فقه المستقبل: رؤية جديدة لصياغة مستقبل مشرق وآمن

 

 

 

الكتاب: فقه المستقبل

الكاتب: المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي

الناشر: مؤسسة الوعي الإسلامي-  بيروت/ لبنان.

الطبعة: الأولى لعام 1434هـ

عدد الصفحات : 400 صفحة حجم وزيري

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: صدر عن مؤسسة الوعي الإسلامي كتاب جديد لسماحة الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- تحت عنوان "فقه المستقبل"، لينضمّ الى مؤلفات سماحة الإمام الراحل في موسوعة الفقه الكبيرة التي تجاوزت المئة وستين مجلدا منها فقه البيئة، وفقه القانون، وفقه الإدارة، وفقه الحقوق، بعد أن صدر فقه السياسة وفقه الاقتصاد وفقه الاجتماع.

وقد ظهر الكتاب في طبعته الأولى حديثاً ولأول مرة في دولة الكويت، ومن المتوقع أن يشق طريقه الى ساحة النشر والمكتبات في البلاد الاسلامية.

هذا الكتاب يعد ينبوعا جديدا تفجّر وسط الظمأ الثقافي الواسع والكبير في بلادنا الاسلامية. فهي ليس فقط فقدت الأمل بحاضرها، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً في ماضيها، إنما تكاد تفقد الأمل بمستقبلها بسبب الأداء السياسي الفاشل للأنظمة السياسية الحاكمة، وايضاً للجماعات السياسية الطامحة للحكم. لذا يأتي هذا الإصدار الجديد، ليكون بارقة أمل، أو لنقل نقطة ضوء وسط الظلام الذي تعيشه الأمة.

كما في نتاجاته المختلفة والتي تجاوزت الألف وثلاثمائة كتاب وكرّاس، كان سماحته – قدس سره- سلس الاسلوب، قويّ الحجة، متين الدلالة في ربط المستقبل بالفقه الاسلامي، الذي يبدو للبعض انه لا يتحدث إلا عما جرى فقط، أما ما سوف يجري فانه ليس من اختصاص الفقه والفقهاء، بل من اختصاص  علماء الفكر والفلسفة.

وكما إن الفقه، في إطار الاحكام الاسلامية، يعني بجميع افراد الأمة، فان "فقه المستقبل" ايضاً يعني بالجميع، ولا أحد مستثنى من التفكير والتخطيط للمستقبل، فان كان خيراً فانه سيعمّ الجميع، وإن كان العكس، فان المأساة والمعاناة تشمل الجميع ايضاً، كما نلاحظه ونلمسه في بلادنا. من هنا نجد سماحة الإمام الراحل يشدد على أن "صناعة المستقبل تتم عبر البرنامج الذي يضعه الانسان لتحقيق أهدافه الكبيرة". هذا الأفق الواسع هو الذي يمكّن الانسان من استشراف المستقبل والأخذ بزمام المبادرة.

وهكذا يؤكد سماحته في مدخل الكتاب على أن "عالمنا اليوم يشهد حركة قوة وسريعة نحو المستقبل في كافة أوجه الحياة، وهذه الحركة توجب تغيراً شديداً، مما يوجب علينا أن نكيف أنسفنا مع هذا التغيير حتى نمتلك ناصية المستقبل. لاسيما اذا كان مضمون المستقبل مختلف جذرياً عن حاضرنا".

ثم يتوجه سماحته الى الشريحة المثقفة والواعية التي يعدها الأكثر حساسية من سائر الناس، إزاء ما يكون عليه الوضع في الغد، ويدعوها لأن تتطلع الى المستقبل وتعمل من أجله، وأن تصبح القوة الفاعلة في وسط المجتمع، تحركهم دائماً باتجاه المستقبل المشرق.

الخطوات الأولى نحو المستقبل

يبدو واضحاً الاهمية البالغة التي يوليها سماحة الإمام الراحل – قدس سره- لأمر المستقبل وما يخبيه للأمة، وما يجب فعله لتفادي المخاطر، وكسب أفضل النتائج، حيث بدأ بحثه عن فقه المستقبل، فالجانب العملي، ثم أعقبه بالجانب النظري. فكان الجانب العملي في فصلين: الأول: خطوات على الطريق، والفصل الثاني: المنهجية في الدراسة.

وفي أول مسألة يطرحها سماحته يعلن بصريح العبارة أن " معرفة المستقبل أمر واجب في الجملة، والتخطيط له واجب آخر، لانهما مقدمة الواجب – وهي وإن لم تكن كذلك شرعاً إلا انها لازمة عقلاً- وبها تتحقق أغراض المولى تعالى". سبب هذا الوجوب يبينه لنا بأن أمامنا "صدمة المستقبل"، التي يقول: أنها "لا رادّ لها"، فقبل أن نصطدم بالمستقبل علينا أن نستعد له ونكتشف أجزاءه، ونتحدى آثارها الوخيمة.

ولا تخفى حالة اللا أبالية والتخاذل المقيت الذي تعيشه الأمة في جزء كبير منها، على سماحة الإمام الراحل – قدس سره- وهو الذي خبر المجتمعات والشعوب، وخاض غمار القضايا الكبرى، لذا فهو يصنف المجتمع بين "المنكفئين و المتشائمين، الذين لا يفهمون المستقبل، ولا يعدّون أنفسهم لمخاطره"، وبين المتفائلين  الذين "حلّوا لُغز المستقبل، واستطاعوا ان يقهروا تحدياته، وأن يقفوا عند ايجابياته ليستثمروها".

هنا يؤكد على "دور الطبقة المثقفة في توعية الناس وتبصيرهم بحقائق المستقبل. لانهم بذلك سيمنحونها الثقة، ويصنعون فيها العزيمة والقدرة على خوض غمار الصراع مع تحديات المستقبل".

وفي ميدان التطبيق العملي نجد أمامنا إضاءات جميلة وهادية الى الصناعة الحقيقية للمستقبل، وليس تلك التي ترسم المستقبل الجميل على الرمال، فكل ما يقدمه لنا – قدس سره- في هذا المجال، تُعد خطوات عملية تطأ أرض الواقع بقوة وثبات. فهو يدعو الى التربية على ثقافة المستقبل، وأن يكون الانسان متطلعاً الى آفاق المستقبل على طول الخط، لا أن يعيش يومه ومصالحه الضيقة، وأن يسعى لتحقيق الاهداف الكبيرة، وليس الاهداف الصغيرة التافهة.

فهذا هو حال إنسان اليوم، إن كان عالماً وبارعاً وناجحاً، فالهدف من كل ذلك هو تحقيق مصالح محددة لنفسه، وإن توسع قليلاً فلعائلته أو أبعد قليلاً؛ لجماعته وعشيرته وهكذا.. بل إن سماحة المؤلف يذهب الى أبعد من هذا، عندما يدعو الى تفضيل المصلحة الإسلامية العامة، على المصلحة العالمية، بمعنى إن تحقيق الأخوة ومفاهيم الأمة الواحدة، أهم وأرجح من البحث عن العلاقات الودّية مع بلاد العالم البعيدة.

وعلى الصعيد الفكري والثقافي، يرى سماحة الإمام المؤلف أن لابد من تكريس مفهوم المستقبل تربوياً على ركيزتين:

الاولى: التمسك بالقيم والأخذ بها.

الثانية: ملاحظة الواقع واستكشافه بكل دقة.

هنا يدلنا سماحة الإمام المؤلف على مطب طالما سقطت فيه جماعات وتيارات فكرية ساعية لتطبيق أحكام الاسلام والبحث عن البديل الأفضل للأمة، عندما يدعو الى التكاملية بين الواقع الذي تعيشه الأمة، وبين القيم التي جاءت بها رسالة السماء، فيوضح سماحته: "القيم وحدها لا تؤدي ثمارها، فكان لابد من ملاحظة الواقع ايضاً، إذ لا يمكن تحقق القيم في الفراغ، ولا يمكن تحقق الواقع السليم بدون قيم. القيم تجعل الانسان مستقبلياً، لانها تضفي البعد المستقبلي للواقع. فالسياسة واقع، لكنها عندما تمتزج بالاخلاق تصبح سياسة ذات أفق واسع لا ينحصر في المصالح الضيقة. وعندما يتحقق التكامل بين الواقع والقيم تذوب الصراعات وينتهي التنافس غير المشروع، وتعم العدالة ويسود السلام ويعلو صوت الحق، ويعيش الناس الطمأنينة، بينما حال العالم اليوم، هو الانفصام بين صناعة الواقع و واقع القيم".

العمل بطريقة منهجية

عرفنا أهمية المستقبل لواقعنا وحاضرنا، وللغد ايضاً، لكن كيف يمكننا من الناحية العملية استشراف المستقبل، وهذا لا يتم من خلال تكهنات أو تحليلات تستند الى تصورات ذهنية، إنما من  خلال عمل دراساتي ممنهج على صلة وثيقة بالواقع، وهذا ما تفعله الجامعات ومراكز الابحاث في الغرب، كما الشرق ايضاً. لذا يدعو سماحة الإمام المؤلف، بل يلزمنا بأن "نؤسس مراكز الدراسات المستقبلية لمعرفة المستقبل ومتغيراته، لاجل ان نكون صناعاً للمستقبل او من صنّاعه على الأقل، ولكي نكيف انفسنا مع تلك المتغيرات".

لكن ما هي الأسس التي تقوم عليها هذه المراكز؟

يجيب سماحته في المقارنة بين مراكز الدراسات التي أنشأت في البلاد الشيوعية في القرن الماضي، وبين نظيراتها في الغرب: "سبب عدم تقدم الشيوعيين في مجالات الدرسات المستقبلية، أنهم  لم يسمحوا للعلماء بتأسيس معهد او رابطة مستقلة او حتى شبه مستقلة، ولا بإصدار مجلة او جريدة بدون الدعم والتوجيه الحكومي. الامر الذي يصعب على مراكز الابحاب المستقبلية في البلدان الشيوعية ان تكون واقعية وان تتطور".

إذن؛ فأهم وأول شرط لنجاح عمل مراكز الابحاث المستقبلية، هي الاستقلالية والواقعية والموضوعية، لا أن تكون صورة عن الواقع السياسي، وتابعة للمصالح السياسية، عندما تتلقى الدعم والامكانات من الحكومة، فهي وإن نجحت في عملها، فانها بالحقيقة ستتطلع الى آفاق المستقبل السياسي للحكومة أو الحاكم، وليس لمستقبل الأمة.

التفاؤل بشروط

في الوقت الذي يبين سماحة الإمام الشيرازي – قدس سره- في مسائل عديدة في الباب الأول الخطوات العملية والمنهجية لتحقيق رؤية وصناعة حقيقية للمستقبل، يبين لنا الشروط اللازمة لصناعة المستقبل على المدى المنظور، علماً أنه في الباب الثاني من الكتاب خصص فصلاً للمستقبل غير المنظور، وأيضاً للمستقبل الأخروي.

فيما يتعلق بالمستقبل المنظور، يتناول سماحة المؤلف مسائل تكشف عن المآل الذي بلغه المسلمون بسبب عدم اهتمامهم بمستقبلهم، ويلقي باللائمة على البعض الذي "يعتقد انه ليس علينا شيء من الاصلاح حتى يظهر الامام الحجة – عجل الله فرجه- وكان آخرون يعتقدون ان صلاح المجتمع فيما يقرره الخليفة العثماني في الآستانة أو ما يقرره الملك القاجاري في طهران، فهؤلاء هم الذين  يطبقون أحكام الاسلام.". وهنا يضع سماحة الإمام الراحل يده على الجرح، عندما يشير بشكل غير مباشر الى حكام في بلادنا الاسلامية اختزلوا الاسلام في شخوصهم وذواتهم، فراحوا يعبثون بمصائر الشعوب، ولمن يتابع الأحداث اليومية للبلاد الاسلامية، يجد أن القتل والدمار والتجاوزات والانتهاكات تحدث كل ساعة وليس فقط كل يوم.

لكن ما ذلك فان سماحته يعرب عن تفاؤله بالمستقبل مستنداً الى الثوابت والحقائق الدينية والتاريخية، فبعد "أن دلّت الوقائع والتجارب ان قوانين الاسلام هي الافضل، مثل قانون الارض لمن زرعها، وإلغاء الربا وغيرها، فان المستقبل يبشر بخير بإذن الله تعالى، وانه سوف تتأصل وتتوسع النهضة الاسلامية الواقعية على غرار النهضة الاسلامية الاولى في عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فاللازم على المسلمين ان يتهيئوا لأمرين:

1- الوعي العام، في قوانين الحياة التي أمر بها الاسلام: مثل الشورى، والحرية، والأخوة واللاعنف والعمل المؤسساتي وغيرها من المفاهيم.

2- التنظيم الصحيح. ضمن الأطر الشرعية، وباتساق وحكمة في اتخاذ القرارات، وإلا اصبح التنظيم وبالاً على نفسه وعلى غيره، وأن يكون المنتظمون من مستوى واحد وشريحة واحدة يهدفون الى اهداف واضحة وكبيرة لا أن يكونوا أدواة لتحقيق مآرب شخصية".

ومن الشروط المهمة في هذا الطريق يبينها سماحة المؤلف في حديثه عن استراتيجة العلاقة في الإسلام. وهنا يؤكد إن المستقبل المنظور لن يتحقق ويتبلور اذا تقوقع المسلمون ضمن حدودهم الضيقة، إنما عليهم التطلع الى المديات الواسعة لحدودهم في العالم الفسيح، حيث نجد ان قيم الاسلام قد نفذت الى القلوب والنفوس في جميع انحاء العالم. وهذا ما يجعل سماحة المؤلف متفائلاً، ليس فقط بمستقبل علاقة المسلمين بغيرهم في العالم، إنما بتأثير قوانين الاسلام على الغرب، إذ إن "الاسلام ليس دين حرب ولا دين مشاكل مع الآخرين ولادين شعارات فارغة من الموت لهذا وذاك. لذا يجب ان تنظم علاقة المسلمين مع الآخرين في المستقبل بأحسن ما يكون وفق الكتاب والعترة الشريفة". وهذه رسالة واضحة وصريحة من سماحته لمن يعنيه أمر الإسلام ومستقبله في العالم، بأن يطلق رسائل المحبة والسلام والمفاهيم السامية والقيم الاخلاقية السامية، بدلاً من رسائل الموت والتوتر والكراهية، وهي تحديداً ما تريدها منّا الدوائر المشبوهة في الغرب، وهذا بالتحديد ما يحصل في بعض البلاد الاسلامية المبتلية بجماعات تدعي الاسلام وتقوم بأبشع الاعمال الاجرامية وانتهاكات حقوق الانسان.

أما عن المستقبل غير المنظور، فيتناول سماحة الإمام الشيرازي – قدس سره- عهد ظهور الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف، والتي ستكون أفضل حياة يشهدها البشر في الأرض. ويذكر نصوصاً دينية من الكتاب والسنة المطهرة في حق الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه.

والمستقبل الأخروي يتناوله سماحة الإمام المؤلف كونه المحطة الاخيرة في حياة الانسان، وهناك يكون على مفترق طريقين: إما الى الجنة والفوز برضوان الله، وإما الى النار حيث الخسران المبين.

الخاتمة:

يتساءل سماحة الإمام الراحل في خاتمة الكتاب عن الحكمة من تعرّض الكثير من بني البشر للألام والمعاناة في الحياة، وهل هو خلق للعذاب والشقاء، أم للراحة والهناء؟ فيجيب هو بنفسه – قدس سره-:

ان الامور في مثل ذلك نسبية، فاللذة الراجحة على الألم محبوبة للإنسان، سواء كانت اللذة علمية أم عقلية، أم حسية أم  غيرها، ولذا نرى ان السفر مرغوب للإنسان رغم ما فيه من معاناة،وكذلك الأولاد والدراسة والتجارة وغيرها.

أما الذي يشمله العذاب الأخروي، فإن ذلك بتقصيره وسوء عمله – يقول سماحة المؤلف- فلو أطاع الله لما دخل النار، فهو بسوء اختياره يتألم، وإلا فأصل الخلق مختاراً راجح.

ثم يردف سماحته حقيقة هامة وهي: ان أهل النار الخالدين فيها هم من المعاندون، كما ورد في دعاء كميل: "تخلّد فيها المعاندين"، ولا يبعد أنهم لو تركوا العناد شملتهم الرحمة الإلهية ورفع عنهم العذاب، فالحكم تابع للموضوع، مثل قولك: "الفاسق لا يكون شاهداً"، بمعنى أنه لا يكون شاهداً ما دام فاسقاً.

من عناوين الكتاب الاخرى:

المستقبل والاهداف الكبيرة

كيف نتنبأ بالمستقبل

العالم ومراكز الدراسات المستقبلية

اقسام المستقبل

المستقبل المنظور

المستقبل غير المنظور

المستقبل في عصر الظهور

المستقبل الاخروي

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/نيسان/2013 - 22/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م