كوميدي إيطالي يفتح افاقا لحركات شعبوية في أوروبا

 

شبكة النبأ: فتح النجم الكوميدي الإيطالي بيبي جريلو آفاقا جديدة أمام نشأة حركات سياسية شعبوية في اوروبا بعد ان أضحت حركته الخاملة الذكر التي يطلق عليها اسم (خمسة نجوم) أكبر حزب سياسي في إيطاليا بعد أول انتخابات عامة تخوضها.

وقد يعكف خبراء سياسيون ومديرو حملات انتخابية على دراسة حالة النجاح الباهر لجريلو بشأن تحول حركته المعارضة المحدودة الى قوة وطنية في حين رفض اجراء اي لقاءات تلفزيونية أو مناظرات مع ساسة ينتمون لاحزاب رئيسية.

ومنذ الازمة المالية التي تفجرت في 2008 ركب شعبويون معارضون لقضايا اليورو والهجرة موجة الغضب الناشئة عن التقشف والكساد والبطالة لتحقيق نجاحات في بقعة تمتد من هولندا إلى فرنسا وفنلندا واليونان، لكن لم يغير أي من هذه الجهود معالم الساحة السياسية على النحو المباغت الذي حققه جريلو المليونير العصامي الذي تحول من ممثل كوميدي ساخر إلى ناشط سياس، ويبرز صعوده المذهل الخطر الذي يتهدد احزاب يمين الوسط ويسار الوسط في انحاء اوروبا التي انخرطت في تنفيذ سياسات تقشف واصلاحات اقتصادية هيكلية مرفوضة شعبيا.

ومما يميز جريلو مزيج فريد جمع بين تنظيم شعبي وجاذبية شخصية وجولة انتخابية على غرار جولات نجوم الروك واتقانه التعامل مع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ما أربك الخبراء واذهل طبقة الساسة كبار السن عندما فازت حركته بنسبة 26 في المئة من الأصوات.

كانت قضيته الرئيسية هي كشف النخبة في الدوائر السياسية وقطاع الاعمال في ايطاليا اذ وصفها بالفساد والتمتع بمزايا تجاوزت الحد.

وأضحت الحركة المواكبة للعصر المؤلفة من حديثي عهد بالعمل السياسي والتي تؤيد اصلاحات انتخابية شاملة وقضايا بيئية وطهارة الحكم تمسك بميزان القوى في مجلس الشيوخ مما يجعل من الصعب على اي حزب تشكيل حكومة مستقرة. بحسب رويترز.

وقالت مؤسسة ديموس البريطانية في تقرير "بتبنيه برنامجا مناهضا للمؤسسة القائمة واستخدام وسائل الاتصال الحديثة جمع (جريلو) بين الوسيلة والرسالة ليؤسس حركة حديثة بالفعل"، وقالت دراسة لانصاره على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي لحساب معهد المجتمع المنفتح "نجاح جريلو المشهود يبين مدى فعالية الاتصالات والتنظيم عبر شبكة الانترنت - وامكانية توجيه الحديث للملايين لاسيما من سئموا الكيانات السياسية القائمة."

وتاريخيا استغل ثوريون وسائل التكنولوجيا الجديدة لنشر رسائلهم في مواجهة سلطات جامدة. فاستغل مارتن لوثر ظهور الطباعة الحديثة لتحدي هيمنة الكنيسة الكاثوليكية في روما على المخطوطات، وفي عام 1978 كان آيه الله روح الله الخمينى يملي خطبه - المناهضة لشاه إيران والداعية للثورة الإسلامية - هاتفيا من منفاه في العراق وفرنسا ليتم توزيعها سرا في انحاء إيران على شرائط كاسيت تطبع باعداد كبيرة.

ولعب جهاز الفاكس دورا كبيرا في الانتفاضة الفلسطينية في عام 1987 في نقل التعليمات من زعماء مختبئين في البلدات ومخيمات اللاجئين والقرى في الضفة الغربية وقطاع غزة المعزول بسبب الحصار الإسرائيلي، وساهم البث الإذاعي والتلفزيوني من الغرب في انهيار سور برلين والحكم الشيوعي في اوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي في الفترة من 1989 إلى 1991.

وحملة جريلو التي اعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي تحاكي الاساليب التي انتهجها نشطاء عرب داعين للديمقراطية في عام 2011 لتنظيم حركات احتجاج اطاحت بحكام مستبدين في تونس ومصر من السلطة.

وكانت بيانات حركة (خمسة نجوم) بشأن سياساتها تبث عبر موقع جريلو الذي كان يحظى باكبر نسبة تصفح في ايطاليا حسب تصنيف وكالة بلوج ايطاليا للمواقع الالكترونية، ويزور صفحته على فيسبوك نحو 1.3 مليون شخص اي أكثر من مثلي العدد الذي يتصفح صفحة رئيس الوزراء الاسبق سيلفيو برلسكوني ونحو عشرة امثال من يدخلون على صفحة زعيم يسار الوسط بيير لويجي بيرساني ورئيس الوزراء المنتهية ولايته ماريو مونتي. كما يتابعه على تويتر مليون شخص، ونأي جريلو بنفسه عن وسائل الاعلام التقليدية باختياره ووصفها بانها مسخرة لخدمة ساسة فاسدين وشركات كبرى.

واستعاض عنها بجولة في حافلة صغيرة نظم خلالها 77 اجتماعا حاشدا على مدار 38 يوما اجتذبت مئات الالاف إلى ميادين ببلدات بينما تابع آلاف كثيرون البث الحي عبر الانترنت، وباغت نجاحه في حشد ناخبين ضاقوا ذرعا بالسياسة لا سيما الشبان منهم مؤسسات استطلاعات الراي التي توقعت ان تحصل حركته على 16 بالمئة من الاصوات في اخر استطلاعين نشرا قبل الانتخابات.

وفي حين دفع التقشف الناخبين نحو حركات متطرفة في معظم دول اوروبا الا ان فرصة الاحزاب التي انبثقت عن حركات احتجاجية في ان تصبح قوى مؤثرة على مستوى الدولة ضئيلة، وفي اليونان كاد الحزب اليساري المتشدد سيريزا الذي عارض حزمة انقاذ من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي ان يفوز على حزب الديمقراطية الجديدة الذي يمثل يمين الوسط ويتزعمه رئيس الوزراء انتونيس سامراس قبل ان يتراجع الناخبون عن موقفهم في انتخابات ثانية في شهر يونيو حزيران، وفاز حزب الفجر الذهبي القومي المتشدد بنسبة سبعة بالمئة في تلك الانتخابات ويحظى الان بنسبة عشرة بالمئة ليحتل المركز الثالث.

ولن تجرى انتخابات أخرى قبل عام 2016 الا ان أكثر ما يخشاه صناع السياسة في بروكسل ان ينهار التحالف الهش الذي يقوده سامراس بسبب اجراءات تقشف ما قد يؤدي لاجراء انتخابات مبكرة تفتح الباب امام حركات متشددة، وفي اسبانيا انزعج الرأي العام بسبب فضائح فساد وكساد ممتد وبطالة مرتفعة وتتحول أعداد متزايدة من الناخبين لاحزاب صغيرة للتعبير عن استيائها تجاه الحزب الشعبي الذي يمثل يمين الوسط والاشتراكيين، ولا يتوقع ساسة ومعاهد استطلاع رأي تشرذما شديدا يخل بهيمنة الحزبين الكبيرين على الساحة السياسية ويقود لضبابية على غرار ما حدث في إيطاليا.

واظهر احدث استطلاع لمؤسسة متروسكوبيا انه في حالة اجراء انتخابات في الوقت الراهن فان الحزب الشعبي لرئيس الوزراء ماريانو راخوي سيحصل على نسبة 24.3 بالمئة بفارق كبير عن الاغلبية الساحقة التي حققها في عام 2011 وستحصل المعارضة الاشتراكية على نسبة 23 بالمئة، وزادت شعبية اليسار المتحد الشيوعي السابق إلى 15.4 في المئة أكثر من مثلي النسبة التي حصل عليها في نتائج عام 2011 والاتحاد من أجل التقدم والديمقراطية ويمثل الوسط اكثر من المثلين إلى عشرة بالمئة، وفي شمال اوروبا الاكثر ثراء والذي لم يتأثر كثيرا بالازمة الاقتصادية ولكن تعمه حالة من الاستياء بسبب حزم انقاذ لدول جنوب اوروبا فربما زادت شعبية التيارات الشعبية في الوقت الحالي.

وفي سبتمبر ايلول حقق حزبان من أنصار الاتحاد الاوروبي فوزا مفاجئا في الانتخابات العامة في هولندا في حين تراجع متشددون مناهضون لليورو واليسار المتشدد بعد تحقيق نتائج جيدة في استطلاعات رأي في بداية الحملة الانتخابية، وعاقب ناخبون حزب الحرية الذي يتزعمه خيرت فيلدرز الذي كان يمسك بميزان القوة قبل الاقتراع وفرض بعض بنود برنامجه المناهض للهجرة - لاسقاطه الحكومة ورفضة عضوية الاتحاد الاوروبي.

وفي ألمانيا يبدو ان حزب القراصنة الذي يطالب بحرية الانترنت بدأ يفقد الزخم بعد سلسلة من المكاسب المحلية والتوقعات بالا يحصل على عتبة الخمسة بالمئة اللازمة لدخول البرلمان في الانتخابات التي تجري في سبتمبر، ورغم ابتعاد الحركات الشعبوية في اوروبا عن الاضواء على المستوى المحلي الا انها ربما تدخلها العام المقبل في انتخابات البرلمان الاوروبي حيت يكون للاصوات الاحتجاجية - التي تتضمن ابطال الاصوات عمدا - تأثير أكبر بسبب ضعف الاقبال على التصويت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/آذار/2013 - 8/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م