قيم التقدم: الجوهر أولا

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الجوهر مفردة تتفرع الى معانٍ كثيرة، ومضامين تكاد تتعلق بكل تفاصيل الحياة البشرية والفكرية، الفردية والجماعية، فكل شيء يخلو من الجوهر، سيخلو من العمق والفائدة، حتى الشكل الجميل، اذا لم ينطوِ على عمق في المعنى، فإنه سيكون ذا تأثير ضعيف جدا على المتلقي، والجوهر هنا لا يتعلق بجانب دون آخر، أو مسمى دون آخر.

ومثلما يحتاج الفكر الى عمق وجوهر من اجل التأثير البنّاء، فإن المادة تستدعي جوهرا يعمّق شكلها، مثالنا على ذلك القصر الجميل من الخارج، في تصميمه وألوانه وسطوحه وزواياه، سيجذب الناظر إليه، ويزرع في ذائقته القبول والاستحسان، ولكن ماذا لو يدخل الرائي الى داخل القصر، ويجد تكوينه الداخلي خرابا في خراب؟!، هل يبقى القصر هنا جميلا وساحرا؟، كلا بطبيعة الحال، حتى الشكل الجميل لا يشفع لهذا القصر، اذا كان لا ينطوي في جوهره على العمق والتأثير.

هذا المثال ينطبق على كل شيء في الحياة، لذا ينبغي أن نعتمد الجوهر مثل الظاهر من الامور تماما، ولا يصح الاهتمام بما يظهر امام العين، ويتم اهمال ما يستتر بعيدا في العمق او الجوهر.

 هناك ظاهرة يمكن ملاحظتها في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، هذه الظاهرة تتمثل في اهمال الجوهر، واعطاء الشكل السطحي للاشياء والمواقف والافكار اهمية أكبر، وهذا بطبيعة الحال خلل كبير، يعتور الشخصية العربية والاسلامية، بمعنى ان شيوع ظاهرة اهمال الجوهر، تشكل احد العيوب الواضحة في مجتمعاتنا.

والاسباب تكاد تبدو شاملة، تتعلق بمنظومة الحياة العربية الاسلامية برمتها، بمعنى ان الطفل يولد في حاضنة لا تدرك قيمة جوهر الاشياء والمواقف والافكار، وبالتالي تكون السطحية والسذاجة هي المعيار المقوّم للامور، وهذا يقود الى انتعاش اللامبالاة والاتكال والخمول، لنحصل على فرد ومجتمع لا يعير أهمية لعمق الاشياء والافكار وجوهرها.

وتغلب على طباع مثل هذه الشخصيات الشائعة، حالة من الحيوانية والركون الى الغريزة في ادارة شؤون الحياة كافة، فطالما انك لا تعرف جوهر الاشياء، فأنت لا تعيرها اهتماما، وهذا يؤدي بدوره الى تسطيح الوعي، ومن ثم رداءة الانسان والفكر والمادة، في حين أن الجوهر والعمق في القول والفعل، أحد اهم خصائص التطور والاندفاع الى امام، ويعد قيمة مهمة من قيم بناء الفرد والمجتمع على نحو افضل، لذلك نلاحظ ظاهرة انتعاش التعامل مع الجوهر والاهتمام به في الشعوب والامم المتحضرة، ولهذا ينتعش الابداع عموما لديهم، وتتجدد الرؤى والافكار، ويتقدم الانتاج، بسبب التحديث الدائم للجوهر قبل سواه، على العكس تماما عما يحدث في مجتمعاتنا التي تنظر الى الجوهر وكأنه غائب ولا دور له، وأن ما يظهر امام العين هو ما ينبغي التعامل معه فقط، فتتشكل هنا رؤية قاصرة جدا، وأفق ضيق للفرد، وبالتالي للمجتمع على وجه العموم، وهو ما يؤدي الى خلل في بناء المجتمع فكرا وانتاجا.

أما مسؤولية التغيير في أنماط التعامل والتفكير الفردي والجمعي مع الجوهر، فإنها تتعلق باتخاذ تدابير وخطوات عملية تطبيقية هامة، تقوم بها الجهات ذات العلاقة، لكي يتم زرع هذه القيمة الاساسية من قيم التقدم في ذات الانسان اولا، مثل زراعة النبتة او البذرة الصغيرة في التربة، بمعنى اننا بحاجة الى زرع الاهتمام بالجوهر، في شخصيات اطفالنا في البيوت - المحيط العائلي- ورياض الاطفال، والمدارس، والجامعات، وهي مهمة تحتاج الى التخطيط الدقيق، من لدن خبراء مختصين بهذا الشأن، فضلا عن اهمية توافر الجهد الكبير من اجل التنفيذ الدقيق، وهو جهد حكومي مؤسساتي تعاوني، يشترك فيه الجميع من اجل دعم واحياء قيمة الجوهر التي تتقدم على قيم اخرى كثيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/آذار/2013 - 8/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م