الذكرى العاشرة لحرب.... مازالت قائمة

(3)

علي الأسدي

بحسب بعض التقارير الصحفية القريبة من الادارة الأمريكية أن مجموعة المحافظين الجدد المشار اليها في السطور السابقة كانت تبشر بقرن جديد تتبوء فيه الولايات المتحدة مركزا مهيمنا في العالم يكون الطريق اليه حربا ماحقة على العراق. كان العراق هو الهدف من تلك الحرب التي كتب لها أن تعيده الى عهد ما قبل الثورة الصناعية الأولى. لم تكن أسلحة الدمار الشامل الدافع لتلك الحرب، ولا حتى صدام حسين، بل كان العراق هو الهدف، وحدة شعبه وأرضه وجيشه وجميع أسلحته ومنشآته وبنيته التحتية.

ما تعهد به الرئيس بوش لاسرائيل وفريقه من اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري واللوبي الصهيوني يعيد للاذهان تعهد أدولف هتلر بتسوية العاصمة البولندية وارشو بالارض قبل أن يغزوها بداية الحرب العالمية الثانية. ومن أطلع بنفسه على الدمار الشامل الذي أحدثه القصف بالصواريخ والقنابل في بغداد والبصرة ومناطق أخرى، يدرك بدون شك أن مايراه بالعين المجردة هو بالفعل الخراب الذي توعد به ادولف هتلر ضد العاصمة البولندية، قد أعيد تنفيذه من قبل الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير تنفيذا لوعد قطعاه لجهة ثالثة لم يكشفا عنها صراحة للصحافة والرأي العام العالم.

كان ذلك في نيسان \ ابريل 2002 فيin Texas Craw Ford في اجتماع مشترك بين الرئيس بوش وتوني بلير وممثلين عن اسرائيل لم يشر اليه صراحة. اشير لذلك بشكل مقتضب في لجنة التحقيق البريطانية في ملابسات الحرب بقيادة القاضي جيلكوت التي تشكلت بعد الحرب على العراق، وما زالت لم تنجز تحقيقاتها لحد اليوم. كان سؤال القاضي لتوني بلير: What role did Israel play in the run-up to the Iraq war?

كان جواب توني بلير قد مثل موقف متهم بجريمة يحاول التهرب منها وتجنب الاعتراف بها حيث رد مرتبكا " متعلثما " باللهجة الدارجة العراقية:

 "As I recall that discussion, it was less to do with specifics about what we were going to do on Iraq or, indeed, the Middle East, because the Israel issue was a big, big issue at the time. I think, in fact, I remember, actually, there may have been conversations that we had even with Israelis, the two of us, whilst we were there. So that was a major part of all this."

وحول أسئلة من مثل: هل كانت هناك محادثات مع الاسرائيين عندما كانا وحدهما في كرافورد في ولاية تكساس، هل كانت المحادثات خلف أبواب مغلقة، وهل كانت هناك محادثات خاصة حول العراق..؟ ومن هم الاسرائيليون..؟ هل كان الاسرائيليون حاضرين، أم كانت المحادثات عبر التلفون..؟ هل عبروا عن رأي بخصوص أسلحة صدام حسين للدمار الشامل، أم تغيير النظام..؟ كم اجتماع تم عقده مع الاسرائيليين للحديث عن العراق..؟ كان الجواب على تلك الأسئلة DUNNO!

تلك الأسئلة، لم تجري متابعاتها من قبل لجنة جيلكوت، وانتقل الجميع لمواضيع اخرى.

وبحسب ما ورد في بحث البروفيسور جان ميرشايمر والبروفيسور ستيفن والت تحت عنوان " اللوبي الاسرائيلي "، المنشور عام 2006واستنادا الى ما جاء في صحيفة الواشنطن بوست: " أن اسرائيل حثت الولايات المتحدة بعدم تأخير الهجوم العسكري على صدام حسين، وان اسرائيل قدمت الى الولايات المتحدة أدلة خطيرة عن اسلحة الدمار الشامل العراقية." وهو الخبر الذي أشير له بشكل موسع قبيل الحرب كجزء لكسب التأييد للحرب في بريطانيا والولايات المتحدة. " ان للعراق القدرة لتوجيه ضربة بالأسلحة الكيماوية والبايولوجية خلال 45 دقيقة."

وكما ذكر جنرال اسرائيلي متقاعد ( لم يذكر اسمه ) " ان المخابرات الاسرائيلية كانت شريكا كاملا في الصورة التي قدمتها بريطانيا والولايات المتحدة عن قدرات العراق حول أسلحة الدمار الشامل".

وكتب رئيس وزراء اسرائيل السابق ايهود باراك في صحيفة نيو يورك تايمز الأمريكية في شباط 2003 محذرا:

 " الخطر الأعظم يكمن الآن في عدم القيام بعمل. " وكتب رئيس الوزراء الحالي بنجامين نتنياهو حينها في وول ستريت جيرنال قائلا:

" الاطاحة بصدام اليوم ليس أقل من ازالة نظامه، وأنا أعتقد أني أتكلم باسم أكثر الاسرائيليين في تأييد ضربة استباقية ضد النظام العراقي ".

 وكتبت هآرتز في شباط 2003: " السياسيون والعسكريون الاسرائيليون يسعون للحرب ضد العراق." (12)

لم يكن ذلك الحلم الوحيد التي سعت لتحقيقه الدائرة المحيطة بالرئيس بوش، فهناك اضافة لذلك أهدافا اقتصادية وسياسية ستفوز بها حال سقوط العراق تحت هيمنتهم المؤكدة. ومن أبرزها: 

1- الأزمة السياسية التي ستنشأ في الشرق الأوسط نتيجة الحرب على العراق ستؤدي الى ارتفاع حاد في أسعار النفط، وسيساعد هذا منتجي النفط في تكساس على تحقيق الأرباح. ( تكلفة انتاج النفط في الحقول النفطية هناك عالية جدا بالمقارنة بتكلفتها في مناطق أخرى من العالم وخاصة في العراق مما جعل سعر بيع برميل النفط في تكساس الأعلى في العالم.)

2- بنفس الوقت فان سقوط العراق سيعود بالفائدة على منتجي وتجار السلاح بسبب تزايد الانفاق العسكري على مشتريات السلاح من قبل دول المنطقة.

3- وبنتيجة الحرب واحتلال العراق سيتطلب اعادة هيكلته بعد تعرض الكثير من مناطقه للخراب بسبب القصف الجوي من قبل الطائرات والسفن الحربية، مما يفتح المجال واسعا لنشاط شركات اعادة البناء والتعمير. ويكون الفائز بمقاولات اعادة البناء شركة هاليبرتون التي يشارك فيها التحالف المذكور.

وكان نائب الرئيس ديك جيني وهو واحد من صقور البيت الأبيض وأحد المحافظين الجدد رئيسا لها قبل تعيينه بمنصبه في ادارة الرئيس بوش. وقد لعب جيني دورا بارزا في توجيه عقود اعادة التعمير لتلك الشركة. وفي ظل الفساد الاداري الذي شجعته الادارة الامريكية في بغداد تم استنزاف موارد العراق النفطية خلال فترة الاحتلال مقابل مشاريع على الورق لم تأخذ أكثرها طريقها للتنفيذ أبدا، وكان يقصد بذلك اثبات ان العراق دولة فاشلة.

4- السيطرة على حقول النفط العراقية وبالتالي على موارد بيع النفط العراقي سيمكن أمريكا من دفع تكاليف الحرب على العراق.

5- خصخصة حقول النفط العراقية وبيعها وتملكها من قبل الشركات الأمريكية والغربية سيقود الى افشال السياسة النفطية لمنظمة أوبك التي يتهمها المحافظون الجدد بالتحكم باسعار النفط على حساب المستهلك الأمريكي. أوبك وهي منظمة الدول المصدرة للنفط التي انشأت عام 1959 في فترة حكم الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم للمحافظة على ضمان استقرار أسعار النفط لصالح الدول الأعضاء في المنظمة.

تنفيذ قرار الخصخصة وبيع حقول النفط عهد به الى الدمية أياد علاوي أول رئيس حكومة في عهد الاحتلال، لأن الحاكم المدني بول بريمر لا يستطيع فعل ذلك. فاتفاقية جنيف حول حقوق الشعوب الخاضعة للاحتلال تلزم الدولة المحتلة باحترام حقوق الدولة الخاضعة لها، وبول بريمر الحاكم المدني الأمريكي في العراق يعرف ذلك جيدا، فلم يرغب بمخالفة قرار الأمم المتحدة.

لم يتسنى لأياد علاوي تنفيذ الخصخصة خلال السنة التي أمضاها كرئيس للوزراء، فقد استلم رئاسة الوزراء بعده ابراهيم الجعفري الذي لم ينجز الكثير خلال ولايته، فكان أن حل محله رئيسا للوزراء نوري المالكي. لم يطرح عليه مشروع خصخصة النفط تحت عنوان خصخصة حقول النفط، بل مشروعا بديلا يحقق لو تم تشريعه نفس اهداف الخصخصة. كان المشروع البديل صيغة لقانون مشبوه أعد من قبل سلطة الاحتلال ذاتها، وبعد موافقة شركات النفط الأجنبية على بنوده قدم للحكومة العراقية لتشريعه.

لقد اعتقدت سلطة الاحتلال أن مشروع قانون استثمار النفط سيمرر دون أن تكتشف أغراضه الحقيقية، وبالفعل قدم لحكومة المالكي الأولى التي قامت بتقديمه الى مجلس النواب للموافقة عليه. ويقوم مشروع القانون بموجب عقود منح الامتياز لاستثمار النفط العراقي من قبل شركات النفط الاجنبية على قاعدة المشاركة في الانتاج. بموجب العقود تلك تكون الشركات مهيمنة على الاحتياطي النفطي العراقي وكميات الانتاج وسياسة تسعيره في السوق الدولية التي تضمن مصالحها لا مصالح العراق.

لكن ردود فعل الرأي العام على خطة خصخصة النفط العراقي كانت فورية وغاضبة وفعالة، عبر عنها بحملة انتقادات واسعة من قبل مجموعة من الكتاب والاقتصاديين الوطنيين العراقيين كان لكاتب هذه السطور الشرف في المساهمة فيها. وبفضل مؤازرة منظمات المجتمع الوطني عراقية وأجنبية نجحت الجهود في فضح وافشال مشروع خصخصة نفط العراق.

لقد تم لاحقا صياغة اتفاقات بديلة جديدة لاستثمار النفط تضمن حقوق العراق في احتياطيات نفطه، وان لم تكن تلبي كل طموحاتنا لكنها كانت مقبولة في ظل توازن القوى السياسية في تلك الفترة. وبذلك تكون أحد أهم أهداف الاحتلال الأمريكي قد ألقيت في الوحل، وعندها تكون أول معارك العراقيين الوطنية مع الكولونياليين الجدد قد تكللت بالنجاح.

حلم المحافظين الجدد بالهيمنة على العراق وموارده النفطية لدفع تكاليف الحرب قد ذهب مع الريح، وتحتم عليهم البحث عن وسيلة أو مصدر آخر للتعامل مع تكاليف الحرب على العراق. ولأنهم خلال هيمنتهم على الموارد النفطية من صادرات النفط وفق قرار الأمم المتحدة " النفط مقابل الغذاء " الذي بقي ساريا أثناء السنين الأولى من فترة الغزو، اتاح لسلطات الاحتلال الاشراف والتصرف بالموارد النفطية المتأتية من صادراته.

لم تكن للسلطات النفطية العراقية الوسيلة لمراقبة عمليات التصدير والتحقق من كمية النفط المصدر وموارده المالية، لأنها كانت تذهب مباشرة الى صندوق النفط مقابل الغذاء. ولهذا يحق لنا الشك بأن جزء مهما من تلك الموارد قد ذهب الى جهات أخرى لا نستطيع تحديدها، ربما تكون لحساب سلطة الاحتلال لدفع مرتبات موظفيها، وربما الى الخزانة الأمريكية لدفع تكاليف الحرب على العراق.علما بأن اجهزة حساب كميات النفط المصدرة عبر الموانئ العراقية كانت عاطلة عن العمل لفترة طويلة خلال فترة الاحتلال. وقد بينت لحنة تحقيق أمريكية في الفساد الذي رافق عمليات اعادة البناء " ان 9 بليونات دولار قد فقدت من صندوق اعمار العراق " ولم يجد لها تفسيرا لحد اليوم، مما يثير الشكوك بنزاهة النظام القانوني في الولايات المتحدة.

تكاليف الحرب المادية التي تدعي الولايات المتحدة أنها تكبدتها نتيجة غزوها بلادنا هي لا شيء مقارنة بما تكبدناه نحن. فنحن لم نوجه صواريخنا على مدنها لتخريبها، بينما قامت هي بتدمير عاصمتنا ومدننا، وهدمت البيوت على أصحابها، الخراب ما زال قائما لم يعاد بنائه، وسيأخذ سنينا أخرى قبل أن ننجز ذلك، هذا اذا توفرت الموارد اللازمة والأيادي النظيفة للقيام باخلاص ونزاهة لانجازه.

مجموع ما تحملته الولايات المتحدة نتيجة حربها في العراق بحسب ما ذكره الرئيس أوباما في كلمته الى الأمة الأمريكية بمناسبة عودة الجنود الأمريكيين الى الوطن في عام 2010 هو 700 بليون دولار خلال السنوات الثمانية من وجودهم في العراق، أي ما يعادل أكثر قليلا من 4% من الناتج القومي الاجمالي السنوي للولايات المتحدة، بمتوسط شهري مقداره 12 بليون دولار.

ما تكبدناه نحن يتعذر علينا حساب تكاليفه المادية التي تسببت بها حملة الغزو لبلادنا، لأننا لا نملك الوسائل والقرائن الموثقة ولا الفنيين والخبراء الذين يتمكنون من حساب تلك التكاليف. لكننا نضع امام الرئيس الأمريكي الحالي والرأي العام الدولي حقائق أخرى يمكن أن تلقي الضوء على قدراتنا المالية لاعادة بناء ما خربته حربهم على العراق.

اذا علمنا أن الدخل القومي الصافي للعراق وفق حسابات البنك الدولي قد بلغ في العام 2004 فقط 141 مليونا ( نؤكد مليونا وليس بليونا) من الدولارات بفضل الحصار، فيكون مبلغ نفقات الولايات المتحدة على تخريب العراق (700 ) بليون دولار قد عادلت 4964 ضعفا دخلنا القومي لعام 2004 وهي السنة الثانية من الاحتلال. كان العراق حينها ما يزال خاضعا للعقوبات الدولية المفروضة من قبل الولايات المتحدة على شعبنا. الولايات المتحدة الأمريكية تعرف بلا شك كم من ذلك الدخل السنوي سيمكن تخصيصه لاعادة بناء ما خربته صواريخها وقنابلها، وكم من الوقت سيحتاج العراق لذلك، وهي تعرف ايضا التزاماتنا المالية التي فرضتها علينا الأمم المتحدة بعد انسحاب العراق من الكويت.

وحتى في عام 2011 عندما ارتفع دخلنا القومي ليصل الى 33 بليونا من الدولارات، كان 23 مليونا من أصل 34 مليونا من مواطنينا يعيش على مالايزيد عن دولارين ونصف الدولار فقط في اليوم الواحد، وان حوالي 50 % منهم يعيش على دولار واحد في اليوم. بمعنى آخر ان ما حصل عليه الشعب العراقي من برنامج النفط مقابل الغذاء لا يشبع جائعا. فحصة الفرد من الغذاء في اليوم خلال تلك الفترة بلغت 51 سنتا فقط في اليوم، بينما كانت لجنة التعويضات للامم المتحدة في جنيف تستحوذ على عائدات النفط العراقي لتسدد ديون دول الخليج الغنية بالنفط وفق مزاعم بتعويضات عن اضرار تم تضخيمها ليحققوا الارباح على حساب جوع أطفال العراق.

الولايات المتحدة تعرف أيضا صورة التغيير الذي سيشهده العراق فيما لو انفقت مبلغ 700 بليون دولار لاغراض سلمية تساعد في تنمية بلادنا الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية. ولو قامت بانفاق ربع ذلك المبلغ على تحسين حياة شعبنا فستغير واقع العلاقة بيننا من العداء الذي تتسم به حاليا الى صداقة حميمية دائمة.

أما الضحايا البشرية التي قدمها شعبنا بدون أي مبرر خلال فترة الغزو والمستمرة حتى اليوم فلم يشر لها الرئيس أوباما بكلمته التي وجهها بمناسبة عودة جنوده من العراق. لقد عبر عن حزنه لضحايا بلاده الأربعة آلاف وأربعمائة جندي، بينما تجاهل تماما التعبير عن مواساته الى ذوي الضحايا العراقيين الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف من عوائل الضحايا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/آذار/2013 - 14/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م