الاسلاميون وتحقيق النموذج الرشيد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما ندقق قليلا في المشهد السياسي للدول العربية والاسلامية، سنلاحظ أن حراك المرحلة الراهنة تمخض عن صعود قيادات اسلامية الى عدد من هذه الدول، مثل العراق ومصر وتونس وليبيا وافغانستان وايران، وهذا الامر يكاد يشكل ظاهرة سياسية لم تحدث في التاريخ السياسي المنظور، الامر الذي يدل على وجود هيمنة للاحزاب والتشكيلات الاسلامية التي تنضوي تحت الاسلام، على قيادة هذه الدول في تجربة ينبغي لها النجاح، اذا كانت تستمد حضورها وافكارها وافعالها من تعاليم وافكار الاسلام، ذات الطابع الانساني العظيم.

ان النموذج الرشيد ينبغي أن يتحقق في ظل هذه الحكومات التي تدّعي وتعلن الانتساب الى الاسلام، فالاسلام في جوهره وتعاليمه غيّر وجه العالم عندما انبثق نوره في مجتمع كان غاطسا في لجج الجهل والظلام، واستطاعة اول حكومة اسلامية أن تغير مسار التاريخ العربي والاسلامي والبشري، من بوصلة تتجه الى الجهل والاستعباد والقهر، الى بوصلة معاكسة لها تماما، حيث النور والسلام والابداع والتطور.

أنظمة الحكم الراهنة في الدول التي سبق ذكرها، تنتسب في اقوالها والمعلن من مشاريعها وبرامجها الى الاسلام، لكن هذا المعلن من الافكار والبرامج، ينبغي أن يتحول الى عمل لاثبات الفكر والبرنامج المعلَن، فالقول وحده لا يكفي والاعلان الجميل المنمَّق لم يعد يقنع احدا، بل العمل السياسي القيادي وما يتمخض عنه، هو المعيار والاثبات والدليل القاطع على امكانية وصحة بناء نموذج حكم اسلامي انساني رشيد من عدمه!.

السؤال المطروح بقوة، هذه التيارات والحركات والاحزاب الاسلامية التي تسنَّمت انظمة الحكم في عدد من الدول العربية والاسلامية، هل استطاعت حتى الآن ان تقدم النموذج الرشيد للحكم؟، إن الاجابة التي نأخذها من الوقائع السياسي في هذه الدول، تقول العكس وتؤكد النقيض، بمعنى اوضح لم يستطع الاسلاميون الذين يقودون هذه البلدان من تحقيق نموذج الحكم الرشيد حتى الان، والاسباب واضحة للعيان، بل معروفة للجميع بجلاء تام، منها شيوع ظاهرة الاستحواذ على السلطة والمناصب والاموال والنفوذ، مع اقصاء مستمر للمختلف والمعارض في الفكر والمنهج والرأي، وهو أمر كانت الانظمة العسكرية الدكتاتورية تستخدمه مع المعارضين، كذلك انتعاش ظاهرة التكميم ووأد الرأي قبل ظهوره، ومحاصرة الاعلام في ظل الانظمة الاسلامية الجديدة، وهي ايضا ظاهرة كانت تتسلح بها الانظمة المستبدة السابقة التي تمت اطاحتها، ومن الادلية الفعلية على هذا القول والسلوك، التهديدات الفاضحة والعلنية التي اطلقها بقوة ووضوح رئيس الدولة المصرية محمد مرسي، حيث هدد بلسان عربي فصيح كل المعارضين والاعلام المستقل، باستخدام العنف والاقصاء ضدهم، الامر الذي دفع بقوى المعارضة المصرية الى رفض هذه التهديدات بقوة.

ويتكرر هذا التهديد في ظل انظمة اسلامية اخرى بشكل او آخر، مما يدل أن النموذج الرشيد للحكم لا يزال في طيّ الغياب، وأن أحدا من هذه الانظمة الاسلامية واحزابها وحركاتها، لم يضع في حساباته أهمية أن يبني نظاما سياسيا رشيدا، لكي يقدم النموذج الامثل للشعوب والامم الاخرى، اذا كان يستقي افكاره ومضامينه وبرامجه من جوهر الاسلام، فضلا عن حاجة المسلمين الى انظمة سياسية متحررة ومستقرة، قادرة على تعويضهم عن القهر والحرمان الذي تعرضوا له في ظل الحكومات المستبدة المطاح بها.

لذلك مطلوب من الاسلاميين الذين استلموا الحكم في عدد من الدول العربية والاسلامية، أن يتحركوا بجدية لبناء نموذج الحكم الرشيد، من خلال ترسيخ دولة المؤسسات التي تقوم على عدة اسس وركائز منها مبدأ فصل السلطات، والتداول السلمي للسلطة، وحماية الحريات الفردية والمدنية من الانتهاك السلطوي السياسي، وصيانة حرية الاعلام على وجه الخصوص، ورفض قيم الاستبداد بصورة قاطعة، عبر تشريعات قوية وتنفيذ دقيق، مع أهمية انعاش الاقتصاد وتفعيل منظومات التعليم والصحة والاجتماع وسواها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آذار/2013 - 18/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م