لبنان وقطاع الاتصالات... بين عقبتي السياسة والمال

 

شبكة النبأ: يشرع لبنان في خطة طموحة لتطوير قطاع الاتصالات من خلال مناقصة لإدارة شركتي الهاتف المحمول المملوكتين للدولة. لكن كما هو الحال في كثير من الخطط الاقتصادية في البلاد قد تقف السياسة والمصالح المالية في الطريق.

يريد لبنان أن يصبح مركزا للتكنولوجيا الرقمية في الشرق الأوسط وأن يبيع فائض نطاقات الإنترنت لبلدان أخرى. ويأمل أن يساعده تطور قطاع الاتصالات على تعزيز النمو في قطاعات أخرى مثل التعليم والصحة والمال.

ونظرا لوجود عدد كبير من رواد الأعمال في لبنان وتاريخ البلد كنقطة التقاء لثقافات المنطقة تبدو هذه الفكرة منطقية. لكن من المتوقع أن يكون التقدم محدودا بسبب الانقسامات بين الفصائل السياسية العديدة في البلاد واعتماد الحكومة على قطاع الاتصالات كمصدر للإيرادات.

وقال كينيشي أوكيليكي المحلل لدى بزنس مونيتور إنترناشونال في لندن "لبنان في وضع جيد بفضل موقعه الجغرافي وسكانه المتعلمين الذين يتحدثون عدة لغات.

"لكن سيطرة الحكومة الشديدة على القطاع تجعل دخوله صعبا على شركات القطاع الخاص وهو ما سيظل يقيد السوق."

وأغلب قطاع الاتصالات اللبناني في يد الدولة إذ تدير شركة أوجيرو للاتصالات المملوكة للحكومة شبكة الهاتف الثابت بينما تقدم خدمات المحمول شركتا تاتش وألفا وهما مملوكتان للدولة لكن تديرهما حاليا مجموعة زين الكويتية وشركة أوراسكوم للاتصالات والإعلام المصرية. وتحدد الحكومة الأسعار لكل المشغلين. وتاتش هي صاحبة أكبر حصة سوقية إذ لديها 53 بالمئة من إجمالي المشتركين في خدمات الهاتف المحمول في لبنان. بحسب رويترز.

وسيطرت زين على تاتش عام 2004 وسيطرت أوراسكوم للاتصالات على ألفا عام 2009 وتم تجديد عقود الإدارة بشكل متكرر منذ ذلك الحين على أساس سنوي عادة. وكان من المقرر أن ينتهي كلا العقدين في 31 يناير كانون الثاني هذا العام لكن تم تمديدهما حتى 30 يونيو حزيران للاستعداد لمناقصة لعقدين جديدين مدتهما خمس سنوات.

وقال كريم قبيسي مستشار وزارة الاتصالات اللبنانية إن فترة تقديم العروض ستبدأ منتصف ابريل نيسان. وقال أن بعض الشركات الدولية استعلمت عن بعض الأمور لكن لا يوجد شيء ملموس حتى الآن. ورفض الإفصاح عن شروط العقد لأن الوزارة لم تنته من أوراق المناقصة بعد.

وبالرغم من أن زين وأوراسكوم للاتصالات عبرتا عن اهتمامهما بمواصلة إدارة تاتش وألفا إلا أن المناقصة قد تأتي بشركتين جديدتين إذا شهدت منافسة من شركات اتصالات دولية مخضرمة كتلك الموجودة في الخليج.

لكن بصرف النظر عن نتيجة المناقصة قد يظل هيكل سوق الاتصالات في لبنان عائقا للنمو. وقالت شركة بوديكوم للاستشارات ومقرها سيدني إن شركات الاتصالات تفتقر إلى الحافز لتوسيع شبكاتها بكفاءة لأنه يتعين عليها الحصول على موافقة حكومية على التسعير وإطلاق المنتجات "مما يؤدي إلى تصميم غير مثالي للشبكات وضعف في جودة الخدمة."

وتضاعفت أعداد المشتركين في خدمات الهاتف المحمول إلى ثلاثة أمثالها تقريبا في الفترة من 2008 إلى 2012 مع تراجع الأسعار. وهبط متوسط الإيرادات من كل مشترك بنسبة 42 بالمئة في نفس الفترة. لكن نسبة انتشار خدمات الهاتف المحمول في لبنان لم تتجاوز 91 بالمئة من السكان في 2012 وهي أقل من دول عديدة بالشرق الأوسط حيث تجاوزت النسبة 100 بالمئة في بعض الدول بسبب امتلاك العملاء أكثر من حساب.

وخفضت الحكومة رسوم اشتراك خدمات الإنترنت فائق السرعة (برودباند) أكثر من 75 بالمئة عام 2011 لكنها مازالت أعلى من المستوى السائد في المنطقة.

وكتبت بوديكوم في تقرير "لبنان متأخر عن دول أخرى في المنطقة في معظم جوانب شبكات وخدمات البرودباند ... ظهرت شكاوى كثيرة من أن ضعف خدمات البرودباند في لبنان يؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية."

وقد تكون رغبة الدولة في الإبقاء على سيطرتها على البنية التحتية للاتصالات نابعة من ميراث الحرب الأهلية اللبنانية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990 إذ أن الأحزاب السياسية الطائفية مصممة على منع وقوع أجزاء منها في أيدي أعدائها.

وتأتي مناقصة إدارة شركات المحمول بعد فشل اقتراحات بخصخصتها في أوائل العقد الماضي. وتعثرت أيضا خطة لبيع شبكة الهاتف الثابت.

وقال أوكيليكي من شركة بزنس مونيتور إنترناشونال "مازال لبنان سوقا ناشئة جديدة ... لا توجد دولة تسيطر على قطاع الاتصالات بدرجة كبيرة وتستطيع في الوقت نفسه امتلاك قدرات تنافسية وإبداعية كالأسواق المتحررة."

وتسعى الهيئة المنظمة للاتصالات التي تأسست عام 2007 لتغيير ذلك الوضع. وقال عماد حب الله المدير التنفيذي للهيئة بالإنابة إنها تريد أن يشارك القطاع الخاص في السوق بأقصى درجة ممكنة.

لكن مجلس شورى الدولة حد من سلطات الهيئة المنظمة للاتصالات. وبسبب اعتماد الدولة على إيرادات الاتصالات قد لا يكون بيع حصص كبيرة في شركات الاتصالات بشكل مباشر أمرا مجديا قبل عدة سنوات.

وبلغ إجمالي إيرادات تاتش وألفا 1.6 مليار دولار عام 2011 وكان نصيب الحكومة منها 1.4 مليار دولار وفقا لتقديرات بزنس مونيتور إنتروناشونال وهو ما يجعل قطاع الاتصالات ثاني أكبر مساهم في إيرادات الدولة بعد ضرائب السلع والخدمات.

ووفقا لخطة الإصلاح ستظل لشركتي المحمول شبكتان منفصلتان لكن قد تنشأ شركة مملوكة للدولة لامتلاك أصول أبراج الشركتين وقد تبيع الحكومة بعد ذلك عقدا منفصلا لإدارة هذه الأصول.

وفي غضون ذلك ستفتح الدولة خدمات الاتصالات للاستثمار الخاص. ويشمل تعريف هذه الخدمات كل ما يستلزم التعامل مع المستخدم النهائي وما يسمى بالبنية التحتية الذكية التي قال حب الله إنها أجهزة التحويل والهوائيات وأجهزة التوجيه التي تنقل المعلومات.

وأوصت الهيئة المنظمة للاتصالات أيضا بأن تقنن الحكومة خدمات الهاتف عبر الإنترنت وهو ما يقول محللون إنه شرط للتحول إلى مركز بيانات دولي.

ومن أجل استيعاب قطاع اتصالات أكبر حجما وقع لبنان هذا الشهر اتفاقا مع قبرص لتعزيز قدرات الاتصال الدولي - وهي محدودة جدا مقارنة ببقية دول المنطقة - عبر الكابلات البحرية. وسيعزز الاتفاق قدرة لبنان على إرسال البيانات إلى أوروبا إلى خمسة أمثالها بنهاية الربع الثاني وفقا لتقديرات حب الله.

غير أن خطة تكامل قطاع الاتصالات مع قطاعات أخرى لا تزال تتطلب موافقة مجلس الوزراء وقال حب الله إن الموافقة تأخرت بسبب مسائل تتعلق بقانون الانتخابات.

ورفض حب الله الخوض في التفاصيل لكن الأحزاب اللبنانية لم تستطع حتى الآن الاتفاق على شروط الانتخابات البرلمانية التي من المقرر إجراؤها هذا الصيف بسبب خلافات بشأن تقسيم الدوائر ومدى تكافؤ التمثيل النيابي.

وأدى هذا الخلاف بالإضافة إلى توترات سياسية بشأن الحرب الأهلية الدائرة في سوريا المجاورة إلى شلل في عملية صنع القرار لدى الحكومة وقد يفضي ذلك إلى تأجيل الانتخابات.

ويصر قبيسي على أن مناقصة إدارة شركات المحمول ستمضي قدما بصرف النظر عن الانتخابات وأن وزارته قد تنفذ بعض الإصلاحات الأخرى في قطاع الاتصالات بدون موافقة المجلس إذا اقتضى الأمر.

وقال قبيسي إن ذلك سيوفر الكثير من فرص العمل ويعزز الناتج المحلي الإجمالي وإيرادات الحكومة كما سيتيح فرصا استثمارية وإيرادات للقطاع الخاص.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آذار/2013 - 18/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م