عن الكتب واحلام الطفولة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تلعب سنوات الطفولة الاولى دورا كبيرا في تشكيل شخصية الانسان وما يكون عليه في سنواته القادمة.. وتشكل السنوات المبكرة للانسان في طفولته الكثير من ملامح رجل المستقبل او امراة المستقبل، لما لتلك السنوات من تاثير على وعي الانسان ولاوعيه.

السنوات الاولى للانسان هي المكان الاول لصنع شخصيته عبر مايعرف بعملية التربية والتنشئة الاجتماعية والتي تساهم في تحديد ملامح شخصية الانسان ذكرا كان ام انثى.. وقد عرف علماء النفس عملية التنشئة الاجتماعية على أنها عملية تعلم وتعليم وتربية وتقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى اكتساب الفرد ( طفلاً فمراهقاً فراشداً فشيخاً ، سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي، وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية.

يذهب الامام الشيرازي الراحل في كتابه (الاجتماع) الى ان معرفة شخصية الإنسان ـ الشخصية بالاصطلاح الاجتماعي ـ توجب تهيئة الظروف التي تسبب استقامة الشخصية، أو لا أقل من التقليل عن الشخصيات المنحرفة، وعن انحرافات الشخصية المنحرفة.. وهو يرى ان الشخصية تتكون من:

1 ـ الفطرة، حيث أنها الأرضية المفطورة بحيث لا يمكن تغييرها كلياً، وإنما الممكن أن يزرع فيها الزرع المختلف.

2 ـ الوراثة.

3 ـ المحيط الطبيعي.

4 ـ المحيط الاجتماعي.

5 ـ الثقافة.

وكل واحدة من هذه المكونات تلعب دورا هاما في ما يكون عليه الانسان مستقبلا، لا تنفصل عملية التنشئة الاجتماعية عن التربية السليمة للاطفال داخل محيطهم الاجتماعي والمتمثل اولا بالمنزل، ثم رياض الاطفال والمدرسة ثم المجتمع الواسع.

في مجال التربية، والتي هي اول شروط التنشئة الاجتماعية وخاصة في مرحلة الطفولة ومايليها، يحدد الامام الراحل جملة من الشروط الواجب توفرها من اجل تربية سليمة تاخذ على عاتقها خلق شخصية انسانية ناجحة ومفيدة لمجتمعها.

اول تلك الشروط... تأهيل الطفل للمستقبل، حيث يقول الامام الراحل (قدس سره) في كتابه السابق:

(اللازم تربية الطفل تربية تؤهله للمستقبل بملاحظة: صحته الجسدية ووقايته من ألأمراض المحتملة، صحته العقلية حتى لا ينشأ منحرف الفكر، وصحته العاطفية بأن لا يكون جامد العاطفة أو سيال العاطفة).

والشرط الثاني هو عدم  الإفراط والتفريط في التربية (حيث أن الأبوان المعتدلان في التربية يهيئان المناخ الملائم لنمو الطفل نمواً صحيحاً خالياً من التعقيد والانفلات).

وشرط ثالث هو المساواة بين الأطفال (حيث يجب أن يلاحظ بالنسبة للطفل عدم ترجيح غيره عليه، فإذا كان له طفلان ساوى بينهما، وإن لم يساو أورث تعقيداً بالنسبة إلى كليهما، سواء المرجح، أو المرجح عليه).

وفي كتابه (اللاعنف في الاسلام) يضع شرطا رابعا، ويعده من وصايا الاسلام الخالدة، وهو (أن تتعامل الأسر مع أطفالها بالمودّة والرحمة وما أشبه من أساليب اللين التي غالباً ما تربّي الصغار على الطريق السليم وتأخذ بيدهم نحو الصواب والسداد).

ولان الاطفال عادة مايتخذون من ابائهم قدوة لهم وهم في تلك السن، فان الامام الراحل (قدس سره) يؤكد على ان يجعل الاباء (بيوتهم مدرسة لتربية أولادهم على تجاربهم اليومية، مهما كان شأن الأب، ومهما كان سن الولد، فإذا رجع الأب إلى منزله ظهراً أو ليلاً، جمع عائلته كلهم، ثم قصّ لهم ما عمل خارج البيت من تجارة أو زراعة، أو عمل سياسي، أو لقاء مع الآخرين، أو غير ذلك، وكذلك يقص لهم ما رأى وما سمع من مختلف الأخبار فإنه إذا عمل الآباء ذلك نضج الأولاد نضجاً بالغاً، يؤهلهم لممارسة الحياة العملية فور تسلمهم أزِّمَّة الأمور. وإذا نضج الجيل بتجارب الآباء ومعلوماتهم، قفزت الحياة إلى الأمام، فإنه لا يصرف عمره في التجارب، بل يبني طوابق جديدة فوق ما بناه الآباء، ولا يرتطم الخطأ والتصحيح، بل يأخذ الطريق السوي وبذلك يصل الجيل الثاني إلى الهدف، من أقرب الطرق. كما يذهب الى ذلك في كتابه (نحو يقظة اسلامية).

ويذهب الامام الراحل الى ابعد من ذلك بقوله في كتابه (العائلة): (من الضروري على الأبوين حفظ الأولاد عن الانحراف العقائدي أو الخلقي فإن الحفظ واجب شرعا قال تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً). وحين نقول حفظ الأولاد فليس مرادنا النصح والإرشاد فقط بل وضمهم الى ذلك في هيئة صالحة وتهيئة وسائل الــعمل والكسب لهم وربطهم بمســـجد أو مــدرسة أو مكتبة أو حسينية وتزويجهم إذا بلغوا والتماس كسب لائق بهم لهم).

تقترن مسألة حفظ الابناء من الانحرافات العقائدية والخلقية بالتثقيف الذي يتم في السنوات الاولى من الطفولة عبر تصنيع الرموز الثقافية ( في الصور والتماثيل الورقية والكرتونية والحلويات وما أشبه، مثل أن تصب صورة الكعبة من الشكولاتة ـ مثلاً ـ إذا كان ذلك مناسبا). كما في كتابه (إلى نهضة ثقافية إسلامية).

وايضا في مراحل لاحقة تتم عملية التثقيف عبر الكتاب والمكتبة والتي جعلها من لوازم كل بيت مسلم، ولم يكتف الامام الراحل بذلك، بل عمد الى الكتابة للاطفال والناشئة عبر عدد من المؤلفات منها: (القصص الحق)، (كيف عرفت الله؟)، (كيف عرفت عدل الله؟)، (كيف عرفت النبوة؟)، (كيف عرفت الإمامة؟)، (كيف عرفت المعاد؟). وغيرها الكثير.

يذهب كل من (جاكلين جروس) و(ليونارد جروس) في كتابهما (اجعل طفلك قارئاً مدى الحياة) الى القول بأنه يجب تعويد الطفل وتدريبه على الكلمات المكتوبة مثل (أدواته والأشياء التي يستعملها يومياً).

وعلى الأهل أن يوفروا اللعب والأدوات التي من الممكن تشكيلها بسهولة على شكل كلمات (كالمكعبات والملصقات).في هذه الفترة أي ما قبل دخول المدرسة يكون الطفل وخصوصاً الذي تلقى رعاية من الأبوين كجلب المجلات أو أي وسائل أخرى لتعليم القراءة يكون الطفل قادراً على القراءة نوعاً ما ويمكن له أن يقرأ شيئاً من الكلمات البسيطة وهذا يعتمد على مدى حبه للقراءة وشغفه للتعليم.

أما بعد هذه المرحلة أي في فترة الدراسة فإن الطفل يريد أن يقرأ هو بنفسه ويظهر مدى براعته في القراءة... وتعتبر القراءة وسيلة للوقاية من الانحراف ولا سيما في المجتمعات المتخلفة أو النامية، ويمكن التدليل على ذلك من خلال الرجوع إلى الإحصائيات المتعلقة بالأحداث والجانحين حيث نرى بأن غالبية الأحداث الذين أودعوا المؤسسات الإصلاحية نتيجة ارتكابهم جنحاً مختلفة إما أن يكونوا أميين أو ذوي مستوى تعليمي بسيط.إن الطفل الذي يعيش في طبقة فقيرة من المجتمع يعاني بالإضافة إلى الحرمان المادي، حرماناً ثقافياً ويكون ذلك متجلياً في فقر في اللغة لا يساعده على التفكير النظري والمجرد. فالطفل في هذه البيئة يفتقر إلى غياب الحوار بين أفراد الأسرة نتيجة فقر اللغة التي يتعامل بها هؤلاء الأفراد، حيث يكون التواصل بينهم من خلال عبارات تفتقر إلى المرونة ويغلب عليها الطابع القمعي.

وقد أكدت دراسات عديدة على وجود علاقة بين تدنّي المستوى التعليمي وبين جنوح الأحداث، فقد حاول الكثير من الباحثين أن يدافعوا عن الفرضية القائلة بأن انتشار التعليم وتعويد الأحداث القراءة والمطالعة من شأنه أن يقلّل من احتمالات انحرافهم. ومن الذين دافعوا عن هذه الفرضية الباحثة الفرنسية (ميشيل بوتي) التي أجرت دراسة ميدانية على الأحداث المقيمين في المناطق الفقيرة، وقد توصلت إلى أن تعويد شباب هذه الأحياء على القراءة والمطالعة من شأنه أن يعيد الثقة لهؤلاء بأنفسهم وأن يحترموا الآخرين.

عندما يتعوّد الطفل على القراءة والمطالعة فانه تتوفر له فرصة الخروج من عالمه الضيق ليتعرف على عوالم أخرى وأشخاص آخرين لهم مشاعرهم وأفكارهم ونظرتهم إلى الحياة.وعندما تتحول القراءة لدى الطفل إلى متعة حقيقية فهو  يكون قد تزود بآلية تشعره بالانتماء للآخرين وتبعده عن العزلة والمغامرة السلبية، وقد جاء على لسان (بورديو) حول موضوع القراءة قوله: (إني أشاطر الرأي القائل بأنه من الأهمية بمكان أن نقرأ، وأن الذي لا يقرأ هو إنسان مبتور أو مشوّه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/نيسان/2013 - 21/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م