الاقتصاد المصري... بين شعارات الاخوان والانهيار المتوقع

 

شبكة النبأ: يعتبر الاقتصاد المصري الذي يمر اليوم بأزمة خطيرة بسبب تأثره الكبير بمجرى الأحداث السياسية المتقلبة التي تلت ثورة 25يناير وأسهمت بإسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، من أهم النقاط التي أثبتت فشل الحكومة الرئيس المنتخب محمد مرسي المنتمي الى جماعة الإخوان المسلمين بحسب بعض المراقبين الذين أكدوا على ان سوء الإدارة التي يتبعها الرئيس الجديد وانشغاله بصياغة بعض القوانين التي تخدم مصالحة ومصالح الجماعة، وهو ما أثر بشكل سلبي على اقتصاد مصر  الذي أصبح على حافة الانهيار التام واسهم بازدياد معاناة الشعب الذي يتطلع لإجراءات وخطط الحكومة التي تعول على لبعض المساعدات والقروض الدولية في سبيل إنقاذ اقتصاد البلاد المتهاوي.

 ويرى بعض المحللين ان جماعة الإخوان المسلمين وحكومة مرسي الضعيفة تخوض اليوم لعبة سياسية جديدة معتمدة على ورقة الاقتصادية في سبيل الحفاظ على رصيدها الشعبي خصوصا وأنها قد فقدت الكثير من مؤيديها في الفترة السابقة بسبب فشلها في أدارة شؤون البلاد، فهي تسعى اليوم الى تأخير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في هذه الفترة لأهداف انتخابية مع إدراكها المسبق ان لاسبيل لديها لإنقاذ الموقف سوى الرضوخ لقرارات هذا الصندوق والتي ستضر الكثير من أبناء مصر، وستحظى مصر بفرصة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي للمساعدة في معالجة أزمات العملة والميزانية الراهنة فور إجراء الانتخابات البرلمانية لكن المشكلة هي أن أحدا لا يعرف متى سيكون ذلك.

وبعد استئناف الاجتماعات بين مصر والصندوق بعدما توقفت يدفع كل طرف في اتجاه مختلف من أجل اتخاذ أجراء عاجل. فحكومة الرئيس محمد مرسي تريد الحصول على قرض كامل بقيمة 4.8 مليار دولار وفقا لما تم الاتفاق عليه من حيث المبدأ في نوفمبر تشرين الثاني الماضي ولكن استنادا إلى برنامج إصلاح أخف وطأة من الخطة الأصلية "وذلك في ضوء اعتبارات الحفاظ على معدلات النمو والتشغيل وحماية الطبقات الفقيرة" وفقا لبيان الحكومة.

إلا أن مسعود أحمد مدير شؤون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق لم يتحدث سوى عن "دعم مالي محتمل" بعد اجتماعه مع الحكومة والبنك المركزي في القاهرة. وكذلك يتطلع الصندوق لإصلاحات قوية لمعالجة مشكلات مثل دعم الطاقة الذي يسحب مبالغ ضخمة من موازنة الدولة. وقالت وفاء عمرو المتحدثة باسم الصندوق "ينبغي لمصر اتخاذ إجراءات جريئة وطموح للتصدي لتحدياتها الاقتصادية والمالية دون مزيد من التأخير." ومن المرجح أن تشمل مثل هذه الإجراءات زيادات ضريبية وتخفيضات للدعم من شأنها دفع أسعار الوقود للارتفاع وهي إجراءات لن تلقى قبولا لدى شعب يعاني بسبب تراجع اقتصادي مستمر منذ ثورة عام 2011 ناهيك عن أن يتم اتخاذها قبل الانتخابات.

وقال جياس جوكينت كبير الاقتصاديين في في بنك أبوظبي الوطني "يريد صندوق النقد الدولي أن يرى إجراءات لكبح عجز الموازنة قبل الاتفاق على حزمة مساعدات لكن الحكومة قد تحجم عن تنفيذها قبل الانتخابات. التوصل لاتفاق في وقت قريب يبدو مستبعدا." واضطرت القاهرة بالفعل إلى طلب تأجيل قرض الصندوق في ديسمبر كانون الأول بسبب أعمال عنف في الشارع وثارت مشكلات منذ ذلك الحين لشكاوى مختلفة.

وفي مثل هذه الأجواء المضطربة سيكون من الأفضل أن يعرف الجميع موعد انعقاد مجلس النواب الجديد. ودعا مرسي لبدء الانتخابات يوم 22 أبريل نيسان لكن محكمة ألغت قراره بسبب مخالفات إجرائية. وفي هذه المرحلة الحرجة من التحول الديمقراطي لا يوجد بمصر مجلس للنواب منذ تسعة أشهر ولا يعرف أحد بدءا من مرسي إلى أصغر موظفي الدولة موعد انتخاب مجلس جديد.

وقال أوليفر كوليمان المحلل في مؤسسة مابلكروفت لاستشارات المخاطر "من المرجح أن يكون الاضطراب السياسي أكبر مخاوف مسؤولي صندوق النقد." وأضاف "السلطة القضائية أظهرت استعدادا كبيرا لإبطال قرارات حكومة مرسي وقد تلقى إجراءات الإصلاح الاقتصادي المثيرة للجدل المصير نفسه دون وجود برلمان مفوض معترف به على نطاق واسع."

ولكن احتياجات مصر ملحة. وفي برنامجها الذي قدمته للصندوق تتوقع الحكومة عجزا في الموازنة بنسبة 12.3 بالمئة من الناتج الاقتصادي المصري في عام حتى يونيو حزيران ما لم تنفذ إصلاحات عاجلة. واضطرت البرتغال الأغنى والأكثر استقرارا من مصر والتي أرست الديمقراطية قبل 40 عاما لقبول خطة انقاذ من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي في 2011 بعد أن بلغ عجز الموازنة عشرة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي.

ويتراجع الجنيه المصري باطراد هو الآخر على الرغم من أن البنك المركزي الذي أنفق نحو ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي المتبقية من عهد مبارك في محاولة لدعم الجنيه يقنن بشدة المعروض من الدولار. ويعطل ذلك العديد من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تضطر للجوء إلى السوق السوداء حيث يمكن لأسعار الصرف غير المواتية أن تقضي على أرباحها.

وفي الشوارع اصطفت السيارات في طوابير للحصول على السولار وأنواع الوقود الرخيصة الأخرى غير المتوفرة ويتنامى الغضب بسبب التضخم الذي ارتفع إلى معدل سنوي نسبته 8.2 بالمئة في فبراير شباط من 6.3 بالمئة وهو ما يحد من مستويات المعيشة أفراد الشعب الذين يواجهون صعوبات في كسب قوت يومهم. ويخلق ذلك شعورا بالعجز بين المواطنين العاديين حيال الإصلاحات التي قد يأتي بها قرض الصندوق.

ونفت الإدارة الإسلامية للبلاد وهي في صدام مع المعارضة الليبرالية واليسارية بشأن هوية مصر وجود علاقة بين أجراء الانتخابات البرلمانية وابرام اتفاق قرض الصندوق. وقال علاء الحديدي المتحدث باسم الحكومة بعد زيارة قام بها مسؤول من الصندوق لمصر إن كل المناقشات كانت تتعلق بالدعم المالي لمصر أو بالقرض الذي تتطلع مصر للحصول عليه من الصندوق مشيرا إلى عدم وجود صلة بين القرض والانتخابات البرلمانية.

 إلا أن مسؤولين من الصندوق والولايات المتحدة أكبر مساهم فيه يؤكدون باستمرار على أن الإصلاحات يجب أن تحظى بتأييد داخلي أو على الأقل توافق بين الأطياف السياسية في مصر. لكن التوافق يبدو بعيد المنال. فقد قررت عدة أحزاب سياسية بالفعل مقاطعة الانتخابات وسط سلسلة من الخلافات منها خلافات على قانون الانتخابات وعلى الدستور الذي وضعته لجنة يهيمن عليها التيار الإسلامي ومرسوم أصدره مرسي العام الماضي ليمنح نفسه سلطات كبيرة بشكل مؤقت. وفيما يشير إلى الانقسام في الحياة السياسية في مصر قال الحديدي إن البرنامج الاقتصادي تم ارساله للأحزاب السياسية "التي يرفض بعضها أي شيء تعرضه الحكومة."

وتحدث الحديدي عن اجراء محادثات على مستوى الخبراء لكن لم يتحدد بعد أي موعد لبدء تلك المحادثات. ولم يخض مسعود أحمد مسؤول الصندوق في تفاصيل بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء هشام قنديل ومحافظ البنك المركزي هشام رامز. وقال أحمد "اتفقنا على أن تستمر محادثاتنا بجد بهدف التوصل لاتفاق بشأن مساعدة مالية محتملة من الصندوق." وأشار وليام جاكسون من كابيتال ايكونوميكس في لندن إلى أن الصندوق يرى فيما يبدو أن التوصل لاتفاق سيستغرق بعض الوقت. وقال "ربما يعكس ذلك صعوبة تنفيذ أي إصلاحات في ظل اضطراب الوضع السياسي وبدون اجراء انتخابات."

وعرض صندوق النقد تقديم قرض مؤقت لمصر إلا أن القاهرة رفضت الفكرة مع سعيها للحصول على قرض كامل في مقابل برنامج اصلاح كامل. لكن القاهرة قد تضطر للرضوخ بعد تقلص احتياطيات النقد الأجنبي من 36 مليار دولار قبل الثورة إلى 13.5 مليار دولار. وقال جاكسون "إذا حدث تدهور مفاجئ في المعنويات وأراد المستثمرون سحب أموالهم من مصر فسيتعرض الجنيه لمزيد من الضغط. "في هذه الحالة قد تقبل الحكومة بقرض مؤقت من الصندوق للحيلولة دون حدوث هبوط حاد للجنيه."

ويشعر المستثمرون بالقلق بالفعل بسبب اتخاذ الدولة إجراءات قانونية بحق رجال اعمال بارزين تشمل منعهم من السفر والتحفظ على أموالهم لأسباب تتراوح من مطالبات ضريبية إلى التلاعب في البورصة. وسيجعل ذلك من الصعب تنفيذ سياسات لا تحظى بشعبية. وقال هاني جنينة مدير البحوث لدى فاروس لتداول الأوراق المالية "لا يرغب وزير أو مسؤول كبير في تحمل مسؤولية اتخاذ قرارات جذرية في مرحلة لا يسلم فيها أحد من الاحتجاجات ولا عقوبة السجن ولا المنع من السفر."

وفي النهاية من المرجح أن يحدد الشارع مصير الاصلاحات الاقتصادية وقرض الصندوق. وقال صفوت حسن وهو تاجر رخام عمره 44 عاما إن المصريين سيقاومون أي ارتفاع حاد للأسعار ينجم عن إصلاح الدعم. وقال "الشعب لا يقبل بهذا وستحدث اضطرابات ومظاهرات. هذا الموضوع لن يمر بسهولة."

في السياق ذاته انتقد مسؤول رفيع في الحكومة المصرية التهديدات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي بوقف المساعدات الخارجية لمصر، وربطها بإجراء "إصلاحات" سياسية، معتبراً أن مصر لم تحصل إلا على "بضعة ملايين" من الدولارات، منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، رغم وعود الاتحاد الأوروبي بتقديم حزم مساعدات لدول "الربيع العربي"، ومن بينها مصر.

وقال المستشار الاقتصادي لوزير المالية المصري، الدكتور عبد الله شحاتة، إن "الحكومة المصرية لا تقف عند تصريحات أو تقارير معينة خاصة بتقديم المساعدات، ولكن الصورة الأساسية هي ما تتعلق بالتعاملات على الأرض." وفيما أكد المسؤول بحكومة رئيس الوزراء المصري، هشام قنديل، أن أغلب المساعدات التي حصلت عليها مصر، على مدار العامين الماضيين، جاءت من دول عربية، فقد ذكر أن "جملة المساعدات المقدمة من الاتحاد الأوربي لمصر ودول الربيع العربي، لم تتخط بضعة ملايين من الدولارات"، إلا أنه شدد على أن الحكومة "ماضية في برنامجها للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي."

وأشار شحاتة إلى أنه لا يستطيع التأكد مما يقال إنها "تحذيرات من الاتحاد الأوروبي"، معتبراً أن هناك "اشتراطات" ليس لها علاقة بنية حقيقية لمساعدة مصر، أو الوفاء بما وعد به الاتحاد الأوروبي، في وقت سابق، بتقديم مساعدات مالية لمصر، وغيرها من دول الربيع العربي، كما أكد أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، "مازالت مستمرة."

وكانت تقارير إعلامية نقلت عن مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون دول الجوار، ستيفان فولي، تحذيره لمصر بأنها قد تفقد أموالاً من صفقة مساعدات قيمتها 5 مليارات يورو، إذا أخفقت في إقناع المفوضية بعمل إصلاحات، ونقلت عن المفوضية ما وصفتها بـ"انتكاسات" في مجالات مثل حقوق الإنسان، كما انتقدت الإعلانات الدستورية التي أصدرها الرئيس محمد مرسي، والتي أثارت انقسامات سياسية حادة في البلاد.

من جهة اخرى قال يوسف كمال وزير مالية قطر إن قطر لا تتوقع تقديم المزيد من المساعدات المالية لمصر على الفور. وحين سئل عن حجم المساعدات التي قدمتها قطر لمصر حتى تاريخه أجاب "اعلنا بالفعل عن خمسة مليارات دولار". وكانت قطر مصدرا رئيسيا للمساعدات الخارجية لمصر منذ ثورة 2011 من خلال قروض ميسرة وودائع في البنك المركزي المصري.

في السياق ذاته أعلن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، قبيل مغادرته القاهرة عن 250 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمساعدة مصر التي تواجه أزمة اقتصادية حادة. وأوضح كيري أن واشنطن تتعهد بتقديم المزيد من المساعدات حال تطبيق الرئيس المصري، محمد مرسي، إصلاحات اقتصادية وسياسية، مضيفاً: "عندما تتخذ مصر خطوات صعبة لتقوية اقتصادها وبناء وحدة سياسة وعدالة، سنعمل مع الكونغرس في بلادنا من أجل مزيد من الدعم."

وتابع وزير الخارجية الأمريكي بعدما أجرى سلسلة اجتماعات بالقاهرة اختتمها بمباحثات استغرقت ساعتين مع الرئيس المصري: "في ضوء احتياجات مصر الكبيرة وتأكيد الرئيس مرسي عزمه على مواصلة عملية (الاقتراض) من صندوق النقد الدولي.. فقد ابلغته بان الولايات المتحدة ستقدم الآن دفعة من 190 مليون دولار أمريكي من أصل 450 مليون دولار لدعم الموازنة المصرية في بادرة من أجل الإسراع بالإصلاح ومساعدة الشعب المصري في هذا الوقت الصعب".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 31/آذار/2013 - 19/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م