي يسمح بتوزيع المنشورات أو لصقها أو عقد الاجتماعات داخل الدائرة.

أما الصورة الثانية( سلبية): وتتمثل في فعل التنازل عن المكان المخصص لوضع إعلانات المرشح الانتخابية وتركه للغير (الامتناع عن استخدامه) من جانب من خصص له المكان أصلاً أياً كان الشكل أو الأسلوب الذي يتم به التنازل أو الترك وحظر التنازل عن المكان المخصص للدعاية يأتي تأكيداً لمبدأ المساواة، حتى لا يكون لأحد المرشحين مساحة اكبر من غيره، حتى وان تم ذلك بموافقة غيره من المرشحين.

 فالركن المادي يتحقق بمجرد إتيان السلوك المادي سواء في صورته الايجابية أم السلبية، وبغض النظر عن وسيلة الدعاية المستخدمة ((إعلانات، نشرات، ملصقات، اجتماعات)) في الأماكن غير المخصصة للدعاية الانتخابية بموجب أحكام القانون.

ثانياً: الركن المعنوي:

القصد الجنائي يكفي لقيام الركن المعنوي في هذه الجريمة العمدية، فيشترط علم الجاني قبل وضع الإعلانات أو الملصقات أو المنشورات انه يضعها في مكان غير مخصص للدعاية الانتخابية، وان القانون يمنع مثل هكذا دعاية ويعاقب عليها، ورغم علمه بعدم مشروعية هذه الأفعال، تتجه ارادته الى الإتيان بها، والأمر نفسه بالنسبة لممارسة الدعاية الانتخابية في الأماكن المحظورة كعقد الاجتماعات في دوائر الدولة ودور العبادة والمؤسسات التعليمية والأمنية، فلابد من علم الجاني بان عقد مثل هذه الاجتماعات في هذه الأماكن أمر لا يجيزه القانون، وعلى الرغم من ذلك تتجه ارادته الى القيام بها.

أما الصورة السلبية فيتوافر القصد الجنائي عندما يكون المرشح عالماً بان التنازل عن المكان المخصص لدعايته الانتخابية، أو الامتناع عن استخدامه، أمر غير جائز قانوناً ومع ذلك تتجه أرادته الواعية الى فعله، ليمارس أي مرشح آخر دعايته فيه أو استغلاله بأي شكل من الأشكال.

وتتحقق مسؤولية المرشح وان لم يساهم بنفسه في وضع اللافتات في الأماكن غير المخصصة لها طالما كان مستفيداً من ذلك في دعايته إلا إذا اثبت العكس، بأنه قام باتخاذ الوسائل الكفيلة للحيلولة دون تعليق اللافتات.

 وعقوبة هذه الجريمة، قد تكون الحبس أو الغرامة أو كليهما، وهو ما أخذ به المشرع العراقي في قانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم(36) لسنة 2008 المعدل، إذ نصت الفقرة(أولاً ) من المادة(43) على ما يأتي(( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مليون ولا تزيد على خمسة ملايين دينار من خالف أحكام المواد(30، 31، 32، 35، 36، 37) من هذا القانون))، في حين نصت الفقرة (ثانياً) من المادة ذاتها على ما يأتي (( يعاقب بالحبس المؤقت وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار ولا تزيد عن خمسة وعشرون مليون كل مخالف أحكام المادتين(33، 34) من هذا القانون)).

مع ملاحظة مهمة جداً، أنه لا توجد في التشريعات العقابية العراقية ما يسمى (بالحبس المؤقت)، بل توجد عقوبة الحبس البسيط (والذي تتراوح مدته من 24 ساعة إلى سنة) والحبس الشديد (وتتراوح مدته من سنة إلى خمس سنوات)، وكذلك عقوبة السجن المؤقت(وتتراوح مدته من أكثر من خمس سنوات إلى خمسة عشر سنة)،، والمؤبد، لذا يكون من الواجب على المشرع العراقي الالتفات لهذا التناقض، وحل الإشكالية المتعلقة به من خلال الإشارة الصريحة والواضحة لمصطلح الحبس الشديد، (وهو ما نراه مقصود من المشرع العراقي باستخدامه لمصطلح الحبس المؤقت) لانسجامه مع صياغة المادة القانونية من ناحية والتدرج في جسامة العقوبة من ناحية ثانية، أو السجن المؤقت، لوجود هاتين العقوبتين في قانون العقوبات العراقي رقم(111) لسنة 1969 المعدل، كعقوبتين أصليتين. وتتعدد العقوبات المالية بتعدد المخالفات، فضلاً عن العقوبات الأصلية هناك عقوبات تبعية و تكميلية تفرض على مرتكب هذه الجريمة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن التشريعات المنظمة للعملية الانتخابية في العراق (قانون الانتخابات رقم(16) لسنة 2005 المعدل، قانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم (36) لسنة 2008، والصادرين عن السلطة التشريعية (مجلس النواب)، ونظام الحملات الانتخابية لانتخابات مجلس النواب العراقي رقم(19) لسنة 2010 والصادر عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات استخدمت مصطلحات متنوعة ومتعددة عند تنظيمها للحملات الانتخابية(الحملة الانتخابية، الدعاية الانتخابية، الحملات الانتخابية، الحملة الانتخابية، الحملة الدعائية، الحملة الإعلامية، في حين كان من الأفضل توحيد هذه المصطلحات أو العبارات والاقتصار على مصطلح واحد، ونحن نفضل استخدام مصطلح الحملة الانتخابية، كونه الأفضل والأنسب من الناحيتين القانونية واللغوية، لما تقدم ندعو المشرع العراقي إلى توحيد هذه المصطلحات في جميع القوانين والأنظمة الانتخابية.

ويعد ظرفاً مخففاً للعقوبة إذا قدم الكيان السياسي الأدلة التي تثبت انه حاول منع أعضائه ومرشحيه من ارتكاب هذه الأفعال.

في حين يعد ظرفاً مشدداً ثبوت مساهمة الكيان السياسي في ارتكاب أي جريمة من الجرائم الانتخابية والمنصوص عليها في قانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم (36) لسنة 2008، ويكون مقدار الغرامة (خمسين مليون دينار).

 * مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

http://adamrights.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/نيسان/2013 - 23/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م